Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

جرائم الحرب... من قيم الإنسانية إلى الإبادة الجماعية

تتعدد أشكالها بين التهجير والإبادة وتعذيب الأسرى وتتخطى القوانين والاتفاقات الدولية

تدمير المنازل من أجل التهجير القسري للسكان يعد جريمة حرب (اندبندنت عربية - مريم أبو دقة)

ملخص

ما هي جرائم الحرب وأنواعها؟ وكيف ارتبطت بالقوانين الدولية؟

على أحد تلال رواندا يقبع مركز كيغالي للإبادة الجماعية الذي أنشئ ليكون شاهداً على واحدة من أبشع جرائم الإبادة في التاريخ الحديث، وبداخله يعود الزمن للوراء لعام 1994، حيث جميع الغرف تحكي المأساة وتوثق المجزرة التي تعرضت لها مجموعة "التوتسي" الإثنية على يد القادة المتطرفين من جماعة "الهوتو"، من عظام الضحايا وصورهم وممتلكاتهم الشخصية وشهادات الناجين.

ودفعت تلك الجريمة الأمم المتحدة إلى الاعتراف بفشلها وعدم قدرتها على تحويل منع الإبادة الجماعية إلى واقع، مما أجبرها على اتخاذ إجراءات جديدة لمواجهة جرائم الحروب بطرق أكثر فاعلية، فما جرائم الحرب وأنواعها؟ وكيف ارتبطت بالقوانين الدولية؟

تطور المفهوم 

ظل مصطلح جرائم الحرب بعيداً من القانون الدولي حتى عام 1945 عندما استخدم في النظام الأساس للمحكمة الدولية العسكرية، وكان في البداية يقتصر على تسمية بعض الأفعال التي تندرج تحت الجرائم المرتكبة أثناء الحرب، لكن التعريف الرسمي تضمنه البروتوكول الإضافي الأول لاتفاقات جنيف في المادة (5/85) بكونها "الانتهاكات الجسيمة للاتفاقات ولهذا البروتوكول".

وجرائم الحروب كمفهوم تمثل جميع الخروق لقوانين الحرب أو القانون الدولي التي تعرض شخصاً للمسؤولية الجنائية الفردية، والأفعال التي يرتكبها أفراد أو جماعات خلال نزاع داخلي أو حرب بين دولتين، والتي تتضمن انتهاكات للقوانين الدولية الإنسانية، ومن ضمن أشكالها الهجوم على المدنيين والقتل غير المشروع للأشخاص الذين لا يشتركون في القتال، واستخدام العنف الجنسي بصورة ممنهجة، وتجنيد الأطفال في القوات المسلحة وتدمير الممتلكات المدنية بصورة غير مبررة.

ويندرج تحت وصف "جرائم الحرب" كثير من الممارسات مثل احتجاز الرهائن والقتل العمد والتعذيب أو المعاملة اللاإنسانية لأسرى الحرب وأيضاً إجبار الأطفال على القتال، وللحروب قوانين تحكمها ومن يتعدى عليها يكون قد اقترف جريمة حرب.

ووفق الصليب الأحمر فإن إبرام "اتفاق جنيف الأول" ونشأة القانون الدولي الإنساني الحديث وضع ضوابط أساس لكيفية خوض الحروب تعددت أشكالها من حماية الأشخاص من غير المقاتلين، والذين توقفوا عن المشاركة في الحرب إلى تفادي استهداف المدنيين، وحصول تلك الفئات على المساعدات الضرورية وفق قوانين الحرب.

وتحظر قوانين الحرب التعذيب أو إساءة معاملة المحتجزين مهما كان ماضيهم، إضافة إلى ضرورة إمدادهم بالطعام والماء والسماح لهم بالتواصل مع ذويهم، وللمرضى والجرحى حق الرعاية الطبية مهما كانت انتماءاتهم، بينما أدى التطور في صناعة الأسلحة إلى تعديل قوانين الحرب نظراً إلى أن بعضها لا يميز بين المقاتلين والمدنيين، لذلك وضعت بعض القيود في استخدامها بحيث تتوافق مع قوانين الحرب.

الإبادة الجماعية والـ "هولوكوست"

الإبادة الجماعية تعد من أكثر المصطلحات المستخدمة في الحروب وأشدها من حيث الجرم الواقع على الضحايا، وبحسب الأمم المتحدة فإنها جريمة ترتكب بنية تدمير جماعة قومية أو إثنية أوعرقية أو دينية كلياً أو جزئياً، وهي لا تسقط بالتقادم سواء ارتكبت في زمن السلم أو الحرب، وتعني أيضاً قتل أو تدمير مجموعات من السكان المدنيين أو العسكريين من قبل طرف متحارب بصورة متعمدة وبطريقة نظامية، وتمثل انتهاكاً صارخاً للقوانين الإنسانية.

ويعود مصطلح الإبادة الجماعية لعام 1944 حين سعى المحامي اليهودي البولندي رافائيل ليمكين إلى وضع وصف السياسات النازية للقتل المنظم لليهود، ليكون أول من أطلق مصطلح الإبادة الجماعية، لكن في عام 1945 وجهت المحكمة العسكرية الدولية في مدينة نورمبرغ بألمانيا الاتهامات إلى كبار القادة النازيين بارتكاب "جرائم ضد الإنسانية"، وشملت الاتهامات "الإبادة الجماعية" ككلمة وصفية وليس باعتبارها مصطلحاً قانونياً، حتى أقرت الأمم المتحدة اتفاقاً يقضي بمنع جرائم الإبادة الجماعية ومعاقبة مرتكبيها في التاسع من ديسمبر (كانون الأول) 1948.

وبحسب الأمم المتحدة فإن الحاجة إلى منع الإبادة الجماعية ومعاقبة مرتكبيها كانت موضع اهتمام المجتمع الدولي منذ نهاية الحرب العالمية الثانية، وعُرفت الإبادة الجماعية بأنها جريمة بموجب القانون الدولي في اتفاق منع الإبادة الجماعية والمعاقبة عليها عام 1984.

ويجعل هذا الاتفاق من ارتكاب الإبادة الجماعية أو التخطيط أو التآمر لارتكابها أو التحريض أو دفع الآخرين إلى ارتكابها، أو الضلوع أو الاشتراك في أي عمل من أعمال الإبادة الجماعية، جريمة من الجرائم.

وعلى رغم الاتفاق حدثت إبادة الجماعية ضد "التوتسي" في رواندا عام 1994، وأبرزت فشل المجتمع الدولي في تحويل منع الإبادة الجماعية إلى واقع، مما دفع الأمين العام الأسبق للأمم المتحدة كوفي عنان عام 2004 إلى تقديم خطوط عريضة لخطة عمل ذات خمس نقاط لمنع الإبادة الجماعية، شملت إنشاء منصب المستشار الخاص المعني بمنع الإبادة الجماعية الذي تشتمل ولايته أن يتنبأ بالحالات التي من الممكن أن تتحول إلى إبادة جماعية كآلية إنذار باكر.

كما تركز التطور الدولي والقانوني للمصطلح حول فترتين تاريخيتين بارزتين الأولى مع بداية صياغة المصطلح وحتى قبوله قانون دولي (1944 - 1948)، والثانية أثناء تفعيله في ظل تأسيس المحاكم العسكرية الدولية للبت في جرائم الإبادة الجماعية (1991 - 1998).

ومن أجل معاقبة مجرمي الإبادة الجماعية تأسست المحكمة الجنائية الدولية ليوغوسلافيا السابقة والتي اتخذت من لاهاي مقراً لها، وهي لجنة أسستها منظمة الأمم المتحدة بموجب قرار مجلس الأمن رقم (827) في الـ 25 من مايو (أيار) عام 1993 لمحاكمة جرائم الحرب التي ارتكبت في يوغوسلافيا السابقة مثل المخالفات الجسيمة لاتفاقات جنيف.

وتأسست أيضاً محكمة رواندا عام 1994 لمحاسبة الأفراد المسؤولين عن الإبادة الجماعية في البلاد والانتهاكات الجسيمة للقانون الدولي، ودفعت تلك الخطوات باتجاه إنشاء المحكمة الجنائية الدولية عام 2002، بينما حظر القانون الدولي الإنساني ممارسة الإبادة في الحروب ومعاقبة مرتكبيها، إذ يحاكم المتهمون بارتكاب الإبادة الجماعية أمام محكمة متخصصة من محاكم الدولة التي ارتكب الفعل على أرضها، أو أمام محكمة جزائية دولية ذات اختصاص.

ويقول متخصص القانون الدولي صلاح الطحاوي "إن ’ميثاق روما 2002‘ والمحكمة الجنائية الدولية يختصان بمحاكمة أفراد من دول ارتكبوا الجرائم ضد الإنسانية ولا يمكنها أن تختصم الدول"، وأشار إلى أنه ليحاسب هؤلاء الأفراد الذي شاركوا في ارتكاب جرائم إبادة فإنه يشترك أن تكون دولهم وقعت وصادقت على "ميثاق روما".

وأوضح الطحاوي أن تلك الدول إذا لم تكن طرفاً في الاتفاق يمكن التوجه لمجلس الأمن بعد توثيق جرائم الحرب شرط موافقته بإجماع الخمس الأعضاء الذين يمتلكون حق النقض (فيتو) للإحالة إلى المحكمة الجنائية الدولية.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

ومن بين الدول غير الموقعة على "اتفاق روما" التي أنشأت المحكمة الجنائية الدولية وهي الولايات المتحدة والصين وروسيا.

ويقول الطحاوي إن كل إبادة جماعية جريمة حرب وليس العكس، وتعمل المحاكم المتخصصة على اعتماد الدلائل القوية، وما وثقته جهات معترف بها مثل "منظمة العفو الدولية" لكنها لا تأخذ بما تقدمه الجهات التي ليس لها ثقل.

ولفت متخصص القانون الدولي إلى نقطة أخرى بقوله إن "اختصاص الأمم المتحدة معاقبة الدول وليس الأشخاص، وفي حال ارتكبت دولة من الدول الأعضاء فيها جرائم حدودية ولم تنصع بتسوية هذه المسائل بالطرق الودية، فإن المجتمع الدولي يمكنه استخدام القوة العسكرية لإجبار الدول المعادية التي تعكر السلم والأمن الدولي".

 ضد الإنسانية

الجرائم ضد الإنسانية تمثل كل فعل محظور في إطار هجوم واسع على المدنيين يدخل في إطارها القتل العمد والإبادة والاغتصاب والإبعاد والتفرقة العنصرية، ووفق المحكمة الجنائية الدولية فإنها الجرائم التي ترتكب في إطار هجوم واسع النطاق وممنهج ضد جماعة من السكان المدنيين، مثل القتل والإبادة والاسترقاق والترحيل والسجن أو الحرمان من الحرية البدنية، وكذلك الاغتصاب والاستعباد الجنسي والتعذيب، إضافة إلى الفصل العنصري واضطهاد جماعة لأسباب سياسية أو عرقية.

وكان جورج واشنطن ويليامز أول من استخدم مصطلح "الجرائم ضد الإنسانية" في كتيب نشر عام 1890 لوصف ممارسات ليوبولد الثاني في إدارة بلجيكا لدولة الكونغو، وبدأ المصطلح في التداول في أعقاب الحرب العالمية الأولى على أنها الجرائم التي ترتكب ضد القوانين الإنسانية، وهو المصطلح نفسه الذي ورد في ديباجة "اتفاق لاهاي" عام 1907، وبعد القتل الجماعي للأرمن على أيدي السلطة العثمانية عام 1915 ظهرت صراحة تسمية مصطلح "جرائم ضد الإنسانية".

ووفق تقرير نشره موقع "أطباء بلا حدود" فإن هناك تعريفات مختلفة لجرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية، ويشير كل منها إلى نظام قانوني مختلف وعقوبات مختلفة على المستويين الوطني والدولي، وصنفت هذه الجرائم بعد الحرب العالمية الثانية على المستوى الدولي في قوانين المحاكم العسكرية الدولية التي أقامها الحلفاء في نورمبرغ وطوكيو، وفي "اتفاقات جنيف 1949" وبروتوكوليها الإضافيين 1977 تحت توصيف الانتهاكات الجسيمة لهذه الاتفاقات، وفي عامي 1993 و1994 في قوانين المحاكم الجنائية الدوليتين الخاصة بيوغوسلافيا السابقة ورواندا.

والمحكمة الجنائية الدولية هيئة قضائية مستقلة يخضع لاختصاصها الأشخاص المتهمون بارتكاب جرائم الإبادة الجماعية والجرائم ضد الإنسانية وجرائم الحرب.

جريمة التهجير

ونصت قوانين المحاكم الدولية في نورمبرغ وطوكيو وكذلك يوغسلافيا السابقة وروندا على جريمة التهجير بوصفها إما جريمة ضد الإنسانية أو جريمة حرب أو إحدى صور الإبادة الجماعية، وذهب بعضهم إلى أن الجذور التاريخية للتهجير القسري تعود لبلاد ما بين النهرين، وبحسب القانون الدولي فإن عملية التهجير القسري تشمل الإخلاء غير القانوني لمجموعة من الأفراد أو السكان من الأرض التي يقيمون عليها.

وأشار الطحاوي إلى أنه بعد إنشاء الأمم المتحدة عام 1945 وبسبب ارتكاب جرائم حرب في أعقاب الحرب العالمية الثانية اتفقت الدول على "ميثاق جنيف الرابع 1949" والذي تحدث عن التهجير والمساعدات الإنسانية.

وأورد "اتفاق جنيف" و"البروتوكول الإضافي الأول لعام 1977" الخاص بالنزاعات المسلحة الدولية التزاماً على جميع الدول الأطراف فيها بسن تشريعات جنائية على الأفعال التي تشكل جرائم حرب، وتلتزم كل دولة بمواءمة تشريعاتها الوطنية بحيث تتمكن من العقاب على جرائم الحرب.

خلافات حول العدوان

وفي يونيو (حزيران) 2010 اتفقت الدول الأعضاء في المحكمة الجنائية الدولية حول ما يمثل جريمة العدوان التي كانت مثار خلاف حول تعريفها بين الدول لأكثر من 10 أعوام، وكذلك اتفقت الدول الأعضاء على تعديل "ميثاق روما" المؤسس للمحكمة لتعريف جريمة العدوان على أنها "التخطيط والإعداد والبدء أو التنفيذ من شخص في وضع يمكنه من السيطرة أو توجيه الإجراء السياسي أو العسكري للدولة، لفعل عدواني والذي بطبيعته وحجمه وخطورته يمثل انتهاكاً لميثاق الأمم المتحدة".

وبموجب القرار المعتمد في نهاية مؤتمر مراجعة "ميثاق روما" فإن حصار الموانئ أو سواحل دولة من قبل القوات المسلحة لدولة أخرى، إضافة إلى غزو أو اعتداء قوات دولة على أراضي دولة أخرى، جميعها تعتبر أعمال عدوان بموجب الميثاق.

ووافقت الدول على أن للمحكمة صلاحية النظر في جريمة العدوان، ولكن فقط في تلك المرتكبة بعد عام من مصادقة 30 دولة على الميثاق المعدل، وتضمن "ميثاق روما" المعتمد عام 1998 جرائم العدوان مع جرائم الإبادة الجماعية والجرائم ضد الإنسانية وجرائم الحرب من ضمن الفئات الأربع للجرائم التي تنظر فيها المحكمة، إلا أنه لا يمكن أن تمارس المحكمة صلاحيتها في جرائم العدوان ما لم يتم تعريف الجريمة.

اقرأ المزيد

المزيد من تقارير