ملخص
مراقبون: ارتفاع المواد الغذائية في مصر يغري التشكيلات العصابية بالسرقة المصحوبة بالعنف.
مركبات صغيرة (تروسيكل) تقترب من شاحنة كبيرة محملة بأجولة البطاطا وقد شُقّ بعضها ونهب ما فيها، فيما يظهر أحدهم وهو يصنع شقاً جديداً في أحد الأجولة فتتساقط البطاطا داخل مركبته الصغيرة، بينما كان آخر يحمل كيساً صغيراً مهرولاً خلف الشاحنة أملاً في الحصول على بعض الحبات، وفي خلفية المشهد تتساقط البطاطا على الأرض فتدهسها العربات المارة.
كان ذلك محتوى مقطع الفيديو الذي انتقده كثيرون، آملين في إلقاء القبض على مرتكبي مثل تلك التصرفات، فيما توالت تعليقات أخرى تتحدث عن ارتفاع أسعار الخضراوات بشكل عام، وليس البطاطا فقط التي وصل الكيلوغرام منها إلى 15 جنيهاً (نصف دولار)، في حين ارتفعت أصناف أخرى مثل البصل الذي اقترب سعر الكيلو منه من 31 جنيهاً (دولار واحد)، ولم تعد الطماطم وحدها الثمرة التي توصف في السياق الشعبي بـ"المجنونة".
سرقة البطاطا
وزارة الداخلية المصرية أصدرت بياناً في شأن واقعة "سرقة البطاطا" التي انتشرت وقائعها صوتاً وصورة على منصات التواصل، قالت فيه إن معلومات وتحريات قطاع الأمن العام بالتنسيق مع مديرية أمن القليوبية (شمال العاصمة) تؤكد أن وراء الواقعة تشكيلاً عصابياً مكوناً من 12 شخصاً، لدى نصفهم معلومات جنائية، تخصصوا في نشاط إجرامي يتمثل في سرقة الثمار المحملة على سيارات نقل عبر أسلوب "المغافلة".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وكان ذلك الأسلوب معلوماً من قبل، لكنه كان يحدث في إطار ضيق وسرعان ما يلحق بصاحبه العار حال ضبطه متلبساً في إحدى الأسواق بينما يأخذ ثمرة من بائع على غفلة منه، أو يضع في كيسه بعض الثمار القليلة، لكن الكميات التي ظهرت في الفيديو كانت هائلة وجرى المشهد كله في وضح النهار.
بيان وزارة الداخلية المصرية يشرح تفاصيل ما حدث، إذ كان أعضاء ذلك التشكيل العصابي يستقلون "تروسيكلات" يسيرون بها خلف السيارة مستغلين سرعتها المنخفضة بعد اقترابها من منطقة صناعية في دائرة قسم شرطة العبور لقطع الأجولة وسرقة بعض حمولتها.
وبحسب البيان، فإنه عقب تقنين الإجراءات ألقي القبض على ذلك التشكيل، وبمواجهتهم اعترفوا بفعلتهم، وجرى ضبط مركبة "توكتوك" و5 مركبات "تروسيكل" من دون لوحات معدنية استخدمت في السرقة.
الاحتكار والعدالة
وتعددت التعليقات حول الواقعة بين شاكر للأجهزة الأمنية بعد إلقائها القبض على ذلك التشكيل العصابي، ومتسائل حول ما الذي أوصلهم إلى تلك المرحلة، فيما كانت تعليقات أخرى تتناول احتكار التجار بعض السلع وارتفاع أسعارها في الأسواق على خلفية تخزينها إن كانت ضمن ما يقبل التخزين بلا أعطاب.
تعلق فاطمة عبدالغني، ربة منزل "نحن في أزمة ولا نستطيع شراء كثير من المأكولات بسبب زيادة الأسعار، وأتمنى أن يعاقب هؤلاء سريعاً لأنهم جزء من تلك الأزمة"، فيما كان تعليق آخر لأحد المواطنين يدعى محمود عبدالخالق يشيد بإيقاف مرتكبي السرقة، لكنه يعتبر أن ما حدث ربما يتكرر مرة أخرى والحل من وجهة نظره هو القضاء على الاحتكار والمتاجرة بأقوات الشعب وعدالة توزيع الثروات والأجور.
في أغسطس (آب) الماضي، قفز مؤشر التضخم السنوي في مصر إلى 37.4 في المئة مقابل 36.5 في المئة في يوليو (تموز)، بحسب بيانات رسمية للجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء المصري، وسط أزمات اقتصادية صعبة خلقتها ظروف مختلفة من بينها الحرب الروسية - الأوكرانية التي ألقت بظلالها على أسعار المواد الغذائية لترتفع 71.4 في المئة على أساس سنوي خلال الشهر الماضي.
سارقو الزيت
هذه الواقعة تعيد التذكير بوقائع سرقة مواد غذائية مختلفة، ربما كان أشهرها أخيراً ما حدث في أغسطس الماضي حين تمكن قطاع الأمن العام بمشاركة مديرية أمن محافظة الجيزة (جنوب العاصمة) من توقيف أربعة أشخاص لسرقتهم مواد غذائية من مندوب شركة، وكشفت التحريات عن قيام المتهمين بسرقة 210 صناديق زيت طعام من مندوب في شركة مواد غذائية وأيضاً ثمانية أطنان رز من مالك مضرب رز.
وكان ذلك التشكيل يتخصص في ذلك اللون من النشاط الإجرامي وهو سرقة المواد الغذائية بأسلوب مختلف عبر انتحال الصفة من خلال استدراج تجار المواد الغذائية والاتفاق معهم على المقابلة وشراء بعض المنتجات، وحين يصل التجار يقوم آخرون بالاستيلاء على المواد الغذائية وتفريغها داخل مخزن يخص أحد المتهمين، وحين ألقي القبض عليهم أرشدوا إلى جميع المسروقات وتولت النيابة العامة التحقيق في الواقعة.
يقول أستاذ علم الاجتماع السياسي سعيد صادق لـ"اندبندنت عربية" إن الأزمات الاقتصادية قد تخلق شكلاً جديداً من السرقات المصحوبة بالعنف، مضيفاً أن "ارتفاع المواد الغذائية جعلها عرضة للسرقة بشكل كبير، وهذا النمط موجود منذ القدم لكنه كان في إطار ضيق، والأزمات تجعله أكثر ظهوراً وانتشاراً".
ويعتبر المحاضر بالجامعة الأميركية في القاهرة أن استمرار الأزمات الاقتصادية على المستوى البعيد سيخلق نمطاً لهذه السرقات نظراً إلى أن المواد المسروقة مرتفعة الثمن من ناحية، والناس في احتياج كبير إليها من ناحية أخرى، وفي النهاية سيبيع ذلك السارق تلك الكميات بأسعار أرخص مما هي عليه في الأسواق، وهو مؤشر خطر يجب أن تكون هناك وسائل لمواجهته.
في أزمة زيادة أسعار البصل الأخيرة، كانت واحدة من مخرجات اجتماع لمجلس الوزراء في مصر إيقاف تصدير البصل لمدة ثلاثة أشهر تنتهي بنهاية العام الحالي لضبط أسعاره في الأسواق، وقال متحدث وزارة الزراعة المصرية حينها إنه ستكون هناك خطوات أخرى لوقف تصدير سلع مماثلة حال وجود ممارسة احتكارية أو تلاعب في الأسعار.
ما بين وقائع سرقة المواد الغذائية والسرقات بشكل عام، أثارت واقعة الجدل خلال فبراير (شباط) الماضي، حين أقدم شخص على سرقة مبلغ مالي قيمته 112 ألف جنيه (نحو 3630 دولاراً) بسعر صرف الدولار في البنوك آنذاك، وقال المتهم في التحقيقات، بحسب ما نقلت صحف محلية مصرية، إنه حاول التكفير عن جرائم سابقة وأحزنته شكاوى أهالي قريته من ارتفاع أسعار اللحوم، فقرر بما سرق شراء عجلين وتوزيع لحومهما على الفقراء، لكنها لم تكفِ سوى لشراء عجل واحد وكميات من الرز والخضراوات.