Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

الساروت مغني الثورة السورية صار "جسرا" إلى النصر

حمل السلاح دفاعاً عن حمص وقُتل في اشتباكات مع نظام الأسد فتحول إلى أيقونة للحرية

لا تزال أغنيته الشهيرة "جنة يا وطنا" تتردد في الاحتفالات السورية بإسقاط نظام بشار الأسد (مواقع التواصل)

ملخص

كان لاعباً موهوباً تمكن من الحصول على حراسة المنتخب السوري للشباب، وشارك في الثورة السورية منذ أيامها الأولى وحتى وفاته... فماذا نعرف عنه؟

وسط العاصمة السورية دمشق، يمتد جسر شهير يعد أحد أهم معالم المدينة، جسم بُني في تسعينيات القرن الماضي، يُطل على نهر بردى، ويعد نقطة وصل بين حيي البرامكة وأبو رمانة في دمشق، هذا الجسر يشتهر باسم "جسر الرئيس"، لكن ليس بعد الثامن من ديسمبر (كانون الأول) 2024، حين تحول الجسر إلى "جسر الساروت"، مثله في ذلك مثل عدد من المعالم السورية التي حملت أسماء رموز الثورة، وعلى وجه التحديد الذين قدموا أرواحهم لأجلها.

عبدالباسط الساروت، صاحب الألقاب الكثيرة التي أطلقها عليه السوريون، ومنها على سبيل المثال لا الحصر أيقونة الثورة وجيفارا الثورة ومنشد الثورة وحارس الثورة وبلبل الثورة.

المولد والانتماء

في حي البياضة بمدينة حمص وسط سوريا، ولعائلة بدوية تنتمي لقبيلة النعيم، ولد عبدالباسط ممدوح الساروت في الأول من يناير (كانون الثاني) 1992، وهو أحد تسعة إخوة قُتل أكثر من نصفهم على أيدي النظام السوري، لدرجة أن والدته سُميت "خنساء الثورة" لما قدمته من تضحيات بأعز ما تملك، أولادها.

 

تلقى الساروت تعليمه الابتدائي في مدينة حمص، قبل أن تُكتشف مهاراته الرياضية، فانضم للدفاع في نادي الكرامة السوري، وتألق في النادي حتى تمكن من الوصول إلى حراسة منتخب سوريا للشباب قبيل اندلاع الثورة السورية عام 2011، لتتغير بعد ذلك حياته إلى الأبد ويتحول رمزاً سورياً.

الالتحاق بالثورة

منذ الأيام الأولى للثورة السورية أعلن الساروت الانضمام إليها، فشارك في التظاهرات السلمية، وبصوته الجميل كان يهتف بالمتظاهرين، ثم عمل على تأليف عدد من الأغاني الخاصة بالثورة، ولا تزال أغنيته الشهيرة "جنة يا وطنا" تتردد في الاحتفالات السورية بإسقاط نظام بشار الأسد، الأمر الذي أكسبه لقب "بلبل الثورة"، وبسبب أغانيه ومشاركته في التظاهرات أعلن اتحاد الكرة السوري فصل اللاعب عبدالباسط من الاتحاد ومنعه من لعب كرة القدم مرة أخرى، لكن القرار لم يغير شيئاً من موقف الساروت الذي أصر على استمرار "الثورة حتى النصر" وفق مقولته الشهيرة "هذه الثورة لا حل لها إلا النصر"، وبالفعل تحققت نبوءة الساروت بعد أكثر من خمسة أعوام على وفاته.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

بعد بدء النظام استخدام العنف ضد المتظاهرين السلميين ازداد عدد المنشقين عنه، وكان من بينهم عدد من نخب المجتمع السوري، فرافقت الفنانة السورية الراحلة فدوى سليمان الساروت في قيادة التظاهرات كل يوم جمعة لأشهر عدة، فكانت تقف إلى جانبه ليهتفوا في المتظاهرين، وبعد ازدياد شعبيته لدى السوريين أعلنت حكومة النظام السوري رصد "جائزة قدرها مليونا ليرة سورية لمن ينجح في تسليم الساروت لأحد الأفرع الأمنية"، وبعد عجز النظام من الوصول إلى الساروت، قدم له عرضاً يتضمن أن يأتي إلى دمشق ويزور القصر الجمهوري ويظهر على التلفزيون الرسمي ليعلن التأييد للنظام، وبالمقابل يعود إلى مكانته السابقة في الرياضة، ويكون لاعباً رئيساً في المنتخب الوطني، لكن هذا العرض لم يكن مغرياً للساروت الذي رفضه من دون تفكير.

في نوفمبر (تشرين الثاني) 2011 استهدف جيش النظام منزل عائلة الساروت، مما أسفر عن مقتل أخيه الأكبر الوليد وأولاد خاله، وفي2013 قتل النظام أخاه محمد وخاله محيي الدين الساروت، وفي2014 قتل أخويه أحمد وعبدالله.

السلاح والهجرة

بالعودة إلى نهاية 2011، ازداد العنف الذي يستخدمه النظام ضد الاحتجاجات، ثم تحول الصراع إلى مسلح، فجمع عبدالباسط الساروت عدداً من رفاقه وأسسوا كتيبة حملت اسم "شهداء البياضة"، قبل أن ينضم لاحقاً إلى "فيلق حمص" ضمن الجيش السوري الحر، واستمر بالقتال ضد النظام في مدينة حمص.

بعد الحصار الذي فرضه النظام على مدينة حمص، والذي استمر لنحو عامين قُتل خلاله مئات المدنيين جوعاً، والمئات قصفاً بالبراميل المتفجرة، استمر مع "رفاق السلاح" في القتال إلى أن تم التوصل لاتفاق مع النظام يقضي بتهجير أهالي مدينة حمص إلى الريف الشمالي، وكان الساروت من بين المهجرين في الباصات الخضراء في مايو (أيار) 2014.

 

بعد تهجيره إلى ريف حمص الشمالي خرجت إشاعات تقول إن عبدالباسط الساروت انضم إلى تنظيم "داعش"، ليخرج في أغسطس (آب) 2015 بتسجيل مصور ينفي فيه الإشاعات التي تتحدث عن انضمامه للتنظيم الإرهابي، وبعد ازدياد الخطر على حياته وتلقيه تهديدات جديدة غادر الساروت من سوريا إلى تركيا، متنقلاً بين مدينتي إسطنبول وغازي عنتاب، لكن هذه الحال لم تعجب "حارس المرمى" فقرر العودة إلى سوريا ومواصلة القتال، وتعرض للاعتقال عند "هيئة تحرير الشام" بسبب "مسألة الشبهات بانضمامه إلى ’داعش‘"، لكنه خرج بعد 37 يوماً من اعتقاله، ثم أنشأ مع رفاقه مقرات في ريف حماة الشمالي لقتال النظام، وفي 2017 انضم الساروت إلى "جيش العزة" التابع للجيش السوري الحر آنذاك.

في مطلع يونيو (حزيران) 2019، أصيب الساروت في معارك مع النظام السوري والميليشيات الإيرانية بريف حماة الشمالي، فنُقل للعلاج في مدينة إدلب، لكن لشدة إصابته نُقل إلى أحد المشافي التركية، لكن قرابة الساعة الـ12 من ظهر السبت الثامن من يونيو 2019 توفي عبدالباسط الساروت بعد تسعة أعوام من مشاركته في الثورة السورية، وقبل أيام من وفاته نشر تسجيلاً مصوراً يقول فيه إن "الثورة السورية مستمرة حتى النصر".

الرحلة الأخيرة

في اليوم التالي لوفاته وصل جثمان الساروت إلى إدلب، وحظي باستقبال آلاف السوريين، وخرجت له جنازة ضخمة، ولُف جثمانه بعلم الثورة السورية، فيما ردد المشيعون أغانيه خلال التشييع، والأنشودة التي كانت أكثر ترديداً هي "زفيني جيتك شهيد" التي غناها الساروت منذ 2012، ونعاه المئات من المعارضين السوريين والكتاب والمثقفين والمقاتلين ليتحول إلى واحد من أهم رموز الثورة السورية.

في الثامن من ديسمبر 2024 تمكنت المعارضة السورية من الدخول إلى دمشق وإسقاط نظام الأسد، وبعد ذلك انتشرت صور الساروت في كل مكان بأنحاء الجغرافيا السورية، فيما عبر آخرون عن "أمانيهم بأن يكون الساروت حياً ليشاهد انتصار الثورة السورية"، أما أحد أصدقاء الساروت فظهر في تسجيل مصور وهو يزور قبره ويقول عند القبر "يا عبدالباسط يا أبو جعفر يا حارس الثورة، أبشرك حمص حرة ولبست الثوب الأخضر".

المزيد من تقارير