ملخص
بعد انتخابه في عام 2016، قام ترمب بإجراء مكالمة هاتفية مع رئيس تايوان، ما أثار جدلاً كبيراً في منطقة المحيط الهادئ. لكنه تراجع لاحقاً وأكد التزامه بسياسة الصين الواحدة، ما أدى إلى تساؤلات حول التزام أميركا بحماية تايوان في ظل تهديدات من الصين.
بعد فوزه في الانتخابات عام 2016، كسر الرئيس المنتخب آنذاك دونالد ترمب عقوداً من البروتوكول الأميركي بأن تحدّث مباشرة مع الرئيسة التايوانية تساي إنغ-وين. كان ذلك الاتصال الأول من نوعه منذ التحول الدبلوماسي عام 1979 عندما اعترفت واشنطن رسمياً بالحكومة الصينية وقطعت العلاقات الرسمية مع تايوان.
ألمح ترمب في ذلك الوقت إلى أن الولايات المتحدة قد تعيد النظر في التزامها بسياسة الصين الواحدة، التي تقر من خلالها بأن الإدارة القائمة في بكين هي الحكومة الصينية الرسمية الوحيدة، وتعترف بمطالبة الصين بالسيادة على تايوان.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
لكن بالسرعة نفسها التي هزّ بها هذا الاتصال المجتمع الدولي وتوازن منطقة المحيط الهادئ الجيوسياسي، حدث تراجع مفاجئ. في اتصال لاحق مع شي جينبينغ، طمأن ترمب الرئيس الصيني بأنه ملتزم بالحفاظ على السياسة الأميركية الحالية على رغم كل شيء.
ميّز هذا النوع من التناقض في مسائل السياسة الخارجية الشائكة جزءاً كبيراً من رئاسة ترمب الأولى، وتلقّت تايوان تذكيراً مقلقاً بالواقعة الأسبوع الماضي عندما سُئِل الزعيم الجمهوري، الذي يسعى إلى انتخابه مرة أخرى سيداً للبيت الأبيض في نوفمبر (تشرين الثاني)، عمّا إذا كان سيدافع عن الجزيرة إذا غزتها بكين.
"يجب على تايوان أن تدفع لنا في مقابل الدفاع عنها". قال ترمب ذلك في مقابلة أجرتها معه مجلة "بلومبرغ بيزنس ويك". "نحن لا نختلف عن شركات التأمين".
على رغم عدم وجود علاقات دبلوماسية رسمية مع تايوان، وقّعت الولايات المتحدة معاهدة تلزمها بالدفاع عن الجزيرة إذا وقع هجوم عليها. وعلى رغم أن الولايات المتحدة تحافظ على سياسة من الغموض الاستراتيجي المتعمّد عندما يتعلق الأمر بما قد يبدو عليه هذا الدفاع، تُعَد إلى حد بعيد أكبر مزود للأسلحة للإدارة المنتخبة ديمقراطياً في الجزيرة.
ويقرع اقتراح ترمب مرة أخرى بأنه قد يقلب علاقة أميركا الاقتصادية البعيدة الأجل مع تايبيه إلى علاقة من أدنى مستوى أجراس الإنذار بين المراقبين والمحللين في المنطقة، مثيراً تساؤلات خطيرة حول التزام أميركا بالدفاع عن الجزيرة في وقت يبدو تهديد الصين بغزوها أكبر من أي وقت مضى.
تفيد سانا هاشمي، خبيرة العلاقات الخارجية التي تتخذ من تايبيه مقراً لها، بأن عهد ترمب الثاني قد يجعل تايوان "تُعامَل كورقة مساومة" في مفاوضات مع الصين.
وتقول هاشمي، وهي زميلة باحثة بعد نيلها شهادة الدكتوراه في مؤسسة التبادل التايوانية-الآسيوية، لصحيفة "اندبندنت": "من المرجح أن تتسبب رئاسة ترمب باضطرابات ليس فقط لتايوان، بل أيضاً للعديد من الحلفاء والبلدان ذات النهج المماثل.
"ذلك أن سلوكه الحاد والذي لا يمكن استباقه يمكن أن يعطّل الضمانة التي تمكّنت إدارة بايدن من تقديمها إلى البلدان المعنية بالتهديد الصيني".
وأشار راجا كريشنامورثي، العضو الديمقراطي في مجلس النواب الأميركي والعضو البارز في لجنة مجلس النواب المختارة المعنية بالصين، إلى أن الانسحاب من تايوان سيكون خيانة، واصفاً الخطوة بأنها "غير قانونية".
وقال: "سيعني تهديد الرئيس السابق ترمب بالتخلي عن التزامات أمتنا البعيدة الأجل والتي تحظى بتأييد الحزبين تجاه تايوان خيانة لواحدة من أكثر الديمقراطيات حيوية في العالم لمصلحة الحزب الشيوعي الصيني.
"ولن يكون الفشل في الدفاع عن تايوان غير شرعي بموجب القانون المعني بالعلاقات مع تايوان فحسب، بل سيكون أيضاً خيانة للقيم الأميركية ولمؤسساتنا الديمقراطية".
لقد ربط ترمب مرة أخرى بين أمن تايوان والمصالح الاقتصادية الأميركية من خلال الإشارة إلى أن الصين يمكن أن تستولي بسهولة على الجزيرة لكنها لا تفعل ذلك بسبب قطاع أشباه الموصلات الثمينة فيها، الذي يصنع رقائق كمبيوترية تشغل كل شيء من الهواتف الذكية إلى السيارات والأقمار الاصطناعية. واتهم الزعيم الجمهوري الجزيرة بسرقة "نحو 100 في المئة من أعمالنا في مجال الرقائق".
ومن المقرر أن تكون مسألة تايوان واحدة من التحديات المحددة للسياسة الخارجية التي سينتهجها من سيفوز في الانتخابات الأميركية في نوفمبر (تشرين الثاني)، إذ أمر الرئيس الصيني شي جيشه بأن يكون مستعداً للاستيلاء على الجزيرة بالقوة بحلول عام 2027.
اعترف ترمب بأنه لا يشعر "بالأمان الشديد" في شأن الوضع عند مضيق تايوان، حيث تُعَد بكين "عدوانية للغاية وتنشر سفناً في كل مكان".
وقد أدت حصيلة ما تفوه به ترمب لـ"بلومبرغ" إلى انخفاض ملحوظ في سعر سهم "شركة تايوان لتصنيع أشباه الموصلات"، أكبر شركة لتصنيع الرقائق في العالم لجهة المبيعات، في علامة على الأثر المزعزع للاستقرار الذي يمارسه ترمب بالفعل على الوضع الهش.
وقال خبراء إن عهداً ثانياً لترمب لن يؤدي إلا إلى مزيد من عدم اليقين في خصوص تايوان وقطاعاتها، ولا سيما تلك التي تعتمد على الدعم الأميركي.
تقول باربرا كيليمن، الخبيرة في السياسة الأمنية الصينية: "لقد أثبت عهد ترمب أنه غير قابل للتوقع وعرضة إلى تغييرات قريبة الأجل في السياسة. في هذا الصدد، من المحتمل أن تعاني الحكومة التايوانية في الاعتماد في شكل كامل على دعم الولايات المتحدة".
وتضيف أن ترمب يبدو ميالاً إلى "المرونة الاستراتيجية" عندما يتعلق الأمر بمسائل السياسة الخارجية، وبالتالي من المرجح أن يكون التزامه بالدفاع العسكري عن تايوان أقل موثوقية من التزام الإدارة السابقة – ويعتمد على عدة عوامل أخرى.
وردّ رئيس وزراء تايوان تشو جوانغ-تاي ردّاً موزوناً بعناية على تعليقات ترمب، وسلّط الضوء على العلاقات الجيدة بين الولايات المتحدة وتايوان على رغم عدم وجود علاقات رسمية، لكنه وعد بزيادة قدرات الجزيرة للدفاع عن نفسها بمفردها.
قال: "نحن على استعداد لتحمّل مزيد من المسؤولية. هذا يعني أن ندافع عن أنفسنا". وأضاف "نحن ممتنون جداً" للدعم الأميركي.
وعلى رغم أن إدلاء ترمب بتعليقات كهذه في شأن تايوان ليس جديداً، قد تكون لخطابه الأخير تداعيات أكبر على تايوان، إذ كثّف الجيش الصيني تدريباته بالقرب مما يعتبره الرئيس شي جينبينغ أراضي خسرها البر الرئيسي.
تقول هاشمي: "تايوان معتادة على ذلك وتستعد لرئاسة أخرى لترمب"، مضيفة أن الولايات المتحدة خلال رئاسة بايدن كانت تستكشف بوضوح طرقاً للدفاع عن تايوان إذا وقع غزو من دون استفزاز.
يقول ديريك غروسمان، وهو محلل دفاعي، لصحيفة "اندبندنت" إن "عهد ترمب الأول كان مليئاً بأشخاص دعموا الدفاع عن تايوان، حتى لو لم يدعمه الرئيس نفسه".
ومع ذلك، قد يعتمد دعم واشنطن لتايبيه على موقف أميركا في العالم في ذلك الوقت، وحالة العلاقات بين الولايات المتحدة والصين، وما إذا كانت تايوان أعلنت الاستقلال، فاستفزت بالتالي بكين.
يضيف غروسمان: "لم يكن ترمب قط من المعجبين بالدفاع عن تايوان، وتؤكد تعليقاته الأخيرة ببساطة أن موقفه راسخ تماماً. لا يسع المرء إلا أن يتساءل عما يعنيه هذا لحلفاء الولايات المتحدة وشركائها على مستوى العالم".
من غير الواضح ما هي المبالغ التي يفكر فيها ترمب عندما يقترح أن تدفع تايوان مالاً إضافياً إلى الولايات المتحدة. ذلك أن الجزيرة تدفع بالفعل أثمان وارداتها من الأسلحة من الشركات المصنعة الأميركية كلها تقريباً، على رغم أن إدارة بايدن بدأت تنقل مباشرة بعض المعدات العسكرية من المخزونات الأميركية إلى تايوان.
في يونيو (حزيران)، وافق مجلس النواب على تمويل عسكري أجنبي لتايوان بلغت قيمته 500 مليون دولار وخُصِّص لتعزيز دفاع الجزيرة ضد الصين، إلى جانب ملياري دولار في شكل قروض وضمانات قروض. كذلك وافقت الولايات المتحدة على تخصيص 300 مليون دولار لشراء قطع غيار وقطع صيانة للطائرات المقاتلة التايوانية من طراز "أف-16".
وتنتقد الصين مبيعات الأسلحة وتحويلات التمويل إلى تايوان، وعلّقت وزارة خارجيتها الأربعاء مناقشات مبدئية جارية مع واشنطن ومخصصة للحد من الأسلحة النووية.
يقول خبراء إن تعليقات ترمب تشير إلى نهج قصير النظر في شأن حماية الجزيرة من الحزب الشيوعي في الصين، وتعني أن تايبيه ستحتاج إلى تنويع اهتمامها بشركاء غير الولايات المتحدة مع التركيز على بناء قدراتها الخاصة.
تقول هاشمي: "سيؤدي هذا بلا شك إلى سياسة أميركية في شأن تايوان لا يمكن توقعها"، مضيفة أن دعم الحزبين الأميركيين لتايوان يمكن أن يشكل بعض العزاء، على رغم أنه لا يكفي وحده.
ومما يزيد من المخاوف أن لتايوان شحنات أسلحة أميركية متأخرة تُقدَّر قيمتها بنحو 19 مليار دولار، تعهد المسؤولون والسياسيون الأميركيون مراراً بالإسراع بتسليمها. ولا ضمانات قانونية تمنع رئيساً جديداً يحلّ في البيت الأبيض من إلغاء عمليات النقل هذه بأمر تنفيذي، إذا اعتبر ذلك في مصلحة الولايات المتحدة.
© The Independent