ملخص
هل ستأخذ إسرائيل بـ "نصيحة الأصدقاء" وتتراجع عن الاجتياح البري لغزة؟
أعلن الجيش الإسرائيلي أول من أمس الخميس أن خبراء أميركيين لهم تجربة في حرب العراق وصلوا إلى إسرائيل لنقل خبراتهم قبل هجوم بري وشيك على قطاع غزة، وقالت شبكة "سي أن أن" الأميركية إن إدارة الرئيس جو بايدن أرسلت جنرالاً من مشاة البحرية (المارينز) لتقديم المشورة للجيش الإسرائيلي في شأن التخطيط لهجومه المرتقب، وكانت وزارة الدفاع الأميركية (البنتاغون) أعلنت إرسال 900 جندي إلى الشرق الأوسط، فيما ذكر المتحدث باسمها أن بلاده "تخطط أيضاً لتزويد تل أبيب بقطع إضافية من نظام الدفاع الصاروخي، القبة الحديدية الأميركية، الموجودة حالياً في مخزونها، للمساعدة في تعزيز قدراتها الدفاعية الجوية وحماية المواطنين الإسرائيليين من الهجمات الصاروخية". وكانت صحيفة "تليغراف" البريطانية نقلت في تقرير لها أن إسرائيل ستستخدم "القنابل الإسفنجية" لمواجهة شبكة أنفاق حركة "حماس" في قطاع غزة، مشيرة إلى أن الجيش الإسرائيلي يجري اختبارات لتلك القنابل الكيماوية التي لا تحتوي على متفجرات، لكنها تستخدم لسد الفجوات أو مداخل الأنفاق التي قد يخرج منها المسلحون، وتابع التقرير أن هذه القنبلة تشكل خطراً على من يستخدمها أيضاً، إذ فقد بعض الجنود الإسرائيليين بصرهم بسبب سوء التعامل مع الخليط الذي بداخلها، غير أن الجيش الإسرائيلي لم يعلق على استعمال ما يسمى "القنابل الإسفنجية".
الجنرال جيمس غلين
وتزامناً مع الحديث عن التكتيك الممكن اتباعه في حرب غزة، نقل موقع "أكسيوس" الأميركي في تقرير له الأربعاء الماضي بعنوان "خلف الستار: داخل استراتيجية بايدن البطيئة في الشرق الأوسط"، مخاوف مسؤولين أميركيين تحدثوا إلى الموقع، إضافة إلى الخبير في شؤون الشرق الأوسط باراك رافيد، تتمثل في أن بايدن يريد أن يخرج حوالى 500 مواطن أميركي محاصرين في غزة قبل اشتداد القتال ويعود ذلك جزئياً إلى أن "حماس" تمنع الأميركيين من المغادرة. ويتحدث التقرير عن أن بايدن قدم دعماً عسكرياً وشعبياً، منها الزيارات العالية المستوى التي قام بها هو بنفسه ومسؤولون في الإدارة الأميركية لكسب الوقت في غزة، حيث إن الولايات المتحدة لا تريد أن تتصرف تل أبيب بطريقة متهورة، أو من دون أخذ مخاوفها في الاعتبار، وذلك على رغم دعم بايدن الكامل لإسرائيل وحقها في ضرب "حماس".
ووفقاً لباراك رافيد فإن "بايدن يريد تسليم مزيد من المساعدات لتصل إلى أكبر عدد ممكن من الفلسطينيين للحد من الأزمة الإنسانية وردود الفعل العالمية العنيفة"، وتتمثل هواجس بايدن، وفقاً للموقع الأميركي، في أن يؤدي الهجوم السريع والمتهور على غزة إلى دخول إسرائيل في معركة شوارع دامية طويلة يمكن أن تودي بحياة عشرات آلاف الأشخاص ومن دون أن تنجح في تدمير "حماس"، مما قد يدفع "حزب الله" وغيره من الجماعات المدعومة من إيران إلى الانضمام للحرب مع احتمال تعرض الأميركيين في المنطقة للخطر، أو القيام بمهاجمة إسرائيل، وفقاً للمسؤولين الأميركيين الذين تحدثوا إلى الموقع.
وفي استنتاج لما بين السطور لكاتبي تقرير "أكسيوس" جيم فندهاي ومايك ألين، شارك الرئيس الأميركي نتنياهو مخاوفه في شأن الخطة الإسرائيلية للهجوم البري على غزة، إذ إن بايدن يريد أن يكون الاجتياح الإسرائيلي أقرب إلى ما حدث في الموصل عام 2016 وليس الفلوجة في 2004. ولهذا السبب أرسل الجنرال جيمس غلين، وهو من قدامى المحاربين في الموصل، لتقديم المشورة إلى الإسرائيليين في شأن تخطيطهم العسكري.
ووفقاً لمعلومات "أكسيوس" فإن وزير الخارجية أنتوني بلينكن قال لمجموعة من القادة اليهود الأميركيين الإثنين الماضي "نحن لا نقيد إسرائيل أو نخبرها بما يجب أن تفعله، نحن فقط نطرح أسئلة صعبة، ونقدم أفضل نصائحنا بناءً على تجربتنا الخاصة".
وكان الموقع أفاد في وقت سابق بوجود عدد من ضباط "المارينز" في إسرائيل برئاسة الجنرال جيمس غلين الذي شارك في العمليات العسكرية ضد "داعش" في العراق، علماً أن شبكة "سي أن أن" الإخبارية الأميركية كشفت كذلك عن هذا الأمر وأوردت أن غلين هو القائد السابق لقيادة العمليات الخاصة للقوات البحرية الذي يتمتع بخبرة كبيرة في حرب المدن في العراق، بخاصة في الفلوجة وقاد بعضاً من أكثر المعارك دموية هناك بين القوات الأميركية والمقاتلين العراقيين، وهو يشغل منصب نائب القائد لشؤون القوى العاملة والاحتياط في مشاة البحرية منذ أكتوبر (تشرين الأول) 2022 وتولى قيادة العمليات الخاصة لقوات مشاة البحرية الأميركية من يونيو (حزيران) 2020 وحتى مايو (أيار) 2022 (MARSOC).
وكان قائد مشاة البحرية الأميركية الجنرال إريك سميث أعلن للصحافيين في واشنطن أمس الجمعة أن "غلين عاد للوطن"، قائلاً إن "جيم في المنزل، لقد تحدثت معه الليلة الماضية"، وأضاف "ذهب اللفتنانت جنرال غلين لتقديم المشورة، ولكن لا يخطئن أحد أن ما تكشف أو يتكشف أو سيتكشف في غزة هو قرار إسرائيلي بحت... قدم خبرته كمخطط رئيس لأول قوة استكشافية بحرية تدخل معركة الفلوجة، لقد طُلب منه أن يذهب ويقول ’هذا ما تعلمته‘... لذا، نسمي ذلك تبادلاً عسكرياً محترفاً. ولقد انتهى، وعاد الآن وقدم خبرته ليتم الأخذ بها أو عدم الأخذ بها"، وفقاً لما نقلت شبكة "سي أن أن".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
لماذا يتخوف بايدن من سيناريو الفلوجة؟
وكانت صحيفة "واشنطن بوست" أشارت في تقرير لها في الـ17 من أكتوبر الجاري إلى أنه فيما يتهيأ الرئيس بايدن لزيارة إسرائيل، يعمل قادة الجيش الأميركي الذين "يحملون ذكريات حية عن معارك الفلوجة عام 2004 ومعركة أخرى في الموصل، على تقديم الدروس المستفادة من المعركتين لنظرائهم الإسرائيليين"، ونقلت شبكة "سي أن أن" الأربعاء الماضي عن مصادر قولها إن مسؤولين عسكريين أميركيين يحاولون إبعاد إسرائيل من ذلك النوع من القتال في المناطق الحضرية الذي شاركت فيه الولايات المتحدة خلال حرب العراق، في محاولة لمنع الإسرائيليين من التورط في قتال دموي من منزل إلى منزل أثناء قيامهم بغزو العراق خلال الاستعداد للهجوم على غزة، ويستشهد المستشارون العسكريون الأميركيون في إسرائيل بالدروس المستفادة على وجه التحديد من معركة الفلوجة عام 2004، وهي واحدة من أكثر المعارك دموية في حرب العراق، عبر تقديم المساعدة للقوات الإسرائيلية على وضع عدد من الاستراتيجيات المختلفة لهزيمة "حماس".
ووفقاً للشبكة الأميركية، فإن المستشارين العسكريين الأميركيين يحثون الإسرائيليين على استخدام مزيج من الضربات الجوية الدقيقة والعمليات الخاصة، بدلاً من شن هجوم بري واسع النطاق على غزة الذي قد يعرض الرهائن والمدنيين للخطر ويزيد من تأجيج التوترات في المنطقة، ويعتمد المستشارون الأميركيون على الاستراتيجيات التي طوِّرت خلال المعركة التي شنتها قوات التحالف بقيادة الولايات المتحدة لاستعادة مدينة الموصل العراقية من تنظيم "داعش" في 2016 والتي اعتمدت بشكل أكبر على قوات العمليات الخاصة، إذ إن التنظيم كان أقام أنفاقاً في جميع أنحاء الموصل واستخدم المدنيين كدروع بشرية، مما جعل القتال من أجل استعادة المدينة أصعب وأطول مما كان متوقعاً.
غزة ساحة معركة حضرية معقدة
وفي دراسة نشرها "معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى" لمايكل نايتس، المتخصص في الشؤون العسكرية والأمنية للعراق وإيران ودول الخليج في الـ13 من أكتوبر الجاري بعنوان "التحدي الذي تطرحه حرب المدن في غزة: الدروس المستفادة من الموصل والرقة"، يقول نايتس "من الحكمة أن يراجع المسؤولون والمراقبون الدروس المستفادة من ساحات المعارك الحضرية الأخرى التي خيضت أخيراً"، ويتابع أن "الاختلافات وأوجه التشابه بين ظروف ساحة المعركة في المناطق الحضرية في غزة والعراق وسوريا توفر لصناع القرار السياسي في الولايات المتحدة رؤية واقعية ولكن واضحة حول ما سيلتزمون به بالضبط في دعم الحملة البرية الإسرائيلية"، ويقارن الباحث بين ساحة المعركة والخصم في غزة، لافتاً إلى أنه "من المفيد كخطوة أولى مقارنة غزة وقواتها المعنية مع ساحات المعارك الأخرى والمقاتلين الآخرين في المناطق الحضرية. فمع أن مساحة قطاع غزة تبلغ 363 كيلومتراً مربعاً بالإجمال، يشير تعدد المناطق شبه الحضرية ذات الكثافة الأدنى التي تقع ضمنه إلى أنه من الأدق اعتبار ساحة المعركة الحضرية كشبكة مؤلفة من أربع إلى ست مناطق أصغر حجماً، وأكبرها مدينة غزة التي تغطي نحو 52 كيلومتراً مربعاً، إضافة إلى عدد من المناطق التي تبلغ مساحتها 13 كيلومتراً مربعاً، على سبيل المثال خان يونس ورفح. وهذا يجعلها أصغر حجماً إلى حد ما من ساحتي المعارك الحضرية السابقة في شرق الموصل وغرب الموصل في العراق (حوالى 77.7 كيلومتراً مربعاً لكل منهما)، وذات مساحة موازية تقريباً لمساحة الرقة في سوريا، أي ’العاصمة‘ السابقة لداعش، إلا أن عدد سكان غزة البالغ نحو مليوني نسمة يعادل عدد سكان الموصل عام 2014 تقريباً، عندما سقطت المدينة في أيدي التنظيم".
ويرى نايتس أن "غزة تتفوق إلى حد كبير على غيرها من بيئات المعارك الحضرية الأخيرة من حيث الكثافة السكانية"، مستدركاً أنه "من غير الواضح ما هو عدد السكان الذين سيبقون هناك بعد أمر الإخلاء الإسرائيلي وبداية المعركة"، ويعتبر أن "غزة ساحة معركة حضرية معقدة بصورة غير عادية، بما في ذلك على صعيد البعد الثالث لأنها تضم نحو 60 مبنى بارتفاع ستة طوابق أو أكثر، مقارنة بعدم وجود أي من هذه المباني تقريباً في معركة الموصل بين عامي 2016 و2017 ومعركة الرقة عام 2017".
ويرى نايتس أن "حماس استثمرت جهداً هائلاً في تطوير أنفاق عسكرية تحت القطاع، مما أدى إلى توسيع مساحة المعركة المحتملة إلى حد غير معروف. وإذا أخذت كل هذه العناصر في الاعتبار، يجب للاستيلاء على البقع الحضرية كافة في غزة، تنفيذ عملية معادلة لمعركة واحدة بحجم معركة غرب الموصل، إضافة إلى معركة أو معركتين بحجم معركة الرقة".
وكان الرئيس السابق لجهاز الاستخبارات البريطانية والسفير البريطاني السابق لدى الأمم المتحدة جون ساور حذر إسرائيل من مغبة التورط في اجتياح غزة برياً، وقال في مقالة نشرت في صحيفة "فايننشال تايمز" البريطانية إن "القتال الحضري صعب، وشهدنا في حلب وماريوبول كيف سويت مدن بأكملها لهزيمة قوة متحصنة بها... واستغرقت استعادة الموصل من داعش بقوات تقودها الولايات المتحدة تسعة أشهر وكلفت آلاف القتلى المدنيين". وأشار إلى أن "كبار المسؤولين الأمنيين في إسرائيل يعرفون أن هدف تدمير حماس نهائياً غير متاح على الأرجح، وتل أبيب ليس لديها الوقت اللازم وتعلم قواتها العسكرية أنها ستواجه مطالب بوقف إطلاق النار في وقت مبكر من الحرب".
ويرى مايكل نايتس أن الأيام الأولى التي شن فيها الجيش الإسرائيلي ضرباته على غزة تشير إلى أن إسرائيل مستعدة لإحداث أضرار مادية هائلة سعياً إلى تحقيق أهدافها العسكرية، وحتى لو تغير ذلك في بداية المرحلة البرية، إلا أن كل معركة حضرية تنتهي بالاختيار بين إنقاذ البيئة المادية وإنقاذ أرواح القوات الصديقة. فعند مواجهة مثل هذا القرار، يلجأ المهاجمون عموماً إلى الخيار الأخير، بخاصة حين يشعرون بالتعب. ويتابع أنه في معركة غرب الموصل التي تعتبرها الوكالات الإنسانية معركة مدمرة للغاية، أكدت الأمم المتحدة أن أكثر من 13 ألف مبنى هُدمت أو أصبحت غير صالحة للسكن خلال حوالى 180 يوماً من المعارك، وفي منطقة الرقة الأكثر اكتظاظاً بلغ العدد 11 ألفاً، أو 80 في المئة من مباني المدينة خلال 90 يوماً، وفي غزة أفادت السلطات المحلية بأن 535 مبنى دُمرت أو أصبحت غير صالحة للسكن بعد خمسة أيام من الحرب، إذ شنت القوات الإسرائيلية حوالى 2000 غارة جوية حتى الآن، بتقدير 400 غارة إسرائيلية كل يوم في فترة بداية الصراع، وفقاً للباحث، وزيادتها إلى 750 غارة في الـ12 من أكتوبر الجاري. ويفيد نايتس بأن "الأضرار في غزة ستضاهي تلك التي لحقت بالموصل والرقة، أو ستفوقها في النهاية على الأرجح".