ملخص
يوجد شعب قومية عفر في إثيوبيا وجيبوتي وإريتريا ويعد من بين أقدم شعوب القرن الأفريقي، وهذه أبرز عاداتهم
قومية عفر تمثل إحدى القوميات الرئيسة في إثيوبيا إلى جانب القوميات الكبرى المتمثلة في أرومو وأمهرة وتيغراي والقومية الصومالية، وتتميز عن نظائرها التي تربو على 83 قومية بنظامها القبلي المتأصل في الولاء لسلاطين المملكة من عائلة آل مرح، ويمثل النظام عرفاً سياسياً ظل سائداً لدى القومية لمئات السنين.
القومية في ولائها الوطني خاضعة للنظام السياسي للدولة الإثيوبية شأنها في ذلك شأن أمثالها في الأقاليم الـ12 الإثيوبية، ولا يزال يحظى نظامها السلطاني بالاعتراف من كل الأنظمة السياسية التي مرت على إثيوبيا.
تشير الروايات التاريخية إلى أن أصول القومية العفرية يرجع إلى القحطانية من مهرة اليمن، كانوا يسمون في اليمن وشرق السودان الكبير بـ"الدناكل"، نسبة إلى ملك كان يحكم المثلث العفري اسمه دنكلي بن ملكان.
نزحت القبيلة من اليمن إلى القرن الأفريقي قبل أربعة آلاف سنة واستقر أهلها في أجزاء من جيبوتي وإثيوبيا وإريتريا وشرق السودان وكانوا في القديم يدينون بالوثنية، ثم أصبحوا مسلمين بعد مجيء الإسلام خلال الهجرة الأولى.
أقدم الشعوب
تصفهم بعض الروايات كونهم من أقدم الشعوب الحامية، وتفيد بأنهم انتشروا منذ آلاف السنين في منطقة القرن الأفريقي على امتداد سواحل البحر الأحمر وتضم بلادهم المنخفض الأفريقي الأعظم. فبينما ظلت هضبة الحبشة تسكنها عناصر ذات أصول (سامية). كانت بلاد الدناكل وبلاد الزيلع الممتدة إلى شرق وجنوب شرقي الهضبة الاثيوبية تسكنها العناصر (الحامية).
يقول المؤرخ الدكتور رجب محمد عبدالحليم، "ظهر التمييز واضحاً في تاريخ منطقة القرن الأفريقي، فقد غمر الإسلام المناطق ذات الأصول الحامية، وأصبح يطلق على هذه المناطق بلاد الزيلع، ونشأت فيها سلطنات وممالك إسلامية مثل سلطنة شوا وسلطنة أوفات وسلطنة عدل وممالك هدية وبالي وشرخا وداره".
يضيف، "كان الأحباش يتركزون فوق الهضبة نفسها، فيما كان يعرف بإقليم تيغراي وأمهرة وقجام وشوا، وهذه الاقاليم يدين أغلب أهلها بالمسيحية ويتكلمون الجعزية والتيغرية والأمهرية وتحتوي على أقليات إسلامية ووثنية".
ويوضح "يفهم من كلام الحيمي الذي زار بلاد الحبشة عام 1648، أن بلاد الحبشة النصرانية هي البلاد الجبلية التي تبعد من البحر الأحمر مسيرة شهر، كتمييز لها عن أراضي الدناكل (العفريين)، والزيالع وهم الصوماليون، وكانوا يعرفون أيضاً بالبرابر (نسبة إلى ميناء بربرة)."
ظل للعفر سلطنات وإمارات في القرن الأفريقي تحكم قبائلهم امتدت لفترات متعاقبة إلى القرون القريبة الماضية، ولا تزال بقاياها الحالية ممثلة بعائلة آل مرح في إثيوبيا، وكانت هذه الإمارات مستقلة استقلالاً تاماً عن الحبشة حتى أن بعض الدول الأجنبية والعربية كتركيا ومصر والسودان واليمن، كانت تعقد اتفاقيات مباشرة مع السلاطين العفريين.
قواسم مشتركة
يوجد العفريون في كل من إثيوبيا وجيبوتي وإريتريا فى المنطقة المسماة بالمثلث العفري، على امتداد ساحل البحر الأحمر من الجانب الأفريقي إلى هضبة الحبشة، ويتجاوز تعدادهم سبعة ملايين نسمة بالعادات والتقاليد نفسها والولاء المطلق للسلطان في إثيوبيا، التي يشكلون فيها ما نسبته أربعة في المئة من عدد السكان البالغ (127.571.785)، فيما تصل نسبتهم في إريتريا 10 في المئة من السكان البالغ عددهم (3.770.953) ويعيشون في منطقة دنكلاليا الممتدة من مصوع إلى حدود جيبوتي، أما في جيبوتي فيمثل العفريون نسبة تقارب 50 في المئة من السكان البالغ عددهم مليوني نسمة، ويسكنون غالبية مناطق جيبوتي بخاصة في مناطق تاغورة وأبيخ ودخيل.
يمارس العفريون الرعي والزراعة وصيد الأسماك وتبخير الملح واستخراج الأحجار الكريمة من منطقة البحر الأحمر، وامتداداتها.
ويقال إن الموقع الجغرافي الاستراتيجي للعفر على البحر الأحمر، وباب المندب كان في القديم المعبر الذي عبر به الفوج الأول من الصحابة (رضوان الله عليهم) إلى ديار ملك الحبشة النجاشي، ويرجع الفضل للعفريين الذين أسلموا منذ دخول الإسلام إلى أرض الحبشة في سلامة أهل الهجرة الأولى، وتقول بعض الروايات إنهم اعتنقوا الاسلام أوائل القرن العاشر الميلادي نتيجة الاتصال مع التجار العرب.
بيئات بركانية
يقع الإقليم العفري الإثيوبي شمال شرقي الهضبة الإثيوبية، وتمثل مدينة سميرا عاصمته، الذي تحده من الشمال إريتريا، ومن الجنوب الصومال الغربي، ومن الشرق جيبوتي، ومن الغرب أجزاء من إقليم أروميا، بينما تتمدد الجغرافية السياسية للمنطقة العفرية المسماة (المثلث العفري) لتشمل جيبوتي وأجزاء من إريتريا، وجميع هذه المناطق ذات ولاء خاضع لسلطان العفر في إثيوبيا.
ويمتاز إقليم عفر بموارد معدنية وفيه مناطق سياحية متعددة، وامتدادات المنطقة العفرية تزخر ببيئات صحراوية وبركانية، وتعد صحراء دناكيل من المناطق الأكثر حرارة في العالم، على انخفاض 100 متر تحت سطح البحر، وهذه المنطقة معروفة بمناجم الملح وببراكينها وحيواناتها البرية وفيها عدد من البحيرات الغازية.
ويتوجه إلى منطقة البركانية المشهورة بجبل الدخان عادة المئات من السياح والعلماء والأثريين للاستكشاف العلمي والأثري، ويشاهدون بركان دالول، الذي يقع في منخفض بمنطقة نائية تخضع لأعلى متوسط درجات الحرارة على كوكب الأرض، ويشمل بركان دالول الجبل، الذي يرتفع لنحو 50-60 متراً فوق سهول الملح المحيطة به.
وتوصف المنطقة العفرية بطبيعتها الغريبة كونها مهد الإنسان الأول، وقد صادف القرن الماضي اكتشاف الهيكل العظمي الشهير باسم (لوسي)، الذي يعود تاريخه إلى 3.2 مليون سنة.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
أصول عربية
يقول الباحث في الشأن العفري عبدالرحيم نور، يتجاوز تعداد القومية العفرية الآن مليوني نسمة. فيما أجري آخر إحصاء عام 2017 وبلغوا آنذاك (1.812000)، جميعهم يدينون بالإسلام، ولهم لغتهم الخاصة (اللغة العفرية) وهي ذات مفردات عربية مشتركة في كل المثلث العفري، ويتميزون بصفات نادرة كالزهد والصبر في مسايرة الحياة بحكم البيئة الجافة، ويمتهنون رعاية الإبل والغنم ويتنقلون بها من مكان إلى آخر، وتشكل الإبل والأغنام ثروة رئيسة لأفراد القومية وجزءاً من الحياة الاجتماعية، وتمارس الزراعة على ضفاف نهر أواش، الذي يقع في الجزء الجنوبي، ويصب في سلسلة من البحيرات على طول الحدود بين إثيوبيا وجيبوتي".
يضيف، "الشعب العفري لبعضه أصول عربية، والنسيج السكانى للعفر ذو ترابط وثيق يتكون من العشائر والعائلات، ويوسم العفريون بالشجاعة والكرم، وحياتهم مرتبطة بالتنقل لاجل الكلأ، ويعرفون بصناعة الخيام من الحصير والأخشاب المرنة، والعفريون يميلون لحياة البداوة ويبجلون الفروسية، ومن عاداتهم حمل السيوف والخناجر والتغني بالشعر في الوصف والجماليات".
يتابع الباحث في الشأن العفري، أما النساء في القومية العفرية فلهن مسؤولية اجتماعية كبيرة، ففي حياة الأسرة يوكل إليهن حلب الإبل والأغنام إضافة إلى الواجبات المنزلية من طهي وغيره، ويعملن في الأسواق في بيع الملح المستخرج من الصحراء إلى جانب حليب الإبل والجلود كما يعملن إلى جوار الرجال في الزراعة.
ويشير إلى أن "للعفريين أزياء خاصة بهم تميزهم عن بقية القوميات الأخرى، يلبس فيه الرجال قميصاً طويلاً فضفاضاً إلى جانب المعوز العفري، أو السروال، ويضعون المشط على شعرهم الكثيف، ويتوشحون إلى جانب ذلك بالخناجر معلقة في حزام جلدي عريض يحيط الخصر، ويحمل بعضهم السيوف أو العصي الغليظة كزينة خاصة في الأعياد والمناسبات".
ويضيف نور، "عادة ما ترتدي النساء الفساتين المزركشة بألوان جاذبة مع الطرح الطويلة الملونة، ويتزين بالخلاخل والذهب والفضة وبعض المعادن كما يتحلين بالخرز. وتتشابه الثقافة العفرية مع نظيرتها العربية في كثير من الممارسات كعادات الزواج والطقوس المتبعة في تزيين العروس واستخدام المجوهرات والحلى للزينة".
يذكر أن "من العادات المشاهدة عند النساء العفريات استخدام خلاصات منتجات الألبان كالزبد والسمن في تصفيف شعرهن، وتلجأ النساء عادة لتغطي شعر أبنائهن بالزبد لتطويله وتسهيل تصفيفه. وللشعر سواء للنساء أو الرجال قدسية تراها في تربيته كثيفاً والاعتناء به".
سلطان أواسا
ويوضح نور "تاريخ سلطنة العفر في عهدها الحديث يرجع إلى القرن التاسع عشر إبان عهد السلطان الأكبر محمد حنفري (سلطان أوسا). وخلال تلك الفترة جمع بين السلطان العفري والإمبراطور منليك الثاني ملك الحبشة علاقة احترام كتأكيد على استقلال الإقليم العفري والاعتراف به. وعلى عهد الامبراطور هيلاسلاسي ظل السلطان علي مرح، حاكماً ومشرفاً على رعيته وراعياً لتطوير الإقليم داخل الدولة الإثيوبية، ويمثل السلطان الحالي أحمد علي مرح الذي تم تنصيبه في مارس (آذار) الماضي، السلطان الخامس عشر في ترتيب سلاطين سلطنة أوسا التي تعود إلى عام 1734".