ملخص
بلغ عدد النازحين داخل السودان أربعة ملايين، 70 في المئة منهم فروا من العاصمة
شهدت نيالا عاصمة ولاية جنوب دارفور أمس الأربعاء، يوماً دموياً إثر مقتل نحو 40 شخصاً بغارات جوية نفذها الطيران الحربي التابع للجيش السوداني على تمركزات قوات "الدعم السريع"، فيما يسود الهدوء الحذر أجزاء كبيرة من مدن العاصمة الثلاث الخرطوم وأم درمان وبحري.
وبحسب المتحدث باسم الجيش السوداني العميد نبيل عبدالله، فإن "مناوشات قامت بها قوات الدعم السريع على الفرقة 16 مشاة بمدينة نيالا انتهت بتكبيد الأولى خسائر في الأرواح والمعدات، كما حاولت قوات الدعم السريع شن هجمات عدة على سلاح المدرعات بمنطقة الشجرة العسكرية جنوب الخرطوم، لكنها لم تفلح وواجهت صموداً منيعاً من قبل قوات الجيش التي تمكنت من دحرها تماماً، حيث قتلت 30 فرداً منها وتدمير سبع مركبات قتالية ومدرعتين والقبض على عدد من أفرادها".
وأضاف عبدالله "كما دمرت قواتنا في أم درمان خمس عربات قتالية ومدفعين بأطقمها".
في المقابل، قالت قوات "الدعم السريع" إن "أكثر من 104 أشخاص قتلوا وأصيب المئات خلال اليومين الماضيين خلال القصف المتواصل من قبل قوات الجيش مسنودة بكتائب النظام السابق على الأسواق بمدن العاصمة الثلاث، مما يشكل جريمة حرب مكتملة الأركان تستوجب الإدانة المغلظة من جميع المؤسسات الحقوقية".
وبينت أن "40 مدنياً بينهم نساء وأطفال قتلوا وأصيب المئات جراء قصف عشوائي نفذته طائرات الجيش على مناطق متفرقة بمدينة نيالا، طاول سوقي الشعبي والملجة وموقف الضعين وأحياء تكساس والسد العالي والوحدة وحي المطار وشرق الفنية بشكل عشوائي، مما يعد سلوكاً إجرامياً أحال المدينة إلى مأساة ومشهد دامي".
تزايد النازحين
ووفق شهود، تشهد مدن العاصمة ونيالا نزوحاً كبيراً هذه الأيام بسبب تزايد القصف الجوي والمدفعي وتواصل الاشتباكات بين القوتين المتحاربتين، وهو ما أكدته منظمة الهجرة الدولية التي أشارت إلى ارتفاع عدد الفارين من منازلهم إلى 5.25 مليون شخص، بلغ عدد النازحين داخل البلاد أربعة ملايين، وأن 70 في المئة منهم فروا من العاصمة".
ونوهت المنظمة إلى "صعوبات تواجهها الهيئات للوصول للنازحين الفارين من مناطق الحرب لتقديم الخدمات لهم بالصورة المطلوبة بسبب السيول والفيضانات وتواصل هطول الأمطار".
انتشار الأمراض
وأكد القيادي في قوى "الحرية والتغيير" (المجلس المركزي) عروة الصادق لـ "اندبندنت عربية"، أن "الحرب تسببت في مضاعفات خطيرة على الأوضاع الصحية والبيئية والغذائية في السودان، أخطرها الأثر على الصحة البشرية الذي تفاقم بشكل كبير، حيث تعرض السكان المدنيون والعسكريون غير الإصابات المباشرة والأمراض العضوية، لاختلالات جسمانية وعقلية ونفسية بخاصة المراهقين من الذين فقدوا مقاعد الدراسة والفتيات اللواتي تعرضن لاعتداءات جنسية، كما ازداد انتشار الأمراض كالملاريا، وحمى الضنك، والكوليرا في عدد من الولايات، مع قلة الوصول إلى الرعاية الصحية الأساسية مثل منطقة شمال مدينة أم درمان التي لا يعمل بها إلا مستشفى واحد وكذلك الحال في بحري والخرطوم، فضلاً عن بعض المستوصفات وغرف الطوارئ التي يديرها متطوعون".
وأردف "كذلك تزايد ارتفاع معدل الوفيات بسبب قلة الإمدادات الطبية وارتفاع الأخطار الصحية المرتبطة بالحرب، بخاصة مع نقص وحدات الدم والأدوية المنقذة للحياة والمحاليل الوريدية وغياب المختصين في الجراحة والعظام وغيرها، إضافة إلى انعدام وشح أدوية أمراض القلب والسكر وغيرها. فالنظام الصحي بشكل عام تعرض لأضرار جسيمة لدرجة يمكن تقدير أن 90 في المئة من المستشفيات باتت خارج الخدمة، ما أدى إلى تدهور الوضع الصحي وعدم توافر خدمات الصحة الأساسية والدواء والإمدادات الضرورية وتعذر وصول الإغاثات الدوائية لمناطق الحوجة".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وواصل الصادق "للأسف فشلت كل المحاولات في إقامة مستشفيات ميدانية من الهلال والصليب الأحمر وأطباء بلا حدود في الخرطوم أو حولها، والأخطر من ذلك أن سكان العاصمة يعانون هذه الأيام من تلوث البيئة، بشكل كبير، سواء بفعل القصف والتفجير أو بسبب القصف المتعمد للمنشآت الصناعية والبنية التحتية، أو بفعل الأمطار وتراكم النفايات وانتشار الجثث في الطرقات، غير أن الضرر الذي خلفته انبعاثات الحرائق وتسرب المواد الكيماوية الخطرة والملوثات من المصانع التي تم تدميرها في الخرطوم وأم درمان، وانتقال تلوثها إلى التربة وربما المياه الجوفية والمسطحات المائية، يؤثر في صحة الإنسان والحيوان والنبات مستقبلاً".
وزاد "أما في ما يخص نقص التغذية وانعدامها، فقد تعطلت في هذه الفترة سلاسل الإمداد والتموين جراء فرار التجار أو نهب محلاتهم، وتوقف التجارة والإمدادات الغذائية، مما أدى إلى نقص موارد الغذاء وعدم كفاية المعروض منها. وتشهد الخرطوم ما يشبه المجاعة، إذ يتعرض السكان للجوع وسوء التغذية، ويعاني الأطفال والنساء الحوامل وكبار السن من تأثيرات سلبية جسدية وربما عقلية خطيرة. فهناك جهود لإيصال بعض الإغاثات ولكنها لا تتجاوز ما مقدار خمسة في المئة من الاحتياج الكلي للعاصمة".
ومضى القيادي في قوى "الحرية والتغيير" قائلاً "هناك حالة نزوح مستمرة للسكان والهروب من مناطق القتال، حيث شرد جميع أهالي أم درمان القديمة إلى شمالها، وكذلك سكان أحياء المربعات والفتيحاب والمهندسين، وبعض أحياء أمبدة، فيما خلت مدينة بحري بالكامل إلا من بعض البيوت، وفي الخرطوم الحالة مماثلة، لأن من لم يخرج بفعل القتال خرج بفعل الجوع ونقص الغذاء والماء، والآن بدأت أحياء الثورة في أم درمان تشهد انقطاعاً مستمراً للمياه والكهرباء".
إضعاف واستسلام
من جانبه، قال مبعوث الأمين العام للأمم المتحدة إلى السودان، فولكر بيرتيس، أمام مجلس الأمن قبيل تقديم استقالته من منصبه، أمس، إنه "على رغم مضي قرابة خمسة أشهر على اندلاع الحرب بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع، لكن لم يظهر القتال أي مؤشر على التراجع، بينما لا يبدو أي جانب من الطرفين قريباً من إحراز نصر عسكري حاسم".
ونوه إلى أنه قتل في هذه الحرب ما لا يقل عن خمسة آلاف شخص وأصيب أكثر من 12 ألفاً، ومن المحتمل أن يكون العدد الفعلي أكبر من ذلك بكثير، مؤكداً أن ما بدأ كنزاع بين تشكيلين عسكريين يمكن أن يتحول إلى حرب أهلية فعلية.
وأضاف بيرتيس "لا يزال كل جانب ينتظر إضعاف الطرف الآخر ودفعه إلى الاستسلام، وهذا أمر لا طائل منه، فالحرب تدمر حياة السودانيين رجالاً ونساء وتنتهك حقوقهم الأساسية وتحرمهم من المستقبل الذي يستحقونه".
وحول انعكاسات استقالة فولكر على إنهاء حرب الخرطوم سلمياً، أوضح أستاذ العلوم السياسية في الجامعات السودانية عبده مختار، أن "فولكر لن يحل مشكلة السودان وسط ادعاءات البعض بأنه غير محايد، فهذه المشكلة لن تحلها المبادرات الخارجية ولا وسيط دولي، حتى ولو تم تغيير هذا المبعوث الأممي بشخص آخر".
وأضاف "حل المشكلة السودانية يكون في الداخل، وهو أمر بسيط وسهل لكن أطماع الأطراف المتصارعة هي التي تجعل الأمر صعباً، فلا بد من ابتعاد طرفي الصراع عن العملية السياسية وترك الأمر للكفاءات المستقلة، التي يمكن التفاهم معها عبر الاتحادات المهنية وممثلي لجان المقاومة من أجل تشكيل حكومة كفاءات مستقلة".
وجزم مختار بأن استمرار العملية السياسية وفق الصيغة السابقة لن يحل المشكلة بل يمكن أن يعيد إنتاج الأزمة.