Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

جنود زاحفة في حرب الحشرات على العالم

أسلحة فتاكة من البق تضرب فرنسا و2.5 فأر لكل إيطالي في العاصمة روما

ملخص

جحافل البق في فرنسا أعادت التذكير بالتاريخ البشري الحافل بأسلحة فتاكة من الحشرات استخدمتها جيوش ضد أخرى.

أعادت مشاهد جحافل بق الفراش التي أثارت خلال الأيام الأخيرة حالة من الرعب بين الفرنسيين للذاكرة ما يمكن أن تحدثه الحشرات من فزع وسط الناس في عدد من الدول، مثل الجراد والبعوض والدبابير وحتى الفئران.

وسجلت وقائع التاريخ القديم والحديث أكثر من مجرد اجتياح للبق أو الجراد أو البعوض للساحات والمدن والبيوت، إذ استخدمت جيوش بعض الدول حشرات مثل الذباب والخنافس والبعوض كأسلحة مدمرة ضد أعدائها في الحروب، مما جعل كثيرين يسمونها "حروباً حشرية".

ولم تفلح فرنسا بعدتها وعتادها وتطور تكنولوجياتها في اجتثاث الجرذان والفئران التي غزت شوارع العاصمة باريس، مما دفع عمدة المدينة إلى مطالبة السكان بالتعايش مع هذه القوارض، حتى ظهر بق الفراش ليزيد الطين بلة ويرفع جرعة الفزع وسط السكان ومنسوب القلق عند المسؤولين.

وفي خضم هذا القلق والفزع تحولت جيوش البق وهي تحتل وسائل النقل العمومية في فرنسا إلى مادة للسخرية السوداء والتنكيت في برامج التلفزة الليلية، في وقت تستعد البلاد لاستضافة الألعاب الأولمبية العام المقبل.

والفئران ذاتها التي تنتمي إلى فصيلة القوارض سبق لها أن جربت احتلال شوارع وبيوت الإيطاليين في العاصمة روما قبل أشهر خلت، حتى إنها اختارت التجوال بكل أريحية في منطقة "كلسيوم" التاريخية وسط اندهاش وانزعاج الزوار والسياح.

وفي أغسطس (آب) الماضي استنفرت الفئران السلطات الإيطالية التي سارعت إلى مطاردة هذه القوارض ونصب الفخاخ لها في محيط المدرج التاريخي، في وقت يتجول أكثر من 7 ملايين فأر في روما لوحدها، وهو ما اعتبره بعض الظرفاء "توزيعاً عادلاً للفئران على السكان، فلكل مواطن إيطالي 2.5 فأر".

وبالانتقال إلى البعوض فقد عانت فرنسا قبل بضعة أشهر من هجوم جحافل لبعوض النمر الآسيوي الذي يتسبب في حمى الضنك، وشهدت مناطق الجنوب الفرنسي تحديداً بسبب مناخها الدافئ هجمات كثيفة لهذه الحشرات ذات اللسعات اللاذعة، وهو ما عانت منه أيضاً الصيف الماضي مدينة إسطنبول التركية وغيرها من مناطق العالم أيضاً.

جيوش الجراد

هجمات هذه الحشرات والقوارض السابقة يمكن وضعها في كفة، والأضرار التي يسببها الجراد تعادلها جميعاً في كفة ثانية تماماً، فهذه الحشرة تعتبر من أخطر الآفات على المحاصيل الزراعية في أي مكان وزمان، وقد عانى كثير من الشعوب والدول من أضرار هذه الحشرات الفتاكة، وكان من بين أشرسها غزو الجراد لمناطق عدة في العالم وخصوصاً في القارة الأفريقية وشبه الجزيرة العربية وجنوب آسيا وأميركا الجنوبية، خلال الفترة الزمنية الممتدة بين عامي 2019 و2022.

وفي مايو (أيار) الماضي عادت أسراب الجراد للجنوب المغربي بقوة لافتة بعد طول غياب، والتهمت كثيراً من المحاصيل الفلاحية مما دفع سلطات إقليم طاطا إلى محاربتها بشتى الوسائل.

وتزامناً مع ذلك وصلت جحافل الجراد المغربي إلى أفغانستان في الشهر نفسه، مما دفع منظمة الأغذية (فاو) إلى إطلاق تحذيرات من عواقب اقتصادية وخيمة بسبب تفشي هذا النوع من الجراد في ثمان مناطق داخل أفغانستان، إذ إنه يستطيع تدمير كثير من أنواع النباتات، وفق "فاو".

مجانيق العقارب والخنافس

وإذا كانت هذه الحشرات والقوارض تهاجم الدول والبشر، وفق النواميس الإلهية، فإن دولاً وجيوشاً اعتمدت هذه الحشرات كأسلحة بيولوجية ضد أعدائها في بلدان أخرى، ومنها التي سلطت الحشرات على شعوب الدول المعادية لتنقل إليها الأمراض، ومنها ما استخدمت لإهلاك النسل والحرث في "حرب الحشرات".

وتسرد وقائع من التاريخ القديم أن النحل كان أول سلاح يجري استعماله من طرف البشر القدماء، إذ يلقى النحل وأعشاشه على الكهوف والمغارات لإرغام الأعداء والخصوم على الخروج منها، وفق ما أورد كتاب "الجنود ذوو الأرجل الستة" لمؤلفه جيفري لوكوود.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

ويحكى في التاريخ القديم أيضاً أن أحد ملوك الفرس استطاع أن يهزم الإمبراطور الروماني ذي الأصول الليبية لوشيوس سيبتموس سيفيروس بفضل العقارب والخنافس التي وضعت في قذائف مصنوعة من الخزف، وكان الجنود يلقونها فوق أسوار عالية على الرومان الذين استسلموا للدغات العقارب والخنافس من دون حرب في أرض القتال.

ومثل القذائف الخزفية الممتلئة بالعقارب والخنافس اهتم الرومان من جهتهم بالعناية بجمع الدبابير وتربية النحل، لا من أجل العسل ولكن لجعل هذه الحشرة سلاحاً فتاكاً ضد الأداء والخصوم، ومن بينهم الفرس، إذ يضعون هذه الحشرات اللاسعة في رأس المجانيق ليرموا بها السفن والزوارق المعتدية مما يخلق الفزع والفوضى في صفوف جنود الأعداء.

التهام المحاصيل

وإضافة إلى استخدام الحشرات أسلحة مباشرة في المقذوفات والمجانيق، اهتدت جيوش الدول عبر التاريخ قديماً وحديثاً إلى استخدام هذه الحشرات كأسلحة فتاكة في نقل الأمراض الخطرة التي لا تبقي ولا تذر، والتي بإمكانها أن تهلك البشر والحجر والشجر من دون اللجوء إلى الأسلحة والعتاد الحربي المعروف في ساحات النزال وميادين الوغى.

وتكاد تتفق المصادر التاريخية على أن أول وأبرز مثال لهذا النوع من الاستخدام للحرب الحشرية هو ما لجأت إليه اليابان في عهد عالم الأحياء الياباني شرو إيشي الذي كان وقتها قائداً عاماً للوحدة العسكرية رقم (731) التابعة للجيش الياباني الإمبراطوري والمتخصصة في الأسلحة البيولوجية، فقد كان إيشي وراء فكرة إلقاء البراغيث المسببة لداء الطاعون عبر الطائرات فوق مدينة تشانغده الصينية خلال الحرب الصينية - اليابانية الثانية في الفترة ما بين عامي 1937 و1945، مما تسبب وقتها في وفاة 500 ألف مواطن صيني، تبعاً لروايات تاريخية عدة.

وبعد الحرب الحشرية التي شنتها اليابان على الصين عمدت الولايات المتحدة إلى الحرب نفسها ولكن بأدوات أخرى وأعداء مختلفين، إذ لجأت إلى لغة العلم والبحث التقني في مختبراتها من أجل إنتاج ملايين البعوض الذي يصيب بداء الملاريا، بغية الهجوم على الاتحاد السوفياتي في عقر داره إبان الحرب الباردة.

خنفساء البطاطا

وإذا كانت الحشرات تستخدم في حرب لا رحمة ولا شفقة فيها بجعلها أسلحة مباشرة، وبخاصة في عصور تاريخية قديمة، أو بقذف حشرات جالبة للأمراض المعدية والخطرة، وهو ما حدث خلال الحرب العالمية الثانية، فإن هناك أيضاً نوعاً ثالثاً من هذه "الحرب الحشرية"، وهو إرسال جحافل الحشرات التي تتخصص في القضاء على المحاصيل الزراعية للبلدان المعادية.

ومن أشهر الحشرات التي لجأت إليها الدول لمواجهة دول لها معها عداوات ومشاحنات، "خنفساء كولورادو" التي تسمى أيضاً "خنفساء البطاطا" التي اكتشفت عام 1824 في منطقة قريبة من نهر كولورادو في سلسلة جبال الروكي جنوب غربي أميركا الشمالية.

وفي عز الحرب العالمية الثانية أوصى خبراء الحرب البيولوجية في فرنسا باستعمال "خنفساء كولورادو" ضد الحقول والمحاصيل الزراعية للألمان، وهو الشيء نفسه بادرت إليه برلين في الحرب المستعرة ذاتها.

وتورد المصادر التاريخية أن هذه الخنفساء التي سلطتها دول على أخرى انتشرت في القارة الأوروبية وتسببت في أضرار وخسائر زراعية فادحة، خصوصاً في بولندا واليونان وفرنسا وألمانيا وبعض بلدان أوروبا الشرقية حينئذ، وكانت وراء تدمير محاصيل البطاطا لتتعداها إلى محاصيل الطماطم أيضاً.

اقرأ المزيد

المزيد من متابعات