Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

لا للتصعيد: السبيل القصير لوقف الحرب

من أوضح مظاهر ضعف شوكة "قحت" أنها تكاد تكون منقطعة الصلة بالطرفين المتحاربين ورموزهما

 

صورة تم التقاطها في 17 سبتمبر 2023 تظهر حريقاً مستعراً في برج شركة نفط النيل الكبرى بالخرطوم (أ ف ب)

ملخص

ما استحق السؤال عنه هنا إن كانت الدعوة لا للحرب قد تحولت إلى طاقة سياسة وثقافية بإمكانها مناطحة وحوش الحرب وفرض إرادة السلم عليهما بصورة أو أخرى؟ والإجابة لا

نبهت بريطانيا دون غيرها إلى الخطر على مآلات الحرب في السودان، الذي حملته سيطرة قوات "الدعم السريع" على بلدة ود عشانا بشرق ولاية كردفان في أول أيام أكتوبر (تشرين الأول) الجاري.

نعرض هنا لاستراتيجية موقع ود عشانا قبل تناول منطق المخاوف التي حذرت بريطانيا منها، فالبلد تقع على طريق كوستي – الأبيض، ثم دارفور، وهو الشريان الرئيس للنقل التجاري ما بين ميناء بورتسودان على البحر الأحمر إلى كردفان ودارفور عبر الخرطوم أو مدينة مدني في الجزيرة.

يمكن لسيطرة "الدعم" على ود عشانا قطع ما بين الميناء وسائر الغرب السوداني، خصوصاً بعد سيطرته على مدينة أم روابة كبرى مدن شرق كردفان على بعد 50 كيلومتراً غرب ود عشانا، وهو الطريق الذي تنقل من عليه المساعدات الإنسانية إلى دارفور حالياً بحراسة قوات من واليها أركو مناوي.

جاء الهدف من السيطرة على ود عشانا في بيان رسمي لـ"الدعم السريع"، حيث وصفها بأنها "آخر حامية حدودية (للقوات المسلحة) مع النيل الأبيض. فبات الطريق ممهداً إلى مدينة كوستي وجميع المحاور للقضاء على الفلول (الإسلاميين)"، وبسط الحكم المدني والديمقراطي.

متى دخل المرء ميناء كوستي النهري على النيل الأبيض انفتحت السبل أمامه لولايتي النيل الأبيض والجزيرة مأوى الألوف من مهجري الخرطوم، وهذا السيناريو في تصعيد الحرب من قبل "الدعم السريع" هو ما أزعج بريطانيا لوهلة، ثم صمتت عن الكلام.

وهكذا جاءت السيطرة على ود عشانا بمفهوم التصعيد إلى خطاب حرب اكتفت أطراف مدنية فيها مثل قوى الحرية والتغيير (قحت) بمطلب وقف الحرب.

التصعيد منعطف في الحرب موكل بمثل "قحت"، طالما التزمت الحياد واستعصمت بـ"لا للحرب"، أن تقف على أمشاطها دون وقوعه. فلا وقوف للحرب وهي تستشري في مناطق توسمنا فيها أمن من نزحوا إليها في انتظار نهايتها للعودة إلى ديارهم.

هؤلاء المهجرون أمانة في عنق داعية وقف الحرب، فلم يقل مثله لا في وجه الحرب حيال من قال نعم إلا شفقة بالخلق السودانيين يتكبدون حرباً لا ناقة لهم فيها ولا بعير ضحية جنرالين استبدت بهم شهوة الحكم. وود المرء لو جعلت قحت تصعيد الحرب خارج نطاق الخرطوم أكبر همها.

فلو كان لقوى لا للحرب حضور لاستنقذت مدينة أم روابة بولاية شمال كردفان ربما مما حاق بها على يد "الدعم السريع"، أو لطفت منه، فقد سيطر "الدعم" على المدينة ثم تنازع مع أهلها وتفاوضوا معه فقبل بالانسحاب منها، ثم عاد "الدعم السريع" ليبسط سيطرته عليها في يوم 14 سبتمبر (أيلول) بعد انسحاب الجيش منها.

قالت المصادر إن المدينة عاشت بعد عودة "الدعم السريع" فوضى عارمة، وعمليات نهب واسعة النطاق، وإرهاب للمواطنين، فتم تحطيم معظم المحلات التجارية في السوق الجنوبية من المدينة ونهبها إلى جانب اعتقال بعض المواطنين انتقاماً لتعاطفهم مع القوات المسلحة في أثناء دخولها المدينة.

وأشارت المصادر إلى إغلاق الأسواق والتزام معظم المواطنين منازلهم خوفاً من الاعتداء عليهم في حين دعاهم "الدعم السريع" للعودة إلى عملهم وفتح العيادات والأسواق.

وواضح أنه ما كان بوسع المطالبين بوقف الحرب استثمار مثل فضاء التفاوض الذي انفتح بين "الدعم" والمدينة لمنع تصعيد الحرب في مدينة غادرها الجيش بلا معركة وطوعاً.

ما استحق السؤال عنه هنا إن كانت الدعوة لا للحرب قد تحولت إلى طاقة سياسة وثقافية بإمكانها مناطحة وحوش الحرب وفرض إرادة السلم عليهما بصورة أو أخرى؟ والإجابة لا، فلا تجد للدعوة أثراً في الشارع تعبئ الناس لا حول معنى وقف الحرب فحسب، بل في تجاوز ويلات نقص الثمرات وسد الحاجات أيضاً.

حاولت "قحت" التظاهر في عطبرة أول أيام الحرب للضغط لوقف الحرب فذهب أحدهم ولم يجد أحداً في موضع الإعلان عنها فكتب "حضرت ولم أجدكم".

ولا تجد لقحت "تكية" (وهي الطعام المبذول للغاشي والماشي في عبارة سودانية) مثل التي يشرف عليها شيخ الأمين الصوفي على سكة القادرية بحي بيت المال بأم درمان بتفاهم ما مع الجيش و"الدعم السريع".

ولا تخرج قحت بخطة لتأمين التعليم الذي سدت أبوابه والحرب تتطاول، ولم تشرع في إدارة حملات للتبرع بالمال مع متخصصين في هذا الفن تجلت همتهم في دعم ثورة 2018 في وجوه منصرفها كله، ولا نعرف لها تنسيقاً مع منظمات الأطباء السودانيين في الخارج لسد خانات نقص الكادر البشري والدواء في حين تنهض هذه المنظمات طوعاً بما في وسعها.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

جاء العوار لدعوة وقف الحرب لما خلت من الشوكة بالانغماس في سياسات ضحايا الحرب وسياساتهم ميدانياً، من جهتين، فمن جهة أفرغت ملكاتها ووقتها في الحجاج مع الإسلاميين، فما ذكرتهم إلا قلبت صفحات تظلمها منهم لعقود خلال الإنقاذ وقبل الإنقاذ، ويبلغ اجترار هذا التظلم من الإسلاميين حداً يدفع المرء للتساؤل عن متى سيتصالحون مع حقيقة أنهم هزموهم لخمس سنوات مضت هزيمة نكراء.

تقتضي الشفافية من "قحت"، متى اشتكوا مر الشكوى من عودة الإسلاميين للميدان السياسي، أن يتحلوا بالنفس اللوامة، فعودة الإسلاميين بالقوة التي ينسبونها لهم حتى حملوا الجيش ليشعل هذه الحرب تعليق سلبي كبير على أنهم لم يحسنوا إلى ثورتهم.

والعوار الآخر جاء لقحت من حس كثير من الناس أنها جانحة لـ"الدعم السريع" سراً في حين يقف الإسلاميون مع القوات المسلحة جهرة، فهي و"الدعم السريع" متطابقان في تحميل الفلول وزر بدء الحرب لاستعادة حكم دولة الإنقاذ التي أطاحتها ثورة 2018.

ومن "قحت" من يرى الجيش طرفاً أصيلاً في بدء الحرب، وهناك من يراه منجراً بلا إرادة بالإسلاميين، وخلافاً لما يقول الإسلاميون عن "قحت" فهو تطابق في الرأي خلا بالتأكيد من التدبير المسبق، لكن تصادف أنهما معاً تخاصما مع الجيش والإسلاميين كل في توقيته الخاص.

خصومة قوى الحرية والتغيير وأسلافها معهما في الساحة السياسة تاريخية بينما استجد "الدعم السريع" عليها، فبدا للأسماع أن عبارة أحدهم هي الصدى للآخر، فإذا استنفر الجيش الشباب للتدريب لحماية أحياءه ومدنه قالا في الوقت نفسه إن هذا مما سيقود للحرب الأهلية لأنه تجييش عرقي يؤلب شباب الشمال على "الدعم السريع" الذي كثيرة من مناطق الغرب. وكأن الحرب تنتظر لا تزال أن تكون حرباً أهلية.

وإذا قال الفريق عبدالفتاح البرهان إنه سيقيم حكومة أمر واقع في بورتسودان لتصريف أعمال الدولة قالا إن تلك دعوة لقسمة البلاد كما في ليبيا.

وإذا خرج الفريق البرهان كما فعل أخيراً من الخرطوم قالا ترك "بدرومه" (نفس الكلمة) وهرب من المعركة، وعليه يصعب على المرء ألا يشتبه في جنوح "قحت" لـ"الدعم السريع" طالما كان صوت أحدهم المحكي والآخر الصدى في قول المتنبي.

ومن أوضح مظاهر ضعف شوكة "قحت" في دعوتها إلى وقف الحرب أنها تكاد تكون منقطعة الصلة بالطرفين المتحاربين ورموزهما، وهما من لا يحرص طالب وقف الحرب على شيء مثل أن تكون طرقه لمثلهما لاحبة.

قد لا يستغرب المرء انبتات علاقة "قحت" مع القوات المسلحة المتهمة عندها بإشعال حرب عبثية، لكن تعز الإجابة عن سبب انقطاعها عن "الدعم السريع" الذي لا تزال تثق في ولائه لاتفاقهما الإطاري، فكشف لقاء قريب لياسر عرمان، القيادي بـ"قحت"، مع قناة "الجزيرة" أن صلتهم بـ"الدعم السريع" غير سالكة، كما يتوقع المرء منهما:

- هل تحدثت أنت شخصياً أو أحد قيادات الحرية والتغيير بصورة مباشرة مع الفريق البرهان أو الفريق حميدتي؟

- نعم. تم حديث معهم ومع عبدالرحيم (دقلو) ومع (شمس الدين) كباشي.

- هل أنت شخصياً تكلمت مع الفريق البرهان أو الفريق حميدتي؟ ومتى كان؟

-لا. لم تتح لي الفرصة. ولكني مستعد للحديث إليهما لإنهاء الحرب.

- أنت قلت لي هناك من قوى الحرية والتغيير، المجلس المركزي من تواصل مع الفريق البرهان والفريق حميدتي. من منكم تواصل معهم بشكل مباشر؟

- هناك لجنة محددة من قوى الحرية والتغيير لا أعتقد أنه من المفيد الآن، ومن السابق لأوانه، أن أذكر أسماءها لأنها يجب أن تتحدث هي عن نفسها. وستتحدث يوماً ما. نحن لا نريد كتابة التاريخ، ولكن نريد إنهاء الحرب.

- ولكن في الأقل وصل لك فحوى الاتصالات. ماذا عرض البرهان وحميدتي عليكم حين تحدثتم إليهما.

- طبعاً الحديث يدور حول إنهاء هذه الحرب بشكل مشرف في جميع السودان.

- حينما تحدثتم إلى الفريق حميدتي، هل حدثتموه عن اغتصاب يشار إليه ومسؤولة عنه قوات "الدعم السريع" كما جاء في بعض التقارير الدولية. هل حدثتموه عن احتلال منازل الناس وعن التهجير الذي حدث لآلاف السودانيين، بل ملايين؟

-الحديث الذي قمنا به بالتفصيل كان مع وفد "الدعم السريع" (في مفاوضات جدة؟) عن الاغتصابات، عن انتهاكات حقوق الإنسان، وعن الانتهاكات التي قامت بها القوات المسلحة. وكان حديثاً واضحاً. وكانت لديهم رغبة في الخروج من الحرب، وفي وقف العدائيات، وفي معالجة القضايا الإنسانية.

- كلام "الدعم السريع" غير منطقي. يقولون ليل نهار إنهم يريدون السلام، ولكن لا يتفق قولهم مع ما يحدث على الأرض. الانتهاكات لا تزال متواصلة. هل حدثتم وفد "الدعم السريع" بهذا الأمر؟

- تحدثنا معهم وناقشناهم. وأنت أيضاً حاورتهم وأجهزة الإعلام حاورتهم. وهذا ليس بسر. أنا شاركت في مفاوضات سلام عديدة، وحضرت حروباً هذه هي الثالثة. الحرب الأولى كنا مع الدكتور قرنق لأكثر من 20 عاماً. وانتهت الحرب باتفاق سلام، ثم أيضاً اتفاق سلام جوبا في 2020. وهذه الحرب الثالثة. خبرتنا تقول إن حركات أقل من "الدعم السريع" لا يمكن القضاء عليها. ولذلك سيكون "الدعم السريع" قوة موجودة يجب التعامل معها ويجب الوصول إلى حلول لأزمة السودان على أساس برنامج وليس العودة إلى النظام القديم.

تجمل ياسر في هذا الحوار وإن لم تفت على المستمع حقيقة عدم وجود صلة مؤسسية بين "قحت" و"الدعم السريع" بعد نصف عام من الحرب. وهي الصلة التي لا غنى عنها لداعية لوقف الحرب لأنها تأذن لهما، ضمن أشياء أخرى، مدارسة مسألة تصعيد الحرب التي أثارتها السيطرة على ود عشانا مما أشفق بريطانيا على مهجري الخرطوم فيما بين النهرين في ولايتي النيل الأبيض والجزيرة.

المزيد من تحلیل