ملخص
أزمة التعثر تتفاقم مع استحقاق ديون بـ5.5 تريليون دولار على الشركات في 2024
في إطار الحرب على التضخم أطلقت البنوك المركزية في العالم، العنان لأكبر سلسلة من الزيادات في أسعار الفائدة منذ عقود من الزمن خلال حملتها التي استهدفت خفض أسعار السلع، لكنها حتى الآن، أخفقت في ترويض معدلات التضخم المرتفعة.
وتشير البيانات إلى أن صناع السياسات رفعوا أسعار الفائدة بنحو 400 نقطة أساس في المتوسط في الاقتصادات المتقدمة منذ أواخر عام 2021، ونحو 650 نقطة أساس في اقتصادات الأسواق الناشئة.
وتستوعب معظم الاقتصادات هذا التشديد القوي للسياسات، إذ أظهرت مرونة قوية على مدار العام الماضي، ولكن التضخم الأساس يظل مرتفعاً في عديد منها، بخاصة في الولايات المتحدة وأجزاء من أوروبا، ولذلك قد تحتاج البنوك المركزية الكبرى إلى إبقاء أسعار الفائدة أعلى لفترة أطول.
وقال صندوق النقد الدولي، إنه في ظل هذه البيئة، تستمر الأخطار التي يتعرض لها الاقتصاد العالمي في الاتجاه نحو الجانب السلبي، وعلى رغم أن هذا التقييم الأخير لنقاط الضعف يشبه ما لاحظه خبراء الصندوق في تقرير إبريل (نيسان) الماضي، فالضغوط الحادة التي واجهتها بعض الأنظمة المصرفية تراجعت منذ ذلك الحين، ومع ذلك، يرى الصندوق في الوقت الحالي مؤشرات على وجود مشكلات في أماكن أخرى.
إحدى هذه العلامات التحذيرية هي تضاؤل قدرة المقترضين من الأفراد والشركات على خدمة ديونهم، وهو ما يعرف أيضاً بأخطار الائتمان، وذكر أن جعل الديون أكثر تكلفة هو نتيجة مقصودة لتشديد السياسة النقدية لاحتواء التضخم، لكن الخطر يكمن في أن المقترضين قد يكونون بالفعل في أوضاع مالية محفوفة بالأخطار، وقد يؤدي ارتفاع أسعار الفائدة إلى تضخيم هذه الهشاشة، مما يؤدي إلى موجة من حالات التخلف عن السداد.
الشركات تلجأ إلى سحب الاحتياطات النقدية
صندوق النقد الدولي أشار إلى أنه في عالم الشركات، عانى عديد منها من الإغلاق خلال الجائحة، وظهرت شركات أخرى تتمتع بمصدات نقدية صحية، ويرجع الفضل في ذلك جزئياً إلى الدعم المالي في عديد من البلدان، وتمكنت الشركات من حماية هوامش أرباحها على رغم ارتفاع التضخم، ولكن في عالم يتسم بالارتفاع لفترة أطول، يقوم عديد من الشركات بسحب الاحتياطات النقدية مع اعتدال الأرباح وارتفاع تكاليف خدمة الديون.
وفي الواقع، يظهر تقرير الاستقرار المالي العالمي تزايد حصص الشركات الصغيرة والمتوسطة الحجم في كل من الاقتصادات المتقدمة واقتصادات الأسواق الناشئة التي لا تملك سوى ما يكفي من النقد بالكاد لدفع نفقات فوائدها، علاوةً على أن حالات التخلف عن السداد آخذة في الارتفاع في سوق القروض التي شهدت زيادات كبيرة في أسعار الفائدة، إذ تقترض الشركات الأضعف مالياً، ومن المرجح أن تتفاقم هذه المشكلات خلال العام المقبل مع استحقاق أكثر من 5.5 تريليون دولار من ديون الشركات.
قامت الأسر أيضاً بسحب احتياطاتها، وقد تراجعت المدخرات الفائضة في الاقتصادات المتقدمة بشكل مطرد من مستويات الذروة في أوائل العام الماضي التي كانت تعادل ما بين أربعة إلى ثمانية في المئة من الناتج المحلي الإجمالي، وهناك أيضاً دلائل على ارتفاع حالات التأخر في السداد في بطاقات الائتمان وقروض السيارات.
أيضاً، فإن الرياح المعاكسة تواجه سوق العقارات، والآن أصبحت أسعار الفائدة على الرهن العقاري، التي عادة ما تمثل الفئة الأضخم من اقتراض الأسر، أعلى كثيراً مما كانت عليه قبل عام واحد فقط، الأمر الذي يؤدي إلى تآكل المدخرات ويثقل كاهل أسواق الإسكان، وشهدت البلدان التي لديها قروض عقارية ذات معدل فائدة متغير في الغالب انخفاضات أكبر في أسعار المساكن، إذ تترجم أسعار الفائدة المرتفعة بسرعة أكبر إلى صعوبات في سداد الرهن العقاري، وتواجه العقارات التجارية ضغوطاً مماثلة، إذ أدى ارتفاع أسعار الفائدة إلى جفاف مصادر التمويل وتباطؤ المعاملات وارتفاع حالات التخلف عن السداد.
وتشكل أسعار الفائدة المرتفعة تحدياً للحكومات، وتواجه البلدان المنخفضة الدخل صعوبة أكبر في الاقتراض بالعملات الصعبة مثل اليورو والين والدولار الأميركي والجنيه الإسترليني، فيما يطالب المستثمرون الأجانب بعوائد أكبر، وفي هذا العام، تم إصدار سندات بالعملة الصعبة بأسعار فائدة أعلى بكثير، ولكن المخاوف المتعلقة بالديون السيادية لا تنطبق فقط على البلدان المنخفضة الدخل، وأظهر الارتفاع الأخير في أسعار الفائدة الأطول أجلاً في الاقتصادات المتقدمة.
وعلى النقيض من ذلك، لا تواجه الاقتصادات الناشئة الكبرى هذا المأزق إلى حد كبير نظراً لتحسن الأساسيات الاقتصادية والصحة المالية، على رغم تباطؤ تدفق استثمارات المحافظ الأجنبية إلى هذه البلدان أيضاً، وغادرت الصين كميات كبيرة من الاستثمارات الأجنبية في الأشهر الأخيرة، إذ أدت الاضطرابات المتزايدة في قطاع العقارات إلى إضعاف ثقة المستثمرين.
المقترضون يواجهون مشكلات في السداد
ويبدو أن معظم المستثمرين تجاهلوا الأدلة المتزايدة التي تشير إلى أن المقترضين يواجهون مشكلات في السداد، وإلى جانب أسواق الأسهم والسندات الصحية بشكل عام، تراجعت الأوضاع المالية ويبدو أن المستثمرين يتوقعون هبوطاً عالمياً ناعماً، إذ تؤدي أسعار الفائدة المرتفعة من البنوك المركزية إلى احتواء التضخم دون التسبب في الركود.
ويخلق هذا التفاؤل مشكلتين، الأولى تتمثل في أن الظروف المالية السهلة نسبياً من الممكن أن تستمر في تغذية التضخم، ومن الممكن أن تتشدد أسعار الفائدة بشكل حاد في حالة حدوث صدمات معاكسة، مثل تصعيد الحرب في أوكرانيا أو اشتداد الضغوط في سوق العقارات الصينية.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
ومن شأن التشديد الحاد للأوضاع المالية أن يجهد البنوك الأضعف التي تواجه بالفعل أخطاراً ائتمانية أعلى، وتشير الدراسات الاستقصائية التي أجريت في عديد من البلدان بالفعل إلى تباطؤ الإقراض المصرفي، مع الإشارة إلى ارتفاع أخطار المقترضين كسبب رئيس، وستخسر عديد من البنوك كميات كبيرة من رأس مال الأسهم في سيناريو يسود فيه التضخم المرتفع وأسعار الفائدة المرتفعة ويميل الاقتصاد العالمي إلى الركود.
وسوف يدقق المستثمرون والمودعون في توقعات البنوك إذا انخفضت رسملتها في سوق الأوراق المالية إلى ما دون قيمة ميزانيتها العمومية، الأمر الذي من شأنه أن يتسبب في مشكلات تمويلية للبنوك الضعيفة، وخارج النظام المصرفي، توجد نقاط ضعف أيضاً بالنسبة إلى الوسطاء الماليين غير المصرفيين، مثل صناديق التحوط وصناديق التقاعد، التي تقدم القروض في الأسواق الخاصة.
لكن من المطمئن أن صناع السياسات قادرون على منع النتائج السيئة، ويجب أن تظل البنوك المركزية عازمة على إعادة التضخم إلى المستوى المستهدف، فالنمو الاقتصادي المستدام والاستقرار المالي ليسا ممكنين من دون استقرار الأسعار، وإذا تعرض الاستقرار المالي للتهديد، فيتعين على صناع السياسات أن يستخدموا على وجه السرعة مرافق دعم السيولة وغيرها من الأدوات لتخفيف الضغوط الحادة واستعادة ثقة السوق. وأخيرا، نظراً لأهمية البنوك السليمة بالنسبة إلى الاقتصاد العالمي، هناك حاجة إلى زيادة تعزيز تنظيم القطاع المالي والإشراف عليه.