ملخص
تباينت آراء التونسيين بين من يرى أن التقسيم الجديد مجرد تنظيم إداري بحت، وآخرون لا يرون من ورائه فائدة ما دامت الدولة ليست لها رؤية تنموية واضحة.
ما الهدف؟ سؤال طرحه التونسيون على أنفسهم عندما استقبلوا نبأ أمر رئاسي نشر بالجريدة الرسمية، أول من أمس الجمعة، يتعلق بتقسيم جديد لأقاليم الجمهورية التونسية والولايات، وضجت مواقع التواصل بتعليقات مؤيدة للقرار مفسرة إياه وأخرى منتقدة ومؤكدة عدم جدواه في حال غياب خطة تنمية حقيقية.
ونص الأمر، في فصله الأول، على أن تراب الجمهورية التونسية يتكون من خمسة أقاليم، الأول يضم جملة من محافظات الشمال، بنزرت وباجة وجندوبة والكاف، والإقليم الثاني يضم محافظات تونس وأريانة وبن عروس وزغوان ومنوبة ونابل، والإقليم الثالث يشمل محافظات الوسط وسليانة وسوسة والقصرين والقيروان والمنستير والمهدية، والإقليم الرابع يضم محافظات توزر وسيدي بوزيد وصفاقس وقفصة، وأخيراً الإقليم الخامس ويتكون من محافظات الجنوب تطاوين وقابس وقبلي ومدنين.
ويعتمد هذا التقسيم الطريقة العرضية، أي إن كل إقليم يحده الساحل شرقاً والحدود الجزائرية غرباً. ووفق ما تضمنه الأمر، في فصله الثاني، يجتمع مجلس الإقليم بالتداول بين الولايات المكونة للإقليم وتنعقد الاجتماعات في مقر المحافظات.
ويتغير مقر الاجتماع كل ستة أشهر بالنسبة إلى كل إقليم وفق الترتيب المنصوص عليه بالفصل الأول من هذا الأمر. وينص الفصل الثالث على أن تضع المحافظات المكونة للإقليم على ذمة مجالس الأقاليم كل الوسائل البشرية والمادية اللازمة بما يضمن حسن أدائها مهامها.
غايات تنموية
وتباينت آراء التونسيين بين من يرى أن التقسيم الجديد مجرد تنظيم إداري بحت، وآخرون لا يرون من ورائه فائدة ما دامت الدولة ليست لها رؤية تنموية واضحة.
يقول الباحث والمحلل السياسي محمد ذويب إن "هذا التقسيم تقريباً هو نفسه الذي أحدثته سلطات الاستعمار الفرنسي عام 1922، ويبدو أن له غايات تنموية واقتصادية لأن الأقاليم الخمسة منفتحة على الساحل ولها خصوصيات طبيعية وتضاريسية وبشرية متقاربة، مما يعني قدرتها على الاندماج الكبير في البرامج التنموية التي تزعم البلاد القيام".
يضيف ذويب "التقسيم الجديد قد يمكن الدولة مستقبلاً من رسم الخطط والاستراتيجيات وإدماج الأقاليم الطرفية وربطها بالساحل ورد الاعتبار لمناطق وقع تهميشها سابقاً جراء التقسيم القديم"، مستدركاً "لكن يظل تحقيق هذه الأهداف مرهوناً بقدرة الدولة على ربط مختلف مناطق هذه الأقاليم بعضها ببعض عبر بنى تحتية قوية".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
من جهة أخرى يرى ذويب أن لهذا التقسيم سلبياته، موضحاً أن "غالبية سكان البلاد مستقرون في الإقليم الثاني بينما الإقليم الخامس الأكبر مساحة (تقريباً نصف مساحة البلاد) هو الأقل عدداً من الناحية السكانية ما من شأنه أن يحدث خللاً ديموغرافياً".
بصفة عامة يرى ذويب أن "التقسيم الإقليمي مهم شريطة ألا يكون هدفه سياسياً انتخابياً وأن يكون مصحوباً بتصور شامل للتنمية ولإعادة تشكيل التراب الوطني بهدف الحد من التفاوت وإعادة توزيع الثروة عبر الاستثمارات العمومية في التعليم والصحة وغيرها، ليكون الإقليم إطاراً لهضم التناقضات لا لخلق تباينات جديدة".
سياسي بالدرجة الأولى
من جانب مخالف ترى الباحثة في علم الاجتماع فتحية السعيدي أن التقسيم الترابي الجديد سياسي بالدرجة الأولى أكثر منه تنموياً، وتوضح قائلة "لم تقدم لنا الدولة سياستها التنموية ولا أسسها ولا إمكانات تحقيق التوازن بين الجهات والمساواة بينها، عدا التشجيع على خلق شركات أهلية هي في نهاية المطاف عبارة عن ريع اجتماعي جديد يتم من خلاله خلق قاعدة لنسيج اجتماعي حول الدولة".
كما تعتقد السعيدي أن "أي تقسيم إداري جديد ما لم يكن قائماً على رؤية تنموية سياسية واقتصادية واجتماعية قائمة على العدالة بين الجهات والحد من التمييز بينها، والسعي وراء تحقيق التوازن الديموغرافي والبيئي وتستهدف العدالة الاجتماعية، سيكون تقسيماً اعتباطياً وقائماً على حسابات سياسية انتخابوية ضيقة".
تلفت السعيدي إلى أن التقسيم الجديد شبيه بتقسيم جاء في دراسة للمعهد التونسي للدراسات الاستراتيجية عام 2014، لكنها ترى أن "السياق الذي صدر فيه واضح وجلي للعيان، ولا أحد يمكن أن ينفي صبغته السياسية الرامية إلى انتخابات المجالس المحلية والجهوية، ومنها يتم التصعيد لتكوين المجلس الوطني للجهات والأقاليم".
أما الناشطة السياسية آمال العياري فتقول مدافعة عن التقسيم الجديد إن "مجلس الجهات والأقاليم هو عبارة عن الغرفة البرلمانية الثانية وليس تقسيماً إدارياً جديداً للبلاد، بل يعكس استراتيجية جديدة للدولة تقوم على ما يعرف بالتخطيط الإقليمي الذي يستند إلى وضع خطة تنمية إقليمية في حدود الموارد الطبيعية والبشرية والتنظيمية لذلك الإقليم".
هذا التقسيم بحسب العياري "سيبرز دور المشاركة الشعبية في وضع الخطة من خلال دور مجالس الجهات والأقاليم، ويسمح بخلق التقارب والتجانس بين المستويات الاقتصادية والاجتماعية للإقليم بممارسة واتباع سياسة تخطيطية مندمجة".