ملخص
دعوات إلى التظاهر ومطالبات للعاهل الأردني بالتدخل ومخاوف من تضرر ملف "المنح والمساعدات"... فهل يتراجع الأردن عن قانون الجرائم الإلكترونية؟
أقر مجلس النواب الأردني بالغالبية مشروع قانون الجرائم الإلكترونية المثير للجدل، الذي قوبل خلال الأيام الماضية بانتقادات حزبية وإعلامية وشعبية.
وصوت أعضاء مجلس النواب الأردني على بنود القانون بعد فشل مقترح نيابي برده وإعادته للحكومة، فيما خفضت بعض العقوبات المغلظة الواردة فيه وإجراء بعض التعديلات الطفيفة.
لكن ذلك لم يلب طموح المعترضين، إذ تتوالى الدعوات إلى تنظيم تظاهرة جماهيرية كبيرة احتجاجاً، في حين شكل ملتقى وطني لمواجهة هذا القانون وجمع حملة توقيعات على عريضة تطالب بإلغائه، سجلت حضوراً نخبوياً كبيراً خلال ساعات من ناشطين وبرلمانيين وصحافيين وقياديين في الأحزاب، فضلاً عن وزراء سابقين.
ويفترض أن يصبح القانون ساري المفعول بعد مناقشته من مجلس الأعيان، ومن ثم توشيحه بالإرادة الملكية للعاهل الأردني ونشره في الجريدة الرسمية.
انتقاد أميركي
وفي سابقة هي الأولى من نوعها انتقدت الولايات المتحدة الأردن علانية بعد تصاعد الاحتجاج على مشروع قانون الجرائم الإلكترونية، مؤكدة أنه يقيد حرية التعبير على الإنترنت وخارجه.
وجاء الانتقاد الأميركي على لسان نائب المتحدث الرسمي في وزارة الخارجية فيدانت باتيل، الذي اعتبر أن القانون من شأنه عرقلة الاستثمار المستقبلي في قطاع التكنولوجيا، وتقويض جهود الإصلاح الاقتصادي والسياسي، واصفاً بنوده ومفاهيمه بالغامضة.
وقالت الخارجية الأميركية إن القانون الذي غلظ العقوبات وضاعفها يقلل من الحيز المدني المتاح أمام عمل الصحافيين والمدونين وغيرهم من أفراد المجتمع المدني في الأردن، مؤكدة أهمية حماية حرية التعبير والحوار المفتوح والخطاب التفاعلي وتبادل المعلومات، بما في ذلك الصحافة ومنصات التواصل الاجتماعي على الإنترنت.
الحكومة تدافع
ينظر مراقبون إلى بيان الخارجية الأميركية كتطور لافت وسط اتساع حال الغضب التي طاولت معظم الأردنيين، باستثناء الحكومة التي دافعت عن مبررات القانون المثير للجدل بشراسة وبقوة.
ورد رئيس الحكومة الأردنية على حملة الاعتراض على القانون بالقول إن جوهر الحريات المنصوص عليها ضمن الدستور، لا تمس أو ينتقص منها خلال القانون المعدل لقانون الجرائم الإلكترونية، مضيفاً "إذا لم يكن هنالك ضوابط فسننتقل إلى شريعة غاب" من دون أن يتطرق إلى بيان الخارجية الأميركية.
تقول الحكومة إن العام الماضي وحده حفل بأكثر من 5 آلاف إشاعة على منصات التواصل، وإن استفحال الأمر قد يؤدي إلى فوضى، ويتحدث وزير الاتصال الحكومي فيصل الشبول عن شمولية محاربة القانون لكثير من الجرائم التي تضر بالاقتصاد الوطني والأخلاق العامة والسلم المجتمعي.
ويبرر الشبول القانون بأنه من أجل مواكبة التطور السريع في مجال تقنية المعلومات الذي يستوجب تجريم الأفعال التي تتم بوسائل إلكترونية تحقيقاً للردع العام والخاص، فضلاً عن توفير الحماية للحقوق والحريات العامة والخاصة من الاعتداء عليها كالابتزاز والاحتيال الإلكتروني والحض على العنف والكراهية وازدراء الأديان، كما يدافع وزير الاقتصاد الرقمي أحمد هناندة عن القانون بالقول إن ثمة زيادة كبيرة في استخدام منصات التواصل للإساءة وذم الشخصيات العامة تحت ذريعة النقد ومحاربة الفساد.
ويقول النائب سليمان القلاب عضو اللجنة القانونية في البرلمان إن كل من يعارض هذا القانون يدعو إلى الانفلات، مضيفاً "كان لا بد من تغليظ العقوبات ويجب النظر إلى القانون بشموليته حظر المواقع الإباحية ومعاقبة الحض على الفجور".
القانون الأخطر
في المقابل تعتبر أمين عام حزب العمال رولا الحروب القانون الجديد الأخطر على الحريات المدنية والسياسية في تاريخ الأردن الحديث، مشيرة إلى أن ثمة علامات استفهام على طريقة عرض القانون وتوقيته والاستعجال في طرحه.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وتتهم الحروب الحكومة بالتغول على دور مجلس النواب من خلال هذا القانون الذي من شأنه الزج بالأردنيين خلف القضبان لمجرد النشر أو كتابة التعليق على وسائل التواصل الاجتماعي، وتعتقد أن الهدف الأساسي هو تحصين الوزراء والمسؤولين وموظفي الدولة من النقد أو المساءلة.
ويؤكد الناشط والمتخصص في الشأن الاقتصادي عامر الشوبكي أن مشروع قانون الجرائم الإلكترونية الجديد محبط وخطر ووسيلة لتكميم الأفواه في بعض بنوده، ولا يتماشى مع سياسة الإصلاح السياسي.
بدوره يعتبر أمين عام حزب "النهج الجديد" فوزان البقور أن القانون يميل إلى تحقيق حماية مضاعفة للمسؤولين بالقيادات العليا في الدولة، واصفاً إياه بأنه حق أريد به باطل، ويضم مصطلحات فضفاضة وقديمة.
أما وزير العمل السابق معن قطامين فيرى أن القانون يكمم الأفواه ويجرم أصحاب الرأي بمصطلحات فضفاضة كمصطلح الأخبار الكاذبة والتحريض على الكراهية واغتيال الشخصية، على رغم دعوات الإصلاح السياسي وإطلاق الحريات.
يؤكد قطامين أن قانون العقوبات عالج الإساءة على منصات التواصل من خلال جرائم الذم والقدح المعمول بمقتضاها حالياً، داعياً الحكومة إلى الاستماع لمخاوف الأردنيين وصولاً إلى قانون عصري حديث.
غطاء لتمرير ما هو أخطر
لكن النائب والمتخصص في الشأن القانوني والدستوري صالح العرموطي يعتقد أن قانون الجرائم الإلكترونية مجرد تغطية لتمرير قانون أخطر هو قانون "الملكية العقارية"، ويحذر العرموطي من تعديلات على قانون الملكية العقارية من شأنها تفويض مجلس الوزراء صلاحية منح أراضي خزانة الدولة لغايات الاستثمار، حتى لو كانت شركات أجنبية ومتعددة الجنسيات، وهنا تكمن الخطورة برأيه إذ يخشى من تسريب أراضي الدولة لأشخاص وشركات إسرائيلية.
مخاوف العرموطي مردها محاولات إسرائيلية منذ سنوات لتملك أراض أردنية في منطقتي وادي موسى ووادي عربة، وهو ما تنفيه الحكومة جملة وتفصيلاً وتقول إن التعديلات لغايات تشجيع الاستثمار.
ودعا العرموطي العاهل الأردني الملك عبدالله الثاني إلى التدخل وسحب القانون حال إقراره بشكل نهائي، كي لا تتحول المملكة إلى سجن كبير على حد تعبيره، معتبراً أنه يتعارض مع مواد الدستور فهو يمس حقوق الأردنيين وحرياتهم.
مخالف للدستور
بدورها اعتبرت تنسيقية القوى الوطنية الرافضة للقانون التي تضم آلاف الصحافيين والإعلاميين والحزبيين والناشطين السياسيين أن القانون مخالف للدستور، إذ لم ينشر على موقع ديوان التشريع والرأي ولم تستشر أية جهة معنية حوله، معتبرة أنه انتهاك للمعايير الدولية المتعلقة بتشريعات جرائم تقنية المعلومات.
ورأت فيه خروجاً عن المبادئ القانونية العامة كتناسب الجريمة والعقوبة والتدرج في العقوبات وحق الدفاع المقدس، وعدم المساواة بين الفاعل والشريك والمتدخل والمحرض وترك الحرية للقضاة في الجرائم الجزائية للاختيار بين الغرامة المالية أو السجن.
وحذرت التنسيقية من أن إقرار هذا القانون سيؤدي إلى تراجع ترتيب الأردن على مقاييس الحريات، علماً أن الأردن تراجع بالفعل إلى المرتبة 146 من أصل 180 دولة على مؤشر حرية الصحافة الصادر عن منظمة مراسلون بلا حدود.
وفي عام 2021 صعق الأردنيون بتصنيف مؤشر "سيفيكوس" لبلادهم بأنها باتت دولة قمعية، بعد أن تباهت المملكة لسنوات بأنها دولة مختلفة عن جوارها، كما صنف مؤشر "فريدوم هاوس" الأردن بأنه "دولة غير حرة" بعد أن كانت حرة جزئياً، بموازاة تقارير ناقدة صدرت عن "هيومن رايتس ووتش" و"مراسلون بلا حدود"، مما عزز المخاوف من الضرر الذي قد يشكله هذا القانون على ملف "المنح والمساعدات" الأميركية للأردن مستقبلاً ويقوض ثقة المانحين والدول الغربية، إذ يعد الأردن ثاني أكبر متلق للمساعدات الأميركية في المنطقة بعد إسرائيل.