Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

دور المؤسسة العسكرية في تشكيل الأحزاب السياسية الباكستانية

تتلاعب بها سياسياً وتحدد الفصائل من بينها لتختار هوية الحكومة وتديرها كدمية

 حزب الاستقرار الباكستاني في لاهور بقيادة القيادي السابق في "حركة الإنصاف" جهانغير ترين (اندبندنت أوردو)

ملخص

المؤسسة العسكرية الباكستانية توجه المشهد السياسي مع اقتراب موعد الانتخابات العامة بالبلاد في محاولة لمد نفوذها للتشكيل الحكومي

تشهد الساحة السياسية في باكستان تحركات غير اعتيادية مع اقتراب موعد الانتخابات العامة إذ لم تحدد هيئة الانتخابات موعدها بعد، إلا أن العمل على توجيه المشهد السياسي في اتجاه معين جار على قدم وساق من قبل القوى المؤثرة بالدولة.

رئيس الوزراء السابق عمران خان وحزبه، الذي نجح في تشكيل حكومة ائتلافية بعد الانتخابات الماضية يبدو شخصية غير مرغوبة من قبل هذه القوى حيث يواجه حزب حركة الإنصاف ضغوطاً واسعة بعد أحداث التاسع من مايو (أيار) التي شهدت اقتحام مقار القوات المسلحة في مختلف المدن من قبل أنصار عمران خان.

أحد أشكال هذه الضغوط هي هجرة قيادات الحزب البارزة إلى أحزاب أخرى أو تشكيل جديدة. فخلال الأشهر الأخيرة ظهر حزبان سياسيان جديدان في ظروف غامضة من قبل أشخاص كانوا مقربين في وقت سابق من رئيس الوزراء السابق عمران خان.

شكلت القيادات المنشقة من حزب الإنصاف في بنجاب "حزب الاستقرار" كما أُعلن عن تشكيل جماعة سياسية جديدة أخرى في إقليم خيبر بختون خوا، الذي يقوده وزير الدفاع في حكومة عمران خان ورئيس حكومته السابق في إقليم خيبر بختون خوا.

لكن هل تنجح هذه المحاولات في إضعاف عمران خان، وهل تنجح الفصائل المنشقة عن جماعته في كسب الشعبية؟

وصف معظم المراقبين السياسيين ما جرى من تفكيك الأحزاب السياسية وإنشاء أخرى جديدة بأنها تجربة قديمة وفاشلة واعتبروا أن هذه العملية سبب لتخلف الدولة وإضعاف الديمقراطية وأنها ستكون أكثر ضرراً للدولة والشعب في المستقبل.

كيف تسجل الأحزاب السياسية في باكستان؟

تتبع كل دولة نظاماً حزبياً معيناً بحسب ما تقتضيه مصلحة الدولة. نظام الحزب الواحد الذي تتبعه الصين لا يعتبر نظاماً عادلاً مقابل نظام الحزبين في الولايات المتحدة مثلاً، ونظام الأحزاب المتعددة في الهند التي تمنح فرصاً متساوية لجميع الأحزاب.

تسجيل حزب سياسي جديد في باكستان سهل للغاية، يتطلب تقديم نسخة مطبوعة لدستور الحزب، وتفاصيل الحساب البنكي له وقائمة لأسماء قادته ولهيئة الانتخابات، كما أنه ليس هناك أي رسوم لتوثيق هذه المستندات أو لتسجيل الحزب.

وفقاً لتفاصيل الأحزاب السياسية الواردة على الموقع الإلكتروني لهيئة الانتخابات الباكستانية، فإن عدد الأحزاب المسجلة هو 168 حزباً. وفقاً لمراقبين سياسيين، لا توجد قيود على عدد الجماعات السياسية في باكستان لكنها تشهد زيادة في عدد الأحزاب مما يعكس مزيداً من الانقسامات السياسية والاجتماعية في الدولة.

 

 

هل تنجح أهداف الأحزاب السياسية الجديدة؟

يقول الصحافي والباحث السياسي سليم بخاري، إن الديمقراطية في باكستان محكومة منذ البداية، بل يمكن القول إنها بالاسم فقط. وأضاف مستشهداً بالتاريخ، "تمت إطاحة حزب الشعب بعد تسليمه السلطة، ثم سلمت السلطة لنواز شريف وتمت إزاحته أيضاً وتسليم السلطة لحزب الشعب مرة أخرى، ثم أتى نواز شريف للسلطة مرة أخرى ليتم الضغط عليه وتسليم السلطة لعمران خان في تجربة جديدة عام 2018، لكن مآله لم يختلف عن سابقيه فتمت إزاحته لصالح حزب الشعب وحزب نواز شريف".

وفقاً لبخاري، "مع قرب موعد الانتخابات، يتم تفكيك حزب حركة الإنصاف (حزب عمران خان) وتشكيل أحزاب جديدة في بنجاب وخيبر بختون خوا، لكن لا يبدو أن أياً من هذه الأحزاب ستنجح في الحصول على الموافقة الشعبية المطلوبة، لا حزب الاستقرار في بنجاب ولا الحزب الجديد في خيبر بختون خوا".

من جانبه يرى الباحث السياسي وجاهت مسعود أن المؤسسات والأحزاب السياسية في باكستان لم تعمل على مبادئ الدستور. وخلال حديثه مع "اندبندنت أوردو" قال مسعود، يتم وضع بعض القواعد لإدارة شؤون الدولة في جميع دول العالم، نحن أيضاً لدينا قواعد واضحة في الدستور في ما يتعلق بدور المؤسسات والأحزاب السياسية، لكن لم يتم العمل بها أبداً.

يضيف، كل مؤسسة خبيرة في مجالها، الجيش مثلاً لديه خبرات دفاعية ولا قطاع غيره يستطيع القيام بمهام الدفاع، لكن لا يمكن أن يكون لدى الجيش خبرة في السياسة، هذا العمل يخص السياسيين ويجب السماح لهم بالقيام به. العيب الأسوأ يكمن في عدم اتباع مبادئ الدستور أنه يحرم المجتمع من هذه الخصوصية.

وأضاف مسعود، أن الأحزاب السياسية التي تُشكل بالقوة لم ولن تفيد لا في الماضي ولا المستقبل، كما أن مصالح معظم الأحزاب تكمن في الحصول على التأثير السياسي والقدرة على جني المصالح الاقتصادية.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

الفرق بين الحزبين 

أُعلن عن "حزب الاستقرار" الباكستاني في لاهور بقيادة القيادي السابق في حزب حركة الإنصاف جهانغير ترين بعد شهر كامل من أحداث التاسع من مايو في مدينة لاهور، بينما أعلن قيادي آخر في حزب حركة الإنصاف برويز ختك الذي عمل كبير الوزراء بإقليم خيبر بختون خوا في حكومة حزب حركة الإنصاف بظروف غامضة منتصف الشهر الجاري في مدينة بيشاور.

لكن كلا الحزبين لم يصدرا المنشور الخاص بهما، واكتفيا برفع شعار خدمة الشعب.

الجدير بالذكر هنا، أنه على رغم أن قيادات الحزبين عملتا معاً في وقت سابق بحزب حركة الإنصاف فإنها لجأت إلى تشكيل حزبين مختلفين وهذا يدل على أن هذه الأحزاب تتمحور حول شخصيات معينة.

في هذا الشأن يقول بخاري، "اتخذ قرار إبعاد حركة الإنصاف الباكستانية عن السلطة حتى قبل أحداث التاسع من مايو، والآن تكثفت الإجراءات ضد الحزب والقيادة". وأضاف أن معظم قيادات حزب الاستقرار الجديد لم يكونوا على وفاق مع عمران خان من وقت طويل، حتى حزب حركة الإنصاف كانت يهاجم قائد حزب الاستقرار جهانغير ترين.

على العكس من ذلك، قيادات الفصيل الجديد في إقليم خيبر بختون خوا تركوا حزب الإنصاف بعد التاسع من مايو، لذا فإن تشكيل هذا الحزب مختلف إلى حد ما عن تشكيل حزب الاستقرار.

 وأضاف بخاري، لا يجب أن نستبعد أن الفصيل الجديد الذي أنشئ في إقليم خيبر بختون خوا كان لغرض حماية القيادات من القضايا القانونية، لأن الارتباط بحزب حركة الإنصاف هو سبب التورط فيها، وفي حال انضمام القيادات للفصيل الجديد تُسقط التهم عنهم، لذا يمكن أن يكون هذا حلاً موقتاً لتجنب المشكلات القضائية.

هل تؤثر التجارب السياسية في حياة الناس؟

رداً على هذا السؤال وحول تشكيل أحزاب سياسية جديدة قبل الانتخابات العامة، قال رئيس وزراء إقليم بنجاب السابق والباحث السياسي حسن عسكري رضوي، إن تشكيل وتفكيك الأحزاب عملية "هندسة السياسة" وليس له أي علاقة بحل المشكلات العامة أو تعزيز الديمقراطية.

وخلال حديثه مع النسخة الأوردية، قال عسكري "لم يتمكن أي حزب سياسي في باكستان من ترسيخ جذوره على أساس دائم، ولم تخلُ أي انتخابات من اتهامات على نزاهتها، كانت "الدوائر القوية" تتدخل كل مرة بشكل أو بآخر. يتم الآن تنسيخ نفس التجربة القديمة، حيث تبذل كل الجهود لاستبعاد حزب سياسي معين بالقهر ويتم تفكيكه وتشكيل فصائل سياسية جديدة.

وعن سبب عملية "هندسة السياسة"، قال عسكري، إن القوى المؤثرة تقوم بهذه العملية من أجل تقوية نفسها ومن أجل تشكيل حكومة تكون تابعة لتلك القوى. هذه العملية لا علاقة بقضايا الناس أو بتعزيز الديمقراطية، لأن القائمين بها لا يأبهون بالأساس بقضايا مثل الغلاء والبطالة وانعدام الأمن.

يوضح، أكبر مشكلة لدينا هو أنه لا يمكن لأي حزب سياسي الحصول على السلطة من خلال الدعم الشعبي، لذا تتوجه كل الجماعات السياسية إلى القوى المؤثرة التي تمتلك القرار النهائي ولا تأبه بالمشكلات التي يواجهها الناس. حالياً، لا أحد يهتم بالحالة الاقتصادية ومشكلات إدارة الدولة، جميع الجهود منصبة على قمع حزب سياسي والترويج لآخر.

في السياق يذهب وجاهت مسعود إلى أن القوى المؤثرة عجزت إلى اليوم في فهم من يفترض أن يفوز في الانتخابات ومن يخسر فيها، الشعب والسياسيون يجب أن يقرروا ما هو الحزب الذي سيعمل على تحسين نظام الدولة وحل المشكلات العامة بشكل جدي ومن يجب التصويت له، لكن المؤسسة العسكرية تحاول أن تتدخل في هذا الأمور، وهذا لا يعرقل تقدم الدولة فقط بل يصعب على الناس العيش بشكل لائق.

كيف ستؤثر ظهور الأحزاب في الانتخابات؟

يقول مسعود، "تقوم المؤسسة العسكرية بالتلاعب السياسي وتشكيل الفصائل حتى تستطيع أن تقوم بتشكيل حكومة باختيارها وإدارة تلك الحكومة كدمية. في الوقت الراهن، يتم التلاعب حتى يتم إنجاح المرشحين "المرضي عنهم" بدلاً من إعطاء السلطة للشعب، بحيث يتم تشكيل حكومة ائتلافية في الانتخابات المقبلة تتكون من أحزاب مختلفة ولا يكون لأي حزب سياسي السلطة والغالبية في البرلمان بالتالي يسهل على المؤسسة العسكرية فرض إدارتها عليهم.

وقال عسكري، إن هذه التجربة ليست جديدة، بل إن المؤسسة العسكرية استخدمتها سابقاً. فعندما يرفض حزب سياسي قبول تفوق المؤسسة واتخاذ سياسات مرضية لها. كل ما يحدث أن أعضاء هذا الحزب أو أعضاء آخرين ينقلبون عليه، هذا ما حدث في العقد الأول من هذا القرن أثناء حكم حزب الرابطة الإسلامية ومع عمران خان عام 2018. الأحزاب التي شُكلت الآن ستقوم بنفس المهمة ستنقلب على الحكومة عندما تطلب المؤسسة منها ذلك.

يقول حسن عسكري، إن التحركات الأخيرة تدل على أننا لم نتعلم شيئاً من الماضي، بل لا أحد يتصور أن نخرج من قيد صندوق النقد الدولي حتى في الوقت الراهن عندما يتم وضع خطط مستقبلية جديدة للتطور في مختلف دول العالم، بينما ما زلنا نصر على التجارب السياسية وإنشاء حكومات تعمل وفق إرادتنا. وتساءل عسكري، "كيف سيقبل الناس قرارات أو سياسات هذه الحكومة إذا لم يتم تشكيلها بدعم شعبي؟"

يضيف، "لن تتمخض هذه التجارب عن أي تحسن في الوضع الراهن بل سيزداد الوضع سوءاً. التفكك السياسي للحزب وتشكيل فصائل وإجبار الناس على الانضمام لهذه الفصائل لم تنجح في الماضي ولن تنجح في المستقبل أيضاً.

ختاماً، الجماعات السياسية كانت ولا تزال تشتكي التضييق وعدم إعطائها مساحة وحرية للعمل، الانقسام الحالي الذي يشهده الساحة السياسية يزيد من أهمية هذه الشكوى لا سيما أن شعبية الأحزاب السياسية تتأثر بشكل سلبي بسبب هذه التحركات.

نقلاً عن "اندبندنت أوردو"

اقرأ المزيد

المزيد من تقارير