ملخص
إريتريون هربوا من "داعش" وباتوا يزرعون المحاصيل لمساعدة الإسرائيليين.
يعرف برهان نيغاسي معنى الإرهاب أكثر من أي كان، كونه قرر السفر من إريتريا إلى إسرائيل بحثاً عن بر أمان، فباعه مهربو بشر، وتنقل [أسيراً]، شأنه شأن مجموعة من الأشخاص الآخرين، من عصابة إجرامية إلى أخرى، قبل أن ينتهي بهم المطاف [جميعاً] بين أيادي تنظيم "داعش".
وقد روى محنته قائلاً: "بقيت هذه العصابات تبيعنا في ما بينها من ليبيا إلى مصر. تحولنا إلى عبيد. واجهت النساء والأطفال معاملة سيئة جداً. مات كثيرون. وانتهى المطاف بعدد منا أسرى في صحراء سيناء. كنا في وضع مزرٍ حقاً، لكنني تمكنت من الهرب".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
"ما إن سمعت بهجوم ’حماس’، حتى قصدت أماكن الاعتداء للمساعدة. لقد اقترفوا المجازر والتعذيب والحرق. ومن وجهة نظري، لقد فعلت هذه المجموعة أسوأ مما فعله تنظيم ’داعش’. وقد تحدثت إلى الآخرين، واتفقنا أنه من واجبنا بذل ما في وسعنا لخدمة هذه البلاد".
وتطوع نيغاسي وأمثاله الإريتريون لمساعدة إسرائيل في جهودها الحربية، فعملوا في المزارع لإنتاج مواد غذائية، بعد أن لاذ العمال الأجانب بالفرار جراء اندلاع الحرب، في حين استُدعي الإسرائيليون إلى الخدمة العسكرية.
وتجدر الإشارة إلى أن نيغاسي، البالغ من العمر 33 عاماً، يترأس منظمة "الأمل الإريتري الجديد" Eritrean New Hope، وهو بين قلة قليلة من الإريتريين الذين حصلوا على الجنسية الإسرائيلية، في حين أن آلاف المواطنين من أمثاله قدموا طلبات جنسية قوبلت بالرفض، أو لا تزال ملفاتهم قيد المراجعة حتى الآن، بانتظار أن تبت السلطات فيها. إلى ذلك، مر عدد من الإريتريين بتجربة مريرة بعد أن فرضت عليهم السلطات الإسرائيلية إجراءات تأديبية وعقوبات.
من جهته يحمل نازريت أديكايه آثار ندوب في أرجاء جسمه. ويقول إنها ناتجة من الضرب المبرح الذي تعرض إليه على أيادي رجال الشرطة، خلال مسيرة احتجاجية للمناشدة باللجوء. لكن بعد اعتقاله وتلقيه تهديدات بالترحيل، قرر نازريت البقاء بعيداً من أنظار السلطات، وعمل جاهداً لتأمين لقمة عيش لنفسه ولأفراد عائلته، مما أرغمه على العمل في السوق السوداء بسبب القيود المفروضة عليه [وعلى أمثاله] في سوق العمل، على خلفية وضع إقامتهم.
ومع أن قرار الخروج من الخفاء قد يدفع بالشرطة إلى التدقيق أكثر في موضوع وجودهم في البلد، يأمل أديكايه ورفاقه أن يساعدهم ذلك على اكتساب حق الإقامة الذي ينشدونه في إسرائيل، بعد مساع مضنية وطول انتظار.
واستطرد قائلاً: "أقيم [في البلاد] منذ 13 عاماً، وقد لحقت بي زوجتي [إلى إسرائيل] بعد وصولي بوقت قصير. ولدي ابن ولد هنا، له من العمر تسع سنوات. ومع أننا واجهنا مشكلات مع السلطات، لكن الشعب الإسرائيلي أحسن معاملتنا. وبما أن البلاد تتعرض الآن للهجوم، نرى أنه من واجبنا تقديم يد العون".
"في حال قرروا ترحيلي إلى إريتريا، سيزجني النظام خلف القضبان، ولن أتمكن يوماً من الخروج. وسيقضون علي. لكن أملنا كبير في أن تلتفت الحكومة الإسرائيلية إلى ما نفعله هنا، وأن تفهم أننا قادرون على مساعدة البلاد، فتمنحنا من ثم إذناً بالبقاء على أراضيها".
واليوم، تعد إسرائيل نحو 21 ألف لاجئ إريتري، خاضوا غمار رحلة محفوفة بالمخاطر، واجتازوا بلداناً في شمال أفريقيا وعبروا الصحراء. وروى هؤلاء أنهم هربوا من خطر يتربص بهم، بدءاً من الاضطهاد، ومروراً بالتجنيد الإلزامي والانضمام إلى جيش شارك في عدد من الحروب.
وكان الإريتريون، ومعهم 6100 سوداني تقريباً، قد بدأوا بالوصول إلى إسرائيل منذ نحو 17 عاماً. وفي البداية، حشد عدد كبير منهم في مركز احتجاز في الصحراء، فيما خضعت طلبات اللجوء التي قدموها لإجراءات مراجعة مطولة. وفي هذا السياق، أعلنت "جمعية الحقوق المدنية في إسرائيل" ACRI، أخيراً: "مع أن الحكومة تقر بأن طالبي اللجوء سيتعرضون للخطر لو جرى ترحيلهم إلى بلدهم الأم، لا تزال إسرائيل ترفض الاعتراف بهم كلاجئين: من ثم غالباً ما تمتنع عن مراجعة طلبات اللجوء التي تقدموا بها".
من جهتها، ترى المحكمة العليا التي تراجع مسألة التعامل مع طالبي اللجوء أنه "في غياب حكم على صلة بملفاتهم، يبقى طالبو اللجوء معرضين، على مر السنين، لـ’معايير اندماج مبهمة’، مما يرغمهم على اختبار حياة قاسية من عدم اليقين".
ويوم الخميس، وصلت إلى مزرعة في كانوت، بمحاذاة جيديرا في جنوب البلاد، حافلات تقل نحو 80 إريترياً، في أولى المحاولات التي يبذلونها لحصاد المحاصيل. والحال أن عمال المزرعة التايلانديين غادروا البلاد جراء مقتل عدد من مواطنيهم في هجوم "حماس"، بعد أن كانوا يعملون في مناطق حدودية، في حين تعرض آخرون للخطف واقتيدوا إلى غزة كرهائن.
وفي كانوت، تلوح في الأفق على الدوام تذكيرات بالحرب، مع تحليق طائرات "أف 16" أثناء توجهها إلى غزة بهدف قصفها، وسماع أصداء انفجارات بعيدة خلف الأفق. وشرح إريتري اسمه أدوناي: "قدمنا إلى هنا هرباً من الحرب في بلادنا، بيد أن بيوت بعض نظرائي [الإريتريين] تعرضت للدمار، كونهم يقيمون بمحاذاة الحدود. من ثم سنشعر جميعاً بأمان أكبر عندما تهزم إسرائيل هؤلاء الناس".
استطراداً، تملك عائلة باراك إلغاهي المزرعة منذ ثلاثة عقود. وقد روى أنه قبل قدوم الإريتريين، كان يراقب المحاصيل وهي تذوي لأن أحداً لم يكن يقطفها. وقال وهو يشير باتجاه حقل من القرنبيط يعمل فيه الإريتريون: "إن هؤلاء الناس أنقذونا. ولولاهم، لذهبت هذه المحاصيل كلها هدراً".
"ومهما شكرتهم، لن يكون ذلك كافياً. من ثم هل يجب أن يحصلوا على حق اللجوء كما يتمنون؟ طبعاً. وليس فقط بسبب ما يفعلونه الآن، لكن أيضاً لأن هذه البلاد بناها أشخاص هربوا من الاضطهاد. فكيف ندير ظهرنا إلى من يواجه وضعاً مماثلاً"؟
بعد أن حشد إلغاهي [العمال] الإريتريين ليعبر لهم عن امتنانه، قال لهم: "لقد قدمتم إلينا لتغيثونا عندما كنا في أمس الحاجة إلى المساعدة، ونحن شديدو الامتنان لذلك، فأنتم وقفتم إلى جانبنا وساندتمونا. من ثم آمل أن تعترف دولة إسرائيل بما تفعلونه. ونحن هنا نعترف طبعاً بما تقدمونه".
حتى وقت قريب من الآن، كان غدي يفاركان واحداً من أصل ثلاثة أعضاء من الكنيست يعود أصلهم إلى أفريقيا جنوب الصحراء. وقد أخبر الإريتريين ومدير المزرعة بأنه يزور المزرعة ليعرض دعمه [على القيمين عليها].
وكان هذا الأخير قد وصل إلى إسرائيل في سن السابعة، مع عائلته اليهودية، قدوماً من إثيوبيا التي انشقت عنها إريتريا في أعقاب حرب دامية. وصرح قائلاً: "يجمعني بهؤلاء الرجال تاريخ مشترك، كان بعضه مشوباً بالعنف". وتابع يقول "لكن هذا كله من أحداث الماضي البعيد. واليوم، يكثر الناس الذين يعود أصلهم إلى دول متحاربة، ممن أصبحوا اليوم [مواطنين] إسرائيليين".
في الواقع، كان السيد يفاركان عضواً في البرلمان الإسرائيلي، فانتمى إلى الحزب الأزرق، وإلى الحزب الأبيض، وفي ما بعد إلى حزب الليكود الذي يتزعمه بنيامين نتنياهو، قبل أن يتنحى. وتابع قائلاً: "ليست إسرائيل دولة محصورة باليهود. بل هي دولة للمسلمين والمسيحيين والملحدين والجميع. وما حصل مع حماس سمح بتسليط الضوء على العدو الغاشم الذي نواجهه".
وقال مستطرداً: "لا بد أن نوحد صفوفنا جميعاً، نحن المقيمين في هذا المكان، بمن في ذلك الإريتريون. فهؤلاء الناس يقدمون مساعدتهم حيث تظهر حاجة ماسة إليها. وبالطبع، إيماني كبير بأنها خير حجة ليصبحوا مواطنين إسرائيليين".
وبدوره، أكد إريتري آخر اسمه هولون تيسفوي أنه لا يؤد المبالغة في التفاؤل بالمستقبل. فقال "نتمنى طبعاً أن تلقى هذه الطلبات قبولاً. لكننا [ندرك] أيضاً أنها قد تواجه رفضاً"، قبل أن يضيف "لكنني لن أعود يوماً إلى إريتريا. فصحيح أن عدداً من سكان إسرائيل باتوا [اليوم] أسرى في غزة. أما في إريتريا، فالشعب بكامله أسير النظام، وهذا ما آلت إليه الأمور هناك".
© The Independent