Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

"ضربة شمس" مناخية للفلاح المصري في عيده الـ71

تغيرات الطقس دفعت المزارعين إلى التكيف مع الوضع الجديد وتوقيتات مختلفة لزراعة بعض المحاصيل

مزارعون مصريون يجمعون محصول الفلفل في الفشن بمحافظة بني سويف جنوب البلاد (أ ف ب)

في ظل ظروف صعبة يواجهها المزارعون بمختلف أنحاء البلاد، يحتفي المصريون بالذكرى الـ 71 لعيد الفلاح على وقع تأثيرات تغير المناخ على المحاصيل وتبعات أخرى جسيمة ناتجة من تقلبات الطقس، التي دفعت بدورها إلى إحداث تعديلات في توقيتات الزراعة واتخاذ تدابير للتكيف مع هذه التغيرات.

ترك ارتفاع درجات الحرارة خلفه ضموراً للمحاصيل الزراعية وانخفاض جودتها، مع تقزم بعض النباتات وزيادة معدل التبخر، مما أدى إلى إحداث خلل فسيولوجي لها، وفق ما قاله المتخصص المصري في وقاية النبات، أشرف شحتة.

ويرى شحتة، الذي يمتلك أراضي زراعية بمدينة كفر شكر التابعة لمحافظة القليوبية، أن ارتفاع درجات الحرارة أدى إلى انخفاض إنتاجية المحاصيل، وظهور حشرات وأعداء طبيعية للمحاصيل، موضحاً أن معظم الفاكهة شهدت نمواً خضرياً على حساب النمو الثمري نتيجة ارتفاع درجات الحرارة.

ومضى في حديثه، "التغيرات الجوية تسببت في تباين إنتاج المحاصيل، فارتفعت إنتاجية بعضها وانخفضت أخرى نتيجة لتقلبات المناخ، حتى النباتات البرية في المناطق الصحراوية التي لا تتطلب تدخلاً بشرياً تأثرت بالتغيرات المناخية، وتأخرت في عمليات الأزهار التي كانت تبدأ في 15 يوليو (تموز) من كل عام، ولم تزهر حتى الآن".

وفي سبتمبر (أيلول) 2021، قال رئيس مركز معلومات تغير المناخ بوزارة الزراعة المصرية، محمد فهيم، إن إنتاج الزيتون يتأثر بشكل كبير بالتقلبات المناخية في بلاده التي تتعرض لتغير مناخي بوتيرة أسرع من المتوقع، موضحاً حينها أن الموجات الحارة التي تبدأ من شهر يونيو (حزيران) لها تأثير كبير في الإنتاجية وجودة الثمار.

آنذاك تحدث المسؤول المصري أيضاً عن خسائر هائلة في إنتاجية الزيتون والمزارع بشكل عام بسبب التغيرات المناخية، إذ تعرضت أشجار الزيتون لتحديات قاسية للمناخ، مما أدى إلى تدهور إنتاجها بشكل حاد بنسبة تتراوح بين 60 إلى 75 في المئة.

بالعودة إلى المتخصص المصري في وقاية النبات، أشرف شحتة فيركز على أن تغيرات المناخ أدت إلى تأجيل مواعيد الزراعة بسبب الظروف الحرارية، لافتاً إلى أنهم كانوا يزرعون الخس في مطلع سبتمبر، ولكنهم لم يتمكنوا من زراعته حتى الآن بسبب ارتفاع درجات الحرارة، وأشار إلى انتشار الأمراض النباتية بشكل كبير بسبب التغيرات المناخية، حتى باتوا غير قادرين على مواجهة هذه الأزمة بسبب الخلل في الطبيعة.

ولفت إلى أن "دودة الحشد" أثرت سلباً في محاصيل الذرة على رغم أنها لم تكن موجودة في مصر من قبل، لكنها انتشرت في الوقت الحالي بسبب التغيرات المناخية، مشيراً إلى انخفاض في جودة النخيل وتعفن البلح نتيجة نمو الفطريات.

الأمراض النباتية

جمال منسي، مزارع مصري يعمل في مجال الفلاحة منذ نحو 30 عاماً في قرية نكلا بمحافظة الجيزة، وبات أحد ضحايا تغير المناخ، إذ يقول إنه تأثر كغيره بتقلبات الطقس وارتفاع درجات الحرارة، موضحاً أن موسم الذرة الحالي أصيب بـ"الندوة العسلية" التي تشل أعواد الذرة وتؤدي إلى خفض الإنتاج.

وشرح منسي أنه اضطر إلى الزراعة قبل الموعد بشهرين، على رغم أنه من المفترض زراعتها في يونيو(حزيران)، ولكنه اضطر إلى تبكير الزراعة بسبب تغيرات الطقس.

وعن طبيعة الضرر الواقع على المزارعين في منطقته، أوضح أن الفلاحين الذين زرعوا الذرة في موعدها المفترض خلال شهر يونيو لم يحصلوا على إنتاجية جيدة وتعرضوا لخسائر كبيرة في المحصول، موضحاً أن الذرة تعد من المحاصيل الصيفية، ولكن دودة الحشد دمرت المحصول.

وفي شأن تأثير تغير المناخ في الفلاحين، قال جمال إنه يزرع أيضاً نبات الجراوة الذي يستخدم لتغذية المواشي، وكان يستمر المحصول حتى شهر أكتوبر (تشرين الأول)، لكن بسبب تقلبات الجو ينتهي موسمه في يوليو، موضحاً أن موجات الحر تجبرهم على استخدام مبيدات أكثر للحفاظ على المحصول.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

ونوه إلى أن تلك المبيدات تزيد من الكلفة والخسائر بالنسبة إلى المزارعين، فمثلاً، كانت الشكارة (العبوة) تكلف 75 جنيهاً (2.5 دولار) وارتفعت إلى 150 (5 دولارات) ثم 225 جنيهاً (7.5 دولار)، وصولاً إلى 650 جنيهاً (21 دولاراً). وأضاف أنهم كانوا يأكلون من الأرض مباشرة في الماضي، ولكنهم الآن لا يستطيعون فعل ذلك.

وفي ما يتعلق بالتعديلات التي أجراها للحفاظ على الإنتاجية وعدم تعرضه لخسائر، أشار جمال إلى أن عديداً من المحاصيل أصبح من الصعب زراعتها في المنطقة التي ينتمي إليها، مثل البصل الذي يعد محصولاً شتوياً يصاب بـ"الندوة" بسبب الطقس الحار، ولذلك لم يعد يزرع في المنطقة.

وأضاف أن عديداً من المحاصيل، مثل البصل، تحتاج إلى مبيدات كثيرة ويكون إنتاجها ضعيفاً في الأراضي الطينية، وتتضرر بسبب التقلبات الجوية، أما الزراعات الشتوية مثل الفول الحيراتي (أحد أنواع الفول) والفلفل، اضطروا لتقليص زراعتها بسبب تقلبات الجو، ولجوئهم إلى زراعة الملوخية التي تحتاج إلى طقس حار.

التكيف مع الطقس

تلك الأزمة من وجهة نظر المتخصص الأممي في شؤون المياه، أحمد دياب، ناتجة من عديد من الأسباب منها أن معدلات هطول الأمطار وتوزيعها تغيرت، كما اختلفت حاجات النباتات للمياه، وتغيرت توقيتات الزراعة، وتباينت درجات نضج المحاصيل، كما تغيرت الممارسات الزراعية وأساليب مكافحة الأمراض النباتية.

 ويقول دياب في حديثه لـ"اندبندنت عربية"، إن أمراضاً نباتية جديدة ظهرت في ظل هذه التغيرات، فيما انخفضت حدة بعض الأمراض السابقة، بالتالي، اتجه الفلاحون نحو تعديل مواعيد الزراعة والري وفقاً لتلك التغيرات المناخية. ويعد هذا التكيف مع التحولات المناخية ضرورياً، لافتاً إلى أهمية وجود مرونة استراتيجية في السياسات الزراعية والمائية للتكيف مع هذه التغيرات الحادة الناتجة من التقلبات الطبيعية الحادة.

يروي إبراهيم محمد، أحد المزارعين في منطقة بحر البقر بمحافظة الشرقية، أن تغير المناخ أثر في زراعات الخضروات والفواكه في المنطقة، إذ تعرضت معظم النباتات في فترة قصيرة إلى الذبول بسبب تقلبات الطقس، موضحاً أن محاصيل الشمام تضررت للعام الثالث على التوالي في القرية.

ويضيف، أن تغيرات المناخ أثرت بشكل سلبي في محاصيل البطيخ، إذ لم يعد هناك عائد من زراعته في قريتهم، كما أن ارتفاع درجات الحرارة وانتشار الأمراض أدى إلى تراجع زراعة الطماطم التي كانت محصولاً رئيساً، ويشير إلى أن المزارعين باتوا يركزون أكثر على زراعة الرز ومحصول الغلة.

ويتحدث إبراهيم عن تأثير التغيرات المناخية في المحاصيل في أرضه، مؤكداً أنها بدأت في الظهور منذ سبع سنوات، لكن هذه التأثيرات أصبحت أكثر وضوحاً وقلقاً في الآونة الأخيرة. ويذكر أيضاً أنه في هذا العام الثالث تخلى عن زراعة الخضروات بسبب الخسائر المتكررة، وأن أسعار معظم الأدوية ارتفعت وأدت لتراجع فعاليتها، مؤكداً أنه اتجه نحو زراعة الرز كبديل مناسب في منطقته.

تراجع في الإنتاجية

الباحث في مركز البحوث الزراعية، محمد إبراهيم، تحدث بدوره عن تأثير تغيرات المناخ في الزراعة المصرية، موضحاً أن الفلاح المصري كان يعتمد على توقيتات محددة في عمليات الزراعة بحيث تتناسب معدلات الحرارة مع المعايير الكيماوية المستخدمة، ولكن مع التغير في درجات الحرارة، بدأت ترتيبات الفلاح تختل، مما أدى في النهاية إلى تراجع في الإنتاج.

وذكر أن هذه المشكلة تظهر بوضوح في أشجار الفاكهة الثابتة مثل المانغو، لافتاً إلى ظهور فطريات مثل "العفن الهبابي" قبل ثلاثة أعوام، إذ أصبح المناخ يخدم تلك الفطريات على الانتشار، مما أدى إلى تساقط الثمار قبل أوان قطفها. ومع بداية الموسم، انخفضت الكميات المتاحة في السوق وارتفعت الأسعار، مما أجبر المزارعين إلى بداية عمليات الزراعة مبكراً، وهو ما جعل الفطر لا يجد البيئة المناسبة لنموه.

وقال إن تغير المناخ دفع المزارعين إلى تقديم جدول زمني مختلف لزراعة بعض المحاصيل، مع تأخير زراعة البعض الآخر، بهدف عدم توفر الظروف المثلى لنمو الفطريات التي تتفاعل مع ارتفاع درجات الحرارة، مشيراً إلى أن محاصيل مثل الطماطم، أصبحت أكثر عرضة للتلف بسبب ارتفاع درجات الحرارة، مما دفع بعض المزارعين للتراجع عن زراعتها.

وفي يوليو الماضي، أوضح رئيس مركز معلومات تغير المناخ بوزارة الزراعة أن فاكهة المانغو تعد واحدة من أكثر المحاصيل تأثراً بالتغيرات المناخية، نتيجة ارتفاع درجات الحرارة، مشيراً إلى حدوث تساقط للثمار من الأشجار بنهاية شهري مارس (آذار) وأبريل (نيسان) الماضي، مما أثر بشكل كبير في هذه الصناعة.

وأضاف، "لم يتوقع المزارعون يوماً ما أن تتساقط ثمار هذه الأشجار التي تجاوز عمرها 60 سنة في مصر، دون وجود سبب واضح كالعواصف أو الأمطار".

زراعات جديدة

شهادة أخرى يرويها رضوان شقران مزارع بمحافظة القليوبية، يقول إن زراعة البرسيم الحجازي بدأت تنتشر في منطقتنا في الفترة الأخيرة، واتجهت لزراعة محاصيل الأعلاف نظراً لزيادة الطلب عليها، مشيراً إلى أن الذرة تأثرت بشكل كبير بتغيرات المناخ، والأمر الغريب هو أن نمو النبات يظهر بشكل جيد، لكن إنتاجية المحصول لا تلبي التوقعات.

وحول مدى التأثر الواقع عليه بفعل تقلبات الطقس، نبه إلى أنه "تأثر مثل غيره من الفلاحين بتغير المناخ، ففي زراعة البرسيم الحجازي كان قد اعتاد على قطفه كل 25 يوماً، ومضى حتى الآن 35 يوماً من دون أن أقطفه، موضحاً أن الإنتاج بدأ يتحسن لكن ليس بالمستوى المطلوب، وهذه الملاحظات جديدة بالنسبة إلي".

 وأشار في الوقت نفسه إلى انتشار الدودة التي تؤدي إلى تلف المحاصيل التي يزرعها، موضحاً أنها بدأت تظهر بشكل مبكر ومتزايد، وقد أكلت كميات كبيرة من المحصول الخاص به.

وأضاف "اضطررت إلى رش المبيدات من أجل التصدي لتأثيرات الدودة في المحصول. وكنت أجري عملية الرش ثلاث مرات طوال محصول الذرة، ولكن في الوقت الحالي أصبح معدل الرش كل 10 أيام في زراعات الذرة والبرسيم"، مشيراً إلى أنه حاول زراعة "عين الجمل" ولكنه فشل بسبب ارتفاع درجات الحرارة واضطر للتراجع عن هذه الفكرة. وختم حديثه بقوله إنه لا يفكر تماماً في زراعة الخضروات والفواكه بسبب التأثر بارتفاع درجات الحرارة.

اقرأ المزيد