ملخص
على مدى سبعة عقود كانت "صوت العرب" شريكاً أساسياً في كل أحداث الوطن العربي ورفيقاً وونيساً لأبنائه في الأفراح والأوقات الصعبة.
من المحيط إلى الخليج وعلى مدى 70 عاماً اجتمع أبناء الوطن العربي حول العبارة الإذاعية المصرية الشهيرة "صوت العرب من القاهرة". عبارة كانت ولادتها من عمر الإذاعة نفسها في يوليو (تموز) عام 1953.
على مدى سبعة عقود كانت "صوت العرب" شريكاً أساسياً في كل أحداث العرب ومنبراً لهم، سواء كانوا سياسيين أو فنانين أو من عوام الناس، فعكست همومهم واهتمت بقضاياهم وكانت رفيقاً وونيساً لهم في الأفراح والأوقات الصعبة.
المحطة الإذاعية التي تحتفل هذا العام بعيدها السبعين انطلقت في وقت لم تتوفر أجهزة التلفزيون في المنازل وكانت الهواتف محدودة ولا يمتلكها إلا عدد قليل من الناس، وبالطبع لم يكن هناك وجود للإنترنت أو لمواقع التواصل الاجتماعي من الأساس. من هنا كانت الإذاعة هي الوسيلة الإعلامية الأسرع والأكثر انتشاراً عند الحاجة إلى نقل المعلومات والأخبار، سواء على الصعيدين المحلي والدولي، في وقت كانت الصحف محلية ولا يطلع عليها سوى أهل المدن الكبرى مع صعوبة النقل حتى داخل الدولة الواحدة.
صوت المصريين
يقول رئيس الإذاعة المصرية السابق، الرئيس السابق لصوت العرب عبدالرحمن رشاد، إن "الإذاعة كانت ضرورة ملحة في مصر من بعد ثورة 1919، حين شعر المصريون بضرورة أن يكون هناك صوت يعبر عنهم فبدأ ظهور الإذاعات الأهلية حتى جاء عام 1934 وتم إطلاق الإذاعة المصرية التي كان في ميثاق أهدافها أنها تسعى إلى التعليم والتثقيف والتسلية".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
خلال هذه الفترة لم تكن مهمة الإذاعة سهلة باعتبار أن مصر كانت تحت الاحتلال الإنجليزي، فكان من أهم أهدافها تأكيد وجود الوطن فنياً وثقافياً ومشاركتها في كل الأحداث السياسية الكبرى التي شهدتها هذه المرحلة مثل إلغاء معاهدة 1936، كما شاركت الإذاعة في تمهيد التربة لقيام ثورة يوليو 1952 على الصعد المحلية والعربية والعالمية، وفقاً لرشاد.
وأضاف "كانت الإذاعة هي لسان حال الثورة وظهرت بعدها الإذاعات الموجهة التي تستهدف الشعوب المختلفة إلى أن جاء عام 1953 ومعه اقتراح إنشاء إذاعة تحت اسم (صوت العرب) تعنى بشكل كامل بتغطية أحداث الوطن العربي كله وتوضيح أهداف الثورة، وكان أول من تولى رئاستها هو الشاعر صالح جودت، ومن بعده أحمد سعيد الذي ارتبط اسمه دائماً بها، وانتشر المراسلون في كل أنحاء الوطن العربي من المحيط إلى الخليج لتكون المحطة الجديدة بالفعل صوتاً للعرب".
نداء الثورة
الانطلاقة الأولى لإذاعة صوت العرب جاءت متواكبة مع ثورة يوليو وداعمة لأهدافها ومبشرة بها في عديد من الأقطار، سواء في العالم العربي أو في أفريقيا، فكانت داعماً لكثير من الدول التي كانت تحت الاحتلال خلال هذه الفترة، ومن هنا كانت تشهد عديداً من الأحداث السياسية الكبرى إضافة إلى الحراك الكبير من أجل الحصول على استقلالها.
يستعيد رشاد بذاكرته "كيف كانت ثورة 1952 في مصر منطلقاً لثورات متعددة للتحرر، وكانت واحدة من أهم الرسائل التي تتبناها صوت العرب هي تحرير المواطن من الاستعمار والاستغلال، فباتت منبراً للفكر القومي العربي، وفي الوقت ذاته ملتقى للثقافة والفنون، فعرف العالم الشاعر نزار قباني وفيروز وغيرهما من رموز الثقافة والفن من خلال صوت العرب، وفي الوقت ذاته كانت مركزاً لتدريب كثير من الإعلاميين العرب الذين انطلقوا في كل البلدان وحققوا نجاحات كبرى في إذاعاتها".
ومضى في تحليله "كان للإذاعة أهمية كبرى في هذا الوقت باعتبارها من أهم وسائل الإعلام ولها قدرة كبيرة على التأثير في الشعوب، ويذكر أنه في أثناء العدوان الثلاثي على مصر تم ضرب محطة الإرسال الخاصة بالإذاعة المصرية فتضامنت إذاعات بعض الدول العربية مع مصر، وأطلقت العبارة الشهيرة هنا القاهرة من محطاتها، ومن الطرائف التي تذكر ولكنها تدل على قيمة الإذاعة هو أن كثيراً من مواطني الدول العربية كانوا عندما يشترون جهاز راديو يطلبون من البائع جهازاً يلتقط إرسال صوت العرب".
يشير الرئيس السابق للإذاعة إلى أن "صوت العرب" دائماً ما كانت قيمتها مقدرة وتأثيرها معروفاً عند كل الرؤساء المتعاقبين، واستمرت في أداء دورها في كثير من الأحداث المعاصرة ومن بينها ثورة يناير (كانون الثاني) 2011، حين نقلت حال مصر ووضعها لكل العالم العربي، كما كانت هدفاً للإخوان المسلمين أثناء فترة حكمهم، فسعوا إلى نقل أفكارهم من خلالها لإيمانهم بدورها إلا أنه تم التصدي لذلك وبقيت "صوت العرب" تحمل مبادئها ذاتها.
ثلاثية المقاومة والحرب والنصر
أحداث عدة شهدتها مصر خلال حقبة الستينيات والسبعينيات، من بينها نكسة 1967 وما تلاها من فترة انتظار حتى حرب أكتوبر (تشرين الأول) 1973 وتحقيق النصر الذي كان انتصاراً لكل الأمة العربية وليس لمصر وحدها، وكان للإذاعة دور كبير آنذاك في نقل الأحداث.
لطالما التف المصريون والعرب حول أجهزة الراديو في انتظار الأخبار التي قد ترتفع بهم إلى عنان السماء أحياناً وتصيبهم بحالات من الإحباط في أوقات أخرى، على غرار ما بعد أحداث نكسة 1967 التي تضاربت فيها الأنباء وارتفعت الآمال لتكون النهاية عكس التوقعات.
تقول الإذاعية أمينة صبري الرئيس السابق لإذاعة صوت العرب "كانت هذه الفترة بها حالة من الانكسار عند مصر والعرب، وعندما جاء بيان النصر كنت وقتها مذيعة صغيرة وكانت لدينا حالة من السعادة الغامرة وعدم التصديق وكانت مشاعرنا مرتبكة فهو بيان الكرامة ورد الاعتبار لمصر ولكل العرب".
وتابعت "منذ إذاعة بيان النصر تحولت صوت العرب إلى خلية عمل وتوافد الكتاب والفنانون والشعراء عليها وكتبوا ولحنوا أجمل أغاني هذه الفترة، ومن بينهم بليغ حمدي ومحمد الموجي وشادية ووردة وكمال الطويل وغيرهم كثير، وبالمناسبة لم يتقاض أي منهم جنيهاً واحداً عن هذه الأعمال التي جاءت فرحة بالنصر وعودة الكرامة، وكنا خلال هذه الفترة لا نعود إلى منازلنا ويسيطر علينا الفخر بالانتصار وبكوننا جزءاً من هذه الملحمة الإعلامية".
وروت "لا يقل الدور الثقافي لصوت العرب أهمية عن السياسي، فكثير من البرامج كانت تهتم بالفنون والموسيقى، وكان هناك برامج تحت بند المنوعات ولكنها تقدم مضامين شديدة الثراء مثل برنامج ليالي الشرق الذي يقدم حواراً بين كاتب وفنان، وتم تقديم حلقات متعددة مثل لقاء بين أنيس منصور وشادية وأمينة السعيد وغيرهم من رموز المجتمع، وكانت هناك برامج كثيرة مثل حديث الذكريات، وكنوز النغم، ودقيقة من فضلك، وتاكسي السهرة".
أحداث عربية معاصرة
ظلت "صوت العرب" دائماً جزءاً من الوطن العربي بكل ما شهده من أحداث خلال العصر الحديث وما أكثرها، وفي بعض الأوقات كان لها دور مشارك وداعم في القضايا الرئيسة الملازمة للشأن العربي، وعلى رأسها القضية الفلسطينية بكل ما شهدته من أحداث على مدى عقود.
يقول صبري "شاركت صوت العرب في كثير من الأحداث العربية في العصر الحديث من بينها حرب العراق، وأحداث الحرب الأميركية على العراق، وكانت فلسطين دائماً من القضايا الرئيسة التي تعنى بها الإذاعة، ففي إحدى الفترات أغلقت المدارس وعطلت الدراسة فقامت صوت العرب بإذاعة برامج خاصة بالمناهج الدراسية لمساعدة التلاميذ وتلقينا شكراً من الحكومة الفلسطينية آنذاك".
وتضيف "من أهم الأحداث التي انفردت بها صوت العرب هي أحداث عودة اللبنانيين إلى قانا، فكنا الإذاعة الوحيدة التي نقلت هذا الحدث على الهواء، وكنا مع اللبنانيين العائدين إلى منازلهم، ونقلنا المشاعر والدموع والزغاريد ونقلت إذاعات عدة عن صوت العرب هذه التغطية، فيمكننا القول إن صوت العرب كانت دائماً وكأنها إذاعة محلية لكل أبناء الوطن العربي تعنى بقضاياهم وهمومهم وتشاركهم اهتماماتهم على مدى 70 عاماً".
تشير رئيسة صوت العرب السابقة إلى أن التأثير الكبير وغير المسبوق للمحطة خلال حقبة الخمسينيات وما بعد العدوان الثلاثي على مصر، دفع مسؤولاً من وزارة الخارجية البريطانية في وقت لاحق إلى طلب زيارة صوت العرب أثناء وجوده في مصر للتعرف إلى هذا الكيان الكبير، الذي استطاع أن يحقق كل هذا التأثير، ليفاجأ بأن المحطة لا تتجاوز غرفتين واستوديو صغيراً، أو بالعامية المصرية "أوضتين وصالة"، فلم يصدق الرجل نفسه وظن أن لها مقار أخرى، ولكن الحقيقة أن هذه المساحة المحدودة استطاعت أن تنشر أفكاراً وتكون منبراً للفن والثقافة.