Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

هل نحن أمام عملية تدمير ذاتي لحزب المحافظين البريطاني؟

لم يسبق أن رأينا شيئاً مماثلاً لما يجري في أعلى هرم الحكومة من قبل. لقد استبدل بالفساد الذي شهدناه خلال عهد جون ميجور نوع آخر أكثر سوءاً. قد تعاني أية حكومة من صدمات خارجية، لكن ما نشهده حالياً هو قيام حزب بتدمير نفسه.

برزت دعوات تحث ريشي سوناك على التحقيق في مزاعم إساءة حزب المحافظين التعامل مع مزاعم اغتصاب ضد نائبة لم يذكر اسمها (أ ف ب/ غيتي)

ملخص

يبدو أن حال التراجع الذي تعانيه الحكومة وخلفها حزب المحافظين قد أصبح أمراً لا رجعة عنه. لا شيء من شأنه تغيير نتائج استطلاعات الرأي، لأن "السردية الإعلامية" التي تحيط بالحزب أصبحت ثابتة إلى حد كبير

في مرحلة معينة من حياة حزب تولى السلطة لفترة طويلة، قد تصل الأمور معه إلى الحد الذي تتحول فيه الأزمات العرضية التي قد تنشأ من وقت لآخر ويمكن إدارتها، إلى أزمات متجذرة وخارجة عن السيطرة. ويبدو الوضع كما لو أن الحزب يسير على طريق التدمير الذاتي. فكل مبادرة إيجابية، وأي جزء مشجع من الأخبار الاقتصادية، وكل نجاح يستبدل بفضيحة هنا أو قليل من الفساد وزلات اللسان هناك ليطيح أي فرصة ولو ضئيلة جداً لمحاولة تحسين موقفه في استطلاعات الرأي.

في إحدى اللحظات نجد رئيس الوزراء ريشي سوناك مستمتعاً بالاهتمام الإيجابي من إيلون ماسك وهو يقوم بالثرثرة معه في موضوع الذكاء الاصطناعي، لكن وبعد 48 ساعة من ذلك، نراه، وهو يحاول التعامل مع ادعاءات تمس عضواً في مجلس العموم عن حزب المحافظين متهم بارتكابه أكثر من عملية اغتصاب.

لكن قبل إبداء أي تعاطف مع سوناك، فكروا في الإجراءات التي كان يمكن أن يتخذها للتعامل مع هذه الموضوع بالذات خلال العام الماضي، وما الذي كان يعلمه بخصوص الأمر ومتى. يمكن لأي حكومة أن تعاني صدمات خارجية مثل جائحة كورونا، أزمة غلاء أسعار الطاقة، والحروب، لكن في بعض الأحيان تصبح هذه الحكومات هي مهندسة سقوطها.

حالياً، يبدو أن حال التراجع الذي تعانيه الحكومة وخلفها حزب المحافظين قد أصبح أمراً لا رجعة عنه. لا شيء من شأنه تغيير نتائج استطلاعات الرأي، لأن "السردية الإعلامية" التي تحيط بالحزب أصبحت ثابتة إلى حد كبير. وبعبارة أكثر وضوحاً، ومن دون أية إشارة إلى وجود مؤامرة، فإن عامة الناس قد اتخذوا قراراً حاسماً في شأن قدرة الحزب على الحكم. لقد توقف الناخبون عن الاهتمام، وحتى عندما تسقط أحزاب المعارضة بأزماتها الخاصة وتخطئ، فإن ذلك لن يغير في الأمر شيء. بالنسبة إلى المحافظين، فهم بلغوا تلك المرحلة منذ فترة طويلة. الرغبة في التغيير، إذا ما أصبحت راسخة بشدة كما هو الحال عليه الآن، تصبح الأداة الأقوى في سياسة الأنظمة الديمقراطية. وما يقوم به المحافظون كل يوم تقريباً هو إعطاء البلاد مزيداً من الأسباب الجديدة التي تدعو إلى اقتلاعهم من السلطة وبأسرع وقت ممكن.

كان هذا هو الحال في عام 1997، طغت الفضائح وانعدام الكفاءة حينها على الاقتصاد القوي حقاً، مما أدى إلى نهاية ولاية جون ميجور. في الوقت الحاضر، وبالاستعارة من عبارة معروفة: يبدو أن الوضع على وشك أن يزداد سوءاً. لا يعمل الاقتصاد بقوة كما كان في عام 1997، وعلى رغم التباطؤ التدريجي في التضخم، فمن المتوقع أن يكون الناس في وضع مالي أسوأ مما كانوا عليه في عام 2019، وهم يشعرون بتوتر اقتصادي أكبر مما كانوا عليه في عام 2010، كما أن خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي (بريكست) لم يرق إلى مستوى الوعود التي أسبقته. أضف إلى ذلك الحرمان الذي تعانيه مدن شمال البلاد والتي خذلت وتركت وحدها خلف الركب.

لكن الفساد الذي شهدته البلاد إبان عهد ميجور استبدل به نوع آخر أكثر سواداً. في ما سبق، كان التصور هو أن البائس ميجور كان يكافح من أجل السيطرة على حزبه. لكن، وعلى النقيض من ذلك، أصبح زعيم الحزب نفسه جزءاً من المشكلة في الآونة الأخيرة. كان [بوريس] جونسون على رأس السلطة خلال "بارتي غيت" [حفلات رئاسة الوزراء أثناء فترة الإغلاق]، كما كان "عربة التسوق" [لقب أطلقه عليه مساعده السابق دومينيك كامينغز في استعارة لتردد بوريس جونسون في اتخاذ القرارات واستعداده الكبير للتأثر بالخارج] الذي أساء التعامل مع أزمة جائحة كورونا، واعتبر أن المرض هو الطريقة الطبيعة للتخلص من كبار السن في المجتمع، وكان هو نفسه من عين، ثم دعا وزراءه للكذب في شأن سلوك كريس بينشر، المتهم بالتحرش الجنسي. عندما يتعلق الأمر بمزاعم التستر، تجدر الإشارة إلى أن الشفافية لم تكن قط سمة مميزة لبوريس جونسون.

الاتهامات التي وجهت إلى حزب المحافظين بقيامه بالتغطية على بعض من أكثر الجرائم الجنائية خطورة من قبل أحد نواب الحزب لا يمكن لها أن تكون أسوأ، أو أكثر صحة مما هي عليه. وهذا [النائب] يعتبر أكبر من كونه "تركتور إباحي" tractor porn، أو أنه قد قام بعلاقات جنسية بالتراضي خارج إطار الزواج. هذا ينبع من قضية ببيتر بون Peter Bone المقلقة، حيث صدرت ادعاءات ضده من قبل موظفين يعملون معه ــ وهو كثيراً ما نفاه بون ــ وقد أبقيت طي الكتمان حتى قامت هيئة الرقابة البرلمانية بنشر تقريرها، ذلك لم يؤد إلى لف الحزب بالأمجاد، وبالطبع، فإن هناك انتخابات فرعية ستنظم لاحقاً، وهناك مقعد برلماني سيخسره المحافظون لصالح حزب العمال.

ونحن لم نرَ أي شيء مماثل في أعلى الهرم الحكومي في السابق.

ولا ينبغي استبعاد خطورة الاتهامات لمجرد إثارتها من قبل شخصية مثيرة للجدل كنادين دوريس. في الواقع إن تلك الادعاءات عن ارتكاب جرائم كان قد سيقت من قبل أمين عام سابق لحزب المحافظين، ومسؤول سابق عن انضباط نواب الحزب في البرلمان، هما جايك بيري وويندي مورتون، اللذين كانا قد صدما جراء ما اكتشفاه وقررا القيام بما هو صحيح. في النهاية، استقالا من منصبيهما عندما أطيحت حكومة ليز تراس ــ لكن ليس قبل ذلك، وهو ما توجب إيضاحه.

المثير للسخرية بشكل أكبر هو أننا قد نقول إنهم قرروا العمل على تخفيف أي ضرر قد يلحق بمسيرتهم السياسية أو بسمعتهما ومكانتهما. في كلتا الحالتين، إنه مثال نادر للأشخاص الذين يشغلون مناصب رسمية عليا ويقومون بما يجب القيام به.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

على ما يبدو، وقبل قيامهم بإخطار محققي الشرطة، بدأ كل من بيري ومورتون بفتح تحقيق داخلي بإيعاز من رئاسة الحكومة، والذي قاد إلى تأكيد بعض من أسوأ الشكوك التي كانا يحملانها - وهو ما يشير إلى أن مسؤولين كبار في الحكومة في ذلك الوقت كانوا على معرفة بالقصص المثيرة للاشمئزاز التي تخص أحد نواب حزبهم. إن المنطق يدعو إلى الاعتقاد بأنهم كان لا بد من أن يكونوا على علم بما يجري.

أصدر التقرير اللاحق تحذيراً من أنه قد جرى التعامل مع القضية بشكل سيئ إلى درجة أن الحزب قد يجد نفسه في دائرة المحاسبة الجنائية. وقال مؤلف التقرير "أنا ممن يحملون الرأي بأنه لو انتقلت هذه القضية إلى المحكمة، فإن من شأن ذلك أن لا يؤدي إلى إلحاق الضرر [بأحد الضحايا المفترضين] فحسب، وهو لديه فرصة ضعيفة جداً في النجاح في دفع التهم، لكن من شأن ذلك أيضاً أن يعرض الحزب نفسه للادعاء عليه في المحاكم، وذلك بسبب النهج الانتقائي الذي اعتمد في هذه القضية ولا شك في قضايا أخرى".

وفي كل حالات الاغتصاب والاعتداء هذه، فإن الضحايا هم الذين تعرضوا للخيانة من قبل الحزب نفسه الذي عكفوا على خدمته وطمحوا إلى المساهمة فيه. لقد كانوا هم من جرى التلاعب بهم. إنهم هم من سعت الماكينة الحزبية لإسكاتهم. وكانوا هم من سعى الأعضاء الأرفع منهم في الحزب للبقاء بعيدين عن الموقف بطريقة تسمح لهم بإنكار المعرفة أو التورط إذا أصبحت الحوادث علنية أو واجهت تدقيقاً قانونياً. ويبدو أن الهدف الأساس لم يكن في كثير من الأحيان السعي إلى تحقيق العدالة وضمان محاسبة الجناة، بل منع نشر هذه الحوادث في الصحف وتجنب إجراء انتخابات فرعية.

عادة، كان لهذا النهج أن ينجح في الماضي، لكن الزمن تغير. فالضحايا اليوم قادرون على إيصال أصواتهم عبر وسائل التواصل الاجتماعي، وتلك الأصوات تلقى اهتماماً وآذاناً صاغية.

إن حزب المحافظين كمؤسسة ليس استثناءً في محاولاته الغريزية للدفاع عن نفسه والتنصل من الاتهامات الموجهة له ومحاولة حماية أعضائه. كل الأحزاب تقوم بذلك، شأنها شأن بقية الهيئات والمؤسسات بدءاً من هيئة الإذاعة البريطانية "بي بي سي"، وصولاً إلى كبار الشركات المصرفية والكنائس وحتى الجمعيات الخيرية، ولكن ذلك أصبح أقل فاعلية في أيامنا هذه، وعندما تظهر الحقيقة في نهاية المطاف، غالباً ما يكون الضرر الناجم أسوأ بكثير.

وكما يقول المثل القديم، ليست الجريمة ما يجلب العواقب، وإنما محاولة التستر عليها. وهو درس يستعد حزب المحافظين لتعلمه... مرة أخرى.

© The Independent

المزيد من تحلیل