Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

متاهة اللبناني ما بين تحذيرات الجيش الإسرائيلي و"خرائط غوغل"

ينتظر الناس الغارات على الأبنية يومياً من أجل تصويرها ونشر الفيديوهات إلى أن باتوا أسرى "غوغل"

ثمة ثقة متزايدة بالصور الفضائية التفصيلية التي يقدمها الخصم ودقة التكنولوجيا العسكرية التي يمتلكها (أ ف ب)

ملخص

يعيش اللبناني حالاً من الصراع بين "خرائط غوغل" التي تضل الطريق في أنحاء البلاد بسبب سوء التنظيم، مقابل حال من التسليم بدقة خرائط أوامر الإخلاء الإسرائيلية.

بطريقة مستهجنة، يتفاعل لبنانيون مع تحذيرات المتحدث باسم الجيش الإسرائيلي أفيخاي أدرعي، فيتجمعون على مقربة من المباني المؤشر عليها باللون الأحمر بموجب أوامر الإخلاء من أجل تصويرها، وما إن يهبط الصاروخ الخارق للتحصينات ويتحول البناء إلى ركام تصدح الأصوات التي تعبر عن الاستهجان وأحياناً العجب من قدرته التدميرية الهائلة.

هذا الأمر تجلى بوضوح مع مشهدية الطيونة عندما تجمع عشرات المواطنين والصحافيين في انتظار لحظة الصفر لتدمير مبنى سكني يقطنه مواطنون لبنانيون، ويتضمن دائرة لكاتب العدل في بيروت، مما يعكس "الثقة المتزايدة" بالصور الفضائية التفصيلية التي يقدمها الخصم ودقة التكنولوجيا العسكرية، إذ إن اللبناني تطبّع مع أوامر الإخلاء فيما يستمر في التهكم من سوء خدمة "خرائط غوغل" في لبنان.

مزحة "غوغل"

تتكاثر الروايات اللبنانية التي تتحدث عن إضاعة الطريق نتيجة متابعة تطبيقات الخرائط الجوية في لبنان، فنجد أن مواطناً تبع التطبيق وصل إلى طريق مسدود، فيما وجد آخر نفسه أمام الطريق الأطول وأضاع ساعات في الوصول إلى وجهته التي كانت على بعد بضعة كيلومترات، أو حتى مواجهة طريق غير آمن، لكنهم أنفسهم يخلون المبنى المحدد في أوامر الإخلاء، وينتظرون عند زوايا الحي من أجل متابعة الغارة وتصوير آثارها بغية تحقيق "السبق الصحافي".

ويؤكد متخصصون أن خرائط السير في لبنان غير دقيقة نتيجة غياب التنظيم الواضح للطرقات وعدم اعتماد المعايير الدولية، ناهيك عن التعديلات والتغييرات الدائمة على الطرق، وأحياناً زيادة أبنية جديدة على المسارات التي تحتاج إلى بعض الوقت لتحديثها. ومن هنا يأتي التأكيد على عدم وجود علاقة لتطبيقات الخرائط الجوية المدنية بما يعتمده الجيش الإسرائيلي من أجل تحديد المواقع واستهدافها باعتباره واحداً من أكثر الجيوش تجهيزاً بالتكنولوجيا الحديثة والمتطورة، باعتراف خصومه.

 كما تبرز النصائح للمواطنين اللبنانيين بعدم استخدام التطبيقات نظراً إلى مساحة لبنان الصغيرة والاستعانة بالطرق التقليدية في التوجيه، أو الاعتماد على التواصل الشخصي.

يحذر المحلل العسكري اللبناني أكرم سريوي من خطورة السلوكيات المتهورة التي "تثبت تطبّع اللبناني مع الحروب المتلاحقة، وثقتهم بالصواريخ عالية الدقة مع مرور الوقت"، لكنها في المقابل فائقة التدمير وتحتمل هامشاً للخطأ، وقد يصل الأمر في القنابل "الغبية" أو "غير الموجهة" إلى 30 متراً، كما أن الاستهدافات لمواقع من دون أوامر إخلاء هو أمر شائع، فضلاً عن احتمال وجود ذخائر غير منفجرة. لكن في المقابل "يقتصر هامش الخطأ على بضعة سنتيمترات في حال القنابل الذكية التي توجه بواسطة أشعة الليزر إلى أهداف محددة ومعروفة".

هامش واسع للرصد

يبقى السؤال عن آليات الرصد المتبعة من أجل تحديد الأهداف واستهدافها بصورة عالية الدقة، فيشير المهندس سليمان فرح المتخصص في تكنولوجيا الاتصال إلى "اعتماد إسرائيل كل أنواع التكنولوجيا المتاحة لرصد أهدافها من خلال مراقبة الهواتف المحمولة وآلات الـ’واي فاي‘ وخرق كاميرات المراقبة في المستوى الأول. أما في المستوى الأكثر تقدماً فهو اللجوء إلى طائرات الاستطلاع (MK) التي تحلق باستمرار فوق سماء بيروت".

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وتقوم هذه الطائرات بمهمة رصد مختلف الأجسام المتحركة والمشبوهة، فيما تجمع فرق متخصصة في المراقبة البيانات وتدققها وتحللها تمهيداً لإصدار الأوامر، كما يعتمد الجيش الإسرائيلي في هجماته على صور الأقمار الاصطناعية التي تعتبر مادة دسمة للبيانات.

وينوع الجيش الإسرائيلي في برامج وأدوات المراقبة المعتمدة، إذ تحظى الطائرات المسيّرة بحصة كبيرة، إضافة إلى المناطيد التجسسية الفائقة الدقة. واستنتج المتخصصون العسكريون أن إسرائيل تعتمد على تلك المناطيد من "ملاحظة أضواء غامضة في سماء لبنان"، ويرجح العميد المتقاعد أكرم سريوي "لجوء العدو إلى مناطيد المراقبة العالية الدقة، وهي أداة تجسسية فاعلة للغاية"، لافتاً إلى وجود أنواع عدة من المناطيد، فهناك فئة المناطيد الضخمة التي تحلق على ارتفاع شاهق جداً ضمن طبقة الـ"إيزوسفير"، إضافة إلى الصغيرة التي تعتمد على تسخين الهواء والتي يتضمن بعضها شعلة نار يمكن إبصارها، وهي تتحطم بعد انتهاء مهمتها.

 

يتحدث سريوي عن تزويد مناطيد المسح الجوي بأشعة الليزر التي تساعد على الكشف عن الأهداف ليلاً، علماً أن "المنطاد أفضل من الطائرة المسيّرة في الرصد استعداداً للاستهداف، فهو يسير بسرعة بطيئة تمكنه من التقاط صور دقيقة ومراقبة واضحة وملاحظة أية تغييرات طارئة". وتتيح المناطيد جمع البيانات حول أماكن وجود المسلحين ومواقع مخابئ الأسلحة وتحرك الآليات وعمليات التسلل، والتصوير الدقيق للمنطقة الخاضعة للمراقبة في التلال والجبال والأودية، والتجسس على الاتصالات والتنصت والتشويش، والتقاط صور أكثر وضوحاً وتفصيلاً مقارنة بتلك التي تعتمد على الأقمار الاصطناعية.    

ويضيف أن "الحركة البطيئة تسمح بفرصة لإسقاط المناطيد التي تتحرك على ارتفاعات منخفضة، بالتالي لن يتردد مقاتلو ’حزب الله‘ في استغلال الفرصة السانحة لإسقاطها"، مذكراً بتحليق المنطاد الصيني فوق الولايات المتحدة الأميركية، حيث استفاد من قدرته على الطيران في طبقات الجو العليا وتزويده بألواح تعمل بالطاقة الشمسية.

في قلب المعركة

من جهة أخرى، يقرّ سريوي بامتلاك الجانب الإسرائيلي تقنيات غاية في التطور، تشكل المسيّرات إحدى أدواتها التجسسية التي تجمع معلومات من مصادر مختلفة، وهي طائرات تتحرك بسرعة 300 كيلومتر في الساعة، وهي تفوق بأضعاف سرعة المنطاد التجسسي، وتتمتع بتقنيات أكثر تطوراً وتستخدم في عمليات المراقبة والرصد والاستهداف، وكثيراً ما تستخدم للإغارة على أهداف ما والضغط على بيئة الحزب من خلال المشاركة في أعمال الهدم.

كما يستفيد الإسرائيلي، بحسب سريوي، من المسيّرات بوصفها أداة لمراقبة تحركات المواطنين في أعقاب أوامر الإخلاء، فتكون موجودة فوق المناطق التي طلب إخلاؤها، وتقوم بمتابعة حركة الأفراد والسيارات وملاحقتهم، والتدقيق في أرقام السيارات من أجل الحصول على بيانات ومقارنتها مع البيانات المتوافرة لديهم في قاعدة البيانات، وصولاً إلى مقاطعتها مع المعلومات المتوافرة عن عناصر الحزب ومعرفة مواقعهم والقيام باغتيالات مفاجئة في محافظات خارج نطاق ساحة المواجهة المباشرة.

 

وتقترن أنظمة المراقبة والرصد مع أنظمة التوجيه العالية الدقة، فيوضح سريوي وجود أربعة أنظمة توجيه للأسلحة في العالم، أشهرها النظام الأميركي GPS ونظام "غاليليو" الأوروبي و"غلاسنا" الروسي و"بايدو" الصيني، إضافة إلى أساليب بدائية تتبع الهوائيات وتعتمدها الجماعات المسلحة غير النظامية لتجنب اكتشافها والتلاعب بها، وتعتمد كل دولة كبرى على نظامها الخاص، لكي لا يقوم العدو بتوجيه الصواريخ إلى أهداف مغايرة.

ويرجح سريوي لجوء إيران إلى النظام الصيني للتوجيه إبان مهاجمتها إسرائيل في إطار "الوعد الصادق 1 و2" لعدم تحكم الأميركي فيها، مشيراً إلى اعتماد "حزب الله" على الأنظمة البديلة التي تتبع طرقاً بدائية، فيستخدم قواعد توجيه أرضية وهوائيات صغيرة توزع على القرى وترسل موجات يصعب اكتشافها، مما ساعد مسيّرات الحزب في المراوغة والوصول إلى داخل إسرائيل لأنها لا تسير على نظام GPS، ويصعب التشويش عليها بسبب تحريكها وفق نظام أرضي، وأحياناً اعتماد النظام الصيني، أو حتى برمجة مسارها المحدد بصورة محددة مسبقاً. 

وتتبنى المنطقة العربية إلى حد كبير النظام الأميركي بسبب اعتمادها على الأقمار الاصطناعية للولايات المتحدة الفاعلة، من هنا يتعرض نظام GPS في لبنان والشرق الأوسط للتشويش في إطار العمليات العسكرية، وأحياناً الضغط على الأنشطة المدنية والعسكرية.

المزيد من تقارير