Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

عرب بدو يقتلون في هجوم "حماس" والآن يطردهم المستوطنون من ديارهم

تبعثرت حياة طوائف البدو العربية منذ السابع من أكتوبر. زار كيم ينغوبتا القرى في جنوب إسرائيل حيث يأمل السكان المحليون بأن تسهم أعمال الإغاثة التي شاركوا فيها في ذلك اليوم في تقبلهم كما جال في الضفة الغربية حيث يتم طرد عائلات البدو بعنف من منازلهم

لقد دمرت منازل طائفة البدو وأجبرت على مغادرة أراضيها في الضفة الغربية (اندبندنت)

ملخص

تبعثرت حياة طوائف البدو العربية منذ السابع من أكتوبر. زار كيم سينغوبتا القرى في جنوب إسرائيل حيث يأمل السكان المحليون بأن تسهم أعمال الإغاثة التي شاركوا فيها في ذلك اليوم في تقبلهم كما جال في الضفة الغربية حيث يتم طرد عائلات البدو بعنف من منازلهم: عرب بدو يقتلون في هجوم "حماس" وينقذون أرواحا والآن يطردهم المستوطنون من ديارهم في الضفة 

استيقظ زكريا أبو جامع مرتجفاً في الساعات الأولى من السابع من أكتوبر (تشرين الأول) جراء الانفجار الضخم الناتج من صاروخ أصاب منزله. وسط ألسنة النار المتصاعدة والركام رأى ابنته الصغيرة مغطاة بالدماء. أصيبت ولكنها ما زالت حية. قربها، كان جسد ابنه يزن البالغ خمس سنوات ممدداً بلا حراك. 

كان الصبي من بين 19 فرداً من طائفة البدو الذين قتلوا في الهجوم الذي شنته "حماس" التي عبرت الحدود إلى الداخل الإسرائيلي وجراء القصف الصاروخي الذي أطلقته من غزة لاحقاً. 

يقول زكريا وهو يمسح الدموع التي انهمرت على خديه: "أصيبت ابنتي نتيجة الزجاج المتساقط من النوافذ. عمرها سنة ونصف السنة وكنا نخشى ألا تنجو. ولكنها ستتعافى والحمد لله. لديَّ ابنتان أخريان وهما بخير أيضاً، ولكن يزن، ابني الوحيد، غادرنا إلى الأبد، أفكر فيه كل الوقت".

وبعد لحظات من التحديق في الفراغ، يشير زكريا إلى منزله المدمر في بلدة عرعرة ويقول "علينا إصلاح كل ذلك وإعادة بنائه، نحتاج إلى مكان نعيش فيه، ولكن كم من الوقت سيمر قبل أن يتكرر ذلك مجدداً وقبل أن ينهار منزلنا من جديد؟ هل ستكون بناتي بأمان هنا؟"

كاد إلياس ابن الـ10 أشهر يصير ضحية أخرى لهذا الهجوم. كان برفقة والديه حميد وفاطمة الطلكات أثناء ذهابهما إلى العمل من عرعرة إلى بلدة أوفاكيم المجاورة عندما نصب لهم مسلحو "حماس" كميناً على دراجات نارية وأمطروا السيارة بوابل من طلقات الأسلحة الرشاشة. 

رمت فاطمة بنفسها على طفلها لحمايته. أصيبت بعشرات الرصاصات ولم تملك أي فرصة للنجاة. تمسك حميد بزوجته فيما نطقت بالشهادة وتمتمتها بصوت منخفض. "ثم أسلمت الروح"، قال حميد: "أعلم أنها كانت تتألم وهي اليوم ترقد بسلام. كانت لنا حياة سعيدة معاً ولكنها انتهت في ذلك اليوم".

أصيب الطفل إلياس بشظايا الرصاص وأراد حميد يائساً إحضار المساعدة لابنه، ولكنه لم يتعلم القيادة وفي كل الأحوال لم تكن السيارة في حالة جيدة للسير. كان إطلاق النار يحصل في كل مكان فلم يجدا ملجأ يحتميان فيه سوى في بناء مهجور. 

ولكن الرعب استمر، فقد وصلت القوات الإسرائيلية واندلع القتال بالأسلحة النارية بينها وبين مقاتلي "حماس" الذين كانوا يختبئون قرب الموقع. للمرة الثانية في ذلك اليوم، اعتقد حميد أنه وابنه سيموتان. أصيب بخدش جراء رصاصة اخترقت الجدران. 

قتل عدد من مسلحي "حماس" فيما فر آخرون. وصلت سيارة إسعاف ونقلت حميد وطفله إلى أحد المستشفيات. عثر على جثة فاطمة بعد ثلاثة أيام من عمليات البحث التي قام بها مع أنسبائه. 

وترك حميد بمفرده لتربية بناته السبع وابنيه. ويضيف قائلاً: "لن أسامح حماس أبداً على ما فعلوه بزوجتي وبكل الأبرياء. أرادوا قتل أكبر عدد ممكن من الأشخاص من يهود ومسلمين ومسيحيين، كنا كلنا أهدافاً لهم".

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

أنقذ سائق الباص البدوي يوسف زيادنا 30 شخصاً، كلهم من الإسرائيليين اليهود عندما تعرض مهرجان "سوبرنوفا" للهجوم على يد مسلحين نزل بعضهم بواسطة مظلات. وقال لي: "لا أرغب في أن يشاهد أحد ما شاهدته ذلك اليوم. إنها ذكريات سترافقني على الدوام. أبكي عندما أفكر بما حل بالناس هناك. كان إطلاق النار في كل مكان، وكان الأمر أشبه بحفلة جنون. سئلت كيف سنخرج من هناك. افترض أن نجاتنا كانت إشارة إلى أنه قدر لنا الاستمرار في العيش. أنا سعيد لأنني استطعت مساعدة الأشخاص على الخروج من ذلك الموقع وبالطبع أشخاص آخرون ساعدوا أيضاً في ذلك".

قتل أحد أقرباء يوسف في هجوم "حماس". وما زال أربعة أفراد من أسرته مفقودين. يأمل في أن تبذل الحكومة الإسرائيلية جهداً أكبر للمساعدة على حماية طائفة البدو المعرضة للهجمات على نحو خاص. 

ولا يعتبر الساسة أن عديداً من قراهم حصلت على التصريحات اللازمة بتخطيط للبناء، من ثم لا يعترف بها رسمياً على أنها مساكن. نتيجة لذلك، ليست تلك الأماكن مزودة بأنظمة إنذار تحذر من هجمات صاروخية محتملة أو ملاجئ محصنة للاحتماء فيها. وفي تلك المناطق، لا يسمح بإقامة البنى الأسمنتية ولذلك صنعت الأسطح من ألواح الألمنيوم التي تتحول إلى شظايا متطايرة عندما تستهدفها المتفجرات. 

يعتقد زكريا أبو جامع أن ابنه كان سيبقى على قيد الحياة وأن ابنته لم تكن لتصاب لو أنه سمح لهم بإقامة الحماية التي يحتاجون إليها. "أشعر بحزن عميق لحصول ذلك لنا في وقت كان بوسعنا تجنبه. طالبنا بذلك منذ وقت طويل ولكنهم كانوا يرفضون دائماً".

 

وأصر يوسف زيادنا على أنه يجب الاعتراف بالتضحيات الفردية التي بذلها أشخاص مثله، ويقول "كان بإمكاني الالتفاف بالحافلة والفرار ولكنني لم أفعل ذلك لأننا جزء من بلد واحد. يجب على الحكومة معاملة طائفتنا كجزء من هذه البلاد، نحتاج أن نكون يداً واحدة".

سامي غرغاوي هو سائق حافلة آخر استمر في مزاولة عمله يوم وقوع المجزرة. ترصده أحد مسلحي "حماس" وقتله، كما لقي أحد الركاب حتفه وهو عامل من غزة وواحد من بضعة آلاف عامل منحتهم الحكومة الإسرائيلية أخيراً إجازات عمل للبحث عن وظائف عبر الحدود. ويتساءل نسيم غرغاوي، نسيب سامي قائلاً: "لدينا عامل من غزة يرسل المال إلى عائلته في غزة ويقتل على يد حماس التي تتحدر أيضاً من غزة، ما مبرر ذلك؟ انتمى سامي إلى طائفة البدو وكان يعمل لشركة يهودية ويقل عمالاً عربا فلسطينيين. كان قريباً من الجميع وكان الجميع يحبه. أراد أن يعيش كل شخص حياته".

وتأسف عائلة غرغاوي لقوانين الحكومة التي تؤثر في طائفة البدو. فهم يشيرون إلى أنه في قريتهم وادي النعم يفتقرون إلى رخص البناء مما يعني أن مبانيهم هشة أمام الهجمات المنظمة. ويضيف نسيم غرغاوي: "إذا حاول شخص ما تحسين منزله، يحضر المراقبون فوراً ويهددون بهدمه. يفعلون ذلك في بعض الأحيان وفي بعض الأحيان يحجمون عن ذلك، نعيش دائماً في الشك والحيرة".

في الضفة الغربية، تواجه العائلات البدوية تهديداً مميتاً آخر يتزايد يوماً بعد يوم. فهم يطردون بالقوة من أراضيهم غالباً من خلال عنف ممنهج. منذ يوم وقوع هجوم "حماس"، تصرف المستوطنون اليهود في الضفة الغربية بعدائية مفرطة في الاستيلاء على المناطق الفلسطينية. ويتم اتهام الشرطة والجيش الإسرائيليين بالوقوف مكتوفي الأيدي لمنعهم وغالباً ما يساعدون المستوطنين على تنفيذ خطة الاستيلاء على الأراضي. 

 

ويضم الائتلاف الحكومي اليميني برئاسة بنيامين نتنياهو أحزاباً ملتزمة علناً ضم الضفة الغربية التي تخضع لسيطرة السلطة الفلسطينية حالياً، والاستيلاء على الأراضي العربية. ويعيش اثنان من كبار الوزراء في الحكومة في المستوطنات. وقد أعلن وزير الأمن القومي الإسرائيلي إيتمار بن غفير أن وزارته ستزود المستوطنين بـ10 آلاف قطعة سلاح هجومي وتم تسليم الآلاف حتى الساعة. 

في غضون ذلك، ندد الرئيسان الأميركي جو بايدن والفرنسي إيمانويل ماكرون بالأعمال العدائية التي يشنها المستوطنون وطلبا من الحكومة الإسرائيلية التحرك على نحو عاجل لكبح العنف من دون حدوث أي تغيير ملحوظ. 

وخلال الأسبوع الماضي، وقعت 30 منظمة غير حكومية تعنى بحقوق الإنسان والمجتمع المدني رسالة جاء فيها: "تدعم الحكومة الإسرائيلية تلك الهجمات ولا تفعل شيئاً لوقف هذا العنف. تكمن الطريقة الوحيدة لوقف الترحيل القسري في الضفة الغربية في تدخل صريح وقوي ومباشر من قبل المجتمع الدولي".

وقالت الأمم المتحدة إن عدد الهجمات اليومية التي ينفذها المستوطنون ارتفعت من ثلاث إلى سبع. وأعلن اتحاد المزارعين الفلسطينيين أن العدد الفعلي سجل 11 هجوماً يومياً في الوقت الحالي. ولقي أكثر من 130 فلسطينياً حتفهم في الاشتباكات بين المستوطنين وقوات الأمن الإسرائيلية خلال الشهر الماضي. 

وغالباً ما تبدأ عمليات الطرد القسرية بالترهيب المنظم. ويستولي المستوطنون على مراعي رعاة الماشية البدو فضلاً عن تدمير أنظمة الري الخاصة بهم وتسميم قطعانهم وإطلاق النار عليها. 

وبدأ عدد الهجمات بالتزايد على نحو حاد في أعقاب هجوم "حماس". وانتشر فيديو يظهر فيه مستوطن يطلق النار على رجل فلسطيني من كثب في قرية التواني فيما كان الجنود الإسرائيليون ينظرون من دون تدخل.

 

وبدأت روابط الطرق تقفل أمام طوائف البدو إذ أحاطت المستوطنات بهم فيما نشر المستوطنون رسائل على مواقع التواصل الاجتماعي تشجع على الترهيب والمواجهة. 

وجاء في منشور: "إن الطرقات مقفلة أمام حركة العدو العربي ولن يكون هناك قطاف للزيتون في المنطقة ولن يكون بوسع أي عدو الاقتراب منكم". ونصح المنشور أفراداً في مجموعة الدردشة بالاحتفاظ بـ100 رصاصة في الأقل لكل شخص "للقضاء" على أي عربي يتجرأ على الاقتراب. وجاء في منشور آخر: "يضع الجيش يده على الزناد وسيقتل على الفور كل شخص يمر أو سيارة تخرج إلى الطريق وهكذا يجب أن تجري الأمور".

وأصدر غي هيرشفيلد وهو داعية سلام إسرائيلي مخضرم تحذيراً على "فيسبوك" بعد رؤية الدعوات على موقع للمستوطنين على منصات التواصل الاجتماعي إلى شن هجوم شامل على قرية وادي السيق. وقرر مختار المحلة عبدالرحمن أبو بشار كعابنة إخلاء المساكن خوفاً على سلامة السكان. 

وقال هيرشفيلد إن "اللغة المستخدمة في منشور المستوطنين اتسمت بالعنف والعدائية لدرجة أنني اعتقدت أن أمراً مريعاً سيحدث حتى ضمن معايير ما يحصل هنا، ولهذا نشرت الرسالة [...] يفلت المستوطنون من العقاب تماماً. بوسعهم إطلاق النار على الناس وتسمية ذلك دفاعاً عن النفس والإفلات من أي عقاب على فعلتهم. إن حجم تكرار هذه الهجمات ليس مسبوقاً ولكنه ليس عشوائياً بل هنالك نظام وحشي خلفه".

أما ما حصل في خربة زنوتا في جنوب مرتفعات الخليل فقد تبع نمطاً آخر. عمد المستوطنون أولاً إلى منع الرعاة البدو من رعي مواشيهم. واستتبعوا ذلك بتدمير خزانات المياه وقطع كابلات الكهرباء. وبعد احتشاد القرويين في منازلهم، بدأ المستوطنون بمداهمتهم وضرب العائلات. 

وأبلغ القرويون في أحد الأيام أن أمامهم 24 ساعة لمغادرة المنطقة وأن كل من يعثر عليه هناك سيقتل. وقال أمين حامد الحدرات: "قررنا أنه يجب علينا الذهب بعد ذلك وإلا سنقتل. نشعر بحزن بالغ جراء ما حصل. كانت تلك ديارنا فنحن نحب هذه الأرض حيث ترعرعت مع أشقائي وشقيقاتي وأصدقائي. خسرنا كل شيء الآن. استولى المستوطنون على هذا المكان، وسيطروا على أماكن أخرى أيضاً، ليس هناك أحد لمساعدتنا".

وقال عباس ملحم وهو أحد كبار المسؤولين في اتحاد المزارعين الفلسطينيين: "لدينا آلاف العائلات التي اضطرت إلى مغادرة منازلها في جنوب الخليل ووادي الأردن، ودعا وزراء في الحكومة الإسرائيلية إلى التطهير العرقي للفلسطينيين من الضفة الغربية. تحصل عمليات القتل من دون أن يتم تسليط الضوء عليها من العالم الخارجي. بعد أن وزع بن غفير أسلحة (أم 16) قتل رجل وجرح آخرون. وبعد بدء هذه الحرب، قيل للمستوطنين إن باستطاعتهم القيام بكل ما يريدون. يستهدفون مواشي المزارعين. يجبر البدو على الخروج من أراضيهم التي امتلكوها على مر أجيال ويحدث هذا يومياً".

وقع الهجوم الأخير خلال عطلة نهاية الأسبوع عندما أتى عشرات المستوطنين المسلحين إلى قرية خربة يرزا في وادي الأردن وهاجموا الرعاة الذين يعيشون هناك ونهبوا منازلهم. 

وقال مختار القرية مخلص مساعد: "أتوا فجأة وقالوا إنهم يقومون بعمليات تفتيش. تعرض السكان للضرب. ولحسن الحظ تمكن الإسعاف من الدخول".

وروى أحد الأشخاص الذين نقلوا للعلاج واسمه جهاد مساعد: "لم تكن معركة. لا يمكننا محاربة رجال أتوا حاملين أسلحة فيما نحن عزل، أرادوا إيذاء السكان وحسب. يريدون ترهيبنا للمغادرة".

وصل الجنود الإسرائيليون إلى البلدة. وقال مخلص مساعد إنهم "رأوا ما حدث، وعندما طلبنا منهم ثني المستوطنين عما يفعلون عمدوا إلى اعتقال الرعاة الذين تسرق أراضيهم. نعرف ماذا يجري، يستخدم المستوطنون هجوم حماس ذريعة للتخلص منا".

وقال الناشط الإسرائيلي هيرشفيلد: "ما فعلته حماس كشف عن همجيتها. أنا إسرائيلي وحاربت في الجيش الإسرائيلي وينبغي على إسرائيل حتماً الدفاع عن نفسها، ولكن ما دخل الضفة الغربية في ذلك؟ ما يجري هنا أنه يتم استغلال ما حصل في السابع من أكتوبر ذريعة لسرقة الأراضي. تدرك البلدان الأخرى كالمملكة المتحدة والولايات المتحدة ما يحصل هنا ولكنها لا تحرك ساكناً".

وفي غضون ذلك تلقى زيادنا تهديدات بالقتل من متعاطفين مع "حماس"، ولكنه ليس نادماً على ما قام به. "نحن إسرائيليون، نحن شعب واحد ونعيش معاً هنا، نحتاج أن نكون موحدين".

ولكن في الضفة الغربية، هناك إسرائيليون يرفضون التعايش مع طائفة البدو التي ينتمي إليها يوسف ويرفضون فكرة أنهم إسرائيليون مثلهم. في المناخ الحالي الذي يسوده التوتر والفتنة، يملك هؤلاء اليد الطولى.

© The Independent

المزيد من الشرق الأوسط