Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

الخطوط الحمراء بين المجاز والواقع

يمكن للتحديد المسبق تجنب التصعيد في اتجاه النزاعات وتوجيه الجهود نحو حلول أكثر سلمية

"الخطوط الحمراء" مصطلح سياسي يستخدم للدلالة على القضايا أو القواعد التي لا يمكن تجاوزها والتي قد تنجم عن مخالفتها عواقب جسيمة وربما تندلع الحروب (غيتي)

ملخص

لماذا اللون الأحمر بالتحديد؟ لماذا لا تقترن التجاوزات باللون الأصفر مثلاً، مع أنه يرمز إلى الخطر والممنوع، كما في مناطق التوتر الكهربائي العالي أو التلوث الكيماوي أو النفايات السامة والنووية؟

قبل بضعة أيام صرح العاهل الأردني الملك عبدالله الثاني بأن استقبال اللاجئين الفلسطينيين في الأردن أو مصر "خط أحمر". لم يكن العاهل الأردني الزعيم أو المسؤول الرفيع الوحيد الذي استخدم هذا التعبير في الآونة الأخيرة في خضم الأحداث غير المسبوقة التي يشهدها قطاع غزة منذ السابع من الشهر الجاري. 

كثيراً ما يتردد الحديث عن مبادئ تعد خطوطاً حمراء لا يمكن المساس بها، أو عن أفعال تتجاوز الخطوط الحمراء. لا يقتصر استعمال المصطلح على السياسة، بل قد نسمعه في مواضيع الاقتصاد والسياسات المناخية والمناقشات الأخلاقية على مستوى الحكومات، أو حتى على مستوى العلاقات بين الأفراد.

ما الخطوط الحمراء؟

"الخطوط الحمراء" مصطلح سياسي يستخدم للدلالة على القضايا أو القواعد التي لا يمكن تجاوزها، والتي قد تنجم عن مخالفتها عواقب جسيمة، وربما تندلع الحروب. ويشير هذا التعبير إلى الحدود أو القضايا السياسية أو العسكرية التي تعد حساسة جداً ولا يسمح بالتلاعب بها.

يعزى أصل "الخطوط الحمراء" إلى التشبيه البصري بخط يرسم أمام الأشخاص ليعبر عن الحد الذي لا ينبغي أن يتجاوزوه أو يتخطوه. ويعتقد أن هذا المصطلح أصبح أكثر شيوعاً في السياق السياسي والدبلوماسي في القرن الـ20، وقد يكون التطور التاريخي له مرتبطاً بالقرارات السياسية والعسكرية التي اتخذت في فترات معينة، واستندت إلى هذا المصطلح للإشارة إلى حدود تم تجاوزها. 

ولا يمكن تتبع أصل المصطلح وإرجاعه إلى شخص واحد أو مصدر معين، فجذوره الدقيقة غامضة، وتاريخ استخدامه غير مرتبط بمنطقة محددة دون غيرها. تطور المصطلح بمرور الوقت، وأصبح جزءاً من المفردات السياسية الدولية المشتركة، ويشيع بين الدول والزعماء ووسائل الإعلام والخبراء للدلالة على أمور لا يمكن تجاوزها من دون أن تترتب على ذلك تداعيات كبيرة.

من الصعب كذلك تحديد من صاغ هذا المصطلح بالضبط أو قدمه للمرة الأولى أو متى بدأ استخدامه، لكنه دخل إلى اللغة الإنجليزية وبدأ يتداول بكثرة في سياق السياسة والعلاقات الدولية خلال العقد الأخير من القرن الـ20 للتعبير عن السلطة والجدية في مواضيع معينة.

وأصبح استخدام التعبير بارزاً في السنوات الأخيرة نظراً إلى الاضطرابات التي يشهدها العالم على مستويات عدة في الحديث عن السلوكيات التي تعدها دولة أو جهة سياسية أو ناشطة غير قابلة للتسوية أو المساومة. وكثيراً ما سمعناه خلال النقاشات الدولية حول قضايا مهمة، مثل الأسلحة النووية، والملفات النووية، والقضايا الإقليمية المعقدة مثل الصراعات القومية، والأزمات الإنسانية، إلى جانب توظيفه في الإشارة إلى التحالفات والعهود الدولية والاتفاقات، حيث تعد بعض الأمور خطوطاً حمراء بالنسبة إلى الدول المعنية.

لماذا اللون الأحمر؟

لماذا اللون الأحمر بالتحديد؟ لماذا لا تقترن التجاوزات باللون الأصفر مثلاً مع أنه يرمز إلى الخطر والممنوع، كما في مناطق التوتر الكهربائي العالي أو التلوث الكيماوي أو النفايات السامة والنووية أو المواد والأجهزة الطبية الخطرة؟

قد يفسر اختيار اللون الأحمر للتعبير عن الخطوط التي لا يسمح بتجاوزها بأسباب عدة أولها أن الأحمر يعد على نطاق دولي اللون الذي يدل على الإيقاف والتوقف، ويرتبط بإشارات المرور والضوابط، ويستعمل في عديد من الثقافات للدلالة على التوجيه والتحذير. وعندما يستخدم اللون الأحمر مجازياً يظهر أهمية التوقف وعدم تجاوز حد معين، مما يظهر جدية المسألة.

من ناحية أخرى، الأحمر هو لون بارز وساطع وحار يمكن تمييزه بسهولة، وعند الاستعانة به في هذا السياق يلفت الانتباه إلى القوانين أو القضايا التي يتعين احترامها والتقيد بها بصرامة. كذلك يعد الأحمر من الألوان البسيطة وسهلة الاستخدام والفهم، ويعبر بوضوح عن الجدية من دون الحاجة إلى تعقيدات لونية.
كل هذا، إضافة إلى ارتباط اللون بالدم، الذي يعد تحذيراً طبيعياً على الخطورة وتعكس إراقته الوصول إلى أقصى درجات الاعتداء، يجعل الأحمر الخيار الشائع والمفضل للتعبير صار راسخاً في لغة السياسة والدبلوماسية الدولية.

الخطوط الحمراء والأزمات

عندما يجري التحدث عن "خطوط حمراء" يتعين على الأطراف المعنية التزام عدم تجاوز هذه القضايا أو السلوكات. وتسعى هذه الخطوط إلى تحديد حدود اللعبة وتقديم قواعد واضحة للدبلوماسيين والمفاوضين بغض النظر عن توجهاتهم السياسية أو الجيوسياسية.

يؤدي تجاوز هذه الخطوط الوهمية إلى تصاعد التوترات أو حتى النزاعات والأزمات الدولية، وغالباً ما تكون مرتبطة بقضايا حساسة ومهمة لدولة أو كيان معين، مثل الأمان القومي والسيادة والأمور الحدودية والقضايا الدينية أو الأيديولوجية والمصالح الاقتصادية الحيوية.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

من المهم ملاحظة أن استخدام المصطلح يختلف من موقف إلى آخر، ويكون تحديد هذه الخطوط بناءً على تقييمات الجهة المعنية، كما يعتمد تأثير هذه الخطوط في العلاقات الدولية والأزمات على السياق والقضية المحددة ومدى جدية الأطراف في التزامها. وكذلك يمكن للتحديد المسبق للخطوط الحمراء تجنب التصعيد باتجاه النزاعات وتوجيه الجهود نحو حلول سلمية.

من أبرز الخطوط المرتبطة بالقوانين الدولية أو التفاهمات والاتفاقات الثنائية أو متعددة الأطراف، تلك المتعلقة بالمسائل النووية، حيث يؤدي تجاوز دولة ما لها إلى تصاعد التوتر العسكري والردود العسكرية في مجال التسلح النووي.

وكثيراً ما أدى تجاوز الحدود الإقليمية إلى نزعات وصراعات بين دول معينة، وكذلك المسائل السياسية التي لا يمكن التنازل عنها في المفاوضات أو الاتفاقات. كما أن تجاهل العقوبات الدولية من قبل طرف معين يعد مسألة لا يمكن للمجتمع الدولي أن يتساهل معها، ومن بينها العقوبات على الأسلحة النووية والتجارب النووية لاعتبار خرق اتفاق عدم انتشار الأسلحة النووية تهديداً خطراً للأمن العالمي مثله مثل انتهاك عقوبات الأمم المتحدة ضد التجارة غير المشروعة بالأسلحة وتزويد الجماعات الإرهابية بها.

كذلك تفرض محاكم دولية وجنائية عديدة عقوبات على الجرائم الحربية وانتهاكات حقوق الإنسان، وقد يؤدي تجاهلها إلى مزيد من العقوبات. وقد تكون الخروقات على مستوى تجاري واقتصادي، إذ تمنع اتفاقات دولية وعقوبات كثيرة التجارة غير المشروعة مع دول أو كيانات معينة، إضافة إلى ضرورة التزام منع الأمم المتحدة الاتجار بالمواد المحظورة مثل المخدرات والأسلحة والمواد الكيماوية الخطرة ودعم الإرهاب على مستوى الجماعات أو الأفراد.
كون المصطلح لا يمتلك تعريفاً رسمياً محدداً، واعتماده فقط على التفاهمات والتفسيرات ضمن سياق سياسي معين، لا يقلل من جديته وأهميته في توضيح الحدود والمسائل الحساسة في السياسة الدولية وتطلبه تفهماً دقيقاً للسياق والقضية المعنية.

لا يمكن حصر الأمثلة على المواقف التي نجمت عن تجاوز الخطوط الحمراء في السياسة والعلاقات الدولية، لكن من أبرزها الأزمة الكوبية التي اندلعت سنة 1962، عندما تجاوز الاتحاد السوفياتي الخطوط الحمراء لكوبا بنشره صواريخ نووية في أراضيها. وتسبب هذا الاختراق في أزمة كبيرة بين الولايات المتحدة والاتحاد السوفياتي، وجرى تجنب نشوب حرب نووية بشق الأنفس.

وفي عام 1981 اعتبر قصف إسرائيل منشأة نووية في العراق في "عملية أوبرا" تجاوزاً لا يغتفر أدى إلى تصاعد التوترات في المنطقة برمتها وانقسامات دولية. وفي السنوات الأخيرة اعتبر تنفيذ ما قيل إنه هجوم كيماوي شنه النظام السوري في منطقة دوما بمحيط العاصمة دمشق عام 2018 تجاوزاً للخطوط الحمراء المحددة من قبل المجتمع الدولي، وأدى إلى ضغوط وإدانات دولية وهجمات جوية للرد.

خطوط حمراء فردية

يشير المصطلح في العلاقات الفردية إلى الحدود أو القواعد التي يجب على الشخص احترامها، أو عدم تجاوزها، وتتجسد الخطوط الحمراء في أمور أو سلوكات أو قضايا لا يتسامح فيها الأفراد، والتي يجب التزامها من أجل الحفاظ على علاقة صحية واحترام الحدود، لأن القيام بخلاف ذلك قد يؤدي إلى انتهاء العلاقة أو تفاقم التوتر بين الأفراد.

وتختلف الخطوط الحمراء الفردية من شخص إلى آخر، وتعتمد على القيم والمعتقدات الشخصية، ومن المهم أن يكون الحوار والتواصل واضحين وصريحين في العلاقات لتحديد هذه الخطوط وضمان احترامها. ويسهم مفهوم الخطوط الحمراء في توضيح التوقعات والحدود في العلاقات الفردية التي يجب على الأفراد احترامها، ويساعد في التقليل من الحيرة والتوتر في العلاقات وتعزيز فهم متطلبات الطرف الآخر.

ومن أبرز الأمور التي تعد خطوطاً حمراء على المستوى الفردي، الكذب، إذ يعتبر كثر الصدق والشفافية أمرين مهمين في العلاقات، مما يجعل الكذب المتكرر خطاً لا يسمح بتجاوزه، إضافة إلى أهمية النزاهة والأمانة والشفافية في التعاملات المالية.

ويضع كثر التعامل معهم باحترام ولطف في قائمة أولوياتهم، ويعدون أي سلوك مهين أو تصرف غير لائق تجاوزاً لخطوطهم الحمراء يستحق قطع الرابط بينهم وبين الآخر.

وفي العقود الأخيرة برزت أهمية حدود الجسد، مما يجعل أي شكل من أشكال العنف الجسدي أو حتى التهديد باستخدامه سلوكاً لا يمكن التسامح معه. وهناك سلوكات عديدة تعد ضرورية في العلاقات مثل احترام الحدود الشخصية للآخرين، وخصوصيتهم وأمورهم التي يرغبون في الاحتفاظ بها لأنفسهم وعدم التطفل عليها. وعلى مستوى العلاقات الرومانسية تعد الخيانة والغدر أبرز الخطوط الحمراء إلى جانب عدم الاحترام المتبادل وسوء المعاملة والاستخدام السلبي للعلاقة والسلوكات الضارة والضغوط النفسية وعدم التزام الخيارات الجنسية والرغبات الشخصية.

هذه الخطوط المعنوية موجودة في حياتنا على المستويات كافة، وتعكس قيمنا ومبادئنا، وتذكرنا بأهمية احترام حقوق الآخرين واحترام أنفسنا من أجل استمرارية واستدامة علاقاتنا. 

وفي هذا العالم المليء بالتحديات والاختلافات نحن في حاجة إلى احترام مفهوم الخطوط الحمراء لأنها تعزز التفاهم وتعطي قوة لكل فرد ليعلي صوته عندما تنتهك مساحته الخاصة. اليوم، أكثر من أي وقت مضى، نحن في حاجة إليها في سعينا إلى فهم الغير واحترامه وحمايته وحماية أنفسنا، إن كنا نريد فعلاً تحقيق التفاهم والعيش في عالم ترفرف في سمائه رايات السلام البيضاء ولا تتلطخ أرضه بخطوط لا نهاية لها من الدماء الحمراء.

المزيد من تقارير