Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

هل أسهمت الحكومة التونسية في تأجيج أسعار السلع؟

محللون يرون ضرورة الاحتكام إلى قوى العرض والطلب داخل الأسواق

سجل التضخم داخل تونس 7 في المئة خلال شهر يوليو الماضي (أ ف ب)

ملخص

حددت الحكومة أسعار بعض السلع مثل الدواجن فزادت أسعارها

تشهد الساحات والمحال التجارية الكبرى في تونس خلال الفترة الحالية نقصاً شديداً في حجم المعروض من منتجات اللحوم البيضاء، وتحديداً منتجات شرائح الديك الرومي والدجاج التي اختفت من الأسواق منذ النصف الثاني من شهر أغسطس (آب) الماضي إلى الآن، إثر قرار وزارة التجارة التونسية تسقيف (تحديد سعر أقصى لأسعار بيع هذه المنتجات) التي صارت أساساً في المكونات الغذائية لجميع شرائح المجتمع التونسي.

وبنبرة حزينة جداً عبرت المتقاعدة من إحدى الوظائف الحكومية إلهام العزوزي عن أسفها الشديد من اختفاء منتجات غذائية أضحت مكوناً رئيساً للطهي في ظل "العلو الشاهق" على حد تعبيرها لأسعار اللحوم الحمراء غير الملائمة لقدرة غالب التونسيين الشرائية.

وخلال التاسع من أغسطس الماضي دخلت التسعيرة الجديدة التي أقرتها وزيرة التجارة السابقة المعفاة من مهامها في التعديل الحكومي الشامل الأخير حيز التطبيق، مما لم يعجب قط منتجي الدواجن وأصحاب المذابح.

وتقرر تسقيف أسعار بعض أصناف منتجات الدواجن ببيع الدجاج الجاهز للطبخ.

وتقرر أيضاً بيع شرائح الديك الرومي وشرائح الدجاج بسعر 14.5 دينار للكيلوغرام (4.6 دولار) على مستوى المذابح و16 دينار (5.1 دولار) للكيلوغرام للمستهلك النهائي.

وبالنسبة إلى اللحوم الحمراء فحددت الوزارة الأسعار القصوى للبيع للمستهلك من لحوم الأبقار المنتجة محلياً بين 38 ديناراً (12.2 دولار) للكيلوغرام و30 ديناراً (9.6 دولار) على مستوى المذابح.

ومنذ تلك اللحظة غابت تقريباً هذه المنتجات في مختلف الأسواق إلى حد اختفائها أو بيعها بأسعار مرتفعة وعدم احترام التسعيرة والضرب بقرار وزارة التجارة عرض الحائط.

واستغربت العزوزي من هذا الوضع، قائلة "كلما تتدخل وزارة التجارة لتعديل السوق أو تحديد الأسعار، تحدث أزمة في البلاد يكون المستهلك التونسي أول ضحاياها".

ليست المرة الأولى

وتأكيداً لحديث العزوزي فإن الأعوام الماضية شهدت الأزمة نفسها تقريباً في منتجات عدة أخرى، كالخضر والغلال والمواد الغذائية الحرة.

وخلال العامين الأخيرين حددت الوزارة التونسية أسعار منتجات عدة مثل التفاح والإجاص والموز والبطاطا والفلفل ومنتجات الدواجن، في خطوة منها للتحكم أكثر في التضخم الآخذ في الارتفاع خصوصاً على مستوى المواد الغذائية.

ولكن جميع حلقات الإنتاج من مزارعين وأصحاب مخازن تبريد وبائعي المنتجات بالجملة والتجزئة تجاهلت قرارات الوزارة، واعتبروها مجانبة لحقيقة السوق وكلفة الإنتاج، خصوصاً مع عدم إشراكهم عند اتخاذ تلك القرارات.

وتشهد البلاد خلال الفترة الأخيرة ارتفاعاً واضحاً في أسعار لحوم الدواجن بصورة غير مسبوقة، إلى جانب بيعها خارج المسالك المعروفة، إضافة إلى اللحوم الحمراء والخضر والغلال وغيرها من المواد الغذائية الأساس.

وتشير التوقعات إلى أزمة مشابهة مرتقبة في منظومة الحليب على إثر نقص ذروة الإنتاج خلال الخريف ما قد يؤثر في إرباك المنظومة، خصوصاً أن بعض المساحات التجارية الكبرى تفرض على روادها شراء علبتي حليب فقط لكل مواطن.

طريقة غير مدروسة

من جانبه، أوضح رئيس الغرفة الوطنية لتجار الدواجن واللحوم البيضاء المنضوية تحت الاتحاد التونسي للصناعة والتجارة والصناعات التقليدية (منظمة الأعراف) إبراهيم النفزاوي أن "الأسعار لم تتراجع"، مشيراً إلى أن "الإنتاج شهد الأسبوع الماضي تراجعاً 60 في المئة لكن الأسبوع المقبل سنكون في أريحية"، موضحاً أن "أزمة قطاع الدواجن في تونس كانت متوقعة منذ شهر مايو (أيار) الماضي وأُبلغت وزارة التجارة بالأزمة. وأشار إلى أن "الأمور كانت مستقرة خلال شهري يونيو (حزيران) ويوليو (تموز) الماضيين لكن أسعار الدجاج شهدت ارتفاعاً مفاجئاً خلال شهر أغسطس الماضي في ظل نقص الإنتاج"، لافتاً إلى أن "وزارة التجارة تدخلت وحددت الأسعار للتجار لكن بطريقة غير مدروسة"، ومؤكداً أن "هذه الخطوة تركت الفلاح حراً".

التراجع عن تسقيف الأسعار

ومع تأزم الأوضاع المتسمة بغلاء أسعار عدد من المنتجات والمواد الاستهلاكية وغياب تزويد المواد المدعمة بصورة منتظمة في ظرف سياسي مهم يتمثل في قرب موعد الانتخابات الرئاسية خلال السادس من أكتوبر (تشرين الأول) المقبل، يبدو أن وزارة التجارة ستتراجع عن قرارها الخاطئ.

ووفق ما علمت به "اندبندنت عربية" فإن اجتماعاً عُقد مطلع هذا الأسبوع أشرف عليه الوزير الجديد للتجارة سمير عبيد وضم كل المتدخلين في منظومة إنتاج وتوزيع الدواجن، أفضى إلى إمكانية التراجع عن قرار تسقيف بعض المنتجات الدواجن.

وأكد الحاضرون في الاجتماع أن الإنتاج العادي لمنتجات الدواجن سيعود إلى نسقه الطبيعي بداية الأسبوع الثالث من شهر سبتمبر الجاري، مما سيخفض بدوره أسعار منتجات الدواجن عما كان مسجلاً خلال الأشهر الماضية.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

يشار إلى أن معهد الوطني للإحصاء أعلن أن معدل التضخم لشهر يوليو الماضي سجل سبعة في المئة مقابل 7.3 في المئة خلال شهر يونيو الماضي، ولكن باحتساب الانزلاق السنوي ارتفعت أسعار المواد الغذائية 9.4 في المئة.

ويعود ذلك بالأساس إلى ارتفاع أسعار لحم الضأن 24 في المئة وأسعار الزيوت الغذائية 8.21 في المئة وأسعار لحم البقر 3.16 في المئة، وأسعار التوابل 16 في المئة وأسعار الأسماك الطازجة 12.5 في المئة وأسعار الخضر الطازجة تسعة في المئة.

وتسبب قرار وزيرة التجارة السابقة في تسقيف أسعار بعض أصناف منتجات الدواجن في شبه أزمة تمثلت في عدم رضا المنتجين وأصحاب مذابح الدواجن والموزعين، مما أدى إلى فقدان المنتجات من مسالك التوزيع مع تذمرهم من عدم تشريكهم في أخذ هكذا قرار.

والتزم المشاركون في الاجتماع بتوفير المنتجات داعين وزارة التجارة إلى تفهم الوضعية، خصوصاً أن الإنتاج سيعود إلى نسقه الطبيعي بداية الأسبوع الثالث من شهر سبتمبر الجاري.

الاحتكام إلى قاعدة العرض والطلب

وتعليقاً على تواتر أزمات الإنتاج والاستهلاك في تونس قال المتخصص الاقتصادي معز الجودي إن "الأمور التي يدار بها تسيير قطاع حيوي واستراتيجي مثل التجارة ليست علمية وصحيحة"، موضحاً "من الضروري أن تدرس وزارة التجارة الأمور جيداً من الناحية الاقتصادية وبخاصة من حيث الاحتكام إلى قاعدة العرض والطلب"، مما يعني وفق رأيه أن السوق ستعدل نفسها بنفسها. وأشار إلى أن النظام الاقتصادي في تونس قائم على الحرية والمنافسة النزيهة وقاعدة العرض والطلب، لافتاً إلى أن "اللجوء إلى تسقيف أسعار بعض المنتجات في بعض الأحيان قد تكون نتائجه عكسية تماماً مثل ما حدث في منتجات اللحوم الحمراء والدواجن".

اقرأ المزيد