ملخص
النموذج الإسكندنافي للمجتمع العادل والتقدمي ألهم بلداناً كثيرة في جميع أنحاء العالم لكنه اليوم بفعل حروب العصابات المستشرية يتعرض للتهديد من الداخل
تقف ليندا، سيدة سويدية في الأربعينيات من عمرها، عند مدخل منزلها مع أطفالها. تبدو مستاءة ومتعبة بشكل واضح.
تقول لـ"اندبندنت": "لم أنم كثيراً الليلة الماضية، ولا أستطيع تحمل هذا بعد الآن"، مضيفة "جرائم القتل والقنابل والوجود المستمر للشرطة على الأرض ومروحيات الشرطة في الجو. أنا وأولادي يجب أن نخرج من هنا. علينا الانتقال".
تعيش ليندا في مبنى سكني في هاسيلبي، إحدى الضواحي الواقعة غرب ستوكهولم، حيث انفجرت قنبلة في 25 سبتمبر (أيلول).
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وفي اليوم التالي، كان هناك حطام وزجاج محطم في كل مكان. طوقت الشقة المجاورة حيث انفجرت القنبلة، فيما لا تزال الشرطة تفتش المبنى.
وتقول ليندا: "كنت في منزلي ليل الإثنين. ولحسن الحظ، الأطفال لم يكونوا قد عادوا إلى المنزل بعد. سمعت انفجاراً هائلاً ثم صراخاً عالياً. ركضت إلى الشارع وسمعت صوت أنين رجل داخل الشقة التي أصيبت. وصلت الشرطة واقتادته مع شخصين مصابين آخرين".
واشتدت حدة حرب العصابات الدموية في السويد هذا الأسبوع، حيث قتل 11 شخصاً خلال هذا الشهر فقط [سبتمبر]. ومساء الأربعاء، توفيت امرأة تبلغ من العمر 20 سنة في أوبسالا شمال ستوكهولم، بعد أن هز انفجار المنزل الذي كانت تقيم فيه. ولم تكن لها أي علاقة بالخلاف الحاصل، كما توفي شابان متأثرين بجراحهما بعد إطلاق النار عليهما جنوب العاصمة.
"إنها مثل منطقة حرب"
مثل عديد من الأشخاص الآخرين في هاسيلبي، لا تريد ليندا نشر اسم عائلتها (كنيتها) في الصحيفة. هناك خوف من انتقام العصابات العنيفة التي ترهب عديداً من المدن السويدية.
في عام 2022، كان هناك 391 حادثة إطلاق نار في السويد، 62 حادثة منها كانت قاتلة، مما يجعل السويد عاصمة أوروبا لجرائم القتل بالأسلحة النارية.
وتقول ليندا "أنا لست قلقة جداً على بناتي، ولكنني أشعر بالقلق على أولادي الذكور. ابني الأكبر يبلغ من العمر 13 سنة. أنا في حاجة لحمايته. لا يمكنه التورط في حرب العصابات الرهيبة هذه".
وتتكون مقاطعة هاسيلبي ستراند بشكل أساسي من شقق حديثة ومبان شاهقة ومبان أخرى مكونة من ثلاثة طوابق مثل مبنى ليندا. يلعب الأطفال كرة القدم في ملعب مضاء على بعد بضع مئات من الأمتار، في حين يخرج أب وابنه لتمشية كلبهما.
ويقول إريك بيترسون لـ"اندبندنت": "كانت هاسيلبي مكاناً رائعاً للعيش فيه، على بعد 30 دقيقة فقط من وسط ستوكهولم. هنا لدينا البحر، المكان مليء بالمساحات الخضراء، وكنا نحبه. لقد عشت في هاسيلبي ستراند منذ عام 1995، ولكن بعد ذلك بدأ الأجانب في التوافد".
ويضيف: "لا تفهموني بطريقة خطأ، أنا لست عنصرياً، ولكن لا توجد طريقة لتجاهل هذا التوصيف. بدأت المشكلة عندما جاء مزيد ومزيد من المهاجرين إلى هاسيلبي. الآن هي مثل منطقة حرب. إنه مثل حلم سيئ، كابوس".
وتتكرر القصة في معظم المدن السويدية. كل يوم تقريباً، هناك قصص جديدة عن حرب العصابات الوحشية. عدم الارتياح في الحديث عن المهاجرين والأجانب يبدو ملحوظاً عند التحدث إلى السكان المحليين في ستوكهولم.
وكانت السويد، لسنوات عديدة، واحدة من أكثر الدول في أوروبا ترحيباً بفتح حدودها أمام المهاجرين. وقد زاد عدد الأجانب بشكل كبير. وفي عام 2012، كان عدد سكانها الذين ولدوا خارج السويد 1.47 مليون نسمة. ارتفع هذا العدد إلى 2.15 مليون بحلول عام 2022. وشكل المواطنون المولودون في الخارج نحو 20 في المئة من سكان السويد في عام 2022، وفقاً لموقع "ستاتيستا" Statista [المتخصص بالإحصاءات]، التي نقلت أرقام مكتب الإحصاء السويدي.
"الآن تغير كل شيء. لقد تغيرت السويد. لم أعد أعرف السويد كما عهدتها من قبل. ويبدو أن العنف ينتشر في كل مكان. يبدو وكأنه يقترب أكثر فأكثر"، تقول كاتارينا ليندغرين، وهي تسير مع صديقتها في وسط ستوكهولم.
إلقاء اللوم على الهجرة "إفراط في التبسيط"
وعلى الصعيد السياسي، اتخذت السويد منعطفاً حاداً نحو اليمين. وفي الانتخابات العامة لعام 2022، حصل الحزب الشعبوي القومي اليميني، حزب ديمقراطيي السويد Sweden Democrats (SD)، على 20 في المئة من الأصوات، ليصبح ثاني أكبر حزب في السويد.
ويدعم حزب ديمقراطيي السويد حكومة اليمين الوسط الائتلافية من خلال صفقة دعم وتأييد [التزام متبادل من أحزاب تشكل حكومة أقلية]. ويعتبر حزب ديمقراطيي السويد مناهضاً للهجرة بشكل صارم. وتعمل السويد على تشديد سياسات الهجرة بشكل كبير بما يتماشى مع الموقف المتشدد المتخذ في جارتها الدنمارك التي [أصبح] لديها بعض قوانين الهجرة الأكثر صرامة في أوروبا.
ومع ذلك، وفقاً لعالم الجريمة السويدي البارز من جامعة مالمو، ماني جيريل، فإن الحملة ضد الهجرة لحل حروب العصابات هي تبسيط مفرط لدوافع سياسية.
وتقول جيريل في حديث لـ"اندبندنت": "ليس هناك شك في أن الهجرة وسوء الاندماج [في المجتمع] جزء من المشكلة، لكنها ليست القصة بأكملها. انظر إلى ألمانيا، على سبيل المثال، فقد استقبلت كثيراً من المهاجرين في الآونة الأخيرة، ولكن لا يوجد ارتفاع في أعمال العنف المسلح هناك. لو كانت هناك معادلة بسيطة مفادها أن مزيداً من المهاجرين يعني مزيداً من العنف، لتوقعت أن يتبع العنف المسلح في ألمانيا النمط الذي حدث في السويد، لكن الوضع ليس كذلك".
ومن المثير للدهشة أن جزءاً من تفسير انتشار عنف العصابات في السويد قد يكمن في عمليةٍ ناجحة نفذتها الشرطة.
في عام 2020، تمكنت الشرطة الفرنسية من فك رموز شبكة الاتصالات الإجرامية "إنكرو-شات" EncroChat. وقد مكن هذا الشرطة في جميع أنحاء أوروبا من تتبع الجرائم والأشخاص المسؤولين عنها عبر الإنترنت في الزمن الفعلي، مما أدى إلى اعتقال الآلاف في جميع أنحاء أوروبا.
وفي السويد، قبض على أكثر من 400 مجرم. وشهدت الإدانات الناتجة أحكاماً بلغ مجموعها أكثر من 1500 عام في السجن. لقد قطع رأس العصابات السويدية، إذا جاز التعبير، لكن النتيجة لم تكن كما كان متوقعاً.
"بدلاً من أن يهدأ عالم الجريمة، أدت الاعتقالات إلى الفوضى، حيث يقاتل الآن الشباب من أعضاء العصابات من أجل السيطرة على سوق المخدرات المربح. حقيقة أنه لا يوجد تراث حقيقي للمافيا في السويد، يعني أنه لم يكن هناك من يسيطر على الوضع، والآن لدينا متهورون يركضون بأسلحة آلية ويطلق بعضهم النار على بعض"، بحسب تعبير الصحافي ديامانت ساليهو، الذي ألف كتباً عدة حول تصاعد عنف العصابات في السويد.
ويضيف "في الوقت الحالي، يجند القاصرون لإطلاق النار على الناس وزرع متفجرات قاتلة. هناك حرب بين عصابتين متنافستين، ولكن هناك أيضاً حرب بين زعماء عصابة واحدة [شبكة فوكستروت]، إذ يوجد أحد زعماء العصابة في تركيا ويحدد من يجب على الأطفال المجندين استهدافه. لقد تصاعدت الحرب، لذا أصبح الأطفال المجندون يلاحقون أفراد عائلاتهم وأصدقائهم".
وفي شهر سبتمبر وحده، وقعت العشرات من الحوادث. وعثر على صبي يبلغ من العمر 13 سنة مقتولاً في غابة قريبة من ستوكهولم، كما قتلت والدة أحد أعضاء عصابة. ووصف وزير العدل السويدي، جونار سترومر، تصاعد حرب العصابات بأنه "إرهاب داخلي".
ويقول الصحافي ساليهو "هناك عديد من الجذور الفاسدة في الشجرة السويدية. إن فشل الاندماج والفصل [المجتمعي] هو السبب، ولكن أيضاً عدم فعالية عمل الشرطة. لم يحل سوى ما بين 20 و25 في المئة من جرائم الأسلحة هذه. وهذا يسهل على العصابات تجنيد مزيد من الأطفال وتحويلهم إلى مجرمين وقتلة".
وترى الشرطة السويدية أنها تخوض معركة شاقة ضد عدو وحشي للدولة.
يقول رئيس الشرطة رئيس الاستخبارات في المنطقة المحيطة بستوكهولم وأوبسالا جالي بوليارفيوس "يذكرنا الوضع بالحرب المنخفضة الحدة"، مضيفاً أن "مجموعات الجريمة المنظمة تستخدم أنظمة الأسلحة العسكرية [البنادق الآلية] والمتفجرات والقنابل اليدوية".
ويوضح المسؤول "إذا لم يتمكنوا من الوصول إلى هدفهم، فإنهم يهاجمون عائلاتهم. وفي بعض الأحيان تؤدي الهجمات إلى مقتل أو جرح ضحايا أبرياء، تماماً مثل ضحايا الحرب".
وبحسب بوليارفيوس "منذ عام 2018، سجلت السويد أعلى معدلات الوفيات في أوروبا، بين السكان الذين تراوح أعمارهم ما بين 15 و29 سنة".
خصوصية سويدية
كانت العصابات في السويد تمثل مشكلة إقليمية [مناطقية]، لكنها تحولت إلى وباء وطني. اعتادت السويد أن تكون مجتمعاً شاملاً للغاية، إذ اقتنع الجميع تقريباً بفكرة التضافر بطريقة قائمة على المساواة.
ولا تزال الدولة تلعب دوراً إدارياً غير عادي، على سبيل المثال، في مراقبة كمية الكحول التي يستهلكها مواطنوها. في ستوكهولم، ينتظر معظم الناس الضوء الأخضر قبل عبور الطريق، حتى في حالة عدم وجود سيارات. من المفترض أن يلعب الجميع دورهم في الأحجية السويدية.
ولكن مع قدوم مزيد من المهاجرين إلى السويد، لم ينجز كثير لضمان إحساسهم أنهم جزء من هذا المجتمع. في هاسيلبي، يوجد جزء من المدينة فيه منازل كبيرة يعيش فيها الأثرياء، ومعظمهم من السويديين البيض (من العرق الأبيض)، وجزء آخر أكثر فقراً. وبحسب ليزبث، التي تحدثت معها صحيفة "اندبندنت" في القطار المتجه إلى هاسيلبي، نادراً ما يختلط الاثنان.
ويقول الصحافي ساليهو، ذو الأصول الألبانية: "كل من المحافظين والديمقراطيين الاشتراكيين الذين حكموا السويد لعقود من الزمن كانوا متفرجين على مشكلة الفصل [المجتمعي] والافتقار إلى الاندماج التي تتطور باستمرار. ربما ليست الهجرة، بل الافتقار إلى التخطيط لمجتمع جديد هو السبب في المشكلة".
لقد صدر النموذج الإسكندنافي للمجتمع العادل والتقدمي إلى بلدان في جميع أنحاء العالم، وكان، على سبيل المثال، مصدر إلهام كبير وراء حركة حزب العمال الجديد بقيادة توني بلير، لكن النموذج السويدي يتعرض الآن للتهديد من الداخل.
بالنسبة إلى ليندا وأطفالها في هاسيلبي، الطريق الوحيد هو الخروج والانتقال. وتشرح "لا أعرف إلى أين سنذهب، لكن لا أستطيع العيش بهذه الطريقة. قبل حادثة القنبلة كانت لدينا جريمة قتل في المبنى. لم يعد هذا مكاناً جيداً للعيش فيه".
© The Independent