ملخص
يشهد المغرب شداً وجذباً في شأن مطلب يفيد بتعديل مدونة الأسرة بين تيار يدعو لتأسيس التعديل على مبادئ حقوق الإنسان وبين المحافظين المحذرين من خطورة الاستغناء على المرجعية الدينية
كلف العاهل المغربي الملك محمد السادس رئيس الوزراء الإشراف على عملية تعديل مدونة الأسرة التي ستتم بشكل جماعي، بإسهام كل من وزارة العدل والمجلس الأعلى للسلطة القضائية ورئاسة النيابة العامة.
وأوضح العاهل المغربي، أنه على تلك الهيئات أن تشترك بشكل وثيق في هذا الإصلاح مع الهيئات الأخرى المعنية بهذا الموضوع بصفة مباشرة، وفي مقدمتها المجلس العلمي الأعلى (هيئة حكومية مكلفة بتأطير المجال الديني)، والمجلس الوطني لحقوق الإنسان (الحكومي)، والسلطة الحكومية المكلفة التضامن والإدماج الاجتماعي والأسرة.
وألمح إلى أن المشاورات يجب أن تنفتح على آراء هيئات المجتمع المدني والباحثين المتخصصين، وقد تم تحديد مدة المشاورات بستة أشهر، على أن تعرض نتائجها على ملك المغرب، ومن ثم تتكلف الحكومة إعداد مشروع قانون بذلك الخصوص وتعرضه على البرلمان.
وكان المغرب اعتمد في2004، مدونة أسرة اعتبرت في حينها ثورة من طرف الحركة النسائية والمنظمات الحقوقية، تضمنت قوانين جديدة منها توحيد السن الأدنى للزواج للعروسين بـ 18 سنة، ومنح القاضي الحق في تخفيضه في حالات خاصة، ومنع إرغام المرأة على الزواج، إضافة إلى تقييد التعدد عبر منح المحكمة السلطة التقديرية لبت مطلب الرجل بالزواج بامرأة ثانية، ومنح الزوجة الحق في اشتراط منع زوجها من التعدد في عقد النكاح، وكذا جعل الحق في طلب الطلاق في يد الزوجين وبقرار من المحكمة، بعد أن كان بيد الرجل فقط.
انطلاق المشاورات
شرعت الجهات المكلفة تعديل مدونة الأسرة اجتماعاتها بهدف الاتفاق على آلية العمل في ذلك الاتجاه، إذ التقى كل من وزير العدل ورئيس النيابة العامة ورئيس المجلس الأعلى للسلطة القضائية يوم الجمعة الماضي في الرباط، وأعلن وزير العدل المغربي عبداللطيف وهبي عقب اللقاء، أنه سيشرع منذ الأسبوع المقبل في عقد اجتماعات مكثفة بهذا الخصوص، بعد الاتفاق على كيفية تنظيم وتوزيع العمل بين المصالح المتخصصة.
وأوضح أنه بعد الاستماع لجميع القوى المدنية والمسؤولين الحكوميين، سيتم اعتماد المقترحات التي يمكن أن تشهدها المدونة لتكون في مستوى ثقة الملك، وثقة المرأة المغربية.
من جانبه أكد رئيس النيابة العامة أن هذه اللجنة الثلاثية تهدف إلى إصلاح مدونة الأسرة ووضع الخطوط العريضة التي تنبني عليها، وأن الاجتماع خصص لوضع اَليات اشتغال هذه اللجنة الثلاثية، وهي مناسبة لوضع خطط وجدولة زمنية للاشتغال والاستماع لجميع القوى والفعاليات الواردة في التعليمات الملكية.
مطالب المرجعية الكونية
ويشهد المغرب منذ أشهر نقاشاً مجتمعياً حول تعديل مدونة الأسرة، بحيث تطالب حركات نسائية وحقوقية بضرورة توسيع مجال احترام حقوق المرأة.
كان المجلس الوطني لحقوق الإنسان حدد أهم تلك المطالب في ملاءمة المدونة مع الدستور والاتفاقيات الدولية ذات الصلة، وحذف كل النصوص التمييزية بما في ذلك التمييز الذي يعانيه الأطفال خارج مؤسسة الزواج والأمهات المطلقات، والتمييز الذي يواجه النساء بخصوص الولاية على الأبناء والتبعية للأب في الحماية الاجتماعية، وحذف المقتضيات المتعلقة بتزويج الطفلات ومراجعة نظام المواريث الذي تسهم بعض تطبيقاته في تعميق ظاهرة تأنيث الفقر.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
من جانبه أشار المحامي المغربي محمد المو، أن تعديل مدونة الأسرة أضحى أمراً ضرورياً في ظل المتغيرات الاجتماعية والاقتصادية والثقافية التي عرفها المجتمع المغربي، ما جعل مقتضيات هذا القانون غير قادرة على تأطير النزاعات الأسرية الحالية.
وأوضح أنه من الطبيعي أن تدخل نصوص مدونة الأسرة في أزمة ما دام هذا القانون ينهل من المرجعية الفقهية الثابتة، مقابل تغير سريع في البنية الاجتماعية والثقافية للمجتمع.
وأضاف، في غياب مقاربة قائمة على إنزال مدونة الأسرة من برجها الديني المقدس لتحط بمقتضياتها على الواقع الزمني المتحرك، وتطبع مع حاجيات وضرورات المجتمع، سنعيد تكرار تجربة مدونة الأسرة الحالية نفسها، لأن واقع التطبيق العملي الذي قارب 20 سنة أفرز لنا عديداً من الإشكالات التي يتعين حلها تشريعياً، منها مسألة الطلاق والحقوق المالية للزوجين واعتماد الخبرة الجينية بخصوص نسب الأبناء.
غضب المحافظين
في المقابل، تثير تلك المطالب حفيظة جانب مهم من شيوخ الدين ومواطنين عاديين، إذ سبق لعبد الإله بنكيران، رئيس الحكومة السابق، الأمين العام لحزب العدالة والتنمية (الإسلامي) أن حذر من خطورة تلك المطالب التي تهدف للمساس ببنية الأسرة.
وقال بنكيران، "خرجنا من منطق تغليف المطالب بضرورة تصحيح أوضاع الأسرة عبر تعديل المدونة إلى المطالبة بالمناصفة التي لا تراعي خصوصيات الرجل والمرأة، المبنية على تعارض واضح مع نص ديني ثابت وقطعي لا خلاف حوله، وهو أن للذكر مثل حظ الأنثيين (في مجال الإرث)، وهو ما اعتمده المغرب منذ دخول الإسلام إليه قبل ما يزيد على 13 قرناً"، وأوضح أن مثل تلك المطالب ليست ديمقراطية ولا شرعية، باعتبار أن استطلاعات الرأي المتتالية تشير إلى أن أكثر من نصف المستجوبين يصرون على ضرورة استمرار اعتماد قوانين الأسرة على الشرعية الدينية.
وكان العاهل المغربي أوضح في خطاب صيف 2022 ضرورات التعديل، وشدد على عدم توجه الدولة للابتعاد من النصوص الشرعية في تعديل المدونة، وأشار إلى أنه إذا كانت مدونة الأسرة شكلت قفزة إلى الأمام فإنها أصبحت غير كافية، لأن التجربة أوضحت أن هناك عوائق عدة تقف أمام استكمال هذه المسيرة وتحول دون تحقيق أهدافها، بينها عدم تطبيقها الصحيح لأسباب سوسيولوجية متعددة، لا سيما أن فئة من الموظفين ورجال العدالة، ما زالوا يعتقدون أن هذه المدونة خاصة بالنساء.
تسريبات التواصل الاجتماعي
في السياق، تعج مواقع التواصل بما يقال إنها قوانين جديدة سيتم اعتمادها في المدونة الجديدة، منها تحديد نسبة 20 في المئة من راتب الزوج كنفقة لحساب الزوجة في حال اعتماد الطلاق، ومنح الزوجة حق الحضانة والإقامة في بيت الزوجية حتى في حال زواجها برجل آخر بعد إقرار الطلاق، نتج من ذلك موجة مخاوف داخل المجتمع المغربي، إذ اعتبرت جل التعليقات أن من شأن تلك القوانين الزيادة في حدة موجة العزوف عن الزواج التي يشهدها المغرب منذ سنوات بسبب تشديد قوانين الأسرة والأزمة الاقتصادية التي تسببت فيها الأزمة المالية العالمية لسنة 2008، إضافة إلى تداعيات جائحة كورونا.
واعتبر البعض أن تلك القوانين ستزيد من نسبة الطلاق المرتفعة بالأساس، إذ كشفت إحصاءات أن المحاكم المغربية شهدت 300 ألف حالة طلاق في 2022، وأن عام 2020 عرف تسجيل محاكم الاستئناف 20372 حالة طلاق، بينما سجلت المحاكم الابتدائية 68995 قضية طلاق للشقاق، وبلغ عدد حالات الطلاق الاتفاقي 24257 حالة، وتطليق الخلع 6611 حالة، من جانبه نفى وزير العدل تلك المزاعم، موضحاً أن ما يتم تداوله على مواقع التواصل ليست تسريبات، باعتبار أن عملية تعديل المدونة لم تنطلق بعد، بالتالي لا توجد لحد الآن أي مسودة لمشروع التعديل.