Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

ذاكرة اللبنانيين مبددة ومعظمها في الأرشيف التركي

محاولات مؤسسة "المحفوظات الوطنية" تصطدم بمعوقات فشل النظام السياسي والمبادرات الخاصة تعوض تقصيرها

مطبوعة يظهر على غلافها علم الاستقلال اللبناني (الصفحة الرسمية للجيش اللبناني)

ملخص

إذا أردت أن تعرف تاريخ لبنان عليك بالعودة إلى الوثائق في تركيا

في لبنان، تقع مسؤولية حفظ التراث اللبناني و"الذاكرة الوطنية" على عاتق مؤسسة المحفوظات الوطنية، المرتبطة مباشرة برئاسة مجلس الوزراء، التي أسست في عام 1978، وعهد إليها المشرع مهمة "تنظيم وإدارة المحفوظات الوطنية بجميع أشكالها وأنواعها". وفي عام 1995 أقر القانون 441، الذي يلزم جميع المطبوعات سواء كانت ورقية أم مرئية، أو مسموعة إيداع نسخ عنها لدى المؤسسة بهدف إغناء موجوداتها. وجاء القانون رقم 162/1999 ليعطي المؤسسة "حق الشفعة" للوثائق الوطنية، أي أباح لها الأولوية في وضع اليد وتملك الكتب النادرة والمخطوطات القديمة. وقدم تعريفاً واسعاً للمحفوظات الوطنية، فأشار إلى أنها "مجموعة الوثائق والمستندات التي ترتبط بأي مجالات التراث الوطني الفكري والعلمي والفني والأدبي والسياسي والإعلامي والإداري التي انتخبها أو تلقاها أو عمل على جمعها وحفظها شخص طبيعي أو معنوي عام أو خاص مهما كان تاريخ هذه الوثائق أو شكلها أو مادتها، وتكون هذه المحفوظات عامة أو خاصة".

 

وأضافت المادة توضيحاً لما يقصد بعبارة الوثائق والمستندات، فتطرقت إلى كم هائل من الوثائق التي على المؤسسة حفظها، فهي "أي مستند مكتوب أو مصور أو صورة فوتوغرافية أو فيلم سينمائي أو ميكروفيلم أو تسجيل صوتي أو بصري أو على أشرطة أو أقراص ممغنطة أو ضوئية أو رسم أو خريطة، أو أي مادة تسجل نشاطاً وتشكل واقعاً ثابتاً لا يرقى إليه الشك".  

جاء التطبيق ليخالف التوقعات، إذ غرقت المؤسسة بأكداس من الأوراق التي لا تجد لها مكاناً لحفظها، ولا كادر بشرياً لتوثيقها وأرشفتها، كما تعرضت خلال الحرب اللبنانية إلى الحرق والنهب. 

أرشيف المعاملات الرسمية

تعاني المؤسسة التي تشغل من طريق الإيجار أجزاء من "مبنى البيكاديلي" في شارع الحمرا، شأنها شأن المؤسسات العامة في لبنان كثيراً من الصعاب، على مستوى الشغور الوظيفي وبيئة العمل وغياب التجهيزات المتطورة وقاعدة للبيانات الضخمة، وعدم وجود موقع إلكتروني متطور، وعلى رغم ذلك تمكنت من الحفاظ على جزء كبير من الذاكرة اللبنانية، فيما اتجه عملها في مسارين، الأول يتعلق بحفظ الأرشيف العام للمؤسسات والإدارات الرسمية التابعة للدولة، والثاني الحفاظ على المقتنيات الفردية الخاصة ذات الطابع الوطني. وقد أنجزت المؤسسة خلال عملها مهمة تصوير نحو 30 مليون مستند، عبارة عن توثيق لدورة حياة المواطن داخل الدوائر الرسمية في لبنان، سواء كانت المعاملات الناجمة عن عمل الدوائر العقارية، أو الأحوال الشخصية، ومجلس شورى الدولة، وقوى الأمن الداخلي، ومجلس النواب، ومصلحة تسجيل السيارات وغيرها من المؤسسات، إضافة إلى تصوير سجلات المحاكم الشرعية التي يعود الجزء الأكبر منها إلى القرن الـ17.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

كما تمكنت المؤسسة من ترميم جزء من التراث اللبناني، على غرار "لوحات أعلام عصر النهضة"، وكتب نادرة، إضافة إلى المجموعات الصحافية. وحفظ شواهد على تاريخ لبنان، ووثائق مهمة من القرنين الـ19 والـ20، إذ تتضمن تاريخاً لوقائع من عهد "لبنان الكبير" على غرار إحصاء 1932، وهو الوحيد الذي شهده لبنان، إضافة إلى لوحات تشكيلية لكبار الفنانين اللبنانيين، ومجموعة صور لتاريخ بيروت. وتشير المعلومات إلى أن أرشيف المؤسسة شكل مرجعاً لأكثر من 100 أطروحة دكتوراه.

جهود فردية للتوثيق والحفظ

لا تتوقف مهمة حفظ التراث والذاكرة الجماعية عند حدود الجهود التي تبذلها المؤسسات الرسمية التي تتخبط في كثير من الأحيان، وتفشل سياسياً في وضع "كتاب تاريخ موحد" للبلاد ذات الصبغة التعددية. وفي هذا السياق يبرز الجهد الفردي الذي يوازيها، أو ربما يفوقها أهمية، مدفوعاً بعنصر الشغف، والاهتمام الذاتي للباحثين، حين قام بعضهم بتصوير السجلات على حسابهم الخاص. يأسف الدكتور حسين دهيبي المتخصص في مجال المخطوطات بضعف الاهتمام الرسمي اللبناني في هذا الحقل المعرفي، مشيراً إلى "دور الباحثين الفعال في المحافظة على ما تبقى من الإرث التاريخي والثقافي، الذي تعرض جزء كبير من مخزونه الوثائقي للتلف على مراحل".

 

يلفت الدهيبي "في غياب الاهتمام من الدولة، قام طلاب الجامعة اللبنانية بدور مهم لناحية الحفاظ على ما تبقى من سجلات المحكمة الشرعية في طرابلس التي يبدأ تاريخها منذ عام 1666 وينتهي في عام 1918 بالتعاون مع جمعية (العزم)، علماً أنها تعرضت للحريق في عام 1956 وكذلك في عام 1975، مشدداً على أهمية هذه السجلات لأنه (قبل لبنان الكبير، كانت تتولى هذه المحاكم مختلف الأعمال القضائية في الحقبة السابقة على ظهور المحاكم المدنية، ولم تقتصر على قضايا الأحوال الشخصية). إضافة إلى مراسلات القناصل التي تعتبر شاهداً على العصر ومختلف جوانب تاريخ البلاد التي تضم لبنان، وقسماً كبيراً من سوريا وفلسطين".

كما ينوه الدهيبي بأهمية بدء عمليات الميكنة لتلك السجلات، إذ يمكن حفظها لفترة طويلة من دون أن تتعرض للتلف بفعل عوامل الزمن، أو لأخطار السرقة المتكررة، مقارناً حال لبنان بتلك الموجودة في تركيا المنظمة بدقة وبمهنية عالية.    

الوجهة إسطنبول

في غياب وجود مؤسسات رسمية تمتلك أرشيفاً كاملاً للحقبات التاريخية للبلاد، لا يجد بعض الباحثين بداً من الاتجاه نحو المكتبات وقواعد البيانات. تروي الدكتورة سعاد الأسعد "في معرض إعداد الأطروحة عن تاريخ عكار، كانت الصدمة من ندرة الوثائق والمخطوطات في لبنان، وعدم وجود مؤسسات معنية بالأمر، وتحديداً الحقبات السابقة، فاضطررت إلى التوجه إلى تركيا للاطلاع على الأرشيف العثماني".

تلفت الأسعد إلى أن الأرشيف في تركيا منظم ومحفوظ بحرفية، إذ يحدد الباحث الحقبة التي يريد الاطلاع عليها، وفي حال وجود المخطوطات والوثائق يمكنه استنساخها، "أمضيت نحو العام للعثور على الوثائق التي تؤرخ لحكم آل سيفا مع تكبد عناء الترجمة". وتضيف "بدأت رحلة البحث عن مترجم محلف ومتخصص باللغة العثمانية الذي يتقاضى أجوراً عالية، تصل من 50 إلى 75 دولاراً للصفحة الواحدة، وأمام هذه الصعوبات يلجأ بعض الباحثين إلى النقل عن آخرين، وهذا يقلل من صدقية العمل البحثي".  

مشاهد من تاريخ الصحافة العربية

أما "بدايات الصحافة العربية" فنجد لها تاريخاً مصوراً في متحف "نابو" في شمال لبنان، الذي يبرز دور المفكرين وقادة الرأي العام في البلدان العربية والمهجر، على غرار بطرس البستاني ومحمد عبده وخليل الخوري وهند نوفل وجرجي زيدان ونجيب الريس.

يتضمن معرض "بدايات الصحافة العربية" مجموعة كبيرة من الجرائد والمنشورات الورقية ذات المواضيع المتنوعة في الدين والحقوق والفلسفة والفكاهة والنقد. إذ توثق مشاهد من تطور حياة المجتمع في كل من لبنان وسوريا ومصر والحجاز والسودان وبلدان المغرب العربي في السلطنة العثمانية وكذلك في بلاد الاغتراب، عبر "وسائل الإعلام الجماهيري" التي أخذت في الانتشار نهاية القرن الـ19، والعقود الثلاثة الأولى من القرن الـ20 في موازاة صعود تيار الحداثة، كما يضم جنباً إلى جنب المجموعة الخاصة من القطع الأثرية التي تؤرخ لجوانب من حياة الإنسان العربي منذ حضارات بلاد ما بين النهرين، وصولاً إلى الحقبة العربية الإسلامية، ناهيك بمجموعة من التماثيل الرخامية الخاصة برواد التنوير في العالم العربي، التي تنتشر على طول الممر الخشبي المطل على البحر المتوسط، وذلك تخليداً لإسهامات رفاعة طهطاوي وعبدالرحمن الكواكبي ومي زيادة، وآخرين.

اقرأ المزيد

المزيد من تقارير