ملخص
استخدام القاعدة لأغراض سياسية في اليمن صورة متجددة للصراع
بين حين وآخر تبرز أنشطة تنظيمي "القاعدة" و"داعش" في عدد من مناطق اليمن استغلالاً لحال الشتات التي تعانيه الحكومة الشرعية بفعل استمرار الحرب بين الميليشيات الحوثية المدعومة من إيران ضد الحكومة الشرعية.
ونشرت قوات دفاع شبوة اليوم السبت مقاطع فيديو لاعترافات عناصر تنظيم "القاعدة" الذين تم اعتقالهم بعد محاولتي نهب دورية عسكرية.
وتضمن الفيديو ما قالت مواقع إخبارية موالية لقوات شبوة إنه اعترافات تدعي "التخادم بين التنظيم المحظور دولياً وجهات سياسية يمنية تتبع الحكومة الشرعية إضافة إلى الحوثيين".
ومن بين ما كشفت عنه التسجيلات "اعترافات القيادات الميدانية" حول كيفية تنفيذ عدد من عمليات الاغتيالات التي طاولت قيادات عسكرية وجنوداً ومواقع نفطية واقتصادية في محافظة شبوة الاستراتيجية، كما تحدثت عن "مصادر التمويل المالي والعبوات الناسفة والطائرات المسيرة" التي قالت انها تأتيها من "محافظات مأرب وصنعاء والبيضاء" عبر شخصيات تحمل أسماء غير معروفة.
القاعدة لا تستثني السياسة
وذكر متحدث يصفه الفيديو بـ "القيادي في القاعدة أبو خالد الدياني" أن مصادر تمويل هذه العمليات تأتيهم عبر حوالات مالية تصلهم من قيادة التنظيم الموجودة في محافظة مأرب.
وكشف الدياني أن عنصراً من التنظيم يدعى حمزة المشدلي أوصل طائرة مسيرة من مأرب إلى منطقة خورة بشبوة ومن ثم نقلها إلى منطقة المصينعة، واستخدمت مرات عدة من قبل عنصر ثالث اسمه كمال الصنعاني، فيما أشار عنصر اسمه السبع باعوضة إلى استهداف منشأة بلحاف، أكبر ميناء لتصدير الغاز في اليمن، خلال أغسطس (آب) الماضي، بقوله إن "كمال الصنعاني جاء من مأرب ومعه صواريخ كاتيوشا بهدف قصف المنشأة، والتقى عبدالله بداس وقصفوا المنشأ بخمسة صواريخ".
ورقة للغلبة
ويمكن فهم أبعاد هذه التأويلات عندما تندرج في إطار حال التنابز السياسي بين القوى السياسية اليمنية التي يتهم بعضها بموالاة "القاعدة" أو التنسيق معها أحياناً، وهي اتهامات متداولة منذ عهد الرئيس الراحل علي صالح الذي يتهمه خصومه باستخدام "القاعدة" لمواجهة خصومه السياسيين، وإدارة البلاد بالصراعات وإغراقها بنحو 70 مليون قطعة سلاح، مما يعزز تكاثر التشكيلات العسكرية وصراعها المحموم على تقاسم مناطق النفوذ والسيطرة، وكل جهة تأتمر بغرفة عمليات مستقلة عن الأخرى، مما أحدث ثغرات أمنية فادحة ينفذ منها التنظيم بين حين وآخر، كما هي الحال في آخر عملية في شبوة والتي استهدفت قيادياً في قوات دفاع شبوة وسببت له إصابات بالغة.
غير أن هذه هي المرة الأولى التي تشير اعترافات المضبوطين إلى ممارسة نشاطهم من محافظة مأرب الاستراتيجية التابعة للحكومة الشرعية، والتي تُتهم سلطتها المحلية من قبل قطاع واسع من اليمنيين بتمكين أحزاب ذات طابع أيديولوجي بالسيطرة على مفاصلها العسكرية والأمنية والاقتصادية كافة، بالتزامن مع اتهامات لمنتقدي "الشرعية" تتحدث عن تخادم بين تنظيم "الإخوان" و"القاعدة"، مستدلين بعلاقات تاريخية سابقة جمعت قادت التنظيمين خلال فترات سياسية معينة.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وعلى مدى الأعوام الماضية شن التنظيم على نحو متقطع هجمات مسلحة في كل من شبوة ومحافظتي حضرموت وأبين المتجاورتين، وهي مناطق تابعة لسيطرة الحكومة الشرعية المعترف بها دولياً، راح ضحيتها عشرات الجنود والقادة العسكريين.
أبعاد مكان النشاط
وتكشف هذه التطورات، وفقاً لمراقبين، حال الصراع العميق الذي تعانيه القوى اليمنية المتحكمة في صورة المشهد اليوم، مع اتهام كل طرف باتخاذ القوى المسلحة ورقة لمصلحة أهدافها.
وإزاء ذلك حذرت الحكومة الشرعية مما وصفته "التنسيق بين الحوثيين و’القاعدة‘"، خصوصاً إذا ما عرف أن الأخيرين كان يجري الاستدلال بهم بتهمة استخدامهم ورقة من أوراق الصراع السياسي في البلاد.
وخلال مايو (أيار) الماضي اتهمت "الشرعية" التنظيم الإرهابي المحظور على لسان وزير الخارجية أحمد عوض بن مبارك بالتخادم مع الحوثي، وادعت "الشرعية" امتلاكها أدلة أمنية تؤكد استخدام الحوثيين للتنظيم ضد مناهضي مشروعهم، "مثل توفير ملاذ آمن لتحركاتهم في محافظة البيضاء الخاضعة لسيطرة الحوثيين، وإطلاق عناصر التنظيم من سجون الاستخبارات في صنعاء بعد الاتفاق على تنفيذ عمليات تستهدف "الشرعية"، حيث جرى اغتيال قادة عسكريين وسياسيين وإعلاميين مناهضين للمشروع الإيراني في اليمن".
وتساءل بن مبارك حينها "لماذا تحدث جميع الأعمال الإرهابية في المناطق المحررة فقط، لا في المناطق الخاضعة للانقلاب الحوثي المدعوم من النظام الإيراني؟".
وتشير البيانات الدولية الصادرة إلى أن تنظيم "القاعدة" لا يزال وجوده قوياً في اليمن، مستغلاً حال الفوضى التي تعيشها البلاد، على رغم الحملة المكثفة التي يشنها منذ 10 أعوام كل من الجيش الأميركي والتحالف العربي.
وخلال اتصالات أجرتها "اندبندنت عربية" في وقت سابق مع قوات دفاع شبوة للحديث حول عودة نشاط "القاعدة" في عدد من مناطق المحافظة، كان كل فصيل ينفي وقوعها في نطاق اختصاصه ويحيلها إلى جهة أخرى، من دون أن نصل إلى الجهة المخولة بالحديث، وهو ما يكشف تعدد قنوات المسؤولية وتباينها أحياناً في ظل عدم تمكن مجلس القيادة الرئاسي حتى الآن من فرض واقع يحصر القرار والقوة في جهاز رسمي معين.
ونتيجة لهذه الحال يثير عودة نشاط "القاعدة" مخاوف أمنية لا يستبعد تكرارها، مع خشية مجتمعية من تفاقمها إلى مستوى يهيئ لانهيار المنظومة الأمنية في مناطق "الشرعية" بالتزامن مع انشغالها بالقضايا السياسية وحال التباين الذي تعانيه داخلها، وبالتالي تأخر سلسلة الإجراءات المفترض اتخاذها وخصوصاً في ما يتعلق بتوحيد مؤسستي الجيش والأمن، بخاصة وأن في "الشرعية" من يعتبر أن هذه الضربات تستهدف في المقام الأول خلط الأوراق أمام مجلس القيادة الرئاسي، لمنع توجهه الميداني نحو ميليشيات الحوثي التي تُحكم بالمقابل قبضتها الأمنية داخل المناطق الخاضعة لسيطرتها نتيجة توحد جهازها الأمني.
جهة غير معترف بها
وفي رده على التهم التي قد يكون حزبهم معنياً بها، تساءل رئيس الدائرة الإعلامية في حزب الإصلاح عدنان العديني، "أين حدثت اعترافات الخلية المقبوض عليها؟ وما هو الجهاز القضائي الذي حقق في الموضوع؟"، مبدياً استغرابه مما سماه "نقلكم للخبر عن جهة ليست قانونية"، في إشارة إلى قوات دفاع شبوة.
ويضيف العديني، "بإمكاني أن أشكّل ميليشيات ثم آخذ أي أحد وأصوره، ما الذي يمنع هذا؟".
ويتابع، "في النهاية مصدر المعلومة يأتي من مصدر قضائي أو أمني أو رسمي، وهنا تتعامل معه وسائل الإعلام، ولكن أحداً لمجرد أن لديه سلاحاً واستطاع أن يسيطر من دون أن تعترف به وزارة من الوزارات المتخصصة، فهذا مصدر استغرابي من التعامل مع ما يقوله".
ولعل أشهر هجوم لـ "القاعدة" في اليمن، وأعلن التنظيم في ما بعد مسؤوليته عنه، هو استهداف المدمرة الأميركية "يو إس إس كول" عام 2000 في ميناء عدن، مما أدى إلى مقتل 17 من أفراد طاقمها وجرح 39 آخرين.