يواجه البنك المركزي الإسرائيلي معضلة صعبة، مطلع الأسبوع المقبل، في اجتماع لمناقشة أسعار الفائدة وكانت الأسواق قبل نهاية الأسبوع الأول من الشهر الجاري تتوقع أن يبدأ البنك خفض أسعار الفائدة، في الأقل بمقدار نصف نقطة مئوية (0.5 في المئة) في الأشهر المتبقية من هذا العام، إلا أنه مع بدء الحرب بين إسرائيل والفلسطينيين في السابع من أكتوبر (تشرين الأول) الجاري، عدلت الأسواق توقعاتها إلى خفض بنسبة 0.2 في المئة فحسب.
كانت التوقعات السابقة تشير إلى ضرورة خفض أسعار الفائدة الأساسية عن معدلها الحالي عند 4.75 في المئة لتنشيط الاقتصاد الإسرائيلي المتباطئ، إلا أن هبوط سعر صرف العملة "الشيكل" في اليوم التالي للعمليات العسكرية، دفع البنك المركزي للتدخل سريعاً متراجعاً عن فكرة خفض الفائدة حتى لا تنهار قيمة العملة أكثر.
في التاسع من أكتوبر الجاري أعلن البنك المركزي الإسرائيلي عن ضخ 30 مليار دولار في السوق لدعم الشيكل، قبل أن يعلن عن صفقات تبادل عملة بقيمة 14 مليار دولار.
رغم تدخلات المركزي الإسرائيلي، فإن سعر الصرف لم يتحسن، إذ فقد في الأسبوع الأول من بدء الحرب في غزة نحو 3.8 في المئة من قيمته، ليصل إلى أدنى مستوى أمام الدولار منذ يناير (كانون الثاني) العام الماضي 2022.
إلى ذلك لم تتوقف المضاربات على الشيكل (مراهنة المستثمرين على استمرار انخفاض قيمته)، إذ اقتربت نسبة الهبوط من خمسة في المئة، عند 4.8 في المئة تحديداً.
مضاربات ومخاوف
في غضون ذلك يواصل المتعاملون في أسواق العملات المضاربة على الشيكل على أساس استمرار انخفاض قيمته، وسط مخاوف من استمرار الحرب على قطاع غزة وربما توسع نطاقها ليشمل الجبهة مع لبنان أيضاً.
وعن ذلك قالت محللة العملات في "دويتشه بنك" روهيني غروفر، إلى صحيفة "فايننشال تايمز"، "وصلت المضاربات على انخفاض سعر صرف الشيكل هذا العام إلى مستويات غير مسبوقة"، مضيفة "المضاربات في الأسبوعين الأخيرين زادت بما لم يحدث مع أي عملة أخرى يتابعها البنك لصالح مستثمريه".
وتوقعات غروفر أن يضع استمرار الضغط على سعر صرف الشيكل نزولاً البنك المركزي الإسرائيلي في مأزق حقيقي، فمن ناحية، يتعرض البنك لضغوط من أجل تيسير الاقتراض بتخفيض سعر الفائدة لتنشيط الاقتصاد الذي يواجه صدمة انخفاض معدلات النمو، بينما من ناحية أخرى، يخشى البنك من أن خفض سعر الفائدة سيؤدي إلى مزيد من التدهور في قيمة العملة بالتالي ارتفاع كلفة الواردات الإسرائيلية.
من جهته قال نائب محافظ بنك إسرائيل المركزي أندرو أبير، أول من أمس الثلاثاء، إن "البنك سيركز خلال اجتماعه مطلع الأسبوع المقبل على ضمان استقرار العملة أكثر من التركيز على تنشيط الاقتصاد".
وحافظت تلك التصريحات على بعض الاستقرار النسبي في سعر صرف الشيكل الذي تم تداوله في السوق، أمس الأربعاء، عند 4.03 شيكل للدولار، من دون تغيير كبير في قيمته عن اليوم السابق.
معضلة السياسة النقدية
وتترقب الأسواق قرار البنك المركزي، الإثنين المقبل، إذ تظل في وضع مراهنة على مزيد من تراجع قيمة الشيكل وضعف الاقتصاد الإسرائيلي بصورة عامة في ظل استمرار كلفة الحرب على غزة واحتمالات توسع نطاق الصراع في المنطقة.
وعن ذلك قال الاقتصادي في "كابيتال إيكونوميكس" ليام بيتش، إن "المركزي الإسرائيلي قلق على زيادة الضغوط التضخمية الناتجة من ضعف العملة، إلا أنه يدرك أيضاً أن محاولة الدفع بها في اتجاه معين يمكن أن يؤدي إلى نتائج عكسية بما ينال من الاحتياطات الأجنبية لديه".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
بلغت الاحتياطات من النقد الأجنبي في البنك المركزي مطلع الشهر الجاري قبل اندلاع الحرب نحو 200 مليار دولار تغطي أكثر من عامين من كلفة الواردات الإسرائيلية، إضافة إلى تغطية أربعة أضعاف حاجات البلاد التمويلية وفقاً لتقديرات صندوق النقد الدولي.
وعن ذلك قال مدير وحدة تحليلات العملة في شركة "مونيكس يوروب" سايمون هارفي: "في حالة تصعيد الحرب، نعتقد أن لدى بنك إسرائيل ما يكفي من احتياطات العملات الأجنبية لمنع حدوث أزمة عملة حادة، بخاصة أن انسياب الأموال من الخارج سيحافظ على دعم الشيكل".
استمرار احتمالات التصعيد
إلى ذلك تخيم احتمالات تصعيد الصراع أبعد من الحرب الدائرة في قطاع غزة على الأسواق وتحكم التوقعات في شأن مستوى صرف الشيكل بل والاقتصاد الإسرائيلي بصورة عامة، إذ أعلنت مؤسسة التصنيف الائتماني العالمية "فيتش"، أول من أمس الثلاثاء، عن وضع تصنيفها الائتماني للدين السيادي الإسرائيلي من الفئة الممتازة (A+) عند نظرة مستقبلية سلبية، بينما أوصى مصرف "سيتي بنك" الاستثماري الأميركي عملاءه بالتصرف على أساس استمرار هبوط في قيمة الشيكل، مرجعاً ذلك إلى احتمالات الارتفاع الصاروخي في كلفة الحرب على الاقتصاد الإسرائيلي قوية وأن البنك المركزي قد يضطر إلى خفض سعر الفائدة بأسرع مما هو متوقع حالياً.
ومع أن مضاربات المتعاملين في سوق العملات على هبوط قيمة عملة ما يمكن أن تنقلب تماماً، في حالة تشبع تغطية مراكز الرهان الاستثماري، بالتالي يتبعها ارتفاع كبير في قيمة تلك العملة إلا أن معظم المحللين في السوق يرون أن عودة الشيكل للتعافي ستحتاج إلى أكثر من ذلك، وربما لا يصلح تطبيق نموذج السيناريو التقليدي لمعاملات أسواق العملة على حالة الشيكل حالياً في ظل أوضاع الاقتصاد الإسرائيلي، بخاصة في حالة توسع نطاق الصراع واستمرار ارتفاع كلفة الحرب.
وبحسب معظم المحللين، فإن العملة الإسرائيلية قد تحتاج إلى رفع البنك المركزي سعر الفائدة وهو ما لا يمكن القيام به الآن، وأن خفض التصعيد، وربما توقف الحرب تماماً، أمر ضروري كي يستقر سعر الشيكل ويتمكن البنك المركزي من تحديد السياسة النقدية بشكل منطقي.