ملخص
لماذا؟ لأن تصنيف كبسولات غاز أكسيد النيتروز الفضية مخدراً من الفئة الثالثة لا يمكن إلا أن يزيد من أخطارها وما تسببه من أضرار لأجسامنا (وشوارعنا): حظر غاز الضحك دعابة سخيفة - خطرة بالأحرى
خلال الأعوام الماضية، ازدادت شعبية مركب أكسيد النيتروس، المعروف أكثر بـ"غاز الضحك"، وهو حالياً في المرتبة الثانية بعد القنب في قائمة العقاقير المفضلة والأوسع انتشاراً في صفوف الشبان الذين تتراوح أعمارهم بين 16 و24 سنة.
وقد يكون لهذا العقار اسم طريف، لكن تبعات استخدامه على نحو متكرر أبعد ما يكون من الطرافة، إذ إنه قد يتسبب بتلف كبير في الجهاز العصبي يصل إلى حد الشلل في الحالات القصوى. ولعل أكثر المظاهر المرضية شيوعاً لغاز الضحك هو اعتلال الأعصاب المحيطية الذي يظهر على شكل وخز في الذراعين والساقين، ناهيك عن مشكلات الأمعاء والضعف الجنسي وسلس البول.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وانطلاقاً من هذه الاعتبارات، أعلنت الحكومة نيتها حظره وتصنيفه مخدراً من الفئة الثالثة ابتداءً من نهاية العام الحالي. وهذا يعني بصريح العبارة أن كل من يبيع هذا العقار سيواجه عقوبة السجن لمدة تصل إلى 14 عاماً وكل من يضبط في حوزته أكسيد النيتروس إما يدان بعقوبة السجن لمدة عامين أو بغرامة غير محدودة أو بالاثنتين معاً.
وبصفتي خبير إدمان، أرى أن النهج الذي تتبعه الحكومة خاطئ بدرجة كبيرة. فتجريم غاز الضحك لن يفيد في شيء سوى زيادة الأخطار المحدقة بمتعاطيه الذين سيتوقفون عن طلب المساعدة وسيتركون أنفسهم في مهب الريح. والأكيد أنه لن ينظف الشوارع من الكبسولات الفضية الصغيرة التي يخلفها المستخدمون وراءهم، لا بل قد يزيد المشكلة سوءاً.
تجدر الإشارة إلى أنه قلما تنجم مضاعفات خطرة عن استنشاق أكسيد النيتروس، لكنها متى حدثت تكون نتيجة جرعة زائدة، لا نتيجة استخدام ترفيهي بين الفينة والأخرى.
ومع ذلك، ارتأت الحكومة الأخذ بالعقوبات المقترحة حديثاً لأنها تتناسب مع خطط وزارة الداخلية المتمثلة في الترويج لنجاعتها وصرامتها في التصدي للجريمة. وهذه المسرحية السياسية، برأيي، هي مجرد رد فعل مبالغ فيه تجاه عقار قليل الخطورة نوعاً ما مقارنة بالعقاقير الأخرى – وعلى رأسها الكحول، العقار الوطني المفضل لدينا نحن البريطانيين.
وإن كانت صناعة الكحول قادرة على كسب تأييد الحكومة لضمان الحد الأدنى من التأثير في منتجاتها، فإن أكسيد النيتروس عاجز عن ذلك لأنه لا يحظى إلا بدعم الشركات التي تعتمد عليه. يستخدم أكسيد النيتروس بشكل شائع في الصحة كمخدر وفي تقديم الطعام لصنع الكريمة المخفوقة.
وهذه هي النقطة التي ستضع السياسة الجديدة في مأزق حقيقي متى أصبح الحظر ساري المفعول. فمن السهل أن نتوقع حجم الفوضى الذي سيتأتى عن محاولة تطبيق الحظر. والسؤال الذي يطرح نفسه هنا: كيف ستتمكن جهات إنفاذ القانون من التمييز بين الاستخدام المشروع للغاز في صناعة الطعام واستخدامه غير المشروع لأغراض ترفيهية؟
يبدو لي أن الحكومة استهزأت بمستشاريها العلميين لما قررت أن تتجاهل وجهة نظرهم القائلة إن حظر أكسيد النيتروس لا يتناسب مع الأدلة المتعلقة بالأضرار والأخطار المرتبطة باستخداماته. فما الطائل إذاً من تعيين مستشارين علميين ما دام الأخذ برأيهم المبني على تقييم البيانات العلمية ليس أمراً وارداً؟
ولكن هذا لا شيء مقارنة بالضرر الفعلي الذي يمكن أن تفضي إليه حملة القمع المرتقبة. فالسياسة الجديدة لن تحد من الأخطار التي قد تنجم عن أكسيد النيتروس، بل ستفاقم أضراره الصحية على الشبان. وفي الوقت الحاضر، يمكن لكل من يعاني مشكلات جراء استنشاق العقار أن يطلب المساعدة الطبية من دون خوف من انتهاك القانون. لكن الحال ستتغير مع تحول حيازة العقار وتعاطيه إلى جريمة من الدرجة الثالثة، والحال الجديدة لن تردع الشبان عن تعاطي أكسيد النيتروس، إنما ستجعلهم مترددين في طلب المساعدة في اللحظات التي يكونون فيها بأمس الحاجة إليها، مخافة أن يُستتبع اعترافهم بإدانة جنائية.
ولنفترض أن الوزراء ما كانوا على دراية بالعواقب غير المقصودة للحظر، ألَم تصلهم أخبار الرسائل التي وجهها أطباء الأعصاب إلى وزيرة الداخلية واستعرضوا ضمنها مخاوفهم في شأن التداعيات التي قد تترتب على الحظر؟
إلى جانب الأخطار الصحية التي يحدثها أكسيد النيتروس، ثمة مشكلة أكثر وضوحاً وانتشاراً تتمثل في التخلص من عبوات الغاز الفارغة الملقاة في الشوارع. ومن غير المحتمل لحظر العقار أن يكون هو الحل لهذه المشكلة الاجتماعية، إذ قد يُثني المتعاطين عن الحفاظ على النظافة العامة وأخذ مخلفاتهم من أكسيد النيتروس إلى منازلهم ليتخلصوا منها في قمامتهم.
لحد الآن، لم تحقق قرارات حظر المخدرات نجاحاً يذكر في التخفيف من وطأة الأضرار التي قد تتسبب بها طبياً أو اجتماعياً أو بيئياً، والقرار الصارم الأخير لن يكون مختلفاً في غياب أدلة كافية يعتمد عليها. وبالنسبة لي، هذا النوع من القرارات هو الخيار الكسول الذي يحظى بشعبية كبيرة بين الناخبين ولا يسع وزراء الداخلية مقاومته. والأفضل لو تستبدله الحكومة بخيار أكثر صعوبة وفاعلية ألا وهو الإصغاء إلى النصائح العلمية والعمل بموجبها.
للأسف، تثقيف الشبان في المخدرات والعقاقير أمثال أكسيد النيتروس، انطلاقاً من حقيقة أن عدداً لا يستهان به من الشبان سيتعاطى المخدرات على نحو دائم وعدداً ضئيلاً منهم فقط سيواجه المشكلات، لا يستقطب الأصوات الرابحة بقدر "السياسات الصارمة". والمحزن أن هؤلاء الشبان هم الذين يدفعون ثمن مطاردة السياسيين للأصوات بدلاً من توفير الحماية للأشخاص الذين يستظلون بظلهم.
إيان هاملتون هو محاضر كبير في الإدمان والصحة العقلية في "جامعة يورك" (University of York).
© The Independent