ملخص
ماذا يقول أصحاب المحال المحاذية لمرفأ بيروت وهل عادت أشغالهم إلى سابق عهدها؟
المرور في الأسواق المحاذية لمرفأ بيروت ينبئ بهول الكارثة التي عصفت بأوضاع التجار والمواطنين المتردية أصلاً، خصوصاً مع الانفجار "غير النووي" الذي وقع في 4 أغسطس (آب). حال التجار وأصحاب المصالح والموظفين واحدة، ولو تنوعت رواياتهم ومعاناتهم، إلا أن الخلاصة تؤكد عدم استفاقة الأسواق من صدمتها والدولة لم تقدم شيئاً لدعم هؤلاء المتضررين.
بعد ثلاث سنوات من الكارثة، بدأ القطاع التجاري يتماثل للشفاء سالكاً مسار التعافي، ولو ببطء شديد، بسبب الأزمة الخانقة التي يمر بها البلد من انهيار مالي ونقدي وتدهور في الأوضاع الاقتصادية، فضلاً عن التجاذبات السياسية في ظل بلد قائم من دون رئيس، بهذه العبارات يلخص محمد السماك صاحب محال لبيع الملابس الأوضاع في المنطقة المطلة على إهراءات القمح في مرفأ بيروت.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
في السّياق، تروي ميرنا حبوش (47 سنة)، صاحبة محل منتجات تجميلية الواقع في منطقة المدور القريبة من المرفأ، كيف خسرت نظرها وأعيد ترميم عينها بالإضافة إلى الأضرار الكبيرة التي أصابت يدها اليمنى والتي تحتاج إلى عدّة عمليات حتى يومنا هذا. وفي حديث خاص لـ"اندبندنت عربية" تقول "خسائرنا المادية في شركتي كبيرة بسبب قربنا من موقع الانفجار الذي أدى إلى تدمير معظم البضائع".
بدورها، تستذكر كاثرينا أراكليان (64 سنة)، صاحبة محل "بلكسي أراكليان"، كيف دمّر محلها بالكامل في منطقة مار مخايل إثر الانفجار. "كدت أفقد الأمل. هذا المحل الذي ورثته عن والدي منذ أكثر من 40 عاماً هو كل حياتي. أعيد افتتاح محلي بفضل بعض المساعدات التي تلقيتها من بعض جمعيات، ولكن في مكان ما لا يزال هناك نوع من "التروما" أي الصدمة النفسية وصوت صراخ الناس الذين في منازلهم لا يزال في أذنيّ في كل مرة آتي لأفتح المحل".
من جهتها، ماغي البصار (52 سنة)، صاحبة صالون نسائي في منطقة الأشرفية، وهي امرأة مطلّقة ولديها أربعة أطفال، وجدت نفسها في الرابع من آب مثل "اليتيمة" بخاصة أنه لا يوجد من يعيلها وهي صامدة من خلال هذا الصالون الذي من خلاله يعتاش أولادها. "لحسن الحظ حصلت على مساعدات فرديّة مكنتني أن أعيد ترميم وصيانة متجري ما مكنني من الاستمرار".
بدوره، قضى سامر يحيى (57 سنة)، صاحب متجر للمثلجات والقهوة في منطقة الجميّزة، معظم حياته في إيطاليا، ولكن عشقه للبنان دفعه إلى العودة "بعد الحادثة وجدت أحلامي تتبخر تدريجاً، إلا أنني لا أزال مصرّاً على حلمي واليوم أنهيت تأهيل متجري وترميم الواجهة بفضل بعض المساعدات الخاصة والفردية".
من جهته، وجد داني سلامة (39 سنة)، مهندس صوت، نفسه بعد الانفجار متروكاً لمصيره، بعدما تخلت الدولة حتى عن توفير الرعاية الصحية له على غرار مصابين كثر في الكارثة. وقد دفع به عصف الانفجار أمتاراً بينما كان يجلس على شرفة منزله في حي مار مخايل المواجه للمرفأ، وهو من الأساس يعاني منذ عام 2015 من مرض التصلّب اللويحي المتعدد. وقال سلامة لوكالة الصحافة الفرنسية "بعد الرابع من آب (أغسطس)، نسيتنا الدولة، نسيت المصابين".
بدورها، خسرت أماندا شري (40 سنة) عملها كخبيرة تجميل جراء الانفجار. وتسبب الانفجار في شلل يدها اليسرى وفقدان الرؤية في عينها اليمنى، "انتهت حياتي هنا. أحدهم سرق حياتي في خمس دقائق ولم أعرف من هو".
حجم الأضرار والخسائر المادية
وعن حجم الأضرار الذي خلّفها انفجار، في حديث خاص لـ"اندبدنت عربية" يقول أمين عام الهيئات الاقتصادية ورئيس جمعية تجار بيروت نقولا شماس "دُمّر ما لا يقل عن 30-40 في المئة من البنية التجاريّة في المنطقة المتاخمة أي بيروت والضواحي القريبة والواجهة البحريّة وطبعاً بما فيها الأسواق". وعن تقديره للخسائر المادية في القطاع التجاري، يشير إلى أنه "كان تقديرنا في عام 2020 للمؤسسات والمحلات التجارية والمخزون الكبير الموجود في مستودعات المرفأ بالإضافة الى صالات العرض وآليات النقل وغيرها مع تراجع النشاط التجاري بحدود الملياري دولار أميركي".
أمّا فاتورة إعادة الإعمار، يشير شمّاس إلى أنها "مرتفعة جداً بخاصة المحلات التجارية التي تضررت إذ لا يمكن للفرد أن يقوم بإعادة الترميم من أمواله الخاصة والاستثمار من جديد في محلّه إلا إذا لديه ثقة كاملة بأن الوضعين الأمني والاقتصادي سيتحسّنان".
تحديات إعادة الإعمار
وعن المساعدات من قبل الحكومة، يقول شماس "في بداية الانفجار، اتحدت مؤسسات الدولة وتحديداً الجيش اللبناني الذي كان موجوداً بشكل بارز في عمليّة رفع الأنقاض ومؤازرة المواطنين. كما كانت هناك إعانات في البداية، إذ منحت الدولة مساعدات مالية محدودة للسكان الأكثر هشاشة، ولكنها حرمت المؤسسات التجاريّة المسجّلة في جمعيّة تجّار بيروت. بالتالي، لم يتم توزيع المساعدات بشكل مدروس وعادل للفئات الأكثر تضرراً".
ويلفت شماس إلى أن "التقرير الذي اطلعنا عليه يشير إلى أن المساعدات التي كانت تأتي إلى المنازل والمحلات متواضعة وهزيلة لا تكفي تصليح بابين أو ثلاثة. ولكن الدولة قامت بتسهيلات مالية، فمثلاً قام مصرف لبنان في ذاك الوقت بتأجيل استحقاقات الديون المترتبة على المحلات التجارية، كما قامت وزارة المالية بإعفاء المؤسسات التجارية التي أغلقت بالكامل وأعيد افتتاحها من جديد، من دفع الضرائب من عام 2021 إلى 2023. كما كانت هناك مساهمات غير حكومية من منظمات وجمعيات وأفراد، ولكن الأموال لم تصل بشكل سليم إلى المؤسسات التجارية".
أمّا الإشكالية الثانية، يشير إلى أن "الأموال في المصارف كانت عالقة وبالتالي كانت هناك صعوبة في الولوج إلى الحسابات المصرفيّة وتسييل الأموال لإعادة الترميم".
مشكلات مع شركات التأمين
المشكلة الثالثة كانت مع شركات التأمين. ويشرح شماس "عانينا من مشكلات عدّة مع هذه الشركات لأن الأخيرة لم تكن مستعدّة أن تسدد أي ثمن قبل أن يصدر حكم من القضاء اللبناني يحدد من خلال المسار القانوني، فإذا كان الفعل عملاً إرهابياً لا يكون هناك تعويض أما في حال كان الانفجار حادثاً أو قضاء وقدراً فيجب أن تكون هناك تعويضات"، لافتاً إلى أنه "مع تعطيل القضاء وشلّ عمله إلى اليوم لا يوجد أي كلام رسمي يحدد الاتجاه الصحيح".
القطاع السياحي وتأثيره على التجاري
وعن انتعاش حركة الفنادق والمطاعم في موسم الصيف لشماس رأي آخر، "إذا نظرنا إلى الشارعين الرئيسين في الوسط التجاري نرى مطعماً واحداً يعمل من أصل خمسة، وبالتالي لا يزال هناك تصحّر كبير في الوسط التجاري ولم يتعاف بالشكل الكافي"، معتبراً في الوقت عينه، أن "الوضع الاقتصادي بشكل عام إيجابي مع افتتاح مطاعم جديدة وإعادة افتتاح الفنادق القريبة من موقع الانفجار. بالتالي، المرحلة الصعبة قطعناها ونسير اليوم بالطريق الصحيح، ولكن الحركة بطيئة مقارنة بالقطاع السياحي ما قبل الأزمة أي في عام 2018". ويطالب شماس باستقرار الوضع المؤسساتي "ولكن بظل غياب رئيس جمهورية وحكومة فاعلة وعدم المضي قدماً بورشة الإصلاح وعرقلة مسار الاتفاق مع صندوق النقد لن تعود الأمور كما كانت عليه".