Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

الشظايا أخطر من الانفجار... أزمات الأقاليم براكين دولية

عندما يصبح العنف "قابلة التاريخ والجغرافيا" من بحر الصين الجنوبي إلى جبهات أوكرانيا وصولاً إلى ميادين غزة

غالبية الحروب التي شهدها العالم بعد الحرب العالمية الثانية أمكن بقاءها ضمن الحيز الإقليمي لكن الوضع الآن تغير (غيتي)

ملخص

عندما يصبح العنف "قابلة التاريخ والجغرافيا" من بحر الصين الجنوبي إلى جبهات أوكرانيا وصولاً إلى ميادين غزة

مع نهاية الحرب العالمية الثانية، ارتفع شعار مؤداه "لاعدالة لا سلام"، بمعنى أنه إن لم يتم التوصل إلى عدالة شبه كاملة، وإغلاق تام للملفات التي كانت سبباً في النزاعات الإقليمية، فإنها ستتحول من تلقاء ذاتها إلى مواجهات أكثر حدة وأوسع رقعة جغرافية، ومن هنا يمكن للمرء أن يتفهم الأهمية التي مثلتها محاكمات "نورمبرغ"، بعد المواجهات التي دامت لست سنوات بين دول المحور ودول الحلفاء.

والشاهد أن غالبية إن لم يكن كل الحروب التي شهدها العالم بعد الحرب العالمية الثانية، أمكن بقاءها ضمن الحيز الإقليمي، بما في ذلك الحروب العربية – الإسرائيلية، غير أن هذا النهج من المواجهات المسلحة حول الكرة الأرضية، تبدو وكأنها تمضي في طريق آخر أخيراً، وذلك بعد أن باتت مواجهات عدة تتحول من السياق الإقليمي، إلى النطاق الأوسع ديموغرافياً وجغرافياً، ما يطرح علامة استفهام في الطريق عن حتمية تحول أزمات إقليمية إلى صراعات دولية.

يعن لنا التساؤل، ما السبب وراء هذا التحول الملحوظ، وهل الأمر مرجعه غياب آليات تسوية النزاعات، أم أن السياقات العولمية عينها، هي من تدفع في تشابك المصالح للدول والشعوب، ما يدفع المحلي إلى المستويات الإقليمية، ويجعل من الأخيرة منصات انطلاق لصراعات أممية أوسع وأخطر.

في هذه القراءة نحاول التوقف أمام ثلاثة نماذج لتلك الصراعات، التي تكاد تتحول إلى أزمات كبرى تهدد أمن وسلام العالم.

البداية من عند الأزمة الأوكرانية، التي لا تنفك تنذر وتحذر من تحولها إلى حرب عالمية، ومواجهات بالأسلحة النووية متجاوزة التقليدية.

والإشكالية الثانية، تتمثل في المواجهات المفتوحة في بحر الصين الجنوبي، هناك حيث بكين تعتبر المياه إقليمية ينبغي لها أن تبسط سيطرتها عليها، وهو ما تنكره عليها الولايات المتحدة الأميركية.

فيما النموذج الثالث الأقرب لأعيننا والقائم بين ظهرانينا هو الأزمة الحادثة أخيراً في غزة، التي تكاد تنفلش مهددة بتوسيع سياقات الحرب في المنطقة.

ما الذي تجري به المقادير لتتحول الأزمات إلى صراعات دولية على هذا النحو المخيف، التي تجعل من الشظايا المتناثرة أشد خطراً من بؤرة الانفجار نفسه؟

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

نقاط ملتبسة وكرات لهب مشتعلة

بالعودة إلى صفحات التاريخ، فإن المرء يجد تعبيراً مشتركاً فيها جميعاً، يعرف الجميع كيف تبدأ الحروب، لكن لا يعرف المرء كيف تنتهي.

من هنا نفهم أن المقدرة على التحكم في مسيرة العنف، وحال اشتعال النيران وتدحرج كرة اللهب، أمر صعب للغاية، حين تتوالد حركيات عديدة، يتغير معها الفاعلون، وتتبدل وتتعدل فيها الأهداف صباح مساء كل يوم في كل حرب.

ولعل النقطة الجوهرية الأولى التي تحول الحروب من محلية إلى إقليمية، وما يهدد بجعلها عالمية، هو ظهور لاعبين جدد على خريطة الصراع الاستراتيجية، لاعبين كانوا مستترين إلى وقت قريب، ولم يكن حضورهم واضحاً، وإن كانت أصابعهم الخفية ظاهرة للذين لديهم علم من كتاب الدسائس والمؤامرات، أو بلغة أكثر موضوعية، الذين يعلمون بواطن الاستراتيجيات الدولية، وكيف يمضي عالمنا المثير.

تتحول الحروب كذلك من صراعات محلية إلى إقليمية كبرى، حين تنعدم استراتيجيات الخروج الواضحة للأطراف كافة، حيث تتحرك الحروب في هذه الحالة إلى تدافع للمفاجآت التاريخية، وربما للأقدار الموضوعية، ما يعني أن مساحة انتشار النيران تتسع من غير هدى، ولا أدنى مقدرة على الوقوف في وجه المجهول، وهو من أخطر الأوضاع في الحروب، حيث يستشعر الجميع الخطر، في حين لا يمكن لأحدهم التنبؤ بمقبل أيامه.

ومن بين الأسباب التي تزخم تحول الحروب من إقليمية إلى دولية، الإدارة غير العقلانية، وتحكم العاطفة في المعارك على الأرض.

هنا ينبغي الإشارة إلى أن الحروب من عند "صن تزو" (المفكر العسكري والاستراتيجي الصيني)، وصولاً إلى كلاوزفيتز (المفكر العسكري والاستراتيجي الألماني)، تعد أداة من بين أدوات إدارة أي صراع سياسي، بالضبط شأنها شأن المفاوضات السياسية، وعلى هذا النحو، فإنه حال غياب الإدارة العقلية الرشيدة، سواء بسبب الضغوطات الشعبوية، أو الاندفاعات العاطفية، يتسع الخرق على الراتق، وتتعذر المصالحة بعد أن تسيل الدماء إلى نقاط أبعد مما كان من المتوجب أن تمضي في طريقه.

وفي الإطار عينه، يمكننا القول إن غياب ما يسمى في الحروب بـ"النقطة أو النقاط الحرجة"، وعدم المقدرة على تحديدها، يعد من الأسباب الرئيسة المرجحة لتوسيع دائرة النار والدمار، ما يسهل انجرار قوى أخرى إقليمية مجاورة، ويفتح الأبواب واسعة لأخرى دولية للانخراط في دائرة الصراع، ما يفتح الأبواب واسعة لمخاطر التصعيد من غير أدنى وعي أو انتباه.

هناك من الأسباب ما هو موصول كذلك بما يعرف بالنتائج غير المقصودة عادة في أي صراع إقليمي، ذلك أن حدوث خطأ ما بشكل عرضي، قد يزيد من احتمالات الحرب الأوسع والأبشع، وغالباً ما تجري المقادير بهذا الطريق حال تناسي ما يسمى بـ"ميزان الانتباه العسكري"، أي تغافل طرف ما عن قدرة الأطراف الأخرى عسكرياً.

كيف يمكن لنا أن نطبق هذه التوجهات النظرية على أرض الواقع؟

الجواب هو بالحديث المفصل عن الأزمات الثلاث المتقدمة كأمثلة ونماذج حية على الهوة الواسعة والمفتوحة للصراعات التي تنحو من عند الإقليمية إلى العالمية.

 أوكرانيا أزمة إقليمية أم دولية؟

يمكن النظر إلى الصراع الروسي الأوكراني أول الأمر على أنه صراع محلي بين دولتين جارتين، بينهما أواصر قربى ومصاهرة ودماء مختلطة.

تحركت روسيا لجهة أوكرانيا بعد أن أيقنت أن هناك أيادي لحلف "الناتو" الغربي تتلاعب بالخريطة الجغرافية، وذلك من خلال محاولة ضم أوكرانيا إلى الحلف، الأمر الذي اعتبره الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، تهديداً استراتيجياً لا يمكن الوقوف أمامه موقف الصامت أو العاجز، وإنما وجب التحرك عسكرياً، ومن هنا كان التدخل العسكري في فبراير (شباط) 2022 على النحو الذي تابعه العالم على الشاشات.

مع اندلاع أعمال الحرب، بدت المعركة وكأنها تخرج حكماً، ويوماً تلو الآخر، عن نطاق الصراع التقليدي بين الجارين اللدودين، فقد انغمس معسكر "الناتو" في الأزمة إلى جانب أوكرانيا.

كان من الواضح أن اتساع دائرة الصراع بين روسيا من جهة، وأوكرانيا المدعومة من الحلفاء الأوروبيين والأميركيين من جهة ثانية سوف يتمدد، فقد رد الغرب عبر حرب اقتصادية شاملة، بل ومدمرة، من خلال حزم عقوبات نارية غير مسبوقة حلت على رأس الاقتصاد الروسي، بأمل ضعضعة أركان الدولة، وذلك من خلال عزل روسيا عن محيطها الإقليمي ونطاقها الدولي، أملاً  في أن يزعزع ذلك استقرارها السياسي والاجتماعي، وبهدف تأجيج جماعة "السيلوفيكي" المحيطة ببوتين، لدفعه خارج الكرملين، وإنهاء الأزمة، وإعادة نسج ما جرى مع الاتحاد السوفياتي في زمن غورباتشوف.

على أن ذلك الحصار الاقتصادي المفروض على روسيا لم تطل نتائجه الروس فحسب، ذلك أنه حال نظرنا إلى الخريطة العالمية، سنجد أن عديداً من البلدان وثيقة الصلة بموسكو، تجارياً وسياحياً، قد عانت وستعاني من الارتدادات الطبيعية للعقوبات الاقتصادية.

عطفاً على ذلك فإن دائرة الصراع غير المباشرة التي تجعل من الأزمة الروسية الأوكرانية، ميدان ضرب نار لأمم وجماهير غفيرة أخرى، باتت تشمل أسعار الغذاء والوقود في عديد من البلدان، ويكفي المرء النظر إلى ساحة الحبوب وكيف تأثرت الدول التي كانت تعتمد على استيراد القمح من أوكرانيا ومن روسيا نفسها.

من هنا تبدو دائرة الصراع أبعد من الواقع الإقليمي، حيث تطال النيران أطرافاً عالمية أخرى من الناحية الاقتصادية، وتؤثر في "آفاق الاقتصاد العالمي"، وعلى المدى البعيد قد تفضي الحرب  الروسية – الأوكرانية، إلى تبديل النظام الاقتصادي والجغرافي – السياسي العالمي من أساسه، إذا حدث تحول في تجارة الطاقة، وأعيدت تهيئة سلاسل الإمداد، وتجزأت شبكات المدفوعات، وأعادت البلدان التفكير في حيازاتها من عملتها الاحتياطية.

على أن علامة الاستفهام التي لا تنفك الألسنة تتحدث عنها، هل الصراع الأوكراني مرشح لاتساع أشمل ليصل إلى حرب عالمية؟

الحرب الكونية والصراع الأوكراني

ربما لم تتناول البشرية حديث المواجهات العسكرية الدولية، وأزمات الحرب العالمية منذ أوائل الستينيات، حين نشبت الأزمة الكبرى بين الولايات المتحدة والاتحاد السوفياتي من جراء أزمة صواريخ كوبا، بالقدر الذي تناولته به في العام ونصف الماضيين، أي منذ أن تحركت الأرتال العسكرية الروسية لجهة كييف.

يتساءل الجميع، هل رقعة الصراع الأوكراني مقدر لها أن تتحول إلى صراع عالمي نووي؟

قطعاً لا أحد راغب في الوصول إلى تلك النقطة الحرجة، غير أن النقطة عينها قد تسعى هي بذاتها، وعند لحظات معينة من سخونة الرؤوس إلى البشرية شرقاً وغرباً.

تبدو القواعد الحاكمة للمواجهة المسلحة مع روسيا الاتحادية القوة النووية الثانية، وربما الأولى عالمياً من حيث عدد الرؤوس غير قابلة للهزيمة، وهذا ما يعرفه المعسكر الغربي تمام المعرفة.

اليوم وبعد نحو عام ونصف تقريباً من الصراع، لا تزال الولايات المتحدة الأميركية دافعة في طريق تعميق الصراع من خلال زخم أوكرانيا بأسلحة تقليدية، ودعم اقتصادي غير مسبوق منذ زمن خطة مارشال.

لكن على رغم ذلك، فإن هناك علامات حمراء يدركها  صناع القرار، ويتفهمها العسكريون الأوروبيون والأميركيون،  حال تجاوزها يمكن أن يجعل من تهديدات ديمتري ميدفييف، نائب رئيس مجلس الأمن القومي الروسي، والرئيس السابق لروسيا، بشأن استخدام السلاح النووي أمراً حاضراً على الخريطة، لتنحو الأزمة من صراع جيران حدودي جغرافي إلى صراع نووي عالمي، لن يوفر أياً من الأطراف المنضوية في الصراع أو حتى البعيدة منه، سيما الأطراف المرشحة للقطبية، كما الحال مع الصين، التي تبقى بدورها مرشحة لمواجهات مماثلة، تفتح فيها  الثغرات الإقليمية، أبواباً جهنمية للصراعات العالمية... ماذا عن هذا الخطر بنوع خاص وبمزيد من التحليل والتفكيك؟

بحر الصين الجنوبي بؤرة خطر عالمي

الحديث عن الصراعات الإقليمية التي لا تنفك تتحول إلى أزمات وحروب دولية، لا يوفر بؤرة خطر قاتلة متمثلة في بحر الصين الجنوبي، حيث تشمل النزاعات الإقليمية كلاً من المطالبات الجزرية والبحرية بين دول عدة ذات سيادة في المنطقة، وهي سلطنة بروناي، وجمهورية الصين الشعبية، وتايوان، وإندونيسيا، وماليزيا، والفيليبين، وفيتنام.

يمر ما يقدر بنحو 3.37 تريليون دولار أميركي من التجارة العالمية عبر بحر الصين الجنوبي سنوياً، وهو ما يمثل ثلث التجارة الصينية عبر بحر الصين الجنوبي، الأمر الذي يبين الأهمية القصوى لهذا الممر الملاحي العالمي.

واليوم تتجه العلاقات بين الولايات المتحدة الأميركية والصين نحو مزيد من التعقيد في ضوء التنافس الاقتصادي والسياسي التاريخي بين الدولتين، إضافة إلى تنامي التوتر أخيراً حول منطقة بحر الصين الجنوبي الذي تزعم بكين سيادتها عليه.

وبالعودة إلى العام المنصرم 2022، نجد حدوث عديد من المشاحنات بين الدولتين لهذا السبب، بل إنه من المتوقع أن تتزايد وتيرة الصراع بشكل ملحوظ في ضوء جملة من المحفزات الدولية والإقليمية.

تبدو منطقة بحر الصين الجنوبي، لغماً قابلاً للانفجار في أية لحظة، وقد تبادل الجيشان الأميركي والصيني كلمات قاسية نهار 22 نوفمبر (تشرين الثاني) 2022، بعد أن نفذت سفينة حربية تابعة للبحرية الأميركية أول عبور لها في بحر الصين الجنوبي، وذلك منذ التقى قادة القوتين في وقت سابق من الشهر عينه في محاولة لتخفيف التوترات.

في بيان له، زعم الجيش الصيني أن السفينة "يو أس أس تشانسيلور زفيل"، وهي طراد صاروخي موجه، دخلت بشكل غير قانوني المياه بالقرب من جزر ناشا والشعاب المرجانية الصينية دون موافقة حكومة بكين.

أما الجانب الأميركي، فقد وصف من خلال بيان صادر عن الأسطول السابع للبحرية الأميركية تصريحات حساب جيش التحرير الشعبي بأنه "كاذب" واستمرار لتحريف الأعمال الأميركية في بحر الصين الجنوبي.

لا تبدو أزمة بحر الصين الجنوبي أزمة إقليمية فقط، إذ يوماً تلو الآخر تتسع رقعتها لتشمل مزيداً من الأطراف الآسيوية الجارة جغرافياً.

خذ إليك على سبيل المثال ما صرح به وزير الدفاع الياباني "تارو كونو"، في 29 أغسطس (آب) 2020، من أنه اتفق مع نظيره الأميركي "مارك اسبر" على أن البلدين يعارضان أي محاولة أحادية الجانب لتغيير الوضع الراهن في الممرين المائيين الرئيسين في بحر الصين الجنوبي، وبحر الصين الشرقي، والمعروف أن هناك قضية شائكة في علاقات الصين مع اليابان وهي مطالبة بكين بمجموعة من الجزر الصغيرة في بحر الصين الشرقي تسيطر عليها طوكيو، وتعرف هذه الجزر الصغيرة في اليابان باسم "سينكاكو" في حين تطلق عليها الصين اسم "دياويو".

هل السلم الدولي في بحر الصين الجنوبي مهدد بنزاع عسكري ينتقل من مربعات الإقليمية إلى مدارات العالمية؟

غالب الظن أن ذلك كذلك، وليس أدل على صحة هذه المخاوف من تصريحات وزير الخارجية الصيني السابق "وانغ يي"، نهار الثالث من سبتمبر (أيلول) المنصرم، التي شدد فيها على أن ما أسماه "المحاولات التي تقوم بها قوى معينة، من خارج المنطقة، لتقويض السلام في بحر الصين الجنوبي لن تفلح".

الوزير الصيني صرح رسمياً بأنه "لا ينبغي تكرار الحرب الأوكرانية في قارة آسيا، وأنه لابد من تعزيز الأمن الإقليمي، من خلال التعاون والحوار"، والعهدة هنا على صحيفة "غلوبال تايمز" الصينية.

غير أن الرد الأميركي يأتي في صورة تقارير عن الترسانة النووية الصينية المتعاظمة، وهو ما فسره الأميركيون الثقات، بأن الصين "تتحدث بلغة دبلوماسية هادئة"، لكنها في الوقت نفسه لا تمسك فقط بعصا غليظة، وإنما بترسانة نووية، تجعلها لا تخشى المواجهات الأوسع مع "الناتو" عامة، ومع واشنطن بنوع خاص.

ماذا عن النموذج الثالث ضمن نماذج الصراعات المرشحة من الإقليمي إلى العالمي؟

غزة وصراع أبعد من جغرافية القطاع

منذ السابع من أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، حين قامت "حماس" بهجومها المباغت في غلاف غزة، بات التساؤل المطروح على موائد النقاش المحلية والإقليمية والعالمية، هل الصراع مرشح للاتساع أبعد من جغرافية قطاع غزة؟

ربما ليست هذه هي المرة الأولى التي يندلع فيها صراع بين حركات المقاومة الفلسطينية، وفي مقدمها "حماس" و"الجهاد"، وبين القوات الإسرائيلية، غير أن العملية الهجومية الحمساوية هذه المرة، فاقت العمليات التقليدية السابقة كافة، التي كانت تكتفي فيها بإطلاق الصواريخ، أو المناوشات الحدودية المحدودة والمحددة بأطر عسكرية متواضعة.

هنا بدا واضحاً أن ردود الفعل الإسرائيلية، حكماً ستكون على مستوى العملية، بل تفوقها بمراحل متعددة، سيما إذا أخذنا بالاعتبار المواقف الغربية من "حماس".

تبدو البداية من الجانب الإسرائيلي، الذي بدأ في القيام بضربات جوية واسعة النطاق، مستمرة لا تهدأ ليلاً ونهاراً، مع الشروع في عملية غزو برية ستصبح واسعة النطاق بحسب التأكيدات الإسرائيلية، وهو أمر لابد من حدوثه على رغم الإقدام تارة والإحجام تارة أخرى، تبعاً لمستوى المواجهة.

أما الدعم والمساندة العسكرية الغربية، فتتجلى في صورة التحركات العسكرية الأميركية غير المسبوقة منذ حرب أفعانستان واحتلال العراق، ناهيك عن المساندة ربما غير البادية على السطح بقوة من جانب القوات البريطانية، وعدد من الدول الأوروبية.

هل يعني ما يجري أن المواجهة الأعنف والأسوأ مقبلة لا محالة شرق أوسطياً وخليجياً، انطلاقاً من عند كرة غزة الملتهبة بالنار والدمار؟

ربما ينبغي علينا في الملف الغزاوي – الإسرائيلي أن نتنبه إلى أمر مهم وحيوي لا يتواجد في الإشكاليتين السابقتين، أي أوكرانيا وبحر الصين الجنوبي.

تبدو الصراعات السابقة نوعاً من المواجهات السياسية أو العسكرية النسبية، إذ لا يوجد حضور أو نفوذ للطروحات العقائدية ذات الأبعاد الدوغمائية الدينية.

فيما الملف الفلسطيني – الإسرائيلي، تتسع دائرة صدامه عن الطرفين، وتمتد إلى ما حولهما من دول عربية وإسلامية، بعضها ينظر للمشهد على أنه صراع ديني، كما الحال بالنسبة لوجهة نظر إيران، وأطرافها الممتدة والمنتشرة، وباتت تحارب عنها بالوكالة، كما الحال مع الحوثي في اليمن، و"حزب الله" في لبنان الذي يشارك في المعركة بحساب ويراهن على انخراطه البعض بحساب آخر، ومن غير أن نوفر جماعات مثل الحشد الشعبي في العراق وميلشيات شبيهة في سوريا وغيرها.

من هنا يبدو التساؤل المطروح على مائدة النقاش، هل القوات الغربية، أميركية وأوروبية التي تتداعى إلى المنطقة هدفها الأزمة في غزة أم الانتظار على الأبواب للتدخل حال تنفتح على صراع أكبر؟

ثم يبقى البعد الآخر المهم والمخيف في الوقت عينه، ماذا عن الأطراف الأخرى الفاعلة على الخريطة الدولية، لا سيما روسيا والصين؟

يدرك القاصي والداني أن الاستراتيجية الأميركية التي تحكم المشهد الدولي، هي "استراتيجية القرن الأميركي"، ولا يزال الشرق الأوسط والخليج العربي، كتلة ديموغرافية، ومساحة جغرافية وازنة في سياق إعادة رسم الخريطة الأممية الجديدة.

من هنا لا يمكن تصور بقاء موسكو وبكين، مكتوفتي الأيدي حال تمدد الصراع الملتهب من غزة إلى لبنان ثم سوريا، وصولاً إلى  اليمن حيث التهديدات تطال البحر الأحمر، وتشابكاتها مع وضع إيران التي تبدو متحفزة لمعركة قد تكون حاسمة بالنسبة إليها، التي قد يجدها الغرب فرصة لتصفية ملفها النووي، مرة وإلى  أجل بعيد، ومن غير أدنى حاجة لمباحثات عبثية.

المؤكد أن عالمنا المعاصر يعاني من حالة ولادة متعسرة لنظام عالمي جديد، وما تمدد الصراعات الإقليمية إلى مواجهات عالمية، إلا أوقات مخاض، وهو ما يعود بنا إلى ما قاله كارل ماركس ذات مرة من أن "العنف قابلة التاريخ".

المزيد من تقارير