Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

الادخار... حين يتعلم السعودي قول "لا" لكوب القهوة

محللون يعدونه أحد عوامل النمو الاقتصادي للدول عبر تدوير الأموال

كوب القهوة لن يمنعك من أن تصبح مليونيراً لكن الأهم هو تغيير سلوكك نحو الكماليات الصغيرة على المدى البعيد (رويترز)

ملخص

محللون يعدونه أحد عوامل النمو الاقتصادي للدول عبر تدوير الأموال

عند بلوغك سن 65 سنة كمواطن سعودي يمكنك تحقيق حلمك في الثراء وتصبح مليونيراً بشرط أن تستغني عن شراء كوب قهوتك الصباحي وتعده بنفسك، وإذا كنت ممن يتابعون المؤثرين الماليين، أو سبق لك أن قرأت كتباً عن إدارة المال، فربما لاحظت أن معظمهم أعداء لشراء كوب القهوة، بل يعدون هذه العادة خطيئة مالية لا تغتفر، وأسوأ كابوس للمخطط المالي.

بحسبة المؤثرين الماليين عن الكلفة المحتملة لكوب القهوة فإنه إذا كنت تشتريه كل يوم بقيمة 17 ريالاً سعودياً (4.53 دولار أميركي) فإنك ستنفق ما لا يقل 6205 ريالات (1654 دولاراً) في العام الواحد، وهي كلفة كوب قهوة "ستاربكس"، وإذا قمت بذلك لمدة 40 عاماً فستنفق 248,200 ألفاً و800 ريال تقريباً (ستة آلاف و611 دولاراً).

لنفترض أنك بدلاً من شراء القهوة قررت أن تستثمر 17 ريالاً (4.53 دولار) في اليوم، وحصلت على أربعة في المئة (متوسط العائد طويل الأجل لسوق الأسهم) فإنك ستحصل على عائد سنوي 9792 ريالاً (2610 دولارات)، وبذلك قد تكون ضمنت دخلاً تقاعدياً يزيد على 800 ريال (217 دولاراً) شهرياً، وهذا مجرد فنجان واحد من القهوة من المؤكد أننا جميعاً نستمتع بزيارة المقاهي، لكن هذه الزيارة تكلفك مئات الدولارات على مدار العام... فهل تستحق؟

يبدو أننا اليوم أمام جدل طويل ومستمر بين عشاق المشروب الساخن الأكثر شعبية في البلاد والمؤثرين الماليين، هل تشتريها أم تدخر وتستثمر بمبلغها؟ ربط الادخار بكوب القهوة جعل هذه النصيحة محل سخرية عند كثير من السعوديين، فهم يشربونها في كل مكان وفي أي وقت من الصباح حتى المساء، بل تعدى الأمر من كون القهوة مشروباً صباحياً يمنحهم قليلاً من النشاط إلى أحد أسرار السعادة والرفاهية لديهم. صحيح أنها لحظات بسيطة، لكنها مقدرة لدى البعض، ليبقى السؤال المثير في أذهان كثير منهم، ما علاقة كوب القهوة بالادخار؟

جدل ثنائي

منذ نحو 20 سنة تحدث المؤلف تايمز ديفيد باخ في كتابه The Automatic Millionaire" " عن مصطلح The Latte Factor  "عامل لاتيه"، موضحاً أن طرح مثال كوب القهوة واللاتيه في موضوع الادخار هو "استعارة لأي شيء تنفق عليه بانتظام، وهو ليس ضرورياً، "أي إنه إشارة إلى أن الكماليات الصغيرة هي التي تفسد خطط الميزانية، فهي متطلبات مخفية تستنزف الأموال بخلسة.

وأشار تايمز ديفيد باخ أيضاً إلى عديد من النصائح التي من الممكن أن تصل بالقارئ إلى الحرية المالية بعد تطبيقها، قائلاً "إن معظم الناس ببساطة غير مدركين لمقدار الأموال التي ينفقونها على هذه الأشياء، وإن مفتاح صناعة الثروة هو التخلي عن هذه الكماليات وتوجيه تلك الأموال إلى الاستثمارات".

واتفق معه محلل الاستثمارات أحمد بوحليقة، خصوصاً فيما يتعلق بأن كثيراً من الكماليات في هذه الحياة مهدرة للمال، "فكوب (ستاربكس) الصباحي لن يمنعك من أن تصبح مليونيراً"، لكن الهدف في نهاية المطاف ليس كوب القهوة بحد ذاته، بل تغيير سلوك المستهلك نحو الكماليات الصغيرة على المدى البعيد.

الإقبال على الحياة

هذا الجدل الدائر لا يقلل من أهمية وجدوى الادخار للأفراد، ففي الوقت الراهن أصبح الاستهلاك معياراً على جودة الحياة ودليلاً على الإقبال عليها، وهذا نموذج شائع في العالم، وإن كان بدرجات متفاوتة.

ولعل التقارير الإحصائية الصادرة من البنك المركزي السعودي لعمليات نقاط البيع في البلاد، خلال الأشهر الماضية، تتحدث عن ارتفاع معدل صرف السعوديين على قطاع المقاهي والمطاعم في معظم الأشهر، ومنذ بداية يوليو (تموز) الجاري، وحتى منتصف الشهر نفسه بلغت قيمة المبيعات عبر نقاط البيع في السعودية، 10.92 مليار ريال (مليونين و666 ألف دولار).

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

ومع ما يمر به الاقتصاد بتقلبات متعددة، سواء للدول أو للمنشأة، أو حتى للفرد، فالجميع معرض لخسارة وظيفته أو تراجع إيرادات مؤسسته أو تراكم الديون عليه أو أي نفقات كبيرة، فالأزمات المالية تعد مصدراً رئيساً لقلق الإنسان ومن الضروري أن يضع الفرد خطة ليحقق الاستقرار المالي لحياته.

ومن هنا تسعى الحكومة السعودية إلى رفع مستوى الوعي المالي وتعزيز نسبة ثقافة الادخار بين أفرد المجتمع، فالدراسات التي أجريت من أجل تطوير برنامج القطاع المالي، وهو أحد برامج رؤيتها 2030، أشارت إلى أن معدل الادخار لدى الأسر السعودية من أدنى المعدلات في العالم وقدر على أنه 1.6 في المئة، وهو ما عده المتخصصون منخفضاً مقارنة بالمتوسط العالمي (25.9 في المئة)، لذلك عملت على تحسين منظومة الادخار والدفع باتجاه التوسع في منتجات والقنوات المتاحة في السوق.

ووصل إجمالي الشركات التي تم التصريح لها من قبل مؤسسة النقد السعودية إلى 30 شركة متخصصة في مجال التقنية المالية، وتضمنت حلولاً ادخارية إلكترونية للأفراد من أجل أن تصل إلى هدفها في رفع النسبة إلى 29 في المئة بحلول عام 2030، وتسابقت البنوك في الترويج لخدماتها داعية المواطنين إلى فتح حسابات ادخارية وقدم البعض نسب عوائد مغرية للمدخرين وتأتي على بحسب المدة الزمنية والمبلغ المدخر.

أزمة الاحتفاظ بالراتب

أثر الادخار لا يقتصر على المدخرين فقط، بل يؤثر في الناتج المحلي الإجمالي، وهو ما أوضحه محلل الاستثمارات أحمد بوحليقة، لافتاً الانتباه إلى أن للادخار أثراً غير مباشر في نمو اقتصاد الدول، فالمبالغ المدخرة من الأفراد يتم إقراضها إلى الشركات والحكومة من أجل الاستثمار، مما يزيد سعة الاقتصاد.

وقال بوحليقة "زيادة معدلات الادخار تحفز الاستثمار، وهذا بدوره ينعكس بشكل مباشر على انتعاش الاقتصاد"، مشيراً إلى أن المدخرات التي يحتفظ بها في البنوك، تقرضها البنوك لشركات لتبني مشاريع وتخلق وظائف وتوفر سلعاً وخدمات، مما ينمي الناتج المحلي.

ولأن كثيرين يجدون صعوبة في الاحتفاظ برواتبهم إلى آخر الشهر، نصح المحلل الاقتصادي جهاد العبيد الراغبين في الادخار باستغلال التقنيات لمعالجة مشكلة توفير المال، فهناك عديد من تطبيقات الهاتف التي تساعد في تنظيم هذا الأمر والتشجيع عليه. وأضاف "لتنجح الخطة عليك تدوين كل نفقاتك إذا كنت لا تعرف إلى أين تذهب أموالك وتعرف متى وماذا وكيف نشتري وما الضرورات وما الكماليات؟".

وأشار العبيد إلى أن المشكلة الحقيقية التي يعانيها معظم الناس ليست في حجم المداخيل، بل في طرق الإنفاق التي لا تساعد على توفير بعض المال، لذلك من المحتمل أنك تحتاج إلى تقليل النفقات.

وعن أكثر الصعوبات التي تواجه الأفراد في مسألة الادخار أرجع أحمد بوحليقة كثيراً من الحالات إلى أسباب مالية، وهي ضعف الرواتب وغلاء المعيشة في ظل ارتفاع الأسعار، موضحاً أن الادخار المدفوع بالرغبة في جمع مبلغ يكفي لشراء سلعة معينة أو في الاستثمار في شراء عقار أو سيارة هي الأكثر انتشاراً بين السعوديين، كما أن توفير المال هو مسألة اعتياد تبدأ ببطء ثم تتسارع وتصبح أصلاً في حياة الإنسان.

الحرية المالية والمصير

قلما يتشابه الناس في مرتباتهم ومصروفاتهم ومخططاتهم المستقبلية، لذلك تنوعت الطرق التي تساعد على الادخار، لكن أشهرها بحسب قول المتخصصين هي تقسيم الدخل لثلاثة أثلاث، وهي الاستراتيجيات الناجحة ويمثل الثلث الأول 50 في المئة من الدخل والثاني 30 في المئة، والثالث 20 في المئة.

وبإمكان الفرد تخصيص كل قسم بما يتناسب مع طبيعة حياته، على سبيل المثال بإمكانه تخصيص القسم الأول 50 في المئة للمصاريف الثابتة مثل إيجار المنزل وقسط السيارة، و30 في المئة على المصاريف المتغيرة مثل الطعام والتجميل والبقالة وفواتير الهاتف، و20 في المئة للادخار.

وأخيراً اتفق عدد من المتخصصين على أن الوصول إلى الحرية المالية ليس بالسهولة التي تذكرها بعض المراجع، لكن عليك أن تعرف أنه كلما زادت مدخراتك زادت قدرتك على التحكم في مصيرك، فإذا كانت وظيفتك تجعلك على وشك الانهيار العصبي فيمكنك تركها حتى لو لم يكن لديك وظيفة جديدة في قائمة الانتظار.

اقرأ المزيد