Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

"الانتقام المضحك" من تقطيع الملابس إلى الفضح على لافتات علنية

بعضهم اتخذ خطوات صغيرة ولذيذة للرد على شركائهم السابقين

قصص عن الانتقام: كاري ماليغان في "شابة واعدة"، كيانو ريفز بدور جون ويك، وجينا كولمان في "البرية" (أ ب/برايم)

ملخص

عندما يتلاشى بريق الغرام الجديد ليحل محله حقد رمادي مرير، لا يتبقى لك سوى قلبك المفطور والنصيحة الشعبية: انتقم، ولا تدع الشريك يفلت من الحساب

عندما يتلاشى بريق الغرام الجديد ليحل محله حقد رمادي مرير، أو عندما تضربه صاعقة الخيانة، لا يتبقى لك سوى قلبك المفطور وإحساسك بأنك أضعت سنين عمرك على شخص لا يستحق تعبك في النهاية، ماذا تفعل عندها بصخب المشاعر المضطربة داخلك؟ أين يذهب ذلك الغضب والألم والمرارة؟ قد يطلب منك معالجك النفسي أن تقر بوجود هذه المشاعر وتواجهها قبل أن تتحرر منها، وأن تثق في أن الوقت كفيل بتلطيفها، لكن ما تكرره الثقافة الشعبية على مسامعنا المرة تلو الأخرى هو: دع عنك هذه النصيحة. وانتقم.

تحفل الثقافة بتأملات كثيرة في موضوع الانتقام، بلغت في تبصرها أغلب الأحيان درجة من التطرف المرضي. لو وضعنا هاملت جانباً، تقيم كاري ماليغان في فيلم "شابة واعدة" Promising Young Woman حد العدالة الدموية على رجال تعتقد أنهم قادرون على الاعتداء والتعنيف، فيما تدور سلسلة أفلام "جون ويك" برمتها فعلياً حول تصفية الحسابات مع شرير قتل كلب كيانو ريفز.

ويتركز هذا الموضوع بشكل خاص في أغاني موسيقيي الكاونتري، بدءاً من قيام كاري أندروود بتحطيم السيارة المفضلة لأحد الرجال في أغنية "قبل أن يخون" Before He Cheats، إلى أغنية فرقة "ذا تشيكس" The Chicks "كولون نسائي في قاربي" Tights On My Boat، التي تقول في مطلعها "أتمنى لك الموت في سباتك بسلام/ أمزح، بل كما آلمتني أتمنى أن تغرق في الآلام"، وكتب الكلام من وحي طلاق المغنية نتالي ماين عام 2017.

كما أن الكتاب المقدس نفسه يزخر بروايات الانتقام اللاسعة، إذ يدعو إلى الأخذ بمقولة "العين بالعين والسن بالسن" (مع أننا نميل إلى التعتيم على وجود هذه المقولة في سفر ثقيل نسبياً يلمح إلى أن الموت هو القصاص المثالي لعدد من الجرائم، وإلى أنها تأتي بعد تعليمات شديدة عن طريقة تعامل المرء مع عبيده).

ويسلك المسلسل الدرامي الجديد بعنوان "البرية" على أمازون، مساراً شبيهاً: تؤدي جينا كولمان دور ليف، شابة مغرمة حد الثمالة بزوجها ويل (أوليفر جاكسون-كوهين)، إلى أن تكتشف خيانته لها في يوم من الأيام. وما عسى الشابة أن تفعل غير الذهاب في عطلة العمر والادعاء بأن كل الأمور جيدة والتخطيط لانتقامها منه تدريجاً؟ لكن السؤال المطروح بالنسبة إلينا نحن الجالسين في غرف معيشتنا، نتأمل الظلم الذي لحق بنا، بعيداً من شخصيات المسلسلات الدرامية بموازناتها المرتفعة، هو التالي: هل الانتقام أمر يستحق أن نقدم عليه؟

لو بحثت قليلاً، ستجد قصصاً لا تنتهي عن حالات انتقام تحدث يومياً. ملأت إحدى السيدات كل زاوية من منزل حبيبها بحبيبات البرقة اللماعة (غليتر) عندما اكتشفت خيانته لها، ثم رحلت تاركة وراءها تذكاراً براقاً فاقعاً عن تصرفه السافل يطارده كل يوم وإلى الأبد.

واصطحبت سيدة أخرى شريكها للتبضع وشراء كسوة جديدة تماماً، قبل أن تقص أجزاء أساسية من كل قطعة ملابس، وعندما هم بارتداء ملابسه الجديدة في صباح اليوم التالي لانفصالها عنه، لم يكن أمامه أي خيار سوى الذهاب إلى العمل بملابس جريئة وفاضحة. كان مظهره بال ومضطرب جداً، وليس بسبب الثياب فحسب.

عندما قررت لوسي، الموسيقية من ناشفيل، أن تتخلى في الأخير عن علاقة طويلة ومتقطعة ربطتها بصديق حميم أخذ سلوكه ينحو أكثر فأكثر نحو التصرفات المسيئة التي تؤذيها وتحقرها، اعتقدت بأنها تصرفت بنضج ووعي عندما أعادت له قبعته المفضلة بينما كان في العمل. لم ترغب في رؤيته أو التحدث إليه، ولذلك تركت القبعة مع بعض أغراضه الأخرى على سيارته وذهبت.

وتقول "كنت أفكر بأنني أتصرف بلطف إذ أعيد له غرضاً لديه قيمة معنوية بالنسبة إليه". لكنه لم ير الموضوع من الزاوية نفسها. عندما وجد أغراضه على زجاج السيارة، استشاط الشاب غضباً فما عاد هاتفها يهدأ من وتيرة الرسائل والاتصالات المهينة والسليطة. وسألها بحنق "ماذا ستفعلين بعد، هل ستكتبين أغنية بعنوان ’تركت قبعتك على زجاج سيارتك؟‘". وهذا ما فعلته بالضبط، ثم حملت الأغنية على ’يوتيوب‘ وكتبت تحتها: "نزولاً عند طلب خاص)".

 

 

وتقول "شجعني كثيراً على كتابة الأغاني عندما كنا معاً، لذلك عندما استخدم هذه النقطة لمهاجمتي، شعرت بأن ذلك التصرف حقير ووضيع جداً". ثم كتبت الأغنية - وهي ضربة موفقة جداً بالمناسبة - فيما كانت تشعر بالغضب والخيانة. "قلت لنفسي، لا بأس، لو أردت التصرف بوضاعة، سأعاملك بالمثل". وتحول ذلك الغضب إلى غبطة بعدما نشرتها. وتعلق بقولها "اعتبرتها مضحكة جداً". منحتها شعوراً بالسيطرة على وضع فوضوي ومؤلم، وحولت الانفصال المريع إلى ذكرى مضحكة. لم تندم لوسي يوماً على تصرفها الانتقامي الصغير (زعم حبيبها السابق في آخر محادثة بينهما أنه لم يسمع بها أبداً. وهي تشك في أنه يكذب). "بدل أن أقدم على تصرف يؤذيك، سأقوم بشيء إيجابي لي حتى لو كان على حسابك بعض الشيء". 

لكن ليست كل تصفيات الحسابات العاطفية حكيمة مثل تصرف لوسي. فمقابل كل قصة عن شخص يلجأ إلى الحبيبات البراقة أو الأغاني الحزينة تجد خمس قصص أخرى عن ممارسة الجنس الانتقامي (أي ممارسة الجنس مع شخص عزيز بالنسبة إلى الشريك) أو خدش السيارات بالمفتاح أو حرق الملابس أو التهديد الدائم بنشر الأفلام أو الصور الإباحية لدواعي الانتقام (حين يشارك أحدهم صور سيلفي شخصية مع آخرين أو ينشرها في الفضاء الإلكتروني). ألقي القبض على سيدة لأنها رمت رماد والدة شريكها في النهر بعد خيانته لها. لا شك في أن دافع السعي إلى الانتقام قوي وقد يكون خطراً حتى.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

أراد فادي عيدة، الأستاذ المشارك في تخصص علم النفس في جامعة سياتل، أن يكتشف حقيقة المشاعر التي يثيرها فينا الانتقام. ووجد أن بعض الدراسات السابقة ألمحت إلى أن التفكير في الانتقام يحفز منطقة النواة المذنبة في الدماغ، المسؤولة عن معالجة المكافأة والمعروف بأنها تنشط عند تعاطي الكوكايين والنيكوتين.

وفي المقابل، وجد براد بوشمان من جامعة ولاية أوهايو أدلة على وجود مستويات أعلى من العدوانية لدى أشخاص استسلموا لنزعتهم الانتقامية، مقارنة بالذين لم يفعلوا ذلك، وعلى أن التمسك بالألم لا يفيدنا بقدر التخلي عنه.

بدأ عيدة دراساته العليا عام 2011، خلال الفترة التي أعلنت فيها الحكومة الأميركية عثورها على أسامة بن لادن وقتله - انتقاماً لهجمات الـ11 من سبتمبر (أيلول) 2001. وقال "كان من المذهل بالنسبة إلينا مراقبة التهليل والفرح في البيت الأبيض عند إعلان اغتياله. وشعرنا بالفضول لنعرف، هل يثير الانتقام مشاعر جميلة أو قبيحة أم الاثنين معاً؟". طلب من المشاركين قراءة مقالة عن عملية الاغتيال أو مقالة لا علاقة لها بالانتقام: وكشفت الدراسة عن أن التفكير في الانتقام يثير مشاعر إيجابية وسلبية أعلى على حد سواء. تبين أن الانتقام حلو ومر.

ويقول عيدة "يرجح أن يحيي الشروع في الانتقام ذكريات عن الحادثة الأولى التي جعلتك ترغب في السعي إلى الانتقام أساساً" لكن "تعتريك مشاعر جيدة بسبب تنفيذ هذا الانتقام من جهة مؤذية"- وهذا دليل على أننا نحب ما يشعرنا به القصاص العادل. وما يؤكد هذه الخلاصة هو ردود الأفعال الأوسع على روايات الانتقام.

عندما أنفقت ليزا من مدينة شيفيلد آلاف الجنيهات على كتابة رسالة على لافتة إعلانية موجهة إلى "زوجها الخائن بول" تقول له فيها إنه عندما يعود للمنزل ستكون غادرت، وأنهتها بجملة قوية ومرضية جداً "استمتع بطريقك إلى العمل!"، جاءت ردود الأفعال إيجابية للغاية على وسائل التواصل الاجتماعي: إذ كتبت كل التغريدات على وزن "هنيئاً لك يا ليزا!".

 

 

وبالطريقة نفسها، اكتشفت كريستينا المديرة الإبداعية من إسكتلندا التي تسكن الآن في الولايات المتحدة، أن قصة انتقامها لاقت تجاوباً كذلك. عندما نشرت فيديو على منصة "تيك توك" تخبر فيه قصتها في فترة الإغلاق، انتشر الخبر كالنار في الهشيم. إذ واظبت على تنفيذ انتقام وضيع للغاية طوال خمس سنوات. 

وتقول الآن "لطالما كانت مجرد حركة مضحكة بعض الشيء قمت بها. كنت بعلاقة مع صديق حميم انفصل عني عبر الهاتف. استمرت علاقتنا لمدة سنتين تقريباً وانفصل عني باتصال هاتفي. شعرت بأن الأمر بشع جداً. وفكرت بأنني أستحق معاملة أفضل من هذه".

بدأ الثنائي بالمواعدة عندما كانت كريستينا بعمر الـ18، وظلا يرتبطان وينفصلان سنوات عدة. بعد ذلك الاتصال الهاتفي الأخير بفترة وجيزة، كانت في المطار، تنتظر رحلتها، وتشعر بالألم والظلم. "احتجت لاستخدام الإنترنت المجاني وأذكر أنني فكرت بأنني ’لا أريد أن أسجل عنوان بريدي الإلكتروني فتصلني رسائل كثيرة غير مرغوب بها من الدعايات‘".

وفي تلك اللحظة المؤلمة، بدأت بعادة استمرت معها سنوات عدة: كلما احتاجت لتسجيل الدخول على انترنت عام، أو لتسجيل حساب إلكتروني من أجل استخدام خدمة معينة، كانت تكتب عنوانه البريدي كما سجلت اسمه في النشرات البريدية الدعائية المرتبطة بالخدمات كافة وتابعت حياتها. لو طلب منها كتاب اسم ما، كانت تكتب "الاسم حثالة والعائلة البشر".

فيما أخذت تتخفف من ألمها، توقفت عن تسميته حثالة البشر، من دون أن تنقطع عن استخدام عنوانه البريدي لسنوات "كان يحتفظ بحسابه على هوتميل. واعتبرت أن الوقت حان كي تتخطى ذلك". على رغم توجيه بعض المعلقين على "تيك توك" اللوم لها، قالت إنها لم تندم يوماً على تصفية الحساب الوضيعة.

اكتشف حبيبها السابق ما فعلته به عندما أرسل له صديق الفيديو المنتشر: "وجد الموضوع مضحكاً كثيراً. وقال بالحرف إنه يتمنى لو فكر بالأمر قبلي. إن التصرف حيال الانفصال يشفي الغليل: ترى بعض الأشخاص في الإعلام وقد بالغوا في تصرفاتهم كثيراً، لكنني أعتقد بأن هذه التصرفات غير المؤذية التي يمكنك أن تضحك عليها مع أصدقائك، فيما ترسل لهم بضع رسائل إلكترونية من جون لويس [دعائية تسويقية] - أعتقد بأنها جيدة بل عبقرية. يمكنه أن يلغي اشتراكه بالنشرات الدعائية في أي وقت! لا أندم على شيء".

صحيح أن نيران الجحيم ألطف من نيران غضب امرأة تشعر بالمهانة، لكن الرجال المهانين يصفون حساباتهم أيضاً. في أعقاب انفصال مؤلم، اكتشف بي جاي، الطاهي المتحدر من كولومبيا البريطانية، أن حبيبته السابقة مارست الجنس مع أحد أعز أصدقائه.

وأثناء عملية فك الارتباط الإدارية التي تتبع نهاية كل علاقة أساسية في الحياة، كان بصدد تغيير كلمات السر وتسجيل خروجه من الحسابات المشتركة عندما أدرك بأنه ما يزال متصلاً بحسابها على "نتفليكس". وخطر له كم سيكون من الصعب على حبيبته السابقة أن تعيد ضبط حسابها على "نتفليكس" باللغة الإنجليزية لو غير إعدادات اللغة في حسابها.

ويقول "أدركت بأنني لو غيرت اللغة إلى أبجدية مختلفة كلياً، سيكون من شبه المستحيل بالنسبة إليها أن تجد مفتاح الإعدادات كي تعيد ضبطها". اختار اللغة الصينية وخرج من الحساب وهو يشعر أنه حصل على حقه "كما لو أنني تخلصت من حكة في ظهري".

صحيح أن الألم لم يفارقه لكن حركته الصغيرة منحته بعض القوة. ويتذكر ما حصل فيقول "ما عدت أشعر بالإحراج. عرفت في قرارة نفسي أنني قمت بشيء من أجلي، بشيء يضحكني. حتى بعد مرور ثماني سنوات، ما زلت أبتسم لعلمي أنها لم تتمكن من مشاهدة برنامجها المفضل بعد تلك المحاولة الصريحة لإيلامي بعد انفصالي عنها".

كان انتقام بي جاي مرضياً لأنه أعاد الغضب والعجز الذي شعر به إلى مرمى حبيبته السابقة، لكن المشترك بين لوسي وكريستينا هو أن حركاتهما الانتقامية الصغيرة حملت بعض الفائدة لهما: فيما كانت لوسي تعبر عن مشاعرها من خلال الإبداع، لم تضطر كريستينا إلى تحمل سيل الدعايات اللانهائي. صفوا جميعاً حساباتهم - بطريقة جعلتهم يحسون بمشاعر إيجابية - من دون جهد كبير ولا أي ضرر دائم بالنسبة إلى أي شخص (ما عدا صندوق بريد حبيب كريستينا السابق). لا أظن أن الأمور ستؤول إلى نهاية جيدة كهذه في البرية، على غرار ما حدث في هاملت وفي قصص كثيرة أخرى استحال فيها الانتقام عنفاً. ربما يكون هذا الدرس الذي يجب أن يتعلمه المنبوذون والمهانون من بيننا: أفضل الانتقامات أصغرها.  

"البرية" يعرض حالياً على منصة "برايم فيديو"

© The Independent

اقرأ المزيد

المزيد من منوعات