Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

مخاوف دولية من تزايد عمليات القتل العرقية في دارفور

معارك عنيفة بأم درمان وحركتان مسلحتان تدخلان الحرب مع الجيش السوداني

شرّد القتال الدامي بين الجيش وقوات "الدعم السريع" أكثر من خمسة ملايين سوداني توزعوا بين الداخل ودول مجاورة (أ ف ب)

ملخص

مناطق عدة بجنوب ووسط الخرطوم شهدت قصفاً مدفعياً وجوياً بصورة متقطعة

طالبت الأمم المتحدة اليوم الجمعة بإجراء تحقيق في تقارير تفيد بحدوث موجة ثانية من عمليات القتل ذات الدوافع العرقية في ولاية غرب دارفور التي خلفت مئات القتلى.

وقال مكتب حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة إن معلومات أولية حصل عليها من ناجين وشهود تشير إلى أن مدنيين من قبيلة المساليت "عانوا ستة أيام من الرعب" في وقت سابق من هذا الشهر.

وقال الناطق جيريمي لورانس لصحافيين في جنيف "أعدم بعض الضحايا خارج نطاق القضاء أو أحرقوا أحياءً".

وبدأت تلك الهجمات بعدما سيطرت قوات "الدعم السريع" وميليشيات عربية متحالفة معها على قاعدة الجيش السوداني في أردمتا قرب الجنينة، عاصمة ولاية غرب دارفور، في الرابع من نوفمبر (تشرين الثاني).

وأضاف لورانس أن الأمم المتحدة تلقت تقارير تفيد بأن المقاتلين في رادمتا ودورتي "نهبوا ممتلكات وعذبوا نازحين وأعدموا عديداً منهم قبل ترك جثثهم دون دفن في الشوارع". وأوضح أن "عديداً من القتلى شباب من المساليت وأقارب جنود سودانيين"، مشيراً إلى أن التقارير تفيد أيضاً بأن نساءً وفتيات تعرضن للعنف الجنسي.

وفي الخامس من نوفمبر وحده، قال لورانس إن "66 رجلاً من المساليت أعدموا خارج نطاق القضاء في ثلاث حوادث منفصلة". وأضاف "أوقف مئات الرجال الآخرين ونقلوا إلى معسكرات احتجاز تديرها قوات (الدعم السريع). ما زال مصيرهم ومكان وجودهم مجهولين".

وتأتي هذه الهجمات في خضم الحرب المستعرة في السودان، فمنذ أبريل (نيسان)، تخوض قوات الجيش بقيادة عبدالفتاح البرهان، الرئيس الفعلي للسودان، حرباً مع قوات "الدعم السريع" بقيادة نائبه السابق محمد حمدان دقلو الملقب بـ"حميدتي".

وقتل أكثر من 10 آلاف شخص في النزاع السوداني حتى الآن، وفق حصيلة صادرة عن مشروع بيانات مواقع الصراعات المسلحة وأحداثها "أكليد".

وأدت الحرب إلى نزوح أكثر من 4.8 مليون شخص داخل السودان، وأجبرت 1.2 مليون آخرين على الفرار إلى البلدان المجاورة، وفق أرقام الأمم المتحدة.

وأشار لورانس إلى أن هجوم أردمتا كان ثاني حادثة قتل جماعي للمدنيين المساليت على أيدي قوات "الدعم السريع" وحلفائها خلال أشهر. وأوضح أنه بين مايو (أيار) ويونيو (حزيران)، قتل مئات الرجال والنساء والأطفال المساليت من بينهم حاكم ولاية غرب دارفور، مشدداً على أن "هذه الهجمات قد تشكل جرائم بموجب القانون الدولي".

كذلك، وردت تقارير عن وقوع هجمات انتقامية نفذتها ميليشيات من المساليت على مدنيين عرب.

وفي إشارة إلى التقارير التي تفيد بأن هجوم قوات "الدعم السريع" أصبح وشيكاً على الفاشر عاصمة شمال دارفور، أكد لورانس أن جميع أطراف النزاع ملزمة موجب القانون الدولي "ضمان حماية المدنيين والبنى التحتية المدنية". وتابع "يجب أن تتوقف كل الانتهاكات فوراً، ويجب تقديم المسؤولين عنها إلى القضاء بعد إجراء تحقيقات شاملة ومستقلة ومحايدة".

تنديد أممي

من جانبها، نددت مساعدة الأمين العام للأمم المتحدة للشؤون الأفريقية، أمس الخميس، أمام مجلس الأمن الدولي بتمدد النزاع في السودان إلى أجزاء أخرى من البلاد التي تضم أكبر عدد من النازحين في العالم.

وقالت الدبلوماسية الغانية مارثا أما أكيا بوبي في جلسة عقدها المجلس ولم تشهد أي تصويت إن السودان يواجه "كوارث إنسانية متفاقمة وأزمة حقوق إنسان كارثية".

وكان منسق الشؤون الإنسانية في الأمم المتحدة مارتن غريفيث ندد، الإثنين الماضي، بـ"أعمال العنف الشديدة" ضد المدنيين في السودان، حيث تدور منذ أشهر حرب بين الجيش وقوات "الدعم السريع"، مطالباً بإتاحة وصول المساعدات الإنسانية إلى محتاجيها "بلا عوائق"، ولا سيما لمنع تفشي وباء الكوليرا.

وقال غريفيث خلال "المنتدى الإنساني حول السودان" إنه بعد ما يقارب سبعة أشهر على اندلاع الحرب بين الجيش بقيادة الفريق أول عبدالفتاح البرهان وقوات "الدعم السريع" بقيادة الفريق أول محمد حمدان دقلو، "فإن نحو 25 مليون شخص في السودان يحتاجون الآن إلى مساعدات إنسانية".

وقالت أكيا بوبي "خارج دارفور استمرت الاشتباكات الدامية في الخرطوم وأم درمان وبحري، وتستمر أيضاً في جنوب كردفان، في حين أن الوضع لا يزال متوتراً حول الأبيض وشمال كردفان"، لكن "الأعمال العدائية امتدت إلى مناطق جديدة، مثل ولايات الجزيرة والنيل الأبيض وغرب كردفان، مما يعرض مزيداً من المدنيين والعاملين في المجال الإنساني" لخطر أعمال العنف، بحسب ما أوضحت ممثلة الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش. وأشارت إلى أن "السودان يشهد حاليا أكبر أزمة نزوح في العالم مع نزوح 7.1 مليون شخص". وذكرت أن الأمم المتحدة لم تتمكن سوى من تقديم "مساعدات حيوية" لـ4.1 مليون سوداني، أو "22 في المئة فقط من المحتاجين الذين حددتهم المنظمات الإنسانية عام 2023".

تنديد مشترك

في السياق ذاته نددت الولايات المتحدة وبريطانيا والنرويج في بيان اليوم الجمعة بتصاعد العنف وانتهاكات حقوق الإنسان في السودان، لا سيما في إقليم دارفور. وأشارت البلدان الثلاثة إلى الهجمات التي تشنها قوات "الدعم السريع" شبه العسكرية في دارفور. وانبثقت قوات "الدعم السريع" إلى حد كبير من جماعات عربية وميليشيات عربية متحالفة معروفة باسم الجنجويد. وذكر البيان "يتضمن ذلك، بحسب تقارير موثوقة، عمليات قتل جماعي تشمل الاستهداف العرقي لغير العرب والمجتمعات الأخرى، وقتل الزعماء التقليديين، والاحتجاز الجائر، وعرقلة المساعدات الإنسانية". وتابع البيان أن ثمة مخاوف أيضاً من تقارير تفيد باستهداف المدنيين في محلية جبل أولياء المطلة على النيل الأبيض.

واندلعت حرب في 15 أبريل بين الجيش وقوات "الدعم السريع" شبه العسكرية بعد أسابيع من التوتر المتصاعد بين الطرفين بسبب خطة لدمج القوات في إطار عملية للانتقال من الحكم العسكري إلى الحكم المدني الديمقراطي.

ودعت البلدان المانحة الثلاثة، التي تسمى مجموعتها "الترويكا"، إلى وقف القتال وحثت الطرفين على التهدئة.

وقالت الدول الثلاث "يحتاج كلا الطرفين إلى خفض التصعيد والانخراط في محادثات هادفة تؤدي إلى وقف إطلاق النار ودخول المساعدات الإنسانية من دون عوائق".

وأدت المكاسب التي حققتها قوات "الدعم السريع" في الأجزاء الغربية والجنوبية من السودان إلى إنهاء جمود استمر لأشهر في حربها مع الجيش السوداني، وهي مكاسب تزيد أيضاً من طموحات تلك القوات شبه العسكرية.

وأدى انتشار قوات "الدعم السريع" في معقلها في دارفور والتقدم الذي تحققه في مناطق أخرى تمتد شرقاً صوب العاصمة الخرطوم إلى التكهن بأن السودان ربما يعاني انفصالاً آخر بعد 12 سنة من انفصال جنوب السودان.

وطلب السودان من الأمم المتحدة أمس الخميس إنهاء عمل بعثتها السياسية في البلاد قائلا إن أداءها في مساعدة الحكومة الانتقالية مخيب للآمال.

مواصلة الحرب

وواصل الجيش السوداني وقوات "الدعم السريع" عملياتهما العسكرية على عدد من الجبهات القتالية في مدن العاصمة الثلاث، فبينما شنّ الأول غارات جوية عنيفة على مواقع وتجمعات الأخيرة في محيط الإذاعة والتلفزيون بأم درمان، كثفت "الدعم السريع" قصفها المدفعي صوب حارات الثورة شمال أم درمان، ما تسبب في وقوع قتلى وجرحى من المدنيين، فضلاً عن وقوع مواجهات ضارية بين الطرفين في نواحي أحياء أم درمان القديمة وسلاح المهندسين.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وبحسب شهود، فإن مناطق عدة بجنوب ووسط الخرطوم شهدت قصفاً مدفعياً وجوياً بصورة متقطعة، عكس مناطق شرق العاصمة وجنوب الحزام التي سادها الهدوء الحذر، فضلاً عن تزايد أعمال السلب والنهب في تلك المناطق. وأشار الشهود إلى استمرار المناوشات بين الطرفين حول منطقة جبل أولياء الواقعة على بعد 45 كيلومتراً جنوب الخرطوم لليوم الرابع على التوالي، وامتداد المعارك إلى عدد من القرى القريبة من هذه المنطقة، ما خلق حالة من التوتر والفزع وسط السكان الذين غادر معظمهم إلى المناطق الآمنة باتجاه الجنوب، وتم حصر 70 مفقوداً منذ بدء القتال في المنطقة بهدف السيطرة على خزان وجسر جبل أولياء من قبل "الدعم السريع" في أعقاب تدمير جسر شمبات الرابط بين مدينتي أم درمان وبحري الذي كان منفذ الإمداد الرئيس للأخيرة.

إنهاء الحياد

في الأثناء، أعلنت حركتا "تحرير السودان" بقيادة مني أركو مناوي و"العدل والمساواة" بقيادة جبريل إبراهيم، خروجهما عن الحياد حيال الحرب الدائرة بين الجيش وقوات "الدعم السريع"، ومشاركتهما في العمليات العسكرية في كل الجبهات لحماية المدنيين.

وقالت الحركتان الموقعتان على اتفاق جوبا للسلام في دارفور خلال مؤتمر صحافي عقدتاه بمدينة بورتسودان، إنه "نظراً لممارسات قوات الدعم السريع والجرائم ضد الإنسانية والانتهاكات التي ارتكبتها، نعلن خروجنا عن الحياد، وندين بشدة انتهاكات الميليشيات ونعلن مقاومتنا بشدة لهذه الممارسات"، وتابع البيان "في ظل تهديد وحدة السودان، وهجوم ميليشيات الدعم السريع المتكرر على المدن والقرى والاعتداء على المدنيين العزل وقتلهم، وفي ظل التهديد الماثل الآن على القوافل الإنسانية والتجارية بمحاولة قطع طرق الإمداد للمدن والأقاليم، فإن هذه التطورات تجعلهما في حلّ عن أي حياد والمشاركة في العمليات العسكرية في كل الجبهات بلا أدنى تردد". وأكد البيان التمسك المطلق بوحدة السودان أرضاً وشعباً وعدم السماح بتمرير أجندة تفكيك السودان الجارية الآن، محذراً القوى التي تسعى لتمزيق السودان بالاستعانة بالدوائر الأجنبية والمرتزقة وعابري الحدود، كما وجه البيان رسالة لدولة تشاد بالتوقف عن دعم قوات "الدعم السريع" بالكف عن إمدادها بالمؤن والعتاد العسكري وغيرها.

موقف هزيل

من جانبه، قلل رئيس حركة "تمازج" السودانية الفريق محمد علي قرشي من تأثير إعلان حركتي "تحرير السودان" و"العدل والمساواة" خروجهما عن الحياد، مؤكداً أن معظم عناصرهما العسكرية، بخاصة القيادات الميدانية، ليست لديها الرغبة في الانخراط والقتال في صفوف نظام المؤتمر الوطني المحلول. وأشار إلى أن رموز المجتمع في إقليم دارفور، ولا سيما زعماء الإدارة الأهلية، ستقف ضدّ هذا الموقف الهزيل، إذ بإعلانهما هذا الموقف يصبحان شركاء لحكومة الانقلاب في جميع الجرائم التي ارتكبتها في حق الشعب السوداني. وتوقع قرشي حدوث انشقاقات واسعة في صفوف مجموعة حركات مسار دارفور في القريب العاجل رداً على هذا الموقف "المأجور" الذي وجد استنكاراً واسعاً من مختلف المكونات الاجتماعية والسياسية في إقليم دارفور، لأن المؤامرة أكبر من كونها مقاومة "الدعم السريع" في مناطق نفوذه وسيطرته، وإنما المقصود منها زرع بذور الفتنة بين مكونات أهل دارفور بعد أن بدأ الإقليم يتعافى تدريجاً.

وعن جولات قائد الجيش عبدالفتاح البرهان عدداً من دول الجوار الأفريقي، قال "عادة، لا يمكن التعويل كثيراً على مواقف البرهان لأنه متقلب الآراء وتصريحاته عادة تأتي لتطمين حلفائه في النظام البائد، فهو لا يزال يأتمر بأمرهم ويعمل وفق خططهم، وخير دليل على ذلك التغيير المفاجئ في تصريحاته ما بين أول جولة خارجية له عقب خروجه من مخبئه (القيادة العامة)، فكانت السمة الغالبة في تصريحاته خطاب الكراهية، بينما كانت السمة الغالبة لتصريحاته عقب زيارته كينيا وإثيوبيا، إيجاد سبل لإنهاء الحرب، وكل ذلك يأتي  في إطار إعادة ترتيب صفوفه لتكملة مخططات وأهداف أيديولوجية تخدم النظام البائد، لكن هذه المخططات لن تصمد طويلاً أمام خيارات الشعب السوداني".

وواصل رئيس حركة "تمازج" "لا يمكن أن يجد البرهان أي تأييد أو دعم دولي في ظل خضوعه وتنفيذه مخططات نظام الحركة الإسلامية المنبوذ عالمياً والمدرج ضمن قائمة التنظيمات الإرهابية".

قوة مشتركة

وفي حين أكدت قوات "الدعم السريع" توصلها لاتفاق مع أربع حركات نصّ على تشكيل قوة مشتركة تتولى مسؤولية الأمن بإقليم دارفور والتنسيق المشترك من أجل أمن واستقرار الإقليم وحماية المواطنين وعدم السماح لمن سمتهم دعاة الفتنة بالعبث باستقرار الإقليم لا سيما في الفاشر، نفت القوة المشتركة لحركات الكفاح المسلح في دارفور إبرامها أي تفاهمات مع "الدعم السريع". وقال المتحدث باسم القوة المشتركة أحمد حسين مصطفى إن الاجتماع مع "الدعم السريع" تم فعلياً لكن لم يتمّ التوصل لاتفاق بتكوين قوة مشتركة، مؤكداً أن اللقاء هدف لوقف تمدد الحرب إلى مدن دارفور المتبقية بخاصة مدينتي الضعين والفاشر باعتبارهما من المدن التي تأوي آلاف النازحين. وأضاف "قدمنا ورقة للدعم السريع تحمل مبررات منع الحرب في المدينتين، لكن تمّ رفضها وأصروا على مواصلة الحرب وبذلك انتهى الاجتماع من دون اتفاق".

التحديات الإنسانية

في غضون ذلك، ينطلق، غدا السبت، في القاهرة مؤتمر القضايا الإنسانية في السودان الذي ينظمه عدد من منظمات المجتمع المدني السودانية. وبحسب بيان أصدرته اللجنة التحضيرية، فإن المؤتمر يهدف لبحث كيفية تجاوز المعوقات أمام إيصال العون الانساني للمتضررين، كما يرمي إلى إنتاج توصيات عملية وقابلة للتطبيق في ما يتعلق بتفعيل جهود الحماية والعون الإنساني للمدنيين، وأشار البيان إلى أن المؤتمر سيعمل، خلال ثلاثة أيام، على استعراض الأوضاع الإنسانية في السودان، ونقاش القضايا التفصيلية المتعلقة بقطاعات الحماية الاجتماعية، وهي الأمن الغذائي، والنظام الصحي، والعنف الجنسي المبني على النوع خلال النزاع، وقضايا الوصول والتنسيق والاستفادة من التجارب المحلية ودعمها، والمعوقات اللوجستية لوصول وتوزيع العون الإنساني في السودان.

وشرّد القتال الدامي بين الجيش وقوات "الدعم السريع"، الذي دخل شهره الثامن، أكثر من خمسة ملايين سوداني توزعوا بين الداخل ودول مجاورة فيما تلاحق طرفي النزاع اتهامات بإعاقة إيصال المساعدات الإنسانية للمتأثرين من الحرب في الخرطوم ودارفور وكردفان.

وتعهد الطرفان، في السابع من نوفمبر (تشرين الثاني) الجاري، عقب جولة مفاوضات في منبر جدة بإيصال المساعدات الإنسانية للمتأثرين من دون عوائق.

المزيد من متابعات