ملخص
لماذا تصر جماعة الحوثي على رفض صرف رواتب اليمنيين؟ قيادي سابق يكشف عن الأسباب
حذر قيادي سابق في جماعة الحوثي من مراوغات الجماعة المدعومة من إيران للاستيلاء على رواتب موظفي الدولة التي يجري التفاوض في شأن صرفها مع الحكومة الشرعية برعاية إقليمية وأممية.
واستبعد رئيس المكتب السياسي "المعزول" لجماعة الحوثي صالح هبرة قبول جماعته بدفع رواتب موظفي الدولة عقب تواتر الأنباء عن موافقة الحكومة اليمنية المدعومة من التحالف العربي على دفعها بعد أعوام من قطعها على يد الحوثيين.
استراتيجية التجويع للخنوع
وفي منشور على حسابه البديل في "فيسبوك" اتهم هبرة الميليشيات الحوثية بـ"ممارسة التجويع الممنهج"، كاشفاً عن أن السياسة الحوثية تقتضي أنه "كلما أنهك الشعب أكثر ازداد خنوعاً وانشغالاً بلقمة عيشه عن متابعتهم، بالتالي ضمنوا استمرارهم في السلطة".
وإزاء ذلك، أكد أنه "على الشعب أن يدرك أن إنهاكه وتجويعه من الاستراتيجيات التي يعمل عليها الحوثيون في تثبيت واقعهم وفرض سلطتهم"، وتفنيداً لتلك الممارسات أوضح أن الجماعة ترى أن ذلك "يعني خنوعه وعدم قدرته على مناهضتهم".
ومنذ سبتمبر (أيلول) 2016، يعاني الموظفون الحكوميون في المناطق الخاضعة لسيطرة الحوثيين انقطاع رواتبهم، إذ ترفض الجماعة صرفها متهمة الحكومة الشرعية بالوقوف وراء توقف صرفها، على رغم الإيرادات الكبيرة التي تجبيها وتتيح لها صرف الرواتب وتحسين أحوال الموظفين، بحسب الحكومة الشرعية.
الحرب شعار للنهب
وكشف هبرة عن أن الحرب لم تكن سبب قطع الرواتب وغياب خدمات الدولة في مناطق سيطرة الحوثيين، "وإنما كانت تمثل عصاً يرفعونها في وجه من ينتقد تصرفاتهم وفرصة ثمينة لترتيب أوضاعهم"، ويقول مستدلاً بجزء من تلك الإجراءات إن "المناصب لم توزع (وفقاً للشراكة الوطنية المعمول بها" وتقاسم المصالح وفرض السوق السوداء (أسواق بيع المشتقات النفطية التابعة للجماعة وعدم تزويد محطات التعبئة الرسمية) والمتاجرة بقوت الشعب ومصادرة حقوقه وممتلكات بعضهم إلا في ظل الحرب، فالحرب كانت بالنسبة إلى أطراف الصراع فرصة".
ووفقاً لذلك، تساءل متهكماً "إذاً هل تعتقدون بأن عدم إدراكهم لمعاناة الشعب هي السبب في الوضع المزري الذي وصلنا إليه وأنه يجب علينا أن نذكرهم بما يعانيه الشعب حتى يلتفتوا للواقع؟".
وسبق للحكومة الشرعية أن اقترحت تسليم رواتب الموظفين إلى المستفيدين في مناطق سيطرة الميليشيات مباشرة وفقاً لقاعدة بيانات الخدمة المدنية والعسكرية لعام 2014 (قبل الانقلاب الحوثي)، إلا أن الجماعة رفضت وطالبت بالحصول على المبلغ عبرها وصرفه وفق البيانات الحالية، أي بعد قيامها بإحلال عشرات الآلاف من أنصارها بدلاً من الموظفين الذين فروا إلى مناطق سيطرة الحكومة أو أولئك الرافضين العمل مع سلطاتها من دون مقابل.
الـ 80 في المئة
وقال رئيس المكتب السياسي الحوثي السابق الذي استبعد من منصبه داخل الجماعة بسبب انتقاداته لممارساتها القمعية إن الحوثيين "لن يقبلوا بدفع رواتب الموظفين، ولو دفعت تحت ضغط شعبي فسيحتالون لأخذ 80 في المئة منها، كما يفعلون بالنسبة إلى المساعدات الإنسانية وما تقدمه المنظمات".
ومنذ أسابيع عاودت الجهود الإقليمية والأممية مساعيها لفتح قنوات تفاهم تفضي إلى صيغة اتفاق بين طرفي الصراع تبدأ بحلحلة أولية للملفات الإنسانية الصعبة وفي مقدمتها صرف المرتبات، إلا أن المفاوضات المستمرة في شأن هذا الملف تصطدم بنقاط خلافية عدة تعوق التوصل إلى تفاهم يتيح صرفها وسط تزايد حال الاحتقان الشعبي ضد الميليشيات المدعومة من إيران تجلى بإضراب المعلمين في مناطقها جراء حرمانهم من رواتبهم للعام السابع على التوالي، في ظل أوضاع إنسانية صعبة وغلاء معيشي فاحش، في حين تباشر الحكومة المعترف بها دولياً بصرف مرتبات الموظفين داخل المناطق الواقعة في نطاق سيطرتها.
إقصاء الآخر
والقيادي هبرة الذي يعد أحد القادة الأوائل البارزين في الجماعة، يوصف بأنه ينتمي إلى الكتلة الصلبة وكان رئيس المكتب السياسي للحوثي حتى 2014 ونائب رئيس ممثلي الحوثيين في مؤتمر الحوار الوطني الشامل ورئيس ممثلي الجماعة في أبرز المفاوضات والوساطات مع الحكومة اليمنية في حروب صعدة الست.
وعبر المنشور ذاته انتقد ما وصفه بسياسة الاستحواذ السلالي التي تمارسها الجماعة منذ سيطرتها على العاصمة عام 2014 وقال "أعتقد جازماً بأنه لا تتوافر لدى أصحابنا (يقصد الحوثيين) إرادة بناء دولة وإشراك أحد في حكم ما بسطوا عليه، كما ليست لديهم إلا قضية واحدة فقط، الأرض مقابل السلام، فمن أراد أن يعود للبلد تحت سلطة الأمر الواقع مواطناً لا علاقة له بالسياسة فمرحباً به، ومن يريد ممارسة أي نشاط سياسي أو ثقافي فغير مرحب به وأرض الله واسعة"، في إشارة إلى الممارسات القمعية التي تقابل بها كل من يخالف نهجها الطائفي والسياسي المستمد من نظام ولاية الفقيه الإيراني.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وتتنامى حال السخط الشعبي جراء استمرار الميليشيات في قطع المرتبات، مما دفع إلى إطلاق حملات تنذر بتصعيد غير مسبوق.
وإزاء ذلك، نقلت وكالة "فارس" الإيرانية عن رئيس المجلس السياسي في صنعاء مهدي المشاط تعبيره للعمانيين عن حال استياء بالغة جراء ما وصفه بـ"المراوغة والتهرب من الاستحقاقات الإنسانية"، في إشارة إلى التفاهمات الجارية مع الشرعية برعاية إقليمية ودولية، متمنياً أن تفضي الجهود العمانية إلى نتائج "تخفف المعاناة" ومعتبراً أن "صنعاء مع السلام العادل الذي يضمن حقوق الشعب اليمني وأثبتت ذلك خلال الفترة الماضية"، في إشارة إلى التزام التهدئة.
رصيد الدم للمساومة
ولفت هبرة إلى تباهي جماعته بكثرة الضحايا جراء القتال، مؤكداً أنها ترى في ذلك "رصيداً لها تساوم به ضد من ينتقد تصرفاتها"، وقال إن الحوثيين يعتبرون أنه "كلما كثر القتل كان ذلك زيادة في مدة حكمهم".
وحيال هذا الأمر تساءل مجدداً "هل تعتقدون بأنهم لا يدركون كثرة الضحايا الذين استهلكتهم الحرب وبأنه يجب علينا تذكيرهم بحجم الضحايا حتى يفيقوا من سباتهم؟"، ليجيب "للأسف ليس كما يعتقد بعضهم ممن ينظرون إلى الواقع نظرة سطحية أو نظرة عاطفية، والحقيقة أن كثرة الضحايا إحدى الاستراتيجيات التي يعملون عليها".
تجارة الثأريات
هبرة الذي راح خلال العامين الماضيين يهاجم الميليشيات واستحواذهم وفسادهم في مؤسسات الدولة منذ سيطرتهم عليها في الـ21 من سبتمبر (أيلول) 2021 واتهامهم بالعنصرية والتربح من الحرب خلال السنوات الماضية، أوضح أن جماعته السابقة "ترى أنه كلما كثر القتل كان ذلك زيادة في مدة حكمهم لأنهم يعتقدون بأن أي قتيل يسقط لأسرة يضمن لهم كسب أسرته وأقاربه إلى صفوفهم باسم الثأر له واستعطافه بدم قريبه ليواصل المشوار، وهذا ما نشاهده في لقاءاتهم التلفزيونية مع أسرهم فيطلب منه التهديد بأخذ الثأر وترديد القسم بالسير على النهج".
واستطرد "كما أن كثرة القتل تعني القضاء على جيل الثورة الحقيقي الذي يحمل وعياً لا يتفق ربما مع ما يطرحونه، وبالتالي يعد التخلص من ذلك الجيل ضرورة لاستمرارهم في السلطة ولضمان عدم وجود من يناهضهم، كما أنهم يباهون بكثرة الضحايا ويعتبرون ذلك رصيداً لهم يساومون عليه ضد من ينتقد تصرفاتهم" .
وأردف "فهم يرون أن من سقط في الحرب ولو في الأسواق وصالات الأعراس حقهم ورقماً في رصيد تضحياتهم وأنهم من أجلهم قدموا أرواحهم لا من أجل الوطن ومن أجل وحدته وإقامة العدل والمساواة والعيش الكريم للشعب، لذا يتحدثون دائماً أننا ضحينا وقدمنا".
تمزيق اليمن لا يهم
وتطرق القيادي هبرة إلى ما آلت إليه حال التقاسم العسكري والجغرافي في البلاد جراء الانقلاب الحوثي، وتساءل "هل تذكيرهم بخطورة تمزيق اليمن وتهديد الوحدة قد يحرك ضمائرهم؟"، ليجيب أن "ذلك لن يغير موقفهم لأنهم يدركون أنه ليس باستطاعتهم بسط سلطتهم على اليمن كاملاً، وبالتالي يسعون إلى حكم لو جزء منه ولا يهمهم بعد ذلك إذا تمزّق البلاد أو بقي موحداً (بسيطاً أو مركباً عادياً أو اتحادياً)".
مزايدات العودة للعنف
وخلص إلى أن "لا معالجة ما يسمى الملفات الإنسانية ستحل المشكلة ولا فتح الطرقات والموانئ ولا إعادة إعمار ما دمرته الحرب ولا خروج الأجانب من اليمن، كل هذه مزايدات لتضييع الوقت ولاستغلالها في تثبيت سلطة الأمر الواقع، وعلى الشعب أن يفهم هذا الواقع، ثم يبحث عن حل".
وتأتي هذه التطورات في ظل أنباء تتحدث عن تفاهمات سياسية أجراها الوسطاء الدوليون مع الحوثيين في أعقاب زيارة قام بها وفد عماني إلى صنعاء الأسبوع الماضي استمرت أربعة أيام، وسط تعدد الإشارات من جانب المسؤولين في الجماعة إلى استعجال نتائج المحادثات إثر الضغوط الشعبية المتنامية التي يواجهونها في مناطق سيطرتهم جراء تردي الأوضاع المعيشية للمواطنين ووسط تبادل تهم المسؤولية مع فرقائهم في عدن.
هذا الضغط دفع زعيم الجماعة عبدالملك الحوثي إلى تصعيد لهجته في آخر خطاباته ضد التحالف الدولي، في خطوة اعتبرت محاولة لإظهار التماسك أمام أتباعه.
ومع حال الغليان التي دشنها المعلمون منذ أيام، سارعت الجماعة إلى إطلاق تهديدات صريحة بالعودة للحرب، مما عده مراقبون ورقة مساومة للداخل اليمني والمجتمع الدولي الضاغط باتجاه إنهاء الحرب وهرباً من الاستحقاقات المتوجبة عليها ومحاولة للتنصل من التزاماتها الإنسانية برمي الكرة في ملعب الحكومة الشرعية وتحميلها مسؤولية ذلك.
في الأثناء طمأن القيادي في الميليشيات محمد علي الحوثي الساخطين بأن "المرحلة التي مضت هي الأصعب، والمرحلة الآتية ستكون فيها انفراجة كبيرة على الشعب اليمني كله"، في نبرة متفائلة توّجها بالدعوة إلى "توحيد الجهود" كي تتكلل بالنجاح.
وخلال التهدئة الحالية تجاوزت الجماعة ملف الرواتب وطالبت بدلاً منه بحصة من عائدات تصدير النفط على أن تتصرف هي بها، وهي الشروط التي تسببت في إفشال التوصل إلى اتفاق حول صرف الرواتب.
وكان المبعوث الأممي إلى اليمن هانس غروندبرغ وضع مقترحاً لتجديد الهدنة وتوسيع بنودها لتشكل جوانب إنسانية قوبلت بترحيب الحكومة من خلال إضافة وجهات جديدة من مطار صنعاء ورفع القيود عن موانئ الحديدة والاتفاق على آلية لصرف الرواتب وفتح الطرق بين المحافظات وإنهاء الحصار الخانق الذي يفرضه الحوثي على تعز، كإجراءات تمهد موضوعياً للشروع لاحقاً في مسار تفاوضي ينتهي بإحلال السلام.
غير أن الميليشيات الحوثية طالبت بوضع يدها على الرواتب وتوريد موازنة النفط والغاز إلى البنك التابع لها في صنعاء، كما قابلت الجهود السعودية والعمانية بمزيد من التعقيدات التي وصفتها الشرعية بأنها "شروط لا تنتهي".
ومع حال الانسداد هذه اتهمت الحكومة الشرعية ميليشيات الحوثي بممارسة التضليل ومحاولة إغراق وسائل الإعلام وإلهاء الرأي العام بالأكاذيب حول أزمة الرواتب للتغطية على تسببها بوقف دفعها عقب الانقلاب على الشرعية ونهب الاحتياط النقدي من البنك المركزي في صنعاء.
وقالت على لسان وزير الإعلام معمر الإرياني إن "الحكومة التزمت دفع رواتب موظفي الدولة كافة، في مقابل توريد ميليشيات الحوثي عائدات ميناء الحديدة المالية لحساب خاص في البنك المركزي بالمحافظة، تنفيذاً لاتفاق ستوكهولم إلا أن الحوثيين نهبوا تلك الإيرادات".
ثلاثة أضعاف أموال الحكومة
وكشفت التقديرات، بحسب الوزير الإرياني، عن أن إجمالي الإيرادات التي تحصلت عليها ميليشيات الحوثي خلال 2022-2023 بلغت 4 تريليونات و620 مليار ريال، وهي ثلاثة أضعاف إيرادات الدولة اليمنية قبل الانقلاب عام 2014 والبالغة تريليوناً و739 مليار ريال (تريليون يمني يساوي 4 مليارات دولار).
وأمس الثلاثاء، وصل غروندبرغ إلى العاصمة الموقتة عدن لعقد محادثات مع الحكومة المعترف بها دولياً تهدف إلى دفع التفاهمات الجارية في شأن الملفات الإنسانية وعملية السلام قدماً.
ووفق وكالة الأنباء الرسمية "سبأ"، استقبل رئيس مجلس القيادة رشاد العليمي في قصر معاشيق المبعوث الخاص للأمم المتحدة بحضور رئيس مجلس الوزراء الدكتور معين عبدالملك، سبقه أول من أمس الإثنين، عقد محادثات في القاهرة مع وزير الخارجية المصري سامح شكري ومسؤولين آخرين، إضافة إلى مساعد الأمين العام لجامعة الدول العربية حسام زكي، في ظل أنباء تتحدث عن زيارة مرتقبة للمبعوث الأممي الى العاصمة صنعاء الخاضعة لسيطرة الحوثيين لمواصلة جهود تقريب وجهات نظر الفرقاء اليمنيين.