ملخص
تعاني الحكومة العراقية الحالية أزمات عدة تضع الانتخابات المحلية المزمع إجراؤها في 18 ديسمبر المقبل في مسار مقلق وتطرح عديداً من التساؤلات.
يعود الحديث عن تأجيل الانتخابات المحلية في العراق تزامناً مع الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة واحتمالات تفاقم الأزمة لتشمل بلداناً عدة في المنطقة، خصوصاً مع عودة التوترات الأمنية واستئناف جماعات مسلحة موالية لإيران عملياتها العسكرية التي تستهدف المصالح الأميركية في البلاد.
وعلى رغم الاستعدادات الكبيرة التي تجريها الكتل السياسية وبداية الدعاية الانتخابية، إلا أن التساؤلات لا تزال تدور حول احتمالية تأجيل الانتخابات المحلية في العراق مصحوبة بالتوترات السياسية والأمنية التي تشهدها البلاد.
وتعاني الحكومة العراقية برئاسة محمد شياع السوداني أزمات عدة خلال الفترة الأخيرة، الأمر الذي يضع الانتخابات المحلية المزمع إجراؤها في 18 ديسمبر (كانون الأول) المقبل، على المحك وتطرح عديداً من التساؤلات.
وخلال الأشهر الأخيرة عانى العراق إشكالات عديدة لعل أبرزها استمرار ارتفاع أسعار الصرف وانعكاساه على اقتصاد البلاد، وعودة الارتباك إلى المشهد الأمني مرة أخرى، فضلاً عن المخاوف من احتمالية أن يستفز إجراء الانتخابات التيار الصدري الذي لا يزال معتزلاً العمل السياسي.
استثمار غياب "التيار الصدري"
على رغم ما تبديه أطراف عدة داخل "الإطار التنسيقي للقوى الشيعية" الحاكم من استعداد لإجراء الانتخابات المحلية، إلا أن مراقبين يرون أن جماعات عدة داخل التحالف ربما تدفع باتجاه تأجيلها لأسباب مختلفة.
ويعتقد رئيس مركز "كلواذا" للدراسات، باسل حسين، أن قضية تأجيل الانتخابات المحلية المقبلة تعد "مسألة مطروحة على الطاولة داخل تحالف إدارة الدولة الحاكم"، مبيناً أن "الغالبية العظمى المؤثرة داخل التحالف لا سيما الأطراف الفاعلة في (الإطار التنسيقي) تذهب مع الرأي القائل بضرورة إجراء الانتخابات في موعدها المقرر".
ولعل ما يدفع الأطراف الرئيسة في "الإطار التنسيقي" إلى دعم إجراء الانتخابات في موعدها يأتي "انطلاقاً من الرغبة في استثمار غياب التيار الصدري عنها"، كما يعبر حسين الذي يرى أن تلك الأطراف تحاول "استكمال مثلث الهيمنة على السلطات التنفيذية والتشريعية ومجالس المحافظات، كفرصة سانحة ربما لا تتكرر".
ويشير حسين إلى أن تأجيل انتخابات مجالس المحافظات عن موعدها المقرر "يبقى احتمالاً وارداً في حال توسع الصراع الجاري في غزة، أو في حال قطع التيار الصدري عزلته السياسية ودخوله على خط عرقلتها".
ويختم، أن ثمة رأي آخر يدور في أروقة "الإطار التنسيقي" يرى أن "إجراء الانتخابات قد يؤدي إلى استفزاز التيار الصدري وجره إلى المواجهة"، لافتاً إلى أن غياب ردود الفعل من التيار الصدري على الانتخابات "يجعل هذا الرأي محدود الصدى والتأثير".
وكان رئيس "ائتلاف دولة القانون" نوري المالكي قال إن "كل المراهنات على تأجيل موعد الانتخابات والتحشيد على عدم الإقبال على صناديق الاقتراع، جميعها فاشلة".
وأضاف خلال المهرجان الانتخابي لكتلته، قبل أيام، أن "من يتحدث عن إلغاء أو تأجيل الانتخابات يجهل أنها استحقاق دستوري وجماهيري"، لافتاً إلى أن "تعطيل الانتخابات وحل المجالس يعد تعطيلاً لأحد أركان الديمقراطية".
في المقابل، أشار عضو "الإطار التنسيقي"، حسن فدعم، إلى أن كتلته تدعم إجراء الانتخابات المحلية في موعدها المقرر، لافتاً في تصريح صحافي إلى أن "عدم اشتراك التيار الصدري ليس مبرراً لتأجيلها".
وأضاف أنه "لا يوجد طرف داخل الإطار يرغب أو يسعى إلى التأجيل، لذلك الأمور ذاهبة باتجاه إجراء الانتخابات في موعدها المقرر، وليس إلى التأجيل أو الإلغاء".
ضغوط خارجية قد تؤثر
وإضافة إلى الأجواء السياسية والأمنية الداخلية، ربما تمثل الضغوط الخارجية وتحديداً الأميركية حجر عثرة إضافي أمام إمكان إجراء الانتخابات في موعدها، خصوصاً مع عدم إيفاء أطراف "الإطار التنسيقي" بالتزاماتهم التي تشكلت بموجبها حكومة السوداني.
ويشير الباحث والكاتب مصطفى ناصر إلى محاور عدة ربما تسهم في عرقلة إجراء الانتخابات المحلية، لعل أبرزها "المخاوف الكبيرة من تطور الأحداث في الساحة الإقليمية، خصوصاً في حال اتخذت واشنطن قراراً برسم استراتيجيات بديلة عن تلك السابقة التي تبلورت وفق الاتفاق مع طهران في شأن تشكيل الحكومة العراقية الحالية".
ويقول ناصر في حديثه لـ"اندبندنت عربية"، "إن القصف شبه اليومي الذي تنفذه الفصائل المسلحة المدعومة من إيران على القواعد الأميركية ربما يؤدي إلى تحركات من واشنطن في شأن الانتخابات في العراق".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وعلى رغم الاستعداد الكبير الذي تبديه الكتل السياسية المشاركة في الانتخابات المحلية إلا أن "منسوب المخاوف من احتمالية فرض أوامر دولية على العراق يمكنها أن تؤدي إلى إجراء انتخابات برلمانية ومحلية في وقت واحد يربك المشهد"، بحسب ناصر الذي يبين أن "أي تأجيل للانتخابات المقبلة سيأتي منسجماً مع رغبة عديد من القوى التقليدية التي باتت تدرك هشاشة وضعها الانتخابي".
ويوضح أن ثمة عامل آخر يسهم بشكل مباشر في التأثير في مآلات الانتخابات المقبلة، وهو استمرار تدهور أسعار صرف الدينار مقابل الدولار الأميركي، مبيناً أن أي إرباك اقتصادي جديد "سيؤدي إلى انهيار كل المساعي التي رسمها الإطار التنسيقي لقصة الخدمات وتحسين الوضع الاقتصادي وفتح باب التعيينات والرعاية الاجتماعية، وهو ما قد يدفع تلك الأطراف إلى إعادة النظر بمسألة الانتخابات".
مخاوف من المشاركة الضئيلة
وعلاوة على جملة العوامل تلك، تثير الإشكالات الاقتصادية التي تعصف بالأجواء العراقية احتمالية انخفاض كبير في الإقبال على الانتخابات، إلا أن هذا الأمر بحسب مراقبين لن يمثل دافعاً لتأجيل الانتخابات، خصوصاً مع إجراء انتخابات برلمانية عدة بنسب اشتراك ضئيلة جداً.
وتعد الانتخابات المحلية المقبلة هي الأولى منذ نحو 10 أعوام، إذ شهدت البلاد آخر انتخابات لمجالس المحافظات عام 2013، وهو الأمر الذي ربما يرجح كفة إجرائها في موعدها.
ويسود اعتقاد في الأوساط السياسية، أن عديداً من المحافظين الحاليين يدفعون بشكل أو بآخر باتجاه تأجيل موعد الانتخابات المحلية خوفاً من خسارة مناصبهم بعد الانتخابات، وهذا الأمر أيضاً مثل دافعاً إضافياً لعديد من الكتل السياسية لإجراء الانتخابات في موعدها.
وكعادة أي انتخابات في العراق منذ انتخابات عام 2018 البرلمانية، يقلل مراقبون من حجم المشاركة الشعبية في الانتخابات المحلية في البلاد، خصوصاً مع تصاعد حجم الاستياء الشعبي من الأداء السياسي والاقتصادي للقوى السياسية في البلاد، فضلاً عن إحكام الميليشيات المسلحة الموالية لإيران سطوتها على أجهزة الدولة.
وكان رئيس تيار "بيارق الخير"، قد صرح في وقت سابق أن الحديث عن تأجيل الانتخابات المحلية المقبلة "بدأ يتصاعد في الأسابيع الأخيرة مع تأكيدات بأن نسبة العزوف عنها قد تصل إلى حدود 70 في المئة أو أكثر من ذلك".
وتابع أن عديداً من القوى "تدعم خيار تأجيل الانتخابات كونها غير مستعدة بما يكفي"، مبيناً أن تداعيات المشهد في غزة وانعكاساته على الوضع العراقي وسط حالة توتر عقب قصف القواعد الأميركية في غرب وشمال البلاد، قد تؤثر في إمكان إجراء الانتخابات.
وإضافة إلى احتمالات العزوف الكبيرة عن المشاركة في الانتخابات المقبلة، تأتي مقاطعة التيار الصدري هي الأخرى عاملاً إضافياً ربما يقلل بشكل ملحوظ من نسب الاشتراك.
وتحاول عديد من الكتل استثمار فرصة غياب التيار الصدري لشغل الفراغ بأكبر عدد من أعضاء مجالس المحافظات خلال الانتخابات المقبلة.
ومثل انسحاب التيار الصدري من البرلمان العراقي بعد انتخابات عام 2021 البرلمانية ضربة إضافية للانتخابات في البلاد، الأمر الذي يراه مراقبون أفقد العراقيين الثقة بالتغيير عبر الانتخابات، وهو ما قد يقلل بشكل لافت من الحضور الجماهيري في الانتخابات المحلية المقبلة.