ملخص
كان زيلينسكي سبق أن اعترف بالحاجة إلى إيجاد حل دبلوماسي للصراع، لكنه قال إن كييف ستنظر في مثل هذه الخطوات "فقط عندما نعلم أننا أقوياء بما فيه الكفاية". غير أنه اعترف كذلك بأن البلاد قد تفقد جزءاً من الأراضي نتيجة للصراع، بينما كان في السابق يصر على عودة أوكرانيا إلى حدود عام 1991.
بات واضحاً أن العام الحالي لن يحمل ما كان يروج له الجانب الأوكراني من نصر يستعيد به الأراضي التي استولت عليها روسيا. وها هي القوات الأوكرانية تواجه صعوبات على الجبهة وخطوط التماس منذ أشهر على وقع الهجوم المستمر للقوات الروسية في جنوب شرقي أوكرانيا، كما تتراجع هذه القوات في مناطق عدة، وتخسر ما تشغله من مواقع يوماً بعد آخر تحت وطأة زحف القوات الروسية، ليس فقط في جنوب شرقي أوكرانيا، بل وأيضاً في مقاطعة كورسك الروسية التي استولت القوات الأوكرانية على بعض أراضيها في أغسطس (آب) 2024.
وجاء اعتراف فلوديمير زيلينسكي بأن الوضع "صعب جداً حقاً" وأن القوات الأوكرانية "متعبة"، لا سيما بسبب "نقص الاحتياطات وتناوب الأفراد"، ليزيد من التوتر الذي يخيم على الأوساط القيادية الأوكرانية منذ الإعلان عن نتائج الانتخابات الرئاسية الأميركية وفوز دونالد ترمب على مرشحة الحزب الديمقراطي.
زيلينسكي يعود عن مواقفه
ذلك ما خلص إليه الرئيس الأوكراني "المنتهية ولايته" فلوديمير زيلينسكي في حديثه إلى "أوكراينسكايا برافدا"، بعد أن ظل يرفض أية اتصالات أو محادثات مع الجانب الروسي إلا بعد جلائه عن كل الأراضي التي استولي عليها والعودة إلى حدود عام 1991. بل ووافق على وجه الخصوص على التخلي موقتاً عن محاولات إعادة هذه الأراضي مقابل ضمانات أمنية من الناتو، وزيادة القوات وإمدادات الأسلحة الغربية إلى كييف. وذلك في وقت لا تستطيع أوكرانيا إجراء الانتخابات أثناء الأحكام العرفية. ومن المعروف أن مجلس الرادا (البرلمان) يصوت كل ثلاثة أشهر على مد فترة هذه الأحكام، بما يسمح لزيلينسكي بالبقاء في السلطة.
وقال زيلينسكي إنه "إذا تمكنت قواتنا من إنهاء المرحلة الساخنة من الأعمال القتالية وأوكرانيا في وضع قوي، وإذا كان لدينا جيش قوي وحزمة أسلحة قوية وضمانات أمنية فسيجري هذه الانتخابات".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وذلك يعني أن هذه الانتخابات لن تجري في المستقبل المنظور، ولا سيما بعد اعتراف زيلينسكي بعجز أوكرانيا عن استعادة أراضيها بالقوة المسلحة. وذلك ما يضعه بوتين في صدارة شروطه، وهو الذي أكد أنه لن يوقع اتفاقاً إلا مع السلطة الشرعية. وحدد لذلك مجلس الرادا في شخص رئيسه، أو مع زيلينسكي في حال ترشحه ثانية، وفوزه في الانتخابات الرئاسية. وفي ذلك تكمن صعوبة التصدي للأزمة الأوكرانية، ولمَ لا وهي القضية التي سبق أن قال ترمب عنها "إنها أكثر صعوبة من حل مشكلة الشرق الأوسط"، القائمة منذ قيام دولة إسرائيل عام 1948.
وكان زيلينسكي سبق أن اعترف بالحاجة إلى إيجاد حل دبلوماسي للصراع، لكنه قال إن كييف ستنظر في مثل هذه الخطوات "فقط عندما نعلم أننا أقوياء بما فيه الكفاية". غير أنه اعترف كذلك بأن البلاد قد تفقد جزءاً من الأراضي نتيجة للصراع، بينما كان في السابق يصر على عودة أوكرانيا إلى حدود عام 1991 عند إعلان استقلالها قبل انهيار الاتحاد السوفياتي، وكانت تضم آنذاك كل المناطق التي جرى ضمها إلى روسيا منذ اندلاع الأزمة الأوكرانية عام 2014، وما بعدها عام 2022. كما قال زيلينسكي إن حدود أوكرانيا بعد انتهاء الصراع، قد تعتمد على عوامل مختلفة. ومع ذلك أكد "أن كييف لن تعترف قانوناً بفقدان الأراضي".
التفكير بالتمني
منذ إعلان نتائج الانتخابات الرئاسية الأميركية التي جاءت بدونالد ترمب رئيساً للولايات المتحدة، والقلق لا يفارق زيلينسكي الذي لا يكف عن محاولاته الرامية إلى العثور على "المفتاح المناسب" لفك شفرة الرئيس الجديد. وكان زيلينسكي عقد أول لقاء له مع ترمب في نيويورك في سبتمبر (أيلول) الماضي على هامش أعمال الجمعية العامة للأمم المتحدة. كما التقاه ثانية في باريس مع الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، الذي تولي إقناع ترمب بقبول اللقاء الذي لم يستمر أكثر من نصف ساعة. وكان زيلينسكي يعلق كثيراً من خططه المستقبلية على هذا اللقاء، فيما يظل يتشبث بالأمل في أن يساعد الرئيس الأميركي المنتخب كييف في "إيقاف فلاديمير بوتين"، بحسب ما كتب الموقع الإلكتروني الأميركي "هافينغتون بوست".
ومن منطلق التفكير بالتمني، يعتقد الرئيس الأوكراني أن عدم القدرة على التنبؤ بتصرفات ترمب ستلعب ضد موسكو. وثمة من يقول إن "سبب الأمل مفاجئ، في أقل تقدير". وقال زيلينسكي، الخميس الثاني من يناير (كانون الثاني) الجاري، إن "عدم القدرة على التنبؤ بتصرفات دونالد ترمب، يمكن أن يساعد في إنهاء الصراع في أوكرانيا". وأشار زيلينسكي كذلك إلى أن الرئيس المنتخب يمكنه القيام بدور حاسم في تسوية الصراع القائم، وأنه "يستطيع مساعدة أوكرانيا في إيقاف بوتين. إن ترمب قوي للغاية ولا يمكن التنبؤ به".
ومضي ليقول إن "الرئيس ترمب يريد حقاً إنهاء الصراع". وأضاف "أود حقاً أن ينطبق عدم القدرة على التنبؤ بالرئيس ترمب على روسيا أيضاً". وأضاف أن "أية ضمانات أمنية لأوكرانيا من دون مشاركة الولايات المتحدة ستكون في الواقع ضعيفة".
وعلى رغم أن دولاً أوروبية عدة، بما فيها فرنسا، طرحت فكرة نشر قوات عسكرية على الأراضي الأوكرانية في حال التوصل إلى اتفاق سلام، فإن زيلينسكي يرى أن مثل هذه المبادرة لا ينبغي أن تحل محل عضوية بلاده في حلف شمال الأطلسي. وذلك أمر يرفضه الجانب الروسي، وهو ما أعلنه بوتين في أكثر من مناسبة، وما سجله في رسالتيه اللتين بعث بهما إلى كل من الإدارة الأميركية، وحلف شمال الأطلسي في نوفمبر (تشرين الثاني) عام 2021.
العقبات تتناثر على طريق "كيلوغ"
حرص الجنرال كيث كيلوغ المبعوث الخاص للرئيس المنتخب دونالد ترمب إلى أوكرانيا وروسيا ومفاوض السلام، وزميله فريد فليتز أثناء كتابة مقالهما الذي أودعاه في صيف العام الماضي، حول فكرة المحادثات كسبيل إلى التسوية السياسية للأزمة الأوكرانية، على تأكيد أوجه القصور في إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن، إلى جانب طرح فكرة المحادثات وضرورة التعامل مع روسيا وزعيمها بوتين. وذلك بعد أن لاحظا أن بايدن لم يكن مهتماً بالعمل مع نظيره الروسي من ناحية المبدأ، فضلاً عن محاولاته الرامية إلى عزله بكل الطرق الممكنة، والاكتفاء "بإلقاء المحاضرات عليه".
وفي هذا الصدد يتوقف المراقبون عند موقف بريطانيا الحليف الأكبر للولايات المتحدة، وهي التي تتمسك برفضها الدخول في أية محادثات مع بوتين منذ بداية الأزمة الأوكرانية عام 2014. وذلك ما تتبناه اليوم القيادات الجديدة للاتحاد الأوروبي، وما أعلنته مفوضة الاتحاد الأوروبي للسياسة الخارجية، رئيسة وزراء إستونيا (السوفياتية السابقة)، كايا كالاس، التي سبق أن أعلنت رفضها أية اتصالات مباشرة مع الرئيس بوتين.
ومن هنا يتعين على الجنرال كيلوغ أن يحث الزعماء الأوروبيين على استئناف العلاقات الدبلوماسية مع روسيا، واتخاذ نهج أكثر واقعية تجاهها لإيجاد حلول مقبولة لجميع الأطراف. وهكذا يواجه الجنرال كيلوغ سلسلة من عقبات السياسة الخارجية الصعبة، وفي مقدمها ما يواجهه الغرب من انقسامات، على وقع اصطدام مصالح الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي وبريطانيا. وذلك فضلاً عن المشكلات الداخلية للبلدان أعضاء الاتحاد، وخروج بعضها عن وحدة الرأي والاتفاق حول ما صدر عن الاتحاد من قرارات ومنها المجر وسلوفاكيا وبولندا، حول قضايا رئيسة مثل الهجرة غير الشرعية، والعقوبات الموجهة ضد روسيا وحلفائها، وأهداف الصراع والدعم المالي والعسكري لأوكرانيا. وهكذا فإن التوصل إلى نهج مسؤول تجاه التسوية لن يكون بالأمر السهل، وينطوي على اختيارات صعبة ومقايضات غير مريحة، على حد قول المراقبين الأوروبيين.
ويتوقف هؤلاء المراقبون عند سلسلة المشكلات التي تتناثر على طريق الإعداد للمحادثات المرتقبة بين الجانبين الروسي والأوكراني في إطار المبادرة التي لم يطلع أحد بعد على تفاصيلها. وذلك فضلاً عما أشاروا إليه من عقبات صعبة يواجهها الجنرال كيث كيلوغ، مع ممثلي الأوساط السياسية الخارجية. فمن المنتظر أن يحتاج كيلوغ إلى دعوة القادة الأوروبيين إلى استئناف العلاقات الدبلوماسية مع روسيا، والانتقال إلى نهج أكثر براغماتية تجاهها، لإيجاد حلول مقبولة لجميع الأطراف. وذلك إلى جانب ضرورة الاعتراف بهزيمة أوكرانيا، واستبعاد عضويتها في حلف شمال الأطلسي، وإجراء الانتخابات الرئاسية في أوكرانيا، ورفع العقوبات المفروضة ضد موسكو منذ بداية الازمة الأوكرانية عام 2014.
وفي هذا الصدد يتحدث مراقبون كثر حول عدم وجود استراتيجية واضحة للمحادثات المرتقبة في ظل عدم الاتفاق حول النهج المشترك للتعامل لاحقاً مع مستقبل أوكرانيا. إلى جانب "صعوبة اعتبار النصر على روسيا هدفاً مشروعاً للسياسة الخارجية، لأنه بالنسبة إلى كييف، من جهة المبدأ، بعيد المنال. ومن الممكن أن يكون التركيز على إعادة بناء أوكرانيا القوية والديمقراطية والمزدهرة التي ستنضم إلى الاتحاد الأوروبي في الوقت المناسب"، وهو ما يظل الغموض يكتنفه، ولا أحد يعرف بعد ما يمكن أن يكون عليه.