Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

براءات الاختراع في مصر... أوراق في سلة مهملات البحث العلمي

شهد عام 2022 انخفاضاً في عدد الطلبات المقدمة من المصريين بنسبة 33 في المئة مقارنة بـ2021

تشير نقيبة المخترعين هبة عبدالرحمن إلى مشكلة ارتفاع أسعار النماذج المخصصة للاختراعات (مواقع التواصل)

ملخص

يقدر عدد براءات الاختراع المسجلة في مصر بنحو 30 ألف براءة منذ عام 1960 حتى اليوم

على رغم شغفها بالبحث العلمي قررت الباحثة المصرية أمينة ميعاد (62 سنة) الامتناع عن تقديم طلبات جديدة للحصول على براءة اختراع من أكاديمية البحث العلمي مكتفية ببراءة حصلت عليها قبل خمسة أعوام بتحويل قش الرز إلى منتجات للعناية بالشعر والبشرة. كان داخلها شعور بالانزعاج بسبب الإجراءات البيروقراطية، وطول الوقت المستغرق في فحص الطلبات، فقد ظلت منتظرة عامين كاملين الموافقة على البراءة التي حصلت عليها، معتبرة أنها مدة قصيرة قياساً بأقرانها الذين ينتظرون أكثر من خمس سنوات لمعرفة مصير طلباتهم.
ووفقاً للأرقام الرسمية كشف الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء عن انخفاض عدد الطلبات المقدمة إلى مكتب براءات الاختراع المصري لنحو 1914 طلباً في عام 2022، مقابل 2225 طلباً في عام 2021 بنسبة انخفاض قدره 14 في المئة. ويظهر التقرير أن أكثر من 60 في المئة من تلك الطلبات أصحابها أجانب، وانخفاض عدد طلبات المصريين بنسبة 33 في المئة مقارنة بعام 2021.

غياب الدعم والتمويل

تعود أمينة ميعاد التي قضت أكثر من 25 سنة في مشاويرها الطامحة لاقتناص براءات اختراع جديدة، وتؤكد في حديثها لـ"اندبندنت عربية" أنها تحاول تقديم أفكار مختلفة وجديدة يمكن استثمارها والاستفادة منها تجارياً لا تتوقف نهائياً، مبدية استياءها من البطء في عملية فحص الطلبات، مسلطة الضوء على مشكلة أخرى تتمثل في أنه "حال الاعتراف بالطلب ستظل الفكرة بلا قيمة نظراً إلى غياب الجهات المهتمة بدعمها وتمويلها، وتحويلها إلى منتجات تغزو الأسواق المصرية، بالتالي تظل مجرد أوراق حبيسة أدراج البحث العلمي".
وحول أبرز المعوقات التي واجهتها أوضحت ميعاد أنها تعرضت لأزمات عدة منذ بداية رحلتها، جعلت اليأس يتسرب داخلها، منها فرصة حصلت عليها عام 2017 لتصدير منتجاتها الحائزة على البراءة إلى سويسرا، ونظراً لعدم امتلاكها خطوط إنتاج، وامتناع بعض الجهات عن التمويل، لم تستطع الاستفادة من العرض، مطالبة بضرورة دعم الأفكار الحائزة براءات اختراع من جانب الجهات المعنية، والاهتمام بمساعدة الباحثين بتحويل أفكارهم إلى سلع ومنتجات.
تلك القضية أثارها عضو مجلس النواب المصري السابق فايز بركات في أروقة البرلمان في مايو (أيار) 2017، مقدماً طلب إحاطة لوزير التعليم العالي والبحث العلمي، بسبب عدم الاستفادة من براءات الاختراع. وعلق على أسباب اهتمامه بذلك الملف في تصريحات صحافية لوسائل إعلام محلية، لافتاً إلى أن "هذه الاختراعات مفيدة للدولة المصرية، لكننا لا نسمع عنها شيئاً، وتظل حبيسة الأدراج، أو يضطر أصحابها إلى مغادرة البلاد، وتطبيق أفكارهم في دول أجنبية".
على المستوى الرسمي، دافعت أكاديمية البحث العلمي والتكنولوجيا عن نفسها في تقريرها الصادر في ديسمبر (كانون الأول) 2021، مشيرة إلى أنها تبذل جهداً كبيراً في محور دعم الابتكار وريادة الأعمال، مستعينة بأرقام عن إجمالي الدعم الذي وصل إلى 200 مليون جنيه كمصروفات على توفير البيئة المناسبة، إضافة إلى دعمها المادي والفني واللوجيستي للأفكار التكنولوجية المتميزة حتى الوصول بها إلى منتجات تجارية ذات قدرة تنافسية، وإحداث نقلة متسارعة في سوق العمل ونشر ثقافة ريادة الأعمال.

صعوبة تسجيل براءة الاختراع

ووفق حديث نقيبة المخترعين هبة عبدالرحمن لـ"اندبندنت عربية" فإن "المخترعين ينقصهم الرعاية والدعم، ولا بد من نقل البحث العلمي إلى التطبيق على أرض الواقع، وعقد اتفاقات مع مصانع وشركات لتطبيق تلك الأفكار، فالأزمات التي تقف أمام المخترعين متعددة، منها صعوبات يلقونها أثناء عملية التسجيل، وارتفاع كلفة النماذج المطلوبة للتقدم ببراءة اختراع".
الأزمة التي يعيشها المخترعون دفعت نقابة المخترعين لتجهيز ورقة لعرضها على مجلس النواب المصري، حصلت "اندبندنت عربية" على نسخة منها، سلطت الضوء على المشكلات التي تواجههم، منها عزوف المصريين عن تسجيل إبداعاتهم، إذ يخالجهم شعور بعدم الارتياح لعدم الاستفادة من اختراعاتهم المسجلة، وسط غياب الدراسات الهادفة لتطويع أفكارهم وفقاً لحاجة المجتمع. وطالبت ورقة النقابة بتقديم تسهيلات للمستثمرين في مجال الابتكار، ووضع امتيازات عند إقامة مشروعات ذات الطابع الابتكاري بالمناطق الصناعية، ومنح قروض لتلك الجهات باشتراطات ميسرة، وإلغاء رسوم التسجيل لجميع المصريين، والاهتمام بحصول الطلاب المخترعين على نسبة تضاف إلى المجموع أسوة بالحاصلين على بطولات رياضية.
وفي منتصف مايو (أيار) الماضي انتقد وكيل لجنة القوى العاملة بمجلس النواب إيهاب منصور مشروع موازنة الدولة للعام المالي 2023-2024، وموافقة لجنة التعليم والبحث العلمي عليها على رغم تخصيصها بقطاع التعليم العالي والبحث العلمي، إجمالي 99 ملياراً و600 مليون جنيه، أي ما يمثل أقل من واحد في المئة من الناتج القومي الإجمالي، مشدداً على عدم تحقيق النسب الدستورية في التعليم العالي والبحث العلمي والمفترض وصولها إلى نسبة ثلاثة في المئة، مما يعد مخالفة دستورية، مبدياً استغرابه من تخفيض النسبة المخصصة للبحث العلمي من ثمانية مليارات إلى 2.4 مليار جنيه فقط.
وتشير نقيبة المخترعين هبة عبدالرحمن إلى مشكلة ارتفاع أسعار النماذج المخصصة للاختراعات، وتقول "ارتفعت بصورة غريبة، أتذكر فترة دراستي الجامعية، كان أفضل نموذجاً يبلغ قيمته ثلاثة آلاف جنيه، لكن الكلفة زادت 10 أضعاف تقريباً للحصول على نموذج متواضع". وترى هبة وجود أزمة أخرى تتمثل في غياب التوعية بثقافة براءة الاختراع، موضحة أن "النقابة تستقبل مخترعين لا يعرفون كيفية تسجيل البراءة، والأماكن المخصصة للتقدم بأفكارهم، والبعض منهم لديه فهم خاطئ، فهم لا يعرفون أن الرسوم والتصميمات الهندسية تسجل حق مؤلف وليس براءة اختراع".

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)


وتقدر هبة عبدالرحمن عدد براءات الاختراع المسجلة في مصر بـ"نحو 30 ألف براءة منذ عام 1960 حتى الآن"، مشيرة إلى أنها "نسبة متدنية مقارنة بالأرقام العالمية، لذلك لا نحصل على اهتمام كافٍ من الاتحاد الدولي للمخترعين، الذي يقدم مزايا ودعماً للدول صاحبة الريادة في مجال البحث العلمي، وتمتلك رصيداً كبيراً من براءات الاختراع".
من جهة ثانية، تروي أستاذ طب الأسنان بجامعة طنطا، عزة عبدالمنعم السجاعي، أنها حصلت على براءة اختراع واحدة من مكتب الاختراعات المصري، على رغم تقدمها بـ10 موضوعات على فترات متباعدة، مرجعة أسباب نيل هذا الاعتراف إلى اتجاهها لإجراء فحص دولي بدولة النمسا، وحصول الفكرة على نقاط جدية، مما سهل الحصول على تلك البراءة.
وعبرت السجاعي عن استيائها من الفترة المستغرقة في فحص الطلبات، ضاربة المثل بفكرتها الحائزة موافقة بالبراءة في عام 2014، على رغم أنها تقدمت بها خلال عام 2009، مشيرة إلى أنها حازت عديداً من الجوائز الدولية منها شهادة وميدالية أرشميدس الذهبية من روسيا، وميدالية فضية من كوريا الجنوبية في 2017، وكأس المعرض الدولي للمخترعين الذي أقيم بتايلاند في 2023، ورصيد ثلاث جوائز ذهبية وفضية برونزية، مبدية انزعاجها لعدم حصولها على جوائز للمبتكرين داخل مصر.

هوس براءات الاختراع

ويقف أمام مكتب الاختراعات المصرية طابور طويل من الطامحين بذلك الاعتراف، تمر السنوات عليهم دون معرفة الموقف من طلباتهم، سواء بالقبول أو الرفض. حمدي عبدالحميد (49 سنة) هو أحد هؤلاء الذين ما زالوا ينتظرون الموقف من طلباتهم. ويقول إنه لم يستقبل أي ردود على فكرته التي قدمها منذ نحو أربع سنوات.
ويقول حمدي إن عدم حصوله على شهادة جامعية لا يمثل عائقاً أمام تحقيق حلمه، والاعتراف به كمخترع، بخاصة أن الفكرة التي قدمها مرتبطة بمجال عمله، فهو مقاول في العزل الحراري والمائي، ويمتلك 25 سنة من الخبرة، مما جعله يصل إلى مادة تضاف على الأسمنت يمكن استخدامها بالعزل الحراري، على حد قوله، مبدياً استغرابه من عدم إبداء الموقف في شأن طلبه، سواء بالموافقة أو الرفض، منتقداً "الروتين الذي يجعل أعداداً كبيرة من المبتكرين تصاب بالملل، وتضطر إلى التوقف عن شق طريقها في مجال البحث العلمي".
كذلك يعيش أيمن محمد المعاناة نفسها، بعدما لم تمنعه ظروف عمله السابق في جهاز الشرطة، قبل وصوله إلى سن التقاعد، من الدخول في ذلك العالم، موضحاً أنه قدم فكرة للسيطرة على حوادث الغاز عندما كان بدرجة ملازم أول، لكن الإحباط انتابه بسبب تعطيل الإجراءات، مما أدى به في نهاية المطاف إلى اتخاذ قرار بعدم متابعة الطلب أو التقديم بطلبات جديدة، مشدداً على أنه قرر التفرغ من أجل الدخول مباشرة إلى السوق بمنتجات من ابتكاره.


البحث العلمي في مصر طارد للكفاءات

من جهته تطرق رئيس أكاديمية البحث العلمي محمود صقر في حوار سابق نشرته جريدة "المصري اليوم" في أكتوبر (تشرين الأول) 2017 إلى مسألة طول إجراءات الحصول على براءات الاختراع، معتبراً أن "براءة الاختراع بمثابة الحصول على شهادة وعقد وتسجيل تعطى للطالب وتشهد فيها أكاديمية البحث العلمي أن تلك الفكرة فريدة وتخص المتقدم وغير مسجلة على مستوى العالم وقابلة للتطبيق، ولا يمكن لأي شخص استخدامها حصرياً لمدة 20 عاماً، بالتالي يجب على الأكاديمية أن تتحرى الدقة قبل إعطاء أي براءة اختراع، نبحث في قواعد بيانات 152 مكتب براءات اختراع على مستوى العالم، وهو ما يعطل الأمر قليلاً، غير أن المشكلة الكبرى تكمن في المتقدمين بطلبات براءة الاختراع، فمعظمهم غير قادر على إعداد الملف وتقديمه لمكتب براءات الاختراع، هذا الإعداد يتطلب علماً غير متوافر بالنسبة لجزء كبير من المتقدمين"، مشيراً إلى أن "معظم طلبات براءات الاختراعات ليس لها أي قيمة، أو غير مستوفاة من ناحية الأساس العلمي، أو غير قابلة للتطبيق من الناحية الاقتصادية".
وحول تقلص عدد الباحثين قياساً إلى إجمالي تعداد سكان مصر، يقول صقر إن "البحث العلمي لم يعد جاذباً لأحد، لأنه يستهلك كثيراً من الوقت والمجهود دون عوائد مادية تذكر، بالتالي أصبح البحث العلمي طارداً للكفاءات، ومعظمهم يتجه إلى سوق العمل الخاصة أو السفر للعمل بالخارج، وإذا تتبعنا ذلك المؤشر الخاص بقلة أعداد العاملين من الشباب في البحث العلمي، سيظهر مؤشر آخر، وهو ارتفاع أعداد الإناث العاملات بالبحث العلمي في مصر، إذ تقترب النسبة من واحد إلى واحد، وهي نسبة غير موجودة في العالم".

نقص الإمكانات

من ناحية ثانية يقول الباحث المصري علاء إسماعيل الذي سافر إلى أوروبا، ومنها إلى السعودية لمواصلة عمله البحثي، إن "المراكز البحثية التي توفر إمكانات للباحثين داخل مصر محدودة، لكن بعض الدول تخصص ميزانية للبحث العلمي، تساعدهم في استقطاب الباحثين المميزين من كل بقاع العالم"، مشيراً إلى أن "أكثر الأشياء التي تدفع الباحثين لمغادرة بلادهم هي ضعف الإمكانات وعدم تقدير الباحثين"، موضحاً أن "الباحث يجد تحفيزاً أكبر في الخارج، إضافة إلى تهيئة بيئة مناسبة للعمل دون إقحامه في أمور بيروقراطية".
وعمل إسماعيل في المحميات الطبيعية في مصر، ثم انتقل إلى إنجلترا لمواصلة الدراسة والحصول على درجة الماجستير، ومنها اتجه إلى ألمانيا للحصول على درجة الدكتوراه، منتقلاً إلى سلوفينيا للعمل بمشروع الاتحاد الأوروبي لقياس سلوك الدب البني ومعرفة الأسباب التي تجعله يقترب من المناطق السكنية، ومنها انتقل إلى السويد للعمل في مشروعات خاصة بالطيور، وصولاً إلى السعودية، حيث يعمل في مشروع الحفاظ على النمر العربي، التابع للهيئة الملكية.
وحول الأسباب التي تجعل بيئة العمل أفضل في الخارج يقول إسماعيل، "إن انشغالنا ينصب على الأبحاث فقط، ولا نركز في المسائل الإدارية، نظراً إلى وجود موظفين يقومون بالانتهاء من كافة الإجراءات التي يمكن أن تعوق أبحاثنا، مما يزيد من إنتاجية الباحث".

المزيد من تحقيقات ومطولات