Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

شيطنة النفط لا تفيد

غياب المورد الطبيعي دفعة واحدة يؤذي مكافحة التغيرات المناخية ولا يعود عليها بالنفع

إخفاق ملموس للبدائل الأخرى للنفط كافة بما فيها طاقتا الرياح والماء (أف ب)

ملخص

توجيه اللوم إلى الدول المنتجة للنفط وتجاهل آثار الفحم بمثابة ازدواجية مفضوحة

على رغم أن الفترة الزمنية التي انتشر فيها فيروس "كوفيد-19" أظهرت الأهمية القصوى للنفط كسائل للحضارة غيّر من شكل العالم منذ اكتشافه وبكميات اقتصادية وافرة في بدايات القرن الـ20 إلا أن هناك صيحات مثيرة وخطرة تتعامل مع النفط بوصفه شراً مطلقاً ومستطيراً وتحمله كل أعباء ما يحدث من تحولات المناخية فوق الكرة الأرضية.

يتعين علينا أن نتساءل في بداية هذه القراءة "هل النفط بالفعل هو السبب في ظاهرة الاحتباس الحراري والتغير البيئي على مختلف أوجهه، أم إن في الأمر مغالاة وراءها أسباب أخرى غير ظاهرة في الحال، وإن كانت لا تخفى على أحد؟".

يمكن القطع بأن هناك كثيراً من الأسباب الموضوعية لتلوث البيئة يمكننا الحديث عنها بإسهاب، وفي الوقت عينه ينبغي تبيان حقيقة وضع العالم في جدليته مع النفط، لا سيما في ظل الإخفاق الواضح للبدائل كافة التي جرى الحديث عنها والخاصة بالطاقة النظيفة مثل طاقة الرياح والماء، كما أن الرهانات على النفط الصخري تحتاج إلى عقود طوال لكي تتحقق، فيما الطاقة النووية لا تزال لها أخطارها الجسيمة ولا تزال الذاكرة الجمعية البشرية تعي ما حدث في تشيرنوبل عام 1986، مما يستدعي تساؤلات موضوعية عن جدلية النفط والمناخ والوقوف على المناطق الفاصلة بين الحقائق والأكاذيب، وهل العالم في حاجة إلى مزيد من النفط أو أن لديه وفرة؟.

النفط وتغيير العالم إلى الأفضل

يمكن للباحث عن حقيقة حال النفط العالمية أن يتساءل أول الأمر، هل أدى النفط منذ ظهوره إلى تحسن نوعي في أحوال المناخ بعدما كان الاعتماد كلياً على الفحم المعروف بنسب تلويثه العالية لمناخ الكرة الأرضية؟

أفضل جواب نجده عن السؤال، قدمته الكاتبة الأميركية إيرينا سلاف ونشرته عبر موقع "أويل برايس" الأميركي المعروف وفيه تقول إن "تغير المناخ يشكل فعلاً خطراً على حياة الكائنات الحية على سطح المعمورة، غير أنه ومع كل الضوضاء التي تحوم حول جدلية العلاقة بين النفط والمناخ، فإن استخدام النفط الخام جعل الحياة أسهل وأنظف كثيراً جداً من أي وقت مضى عبر التاريخ الماضي، وحتى مع احتساب الآثار الجانبية كافة التي تخلفها الصناعات القائمة على النفط، فإنه طور أحوال البشر وحسّنها بطرق شتى".

هل هناك تناقض ما بين الصرخات العالية التي توجه الاتهامات إلى النفط صباح ومساء كل يوم، وبين حقائق ما مرتبطة بعمر الإنسان منذ ظهور النفط؟

يبدو أن الأمر كذلك قولاً وفعلاً، إذ تشير قراءات أميركية عدة إلى أن صحة الأميركيين ومتوسط أعمارهم ازدادا مع استخدام صناعة البتروكيماويات والبلاستيك التي تعني مزيداً من مواد التنظيف والتعقيم التي تشترك في صفة واحدة وهي أنها من مشتقات النفط الخام.

سلاف تلفت إلى أن معظم أنواع المنظفات التي تقاوم الجراثيم والميكروبات باتت تدخل فيها أجزاء من البتروكيماويات ومن أمثلة ذلك الصابون والمنظفات والشامبوهات وغيرها، ثم تصل بنا إلى النقطة الأهم والخاصة بوسائل النقل العالمي، لا سيما نقل الأغذية وسلاسل التوريد حول العالم التي تقوم بها السفن العملاقة، وهنا يصبح واضحاً جداً أنه من دون النفط لن يمكن لها أن تمخر عباب البحار ولا أن تتنقل عبر القارات بحرياً، وتبلغ نسبة البضائع السابحة عبر البحار والمحيطات نحو 90 في المئة من حركة التجارة العالمية.

وبعبارة أخرى، يعدّ النقل البحري أرخص وسيلة لنقل البضائع وهذا بدوره يحافظ على انخفاض أسعارها عند وصولها إلى المستهلك، وكل ذلك بفضل النفط لأن سفن الحاويات وأساطيل الشحن في العالم مدعومتان بشكل كبير من الوقود المستخرج من النفط.

ما الذي يلوث الكرة الأرضية؟

تبدو قضية تلويث الكرة الأرضية والمناخ العام قضية خطرة ومهمة لمستقبل حياة البشرية، غير أن القول إن النفط هو السبب الرئيس في تلويث الكوكب الأزرق، هو قول يجانبه الصواب.

التلوث يعني أول الأمر دخول أو انبعاث مواد ضارة بالنظام البيئي وما يلوث الماء والأرض والهواء، ويمتد تأثيره إلى الإنسان والحيوان والنبات على حد سواء، ويمكن لنا أن نعدد أنواع التلوث البيئي، فهناك التلوث الكيماوي وهو الناتج من إقحام مواد كيماوية مركبة ومصنعة في بطن التربة، أو في قلب الأنهار، وعادة ما تكون ناتجة من مخلفات المصانع لا سيما مصانع التنظيف وزيوت السيارات التي تُنتج مثل مخلفات جانبية لعملية الصناعة.

وتلوث الأرض الإشعاعات التي تتسرب إلى التربة من خلال التجارب العسكرية التي تجريها كبريات الدول والأقطاب الدولية بنوع خاص ومنها ما يتسرب إلى قلب الأرض، وبعضها الآخر يتصاعد في الهواء ويعتبر من أخطر أنواع التلوث البيئي بسبب عدم إمكان الكشف عنه أو رؤيته أو شمه والإحساس به، وهناك أنواع أخرى من التلوث مثل التلوث البيولوجي وهذا تتسبب فيه عمليات إهمال النظافة، مما يؤدي إلى انتشار البكتيريا والفطريات حول الكرة الأرضية ويقود في طريق انتشار الأوبئة، وعرفت القارة الأوروبية أنواعاً عدة من هذا التلوث كما الحال في زمن الطاعون في أوروبا خلال القرن الـ16.

وهناك تلوث طبيعي لا دخل للإنسان فيه وإنما تجري به مقادير الكوكب وينتج من الظواهر الطبيعية مثل البراكين والصواعق والعواصف التي عادة ما تحمل معها آلاف أطنان الرماد والرمال والأتربة وغالباً ما تتلف المزروعات والمحاصيل، ومن الصعب مراقبتها أو التنبؤ بها، وللمرء أن يعدد أنواع التلوث، فهناك تلوث صوتي وتلوث حراري وتلوث التربة، وجمعيها يبدو النفط منها براء، غير أن هناك نوعاً آخر من التلوث يكاد يكون السبب الرئيس في حال الاحتباس الحراري، تلك التي تعانيها الكرة الأرضية والتي انتقلت على حد تعبير الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش إلى حال الغليان، وهو بعيد كل البعد من النفط وغالباً ما تستخدمه الدول القطبية في صراعاتها بهدف تسنم العالم... ماذا عن ذلك؟

الفحم من الثورة الصناعية إلى اليوم

يمكن من دون أدنى شك توجيه اتهامات لاذعة إلى الفحم الكربوني الذي ترك أسوأ الأثر على أحوال مناخ الكرة الأرضية منذ انبلاج الثورة الصناعية وحتى اليوم.

تسببت الثورة الصناعية وما واكبها من تطورات حياتية يومية، بخاصة وسائل المواصلات العصرية في أوائل القرنين الـ 19 والـ 20 من قطارات وبواخر، في تكثيف الحاجة إلى استخدام الكربون الذي تعزى إليه انبعاثات غاز ثاني أكسيد الكربون في الغلاف الجوي وهو المصدر الرئيس لتلوث الهواء، ومن ثم نشوء وارتقاء ظاهرة الاحتباس الحراري.

وصدرت أخيراً دراسات عدة تشير إلى أن استمرار البشرية في التعاطي مع الفحم يمكن أن يعقد حال المناخ العالمي المضطربة لدرجة أن منجم فحم واحداً يعرض البشرية لتغيرات مناخية تعادل 1.7 مليون قنبلة مثل تلك التي ألقيت على هيروشيما.

هنا يعنّ لنا أن نتساءل "لماذا لا تتم شيطنة إنتاج الفحم في بقاع جغرافية مثل أستراليا"، فيما يتم توجيه اللوم فقط إلى الدول التي تنتج النفط، مما يعد ازدواجية عالمية مكشوفة ومفضوحة؟، وتقودنا عملية البحث عما يجري فوق سطح الكوكب على صعيد الفحم وإنتاجه إلى أن الحكومة الأسترالية تخطط لنحو 100 مشروع وقود أحفوري إضافية قبل نهاية العقد الحالي، على رغم المخاوف الواضحة والمعروفة للقاصي والداني من أثرها على البيئة والمناخ العالميين.

لا تعير أستراليا أدنى التفاتة لتعهد قادة العالم بموجب اتفاق باريس للمناخ عام 2015 بالحيلولة دون تخطي حاجز 1.5 درجة مئوية على المدى البعيد، وإن كانوا أخفقوا جميعهم حتى الساعة في تقليص الانبعاثات الغازية المسببة للأزمة المناخية التي ستقضي على الأخضر واليابس.

خلال العام الحالي، رفضت الحكومة الأسترالية مقترحاً للتوسع في منجم فحم تقدم به قطب التعدين الأسترالي كليف بالمر، لكنها وافقت على ثلاثة مشاريع مناجم فحم أخرى، مما يمكن أن يقوض جهود كانبرا في الحد من آثار التغيرات المناخية.

هل أستراليا فحسب هي من تعمق أزمة العالم المناخية جراء استخدام الفحم، أم إن هناك قوى قطبية عالمية غيرها تفعل ذلك وربما بصورة أشد بشاعة، مما يعني أن النفط ليس هو الجاني المطلق في ما يحدث من تغيرات مناخية؟.

الصين والفحم... سير عكس الريح

لم يعد سراً أن الصين تعاني أزمات اقتصادية حادة منذ تفشي فيروس "كوفيد- 19" أواخر عام 2019 وانعكست هذه الإشكالية على قدرات الصين الخاصة بتوليد الكهرباء، إذ تراجعت قدرات الصينيين في هذا الإطار، مما خلق حالاً من الجوع إلى الفحم مرة جديدة.

تحفظ الذاكرة الجمعية كيف أن بكين وخلال أعمال قمة "كوب 26" في مدينة غلاسكو عام 2021 كانت رفعت استهلاكها من الفحم بنسبة تصل إلى 35 في المئة، مما يعني أن ناتج استخداماتها من هذا النوع من أنواع الطاقة يؤدي إلى إصابة الكوكب الأزرق في مقتل بيئياً، وليس منتجي النفط.

مع بدايات سبتمبر (أيلول) الجاري، كانت الأنباء الواردة من الصين تفيد بأنه على رغم وعود إيقاف بناء منشآت جديدة لتوليد الطاقة من خلال الفحم، إلا أن بكين وافقت أخيراً على بناء عدد من المحطات الجديدة التي تعمل بالفحم بمعدل محطتين كل أسبوع، وفقاً لصحيفة "ذا غارديان" البريطانية.

وكان الرئيس الصيني شي جينبينغ وعد عام 2021 بالتوقف عن بناء محطات تعمل بالفحم، لكن في 2022 وافقت حكومته على رقم قياسي قدره 106 غيغاواطات من الطاقة الجديدة التي تعمل بالفحم علماً أن الغيغاواط الواحد يعادل محطة واحدة كبيرة.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

 وبحسب "غلوبال إينرجي مونيتور"، وهي منظمة غير حكومية تتخذ من سان فرانسيسكو في ولاية كاليفورنيا مقراً لها وتعمل على رصد مشاريع الوقود الأحفوري والطاقة المتجددة في جميع أنحاء العالم، فإن الصين في طريقها إلى تحطيم الرقم القياسي السابق هذا العام بالموافقة على بناء محطات فحم جديدة.

هل في المشهد الصيني ازدواجية أخلاقية، أم براغماتية متوحشة، بخاصة كلما يشتد التنافس مع الولايات المتحدة الأميركية عسكرياً؟. ربما يكون الأمر هذا وذلك دفعة واحدة من غير اهتمام بحقيقة أن استخدام الفحم أو حرقه لإنتاج الطاقة يؤدي إلى إطلاق كميات كبيرة من ثاني أكسيد الكربون المسؤول عن الاحتباس الحراري في الغلاف الجوي، ولعله من المثير الإشارة إلى أنه في يوليو (تموز) الماضي أعلنت وكالة الطاقة الدولية أن استهلاك الفحم بلغ "أعلى مستوياته تاريخياً في العالم خلال 2022 ويتوقع أن يسجل مرة أخرى مستويات قياسية هذا العام".

يحتاج حديث الفخ الكربوني إلى قراءة مستقلة قائمة بذاتها توضح كيف أن العالم الآخر غير النفطي يكاد يتسبب في تعميق حال الغليان الحراري كوكبياً، فمنذ بداية العام تقدر الوكالة أن الطلب على الفحم في الصين والهند ازداد بنسبة خمسة في المئة خلال الأشهر الستة الأخيرة.

وفي ما يتعلق بالصين، فإن ارتفاع درجات الحرارة في مختلف المدن والولايات الصينية قاد لزيادة استخدام الفحم بهدف إنتاج مزيد من الطاقة الكهربائية لتغطية الحاجات المتفاقمة الناجمة عن تشغيل المكيفات لمواجهة صعود حرارة الطقس، بحسب ما روته "نيويورك تايمز" الأميركية.

هل يعني ذلك أن المحاولات الدؤوبة لشيطنة النفط ليست إلا سهاماً منحولة لها ما لها من أهداف غير واضحة للعوام، فيما يتفهمها الخواص الثقات كجزء من الصراع الجيوبوليتيكي العالمي المعاصر؟.

إيلون ماسك... لا تشيطنوا النفط

لا تبدو وتيرة مهاجمة النفط أمراً طبيعياً، بل يكاد يقترب المشهد من فكر المؤامرة التاريخية، بخاصة أن ضروب شيطنة النفط تمضي في أوقات يعاني العالم ارتباكات جوهرية في شأن أوضاع الطاقة، وفي أزمنة تحتاج إلى مزيد من طاقة النفط، وأفرزت الحياة الحديثة حاجات متزايدة إلى الطاقة بمختلف أنواعها، وحتى الساعة لا يوجد أفضل ولا أرخص من طاقة النفط، تلك التي قامت عليها حضارة القرن الـ20 وتظل عماداً من أعمدة البنية التكوينية للقرن الـ21 وربما الـ22.

يدخل النفط اليوم في صناعات تنتج حاجات يومية بشرية، وعليه فإنه حال غيابه أو بمعنى أدق تغييبه ستختفي سلع وخدمات عدة لا يمكن العيش من غيرها اليوم، وبالرجوع إلى الأرقام الديموغرافية لسكان الكرة الأرضية يجد الباحث ارتفاعاً واضحاً في عدد السكان، فيشير تقرير منظمة "أوبك" وتقرير "آفاق النفط العالمية" إلى أنه من المتوقع أن يزداد عدد سكان العالم بمعدل 1.6 مليون نسمة خلال الفترة الزمنية للبحث التي ستنتهي عام 2045، كما أشارت الأمم المتحدة إلى أنه من المتوقع أن يصل عدد سكان العالم إلى 10.4 مليار نسمة بحلول عام 2100.

ما الذي يمكننا استنتاجه من هذه الأرقام؟

بحسب تقرير "آفاق عالمية" فإنه من المتوقع أن ينمو الطلب العالمي على الطاقة بمقدار يقارب 23 في المئة حتى عام 2045، كما أنه من المتوقع أن يزداد الطلب على النفط ليصل إلى مستوى 110 ملايين برميل يومياً.

من هنا يظهر جلياً أن النفط سيستمر في أن يكون جزءاً أساساً من البنية التحتية العالمية للطاقة لعقود مقبلة وهذا يتناقض بشكل صارخ مع التصريحات التي صدرت خلال العقود الماضية والتي تشير إلى أن عصر النفط انتهى، ففي الواقع يقترب الطلب على النفط من أعلى مستوياته على الإطلاق، إذ سيرتفع بما يقارب 5 ملايين برميل يومياً في العام الحالي والعام المقبل.

على هامش مؤتمر للطاقة عقد في مدينة ستافانغر في النرويج في أغسطس (آب) 2022، تحدث الرئيس التنفيذي لعملاق صناعة السيارات الكهرباية "تيسلا" إيلون ماسك رابطاً بين النفط والغاز وبين استمرار الحضارة الإنسانية وتحقيق المستقبل المستدام.

وقال ماسك إن "هناك حاجة إلى مزيد من الوقود الأحفوري على الأقل في المدى القريب لضمان توفير مستقبل مستدام".

كانت كلمات ماسك واضحة جداً، إذ قطع بأنه لا يميل إلى فكرة شيطنة صناعة النفط والغاز اللذين وصفهما بأنهما باتا ركنين رئيسين في صناعة الحضارة المعاصرة، ولذلك هناك حاجة لمزيد منهما.

هل يمكن اعتبار شهادة ماسك غير مجروحة؟، قطعاً هي كذلك، بخاصة أن الرجل لو لم يكن موضوعياً لهاجم النفط وصناعاته ووجه إليه أشد أنواع الاتهامات.

غياب النفط وتعريض العمل المناخي للخطر

لماذا يبدو الحديث عن علاقة النفط بالمناخ في هذه الآونة حديثاً مطلوباً ومرغوباً، بل ربما حديث الساعة؟، فمؤكد أن للأمر علاقة بصورة أو بأخرى بانعقاد مؤتمر المناخ العالمي "كوب -28" في العاصمة الإماراتية أبو ظبي خلال نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل، وحتماً سيدور النقاش من جديد حول الاستثمار في قطاع الطاقة النفطية وسوف ترتفع أصوات تطالب بسياسات لتنمية هذا القطاع، غير أن هذا قد يضر بأمن المناخ وبعملية التحولات المناخية، عوضاً عن أن يساعد في دعمها وزخمها نحو الأفضل.

في مقالة له نشرتها صحيفة "بروجكت سنديكت" بعنوان "انتقال جرئ وواقعي للطاقة"، كتب وزير الصناعة والتكنولوجيا المتقدمة، المبعوث الخاص لدولة الإمارات إلى التغير المناخي سلطان الجابر "من وجهة نظرنا، فإن نجاح التحول في قطاع الطاقة يتطلب تحقيق تقدم في كل من النمو الاقتصادي والعمل المناخي وأن يكون التحول مستنداً إلى حقائق علمية واقتصادية وهندسية والتنفيذ السريع للحلول، إضافة إلى إدراك واضح للتحديات التي تواجه عملية التحول".

يحتاج فهم أبعاد جدلية العلاقة بين الطاقة النفطية والتغيرات المناخية إلى قادة يتمتعون بالعقلانية والثبات النفسي مع التحلي بالصدق والابتعاد من الخطط الماورائية ذات الأبعاد السياسية، ومن هنا تبدو الحاجة الماسة إلى قادة في قطاع الطاقة لديهم الدراية والخبرة لمواجهة التحدي المزدوج المتمثل في تحقيق التقدم المستدام تزامناً مع خفض الانبعاثات.

هل تحولت قضية الطاقة النفطية بدورها إلى خنجر في خاصرة دول وشعوب بعينها، كما الحال مع قضايا الحريات وحقوق الإنسان وما شابه؟.

"إن لم يكن التاريخ مؤامرة، فإن المؤامرة موجودة في بطون التاريخ"... هل تنسحب هذه العبارة على تقارير هيئة تغير المناخ التي يبدو أنها تتحول يوماً تلو الآخر إلى أداة للضغط على دول النفط والغاز؟، من المؤكد أن الأمر يمضي على هذا النحو، فقد كشف التقرير السادس للهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ عن تغير كبير في سياسات الهيئة ضد النفط والغاز وبما يشير إلى تحول كبير من أجل الضغط على الدول المنتجة للمواد الهيدروكربونية، ولعل المتابعين للتقييم السادس الذي صدر في أبريل (نيسان) من عام 2022 لمسوا لغة واضحة في بعض الأحيان، ومستترة في أحيان أخرى، ضد استخدام الوقود الهيدروليكي أو الاستثمار فيه، مما يجعل هذا التوجه مسيساً، على رغم أنه لا يمكن أن يكون هناك تحول سلس للطاقة من دون الوقود الأحفوري، وهو ما تثبته الوقائع المعاشة.

ما الذي يتبقى؟

الاستشهاد بما قالته المتخصصة في مجال التغير المناخي والحماية من الفيضانات عائشة القرشي التي اعتبرت أن المطالبة بالتوقف عن حرق النفط والغاز والفحم أمر يؤدي إلى تعطل غالبية، إن لم يكن كل مظاهر الحياة، وأكدت أن الذين يطالبون بوقف استخدام النفط غير قادرين على الاستغناء عن متطلبات الرفاهية كافة التي اعتادوا عليها طوال حياتهم، فهل هناك من يحاول تسيسس قضية المناخ على عتبات "كوب-28"؟.

اقرأ المزيد

المزيد من البترول والغاز