Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

"الحركة الأسيرة" ومكانتها المركزية والحساسة في الوعي الفلسطيني

ثلث الشعب في الضفة الغربية وقطاع غزة دخل السجون على مدار سنوات الصراع مع إسرائيل ونحو مليون فلسطيني تعرضوا للاعتقال منذ عام 1967

منذ عام 1967  نفذت الحركة الفلسطينية الاسيرة 26 إضراباً عن الطعام (اندبندنت عربية)

ملخص

تحتجز إسرائيل حالياً في 24 سجناً ومعتقلاً ومركز توقيف، أكثر من 6600 أسير فلسطيني، بينهم 50 امرأة، و170 طفلاً

قد يختلف الفلسطينيون في انتماءاتهم وتوجهاتهم السياسية وتطلعاتهم نحو المستقبل السياسي، إلا أنهم يجمعون على أن "ملف الأسرى" هو من أهم وأعمق دعائم القضية الفلسطينية، لما تمثله هذه الشريحة من قيمة معنوية ونضالية وسياسية مركزية. كيف لا، وقد التصقت صورتهم بالكفاح الشعبي الفلسطيني ونضاله من أجل استعادة حقوقه ونيل حريته على مدار عقود، فما من بيت فلسطيني إلا وعانى مرارة الاعتقال وأدرك أن عذابات السجن لا تنتهي بمجرد الخروج منه.

ولما لهذه المكانة من حساسية في الوعي الفلسطيني، أقر المجلس الوطني الفلسطيني (يعد الهيئة التمثيلية التشريعية العليا للشعب الفلسطيني بأسره داخل فلسطين وخارجها)، السابع عشر من أبريل (نيسان) يوماً وطنياً للأسرى، ليس فقط لإبراز معاناتهم وتعزيز مكانتهم، بل لحشد البرامج والاستراتيجيات من أجل إطلاق سراحهم. ومنذ عام 1974 يحيي الفلسطينيون "يوم الأسير الفلسطيني" وتشاركهم في ذلك مؤسسات وفعاليات عديدة على المستويين العربي والإسلامي وكذلك الدولي.

سجين أمني

وفيما يرى الفلسطينيون أسراهم لدى إسرائيل "أيقونات للحرية"، لا تستخدم السلطات الإسرائيلية تعبير "أسرى حرب" أو "سجناء سياسيين" للدلالة على الفلسطينيين في سجونها، البالغ عددهم نحو 7000 أسير، بل تشير إليهم كـ"سجناء أمنيين"، أدين معظمهم لارتكابهم أعمالاً حُكِم بأنها مخالفات أمنية واضحة ضد إسرائيل، وأن دوافعهم كانت قومية. ويخضع الأسرى الفلسطينيون بصفتهم "سجناء أمنيين" لقيود وتعليمات مشددة تختلف عن التعليمات القانونية المتبعة في إجراءات التحقيق والاعتقال والمحاكمة، تصل إلى حد التحكم في أوضاعهم المعيشية داخل السجون.

وعلى رغم أن الأسرى من الضفة الغربية يحظون بمكانة "محميين"، بحسب المادة الرابعة لاتفاقية جنيف الرابعة لعام 1949، فإنه خلافاً لتلك المعاهدة، يتم احتجاز معظمهم في سجون تقع داخل إسرائيل. وشرعت المحكمة العليا الإسرائيلية هذا الأمر بذرائع أمنية مختلفة، على رغم أن القانون الدولي الإنساني يعتبر هذا الإجراء نقلاً قسرياً محظوراً. ولا تخضع مراكز الاعتقال الأمنية لأية رقابة خارجية كسائر السجون الإسرائيلية، التي يسمح فيها لممثلين عن نقابة المحامين والنيابة العامة بزيارات مفاجئة للاطلاع على الأوضاع البيئية والمعيشية فيها.


مرحلة جديدة

قبل عام 1967، لم تكن لدى إدارة مصلحة السجون أي سياسة محددة في كيفية التعامل مع مئات الأسرى الفلسطينيين الذين اعتقلوا على خلفية انتمائهم السياسي وتحركاتهم النضالية، فقد كان الاعتماد على قرارات "نظام الطوارئ" الذي ورثته إسرائيل من الانتداب البريطاني في عام 1945، وهو ما دفع الأسرى آنذاك إلى تجميع قواهم واتخاذ مواقف جماعية لبلورة نظام خاص بهم داخل السجون، عرف في ما بعد باسم "الحركة الفلسطينية الأسيرة"، التي بدأت منذ ذلك الحين برسم إطار هيكلي منظم لتوحيد الأسرى من كافة الفصائل، وفرضت معادلة جديدة على الإسرائيليين. وبعد ذلك برزت بعض الأشكال التنظيمية المتأثرة بالشخصية القيادية، ومن ثم وضعت أسس تنظيمية وهياكل ولوائح داخلية كانت أساساً لحماية "الحركة الأسيرة" من استهداف إدارة مصلحة السجون والسياسات الإسرائيلية المختلفة. وبدأت مراحل جديدة من الوسائل النضالية كان أولها رفضهم حلق اللحية، وأعقبها النضال ضد كلمة "حاضر يا سيدي" وغيرها، إضافة إلى الخطوات التكتيكية كإرجاع بعض الوجبات وتعطيل الفحص الأمني (إجراء يومي متكرر من إدارة السجون)، والتمرد على قرارات السجن، وأساليب ووسائل أخرى كالإضرابات المفتوحة عن الطعام كخطوة استراتيجية، شكلت لديهم إحدى أهم وأنجع وسائل الضغط على مصلحة السجون.

مكتسبات تدريجية

 ومنذ استخدام ورقة الإضراب عن الطعام في عام 1969، نفذت "الحركة الأسيرة" 26 إضراباً عن الطعام، وكنتيجة لإضرابات كفار يونا عام 1969 وإضراب سجن نفحة 1980، وإضراب جنيد في عام 1984، تمكن الأسرى من إدخال التلفاز والراديو والكتب والبطانيات والملابس والقرطاسية، وتحسين كمية الطعام وزيادتها، وإدخال الأسرّة في كل السجون بالتدريج مع توسيع مساحات الغرف والساحات. وحظي إضراب سجن نفحة بتغطية إعلامية واسعة بخاصة بعد وفاة أربعة أسرى خلال الإضراب، كما حظي بحركة تضامنية وإسناد شعبي واسع من قبل ذوي الأسرى ومناصريهم، لما أحدثه هذا الإضراب من نقلة نوعية في شروط حياة الأسرى في السجون، وإن لم تكن كافية. واعتبر إضراب عام 1991 الذي شمل معظم السجون، من أنجح الإضرابات التي خاضها الأسرى الفلسطينيون من أجل الحصول على حقوقهم، التي تمثلت آنذاك بإغلاق قسم العزل في سجن الرملة ووقف التفتيش العاري وإعادة زيارات الأقسام وزيادة وقت زيارة الأهل، والسماح بالزيارات الخاصة، وإدخال أدوات الطبخ إلى غرف المعتقلات، وشراء المعلبات والمشروبات الغازية، وتوسيع قائمة المشتريات في الكانتينا (المقصف). وإضافة إلى ما سبق، نفذ عشرات الأسرى منذ عام 2012 عشرات الإضرابات الفردية التي كان معظمها ضد الاعتقال الإداري (دون تهمة او محاكمة).

أرقام وحقائق

سنوات الانتفاضة الأولى التي انطلقت عام 1987، والثانية (انتفاضة الأقصى) التي انطلقت عام 2000، كانتا من أصعب المراحل التي تعرض الفلسطينيون خلالها لعمليات اعتقال عشوائية، لم تقتصر على المطلوبين والمسلحين، بل طالت شرائح متنوعة في المجتمع الفلسطيني، وتشير معطيات هيئة شؤون الأسرى والمحرَّرين (حكومية) أن نحو مليون فلسطيني منذ عام 1967 تعرضوا للاعتقال، 90 ألفاً منهم منذ بداية الانتفاضة الثانية، بينهم 11 ألف طفل، ونحو 1300 امرأة، و65 نائباً في المجلس التشريعي الفلسطيني و30 صحافياً، ومئات الأكاديميين والكفاءات العلمية والرياضيين. وأشار نادي الأسير الفلسطيني (مستقل) إلى أن ثلث الشعب الفلسطيني في الضفة الغربية وقطاع غزة دخل السجون على مدار سنوات الصراع الطويلة مع إسرائيل. إذ تحتجز إسرائيل حالياً في 24 سجناً ومعتقلاً ومركز توقيف، أكثر من 6600 أسير، بينهم 50 امرأة، و170 طفلاً (أقل من 18 سنة)، و700 أسير مريض، وأكثر من 1600 معتقل إداري (من دون تهمة) إضافة إلى 559 من المحكوم عليهم بالسجن المؤبد مدى الحياة.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)


واعتاد الفلسطينيون على مدى عقود، تصنيف الأسرى في فئات، بهدف إبراز خصوصيتهم والمعاناة التي يتعرضون إليها، وعلى رأسها فئة "الأسرى القدامى" الذين اعتقلتهم إسرائيل قبل توقيع اتفاقية أوسلو في عام 1993، إذ لا يزال 22 أسيراً منهم داخل السجون حتى اليوم، ويقضي هؤلاء الأسرى أحكاماً بالسجن المؤبد مرة أو مرات عدة، ورفضت إسرائيل الإفراج عنهم ضمن المفاوضات الفلسطينية الإسرائيلية في عام 2014، مما أدى إلى انهيارها آنذاك. وفيما حظيت فئة "الأسرى الأطفال" و"الأسرى المرضى" وفئة "الأسيرات" بخصوصية عالية لدى الفلسطينيين، كان السعي الأكبر لإبراز قضية فئة "الأسرى الإداريين" الذين اعتقلوا لفترات تتراوح بين أربعة أشهر وسنوات عدة من دون تقديم أي لائحة اتهام بحقهم، بناءً على ملفات سرية لا يعلم المعتقل أو محاميه شيئاً عن مضمونها. وأكد نادي الأسير أن 80 في المئة من المعتقلين إدارياً اليوم هم أسرى سابقون أمضوا سنوات في السجون، ومنها سنوات رهن الاعتقال الإداري. ومنذ عام 1967 صدر بحق فلسطينيين أكثر من 15 ألف قرار اعتقال إداري ما بين اعتقال جديد وتجديد اعتقال سابق، وذلك وفقاً لبيانات الهيئة.
أما أسرى قطاع غزة الذين اعتقلوا منذ عام 2005، وأكثرهم خلال حرب 2008 وحرب 2014، فأخضعتهم إسرائيل لـقانون "اعتقال المقاتلين غير الشرعيين" الذي سنه الكنيست الإسرائيلي في مارس (آذار) 2002 من أجل تجنب الالتزامات القانونية المترتبة على اعتبارهم أسرى حرب وفق القانون الدولي. ولا تزال السلطات الإسرائيلية تحتجز في سجونها نحو 192 أسيراً من قطاع غزة. ومنذ فك الارتباط الأحادي الجانب لإسرائيل مع القطاع في عام 2005، لم تعد محاكمة أبناء غزة تجري في المحاكم العسكرية، وإنما في المحاكم النظامية داخل إسرائيل، وذلك بسبب إلغاء نظام الحكم العسكري ومحاكمه في قطاع غزة.
وشكل هروب ستة أسرى فلسطينيين صبيحة السادس من سبتمبر (أيلول) 2021 عبر نفق حفروه في سجن جلبوع، الذي يعد أحد أكثر السجون الإسرائيلية تحصيناً، علامة فارقة في ظروف معيشة الأسرى الفلسطينيين داخل السجون.


عمليات تبادل

من جهة ثانية، فإن وصف إسرائيل للأسرى بأنهم "أمنيون" واعتبار كثيرين منهم "إرهابيين"، لم يمنعها من إطلاق سراحهم على مضض. وبعد أن حكمت على بعضهم بالسجن المؤبد مدى الحياة وقالت إن "أيديهم ملطخة بالدماء"، تمكنت فصائل فلسطينية مختلفة من تحقيق حلمهم بالحرية، وذلك بإطلاق عديد منهم ضمن عمليات عرفت بـ"صفقات التبادل"، قيض لبعضها أن يتوج بالنجاح، بينما منيت أخرى بالفشل. واستناداً لما هو موثق، فإن مجمل عمليات تبادل الأسرى، التي تمت بين الفلسطينين وإسرائيل منذ عام 1968 وصلت إلى تسع عمليات، بدأتها الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين (فصيل في منظمة التحرير الفلسطينية تعتبرها الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي منظمة إرهابية)، عندما نجح مقاتلوها في إجبار طائرة كانت متجهة من روما إلى تل أبيب وعلى متنها أكثر من 100 راكب، على الهبوط في الجزائر واحتجاز من فيها، وأفرج بموجب الصفقة التي تمت بوساطة الصليب الأحمر الدولي عن المحتجزين، مقابل إطلاق 37 أسيراً فلسطينياً من ذوي الأحكام العالية. وفي نهاية عام 1969 خطفت مجموعة تتبع للتنظيم نفسه، طائرة "العال" الإسرائيلية، إلا أنها انتهت باعتقال خاطفة الطائرة، ليلى خالد، وهو ما دفع الجبهة الشعبية مجدداً إلى اختطاف طائرة بريطانية لإطلاق سراحها. وفي عام 1971 أطلقت إسرائيل بموجب عملية تبادل مع حركة "فتح"، سراح الأسير الفلسطيني محمود حجازي، في مقابل إطلاق الجندي الإسرائيلي شموئيل فايز، الذي كان قد تم أسره في أواخر عام 1969. وفي مارس (آذار) 1979، جرت عملية تبادل بين إسرائيل و"منظمة التحرير الفلسطينية" عرفت بعملية "النورس"، أطلقت بموجبها الجبهة الشعبية الجندي الإسرائيلي أبراهام عمرام، وأفرجت إسرائيل في المقابل عن 76 معتقلاً فلسطينياً، من ضمنهم 12 فتاة. 
بعد هذه العملية بأعوام وتحديداً في فبراير (شباط) 1980، أطلقت إسرائيل سراح الأسيرين القياديين مهدي بسيسو "أبو علي"، ووليام نصار، في مقابل إطلاق أشهر جاسوسة موساد عربية هي أمينة داوود المفتي، التي كانت محتجزة لدى حركة "فتح". وفي عام 1983، تمت عملية تبادل جديدة، بين إسرائيل والفلسطينيين، أطلقت إسرائيل بموجبها جميع معتقلي "معتقل أنصار"، في الجنوب اللبناني، وعددهم 4700 فلسطينياً ولبنانياً، إضافة إلى نحو 100 أسير من السجون الإسرائيلية، في مقابل إطلاق ستة جنود إسرائيليين من قوات الناحال الخاصة، التي كانت حركة "فتح" قد أسرتهم في منطقة بحمدون في لبنان عام 1982. وقد اعتبرت هذه العملية، الأضخم في تاريخ عمليات التبادل. وفي "عملية تبادل أطلق عليها اسم "عملية الجليل"، أفرجت إسرائيل عن 1155 أسيراً كانوا محتجزين في سجونها مقابل تحرير ثلاثة جنود إسرائيليين أسرتهم الجبهة الشعبية خلال معركة السلطان يعقوب في عام 1982.

شاليط

وفي مقابل حصول إسرائيل على شريط فيديو لمدة دقيقتين، يحتوي على معلومات عن حالة الجندي الإسرائيلي جلعاد شاليط الذي أسرته حركة "حماس" في قطاع غزة في عام 2006، أفرجت إسـرائيل عن عشرين أسيرة فلسطينية من الضفـة الغربية وقطاع غزة، إذ اعتبرت هذه الصفقة التي أبرمت في عام 2009 جزءاً من مفاوضات لإتمام الصفقة الكبرى التي تمت برعاية مصرية في عام 2011، وهي التي أطلقت إسرائيل بموجبها 1027 أسيراً فلسطينياً في سجونها مقابل الإفراج عن شاليط .

وفي أعقاب عملية "طوفان الأقصى" التي شنتها حركة "حماس" في السابع من أكتوبر (تشرين الأول) الجاري على مستوطنات ومعسكرات إسرائيلية في غلاف غزة، يعلق الأسرى الفلسطينيون آمالاً كبيرة على ما لدى الحركة من أسرى إسرائيليين، قدر عددهم بأكثر من 200، قد يمكنهم من تحقيق حلمهم بالحرية.

اقرأ المزيد

المزيد من تقارير