ملخص
تهتم الحكومة المغربية كأولوية قصوى في الدخول السياسي الجديد بتنزيل "الإصلاحات الكبرى"
على بعد أسابيع قليلة من "الدخول السياسي الجديد" في المغرب، تنتظر الحكومة ملفات سياسية واجتماعية واقتصادية "ساخنة"، من المرتقب أن يثير التعاطي معها سجالات ونقاشات بين الغالبية الحكومية والمعارضة البرلمانية، بالنظر إلى أهمية عديد من هذه الملفات في حياة ومعيشة المواطنين.
ويرى محللون ومراقبون أن الحكومة المغربية برئاسة رجل الأعمال عزيز أخنوش تواجه دخولاً سياسياً هو الثالث في حياة الولاية الراهنة الممتدة على خمس سنوات، والأكثر حسماً في ما خص الورش الإصلاحية المفتوحة التي تحتاج إلى تنفيذ حتى يلمس المواطنون تداعياتها ونتائجها على أرض الواقع.
تطلعات حكومية
واستحضر رئيس الحكومة المغربية في المجلس الحكومي الذي ترأسه، الخميس الماضي، السياق الدولي الذي اشتغلت فيه الحكومة منذ تنصيبها، والذي اتسم بتوالي الأزمات وتصاعد التوترات الجيوسياسية، مبرزاً نجاحها في مواجهة هذه الضغوط، وتدبير الأزمات المركبة من خلال الحد من تداعياتها وتقليص آثارها المباشرة على الاقتصاد الوطني، وعلى المستوى المعيشي للمواطنين.
ووضعت الحكومة المغربية نصب أعينها، منذ الآن، أولويات الدخول السياسي الجديد الذي يصفه عديدون بالحارق. وأشار أخنوش، في الاجتماع أمام وزرائه، إلى أن "الحكومة ستواصل العمل، خلال سنة 2024، على توطيد تدابير مواجهة التأثيرات الظرفية، وتعزيز ركائز الدولة الاجتماعية، ومواصلة تنزيل الإصلاحات الهيكلية، مع تعزيز استدامة توازنات المالية العمومية".
وتهتم الحكومة المغربية كأولوية قصوى في الدخول السياسي الجديد بتنزيل "الإصلاحات الكبرى"، من خلال مواصلة تفعيل سياسات عمومية طموحة على مستوى القطاعات الاجتماعية ذات الأولوية، في مقدمها التعليم والصحة والتشغيل.
وتطرق رئيس الحكومة المغربية إلى الورش الكبرى التي تنتظرها في الدخول السياسي الجديد، من قبيل "تعزيز السيادة المائية والغذائية، وجذب الاستثمارات لخلق فرص التشغيل، وتفعيل عرض المغرب في مجال الهيدروجين الأخضر، وتبني مقاربة جديدة من أجل الدعم المباشر لفائدة الأسر الراغبة في اقتناء مسكنها الرئيس ومواصلة تنزيل مشروع الحماية الاجتماعية".
وتراهن الحكومة، وفق أخنوش، على إطلاق برنامج التعويضات الاجتماعية قبل نهاية سنة 2023، اعتماداً على السجل الاجتماعي الموحد، باعتباره الآلية الأنجع لاستهداف الأسر الفقيرة والمعوزة، كما تعول على "الرفع من وتيرة العمل والتحلي بالفعالية في تنفيذ مختلف المشاريع المبرمجة خلال السنوات المقبلة".
ملفات سياسية واجتماعية ساخنة
وعلق المحلل السياسي والأستاذ الجامعي محمد نشطاوي على موضوع الدخول السياسي الجديد في البلاد، بالقول إن هناك ملفات سياسية مرتقبة ترتبط بتشكيل الغالبية في خضم الأخبار التي تواترت حول إمكانية تعويض حزب الاستقلال بحزبي الاتحاد الاشتراكي والاتحاد الدستوري. وتابع أن الدخول السياسي يتسم أيضاً بالدينامية التي يشهدها ملف نزاع الصحراء، وأيضاً ملف التوتر الدبلوماسي بين المغرب وفرنسا، ومدى تطوير الشراكات بين الرباط ومدريد، فضلاً عن ملف العلاقات المتدهورة بين المغرب والجزائر، وأما أبرز القضايا الاجتماعية التي تنتظر الحكومة المغربية، تبعاً للمحلل عينه، فترتبط بالدور الذي ستلعبه في تدبير القطاعات الاستراتيجية الكبرى مثل التعليم والصحة والشغل والحد من الفوارق الاجتماعية وتعزيز التماسك الاجتماعي.
ولفت نشطاوي إلى معضلة الغلاء التي تتحدى الحكومة الحالية، وتتفاقم في خضم سياقات خارجية مثل الحرب الروسية - الأوكرانية، وسياقات داخلية تتعلق بمدى القدرة على مواجهة لوبيات تتحكم في عجلة الاقتصاد، من قبيل لوبيات الوقود والتأمينات والاتصالات وغيرها، التي تنسق في ما بينها بهدف التحكم في الأسعار، ولم يفت نشطاوي الإشارة إلى ما ينتظر الحكومة في الدخول السياسي الجديد من جهود يتعين بذلها لإخراج قانون الأسرة، وقانون المسطرة الجنائية، وقانون المسطرة المدنية، مضيفاً أن هناك أيضاً ملف الإصلاح الجامعي الذي يدخل حيز التنفيذ خلال الموسم الدراسي المرتقب في خضم رفض عديد من الأساتذة الجامعيين غالبية مضامينه.
وخلص المتحدث ذاته إلى أن الدخول السياسي الجديد بالمغرب مكثف ببرامج وملفات ضخمة وذات أولوية تحمل معها تطلعات لحل مشكلات المغاربة في مختلف المجالات، سائلاً، في الوقت نفسه عن مدى استعداد الحكومة وقدرتها على منح العناية كاملة لتنزيل هذه المخططات والاستراتيجيات لتحسين معيشة المواطنين.
مفاتيح الدخول الاقتصادي
ومقابل هذه الملفات، تواجه الحكومة "دخولاً اقتصادياً" جديداً لا يقل "سخونة" عن الملفات السياسية، باعتبار أن الاقتصاد والمال في كثير من الأحيان هما ما يوجهان بوصلة خطط السياسة وآمال المجتمع. وقال، في هذا السياق، الباحث الاقتصادي محمد مجدولين، إن أول وأبرز تحد ذي طبيعة اقتصادية ومالية سيواجه الحكومة في "الدخول الجديد" هو مدى إرضاء قانون الموازنة المالية لسنة 2024 جميع الأطياف والمكونات السياسية والفاعلين الاقتصاديين من أجراء ومقاولين ورجال أعمال ومؤسسات اقتصادية. واعتبر مجدولين أن مشروع قانون المالية المرتقب يأتي في خضم إعلان انطلاق أو مواصلة برمجة وتنفيذ كثير من الورش الاجتماعية التي تتطلب تمويلات ضخمة، من قبيل مشروع الحماية الاجتماعية، والدعم المالي لاقتناء المساكن.
أضاف أن ملامح العمل الحكومي للفترة المقبلة ستظهر بشكل واضح عبر مضامين "قانون المالية" الجديد، الذي في الغالب يفتح جبهات من النقاشات والمواجهات بين الغالبية الحكومية والمعارضة البرلمانية حول مدى مساهمة هذه الموازنات المالية في تخفيف العبء الاقتصادي على المواطنين بدل إثقال كاهلهم بضرائب إضافية أو أسعار ملتهبة. ولفت إلى أن الدخول الاقتصادي الجديد للحكومة المغربية ستتحكم فيه عوامل رئيسة عدة، "أبرزها موجة الغلاء التي تتحكم في معظم المواد الاستهلاكية والغذائية، ما ترك تداعياته، بشكل كبير، على القدرة الشرائية للطبقات الفقيرة وحتى المتوسطة في المجتمع".
ومن السياقات الأخرى التي تعتري الدخول الاقتصادي الجديد، وفق مجدولين، طريقة مواجهة تداعيات الجفاف المتوالي في المغرب، فضلاً عن إشكالية الماء ومدى توفير المياه الصالحة للشرب للمواطنين، مشيراً إلى أن هذا الملف بات يؤرق حتى السلطات العليا في البلاد، بدليل تخصيص الملك المغربي محمد السادس خطبه الأخيرة لملف الموارد المائية بالمملكة.
وختم الباحث الاقتصادي أن الهدف الأسمى الذي أعلنت عنه الحكومة المغربية في وعودها وبرامجها الانتخابية، هدف نبيل وذو منافع جمة، لكنه غاية تستوجب توفير التمويل الكافي لتنزيل محاور هذه الاستراتيجية الحكومية المهمة، شرط ألا يكون على حساب ملفات وقطاعات أخرى تحتاج بدورها إلى العناية والتمويل.