ملخص
التقرير الدبلوماسي المرسل من السفارة البريطانية لدى عَمان إلى وزارة الخارجية في لندن 10 يناير 1974 يؤكد أن نجاح الخطط العسكرية المصرية والمكاسب السياسية تعود إلى السادات.
حرب أكتوبر أو حرب الـ10 من رمضان كما تعرف في مصر أو حرب تشرين في سوريا أو حرب يوم الغفران (يوم كيبور) بإسرائيل، هي حرب مباغتة شنتها مصر وسوريا في وقت واحد على إسرائيل عام 1973.
بدأت الحرب يوم السبت الـ6 من أكتوبر (تشرين الأول) بتنسيق هجومين مفاجئين ومتزامنين على القوات الإسرائيلية، أحدهما للجيش المصري على جبهة سيناء المحتلة، وآخر للجيش السوري على جبهة هضبة الجولان المحتلة. وقد أسهمت في الحرب بعض الدول العربية سواء بالدعم العسكري أو الاقتصادي، بخاصة السعودية التي دعمت عسكرياً، واستخدمت سلاح النفط، كما حصلت إسرائيل على الدعم الكامل من قبل الولايات المتحدة الأميركية.
وكانت إسرائيل في حرب 1967 (حرب الستة أيام) قد احتلت شبه جزيرة سيناء المصرية وهضبة الجولان السورية، إضافة إلى الضفة الغربية التي كانت تحت الحكم الأردني وقطاع غزة الخاضع آنذاك لحكم عسكري مصري.
تصف وثائق الأرشيف الوطني البريطاني حرب السادس من أكتوبر بالحرب الرابعة، لكن المصادر العربية اعتبرتها الحرب الخامسة التي حدثت بين العرب وإسرائيل.
أنور السادات... مهندس الحرب المباغتة
يؤكد التقرير الدبلوماسي المرسل من قبل السفارة البريطانية لدى عَمان إلى وزارة الخارجية وشؤون الكومنولث في لندن في الـ10 من يناير (كانون الثاني) 1974، إن نجاح الخطط العسكرية المصرية والمكاسب السياسية التي تحققت في الأيام الأولى من الحرب تعود إلى الرئيس المصري السابق أنور السادات، "إن الفضل في نجاح خطة المباغتة السياسية والعسكرية الرائعة تعود إلى السادات نفسه. ظهرت التدريبات فجأة على طول القناة، وكانت الشيء الحقيقي، وبحلول الثامن من أكتوبر كانت الضفة الشرقية بأكملها في أيدي المصريين. في غضون أسبوع، كان لدى المصريين 100 ألف رجل في سيناء حفروا الخنادق تحت الغطاء الجوي الخاص بهم، ثم تقدموا لتخفيف الضغط عن السوريين، وعجلوا بالهجوم المضاد الإسرائيلي في الـ15 من أكتوبر".
ووفق ما جاء في هذا التقرير فإن "الهجوم المصري لم يكن متوقعاً على الإطلاق، وأن هدف السادات الرئيس من شن الهجوم هو خلق وضع جديد من شأنه أن يؤدي إلى حل دبلوماسي للمشكلة العربية- الإسرائيلية، لكن العملية كان لها أهداف أخرى، بما في ذلك تدمير الأساطير الرائجة حول قوة إسرائيل التي لا تقهر والمفاهيم الاستراتيجية الخاصة بإسرائيل كما كان يعتقد معظم المراقبين، لكن عدداً قليلاً من المصريين كانوا يعتقدون أن الجيش المصري سيكون لديه فرصة في حرب أخرى مع إسرائيل. ومع ذلك، تحسنت المهارات القتالية وارتفعت الروح المعنوية عندما جرى تعيين أحمد إسماعيل علي وزيراً للحرب في أكتوبر 1972، ربما كانت هناك تعليمات للتحضير للهجوم. اعتمدت خطة الهجوم على نقاط القوة المصرية، وتحديد نقاط الضعف الإسرائيلية. وقد نصت على شن هجوم مفاجئ على طول قناة السويس يتبعه تعزيز على الضفة الشرقية قبل هجوم مضاد إسرائيلي".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وفي تقرير آخر جاء ما نصه، "بالنسبة إلى الرئيس السادات كانت هذه حملة سياسية، في الأقل بقدر ما كانت حملة عسكرية. كان هدفه هو تأمين الانسحاب الإسرائيلي من سيناء كجزء من تسوية مشكلة الشرق الأوسط، التي كان يائساً من تحقيقها بأي وسيلة أخرى. وقد أقنعته سلسلة من التجارب بأنه لا يستطيع جذب الاهتمام الجاد للقوى العظمى إلا من خلال اختلاق أزمة حقيقية في الشرق الأوسط".
انحياز أميركا إلى إسرائيل زاد من إصرار العرب
ويتحدث التقرير في فقرته الثانية عن انحياز أميركا ودعمها العسكري والسياسي لإسرائيل، وهو الأمر الذي دفع الرئيس المصري أنور السادات إلى اللجوء لخيار الحرب والاحتفاظ به، "على رغم أن العوامل العسكرية هي التي حددت تاريخ ووقت الهجوم، فإن التطورات السياسية الدولية خلال العام السابق عززت التزام السادات بخيار الحرب. فشلت سياسة الولايات المتحدة تجاه الشرق الأوسط في التطور بعد إعادة انتخاب الرئيس نيكسون. أعقب زيارة حافظ إسماعيل إلى واشنطن في فبراير (شباط) 1973 مباشرة إمدادات جديدة ومتجددة من طائرات ’الفانتوم’ لإسرائيل. لم يتم إيلاء اهتمام كبير للشرق الأوسط في قمة نيكسون - بريجنيف في يونيو (حزيران). واستخدمت الولايات المتحدة حق النقض (الفيتو) ضد قرار مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة في شأن الشرق الأوسط في الـ26 من يوليو (تموز)".
الأسباب التي دفعت السادات إلى وقف الحرب
وبحسب ما تذكر إحدى الوثائق نقلاً عن الرئيس المصري فإن إسرائيل فقدت 500 دبابة خلال الثلاثة الأيام الأولى من الحرب في سيناء، "المصريون ردوا على العدوان الإسرائيلي في السادس من أكتوبر في الأيام الثلاثة الأولى وحدها فقدت إسرائيل 500 دبابة في سيناء. كانت إسرائيل، بعد القتال لمدة 11 يوماً على جبهتين، منهكة تقريباً، لكن، في تلك المرحلة دخلت الولايات المتحدة الصراع بشكل غير مباشر من خلال استبدال المعدات الإسرائيلية المفقودة، وتزويد أسلحة جديدة لدرجة أنها لم تكن استُخدمت بعد مع القوات الأميركية. عندما اقترحت الولايات المتحدة والاتحاد السوفياتي في وقت لاحق وقف إطلاق النار، قبل (السادات) لسببين أولاً، لأن القوتين العظميين ضمنتا وقف إطلاق النار عند خطوط 22 أكتوبر والتنفيذ الفوري للقرار 242، وثانياً، لأنه (السادات) لا يريد محاربة الولايات المتحدة. وعلى رغم وقف إطلاق النار، واصل الإسرائيليون تنفيذ هجومهم من القنوات، الذي كان سياسياً ونفسياً بقدر ما كان عسكرياً في أهدافه (كانت عملية يائسة). الآن يقول الإسرائيليون إنهم قطعوا الاتصالات عن الجيش الثالث، وكانوا يحاصرونه، لكن الفجوة الموجودة في الضفة الغربية هي جيب والجيش الإسرائيلي هو أول من يعرف أنه جيب. اختلطت المواقع والجيش الثالث خلفهم ويمكنه ضربهم والقضاء عليهم هناك".
وكان السادات قد أعلن عن موافقته على القرار 338 بشكل منفرد عن باقي العرب، مؤكداً ثلاث نقاط وهي تنطلق مصر من افتراض أن إسرائيل، بموجب قرار مجلس الأمن الصادر في 23 أكتوبر، يجب أن تبدأ فوراً في سحب قواتها إلى الخطوط التي سيطرت عليها في 22 أكتوبر في الساعة 18 ساعة و52 دقيقة.
وبمجرد انسحاب القوات الإسرائيلية من الضفة الغربية للقناة من مؤخرة الجيش الثالث، في سياق هذه العملية، باتجاه البحيرات المرة، سيتم رفع الحصار عن مضيق باب المندب، وسيتم رفع حقول الألغام الموجودة هناك. وبمجرد أن تكمل القوات الإسرائيلية انسحابها إلى الخطوط التي كانت تسيطر عليها في 22 أكتوبر، في الساعة 18 و52 دقيقة، سيكون هناك تبادل لأسرى الحرب".
أثارت موافقة الرئيس المصري أنور السادات على القرار الأممي من دون مراجعة شركائه العرب موجة غضب عربية عامة، واستغلتها النظم الثورية في العراق وسوريا وليبيا ضد السادات نفسه. وتتحدث إحدى الوثائق البريطانية الصادرة من السفارة البريطانية لدى طرابلس عن الغضب العربي، وتداعيات قبول الرئيس المصري أنور السادات قرار وقف إطلاق النار مع إسرائيل، "وقد دين وقف إطلاق النار في جميع أنحاء العالم من قبل وسائل الإعلام، باعتباره عملاً من أعمال الخيانة ضد الشعب العربي، بتحريض من القوى العظمى وإسرائيل. ويبدو أن هذا الشعور منتشر على نطاق واسع بين الليبيين، على رغم أن التظاهرة ضد السفارة الأميركية كانت بوضوح عملاً جاهزاً، وجرى تنفيذها بشكل ضعيف. إن الناس لا يفهمون لماذا يوافق السادات، بعد أن بدأ الحرب، على إنهائها من دون التوصل إلى نتيجة ملموسة. هناك شعور بالغضب من أنه كان ينبغي للمصريين أن يطلبوا في الأمم المتحدة وجود دولة عظمى على الأراضي العربية. لقد بدأنا نتلقى قصصاً جديدة عن تراكم العداء ضد المغتربين المصريين هنا، وعن الاستياء المصري من المواقف الليبية".
أميركا تحاول نشر قوات دولية في منطقة الخليج العربي
وتشير وثيقة أخرى مرسلة من قبل السفارة البريطانية في الكويت إلى مرجعيتها في لندن تحمل رقم 911 بتاريخ 16 أكتوبر 1973 إلى سعي أميركا توسيع دائرة الصراع بغية فرض سيطرتها على الشرق الأوسط، لا سيما منطقة الخليج العربي، وذلك من خلال نشر قوات دولية تحت قيادتها وإشرافها في المنطقة.
جاء في الوثيقة ما نصه، "واشنطن ونيودلهي الصراع في الشرق الأوسط. أخبرني زميلي الهندي اليوم أن كيسنجر قد أبلغ السفير الهندي في واشنطن قبل بضعة أيام عن إمكانية انضمام وحدة هندية في قوة حفظ السلام في الشرق الأوسط. لقد أوضح أنه لا يتحدث فقط عن قوة بين العرب وإسرائيل، لكن عن منطقة الشرق الأوسط بأكملها، بما في ذلك منطقة الخليج، وأنه سيكون مهتماً بشكل خاص بمشاركة الهند في أي قوة في منطقة الخليج. قال السفير الهندي، إن زميله أخبر كيسنجر أن تجارب الهند السابقة في غزة وأماكن أخرى من غير المرجح أن تدفع دلهي إلى الرغبة في المشاركة مرة أخرى".
موقف دول أوروبا الغربية من الحرب
يتحدث التقرير البريطاني في الفقرة الثامنة عن الدور الفرنسي وعلاقاتها بمصر، يقول "تمكن الفرنسيون من إقناع المصريين بأنهم لا يزالون أكثر ودية منا على رغم أنهم لعبوا دوراً أصغر، وربما كان لهم تأثير دولي أقل إلى حد ما. ارتكب الهولنديون، المعروفون بالولاء لإسرائيل، بعض الأخطاء في بداية الحرب، ولم ينجحوا بعد في إصلاحها. كان الأميركيون سيظهرون كأعداء غير مؤهلين لو لم يدرك المصريون أنهم وحدهم القادرون على إنقاذ الإسرائيليين وكتموا دعايتهم وفقاً لذلك. ما إذا كان هذا الوضع سيستمر سيعتمد كلياً على مدى فعالية الأميركيين في استخدام نفوذهم في إسرائيل لصالح العرب. في الوقت الحاضر، يراود الشك وخيبة الأمل مع قليل من الإعجاب بطاقات كيسنجر وقدراته".
ويضيف التقرير "كان الدور السوفياتي بالتأكيد أقل شراً مما كان يظن كثيرون. من شبه المؤكد أن الروس علموا بنية المصريين للهجوم من خبرائهم في الميدان قبل أيام قليلة فقط، وبعد أن قاموا بإجلاء كبير، يبدو أنهم لم يبذلوا سوى القليل من المحاولات أو لم يبذلوا أي محاولة للتأثير في القرار المصري في الأقل حتى زيارة كوسيجين إلى القاهرة في 16 أكتوبر. حتى الآن يبدو أنهم لم يجنوا سوى القليل من المزايا المباشرة من الحرب. ويبدو أنهم أدركوا، أخيراً، أن التركيز المصري هو تجنب الاعتماد الحصري على أي قوة بوحدها".