Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

هل تقطع واشنطن الممر الأفريقي أمام بكين؟

تخطط الولايات المتحدة لتوجيه موارد القارة السمراء عبر "لوبيتو" بدلاً من الطريق الشرقي عبر ميناء دار السلام في تنزانيا

تخطط الولايات المتحدة إلى توجيه الموارد الأفريقية عبر ممر "لوبيتو" غرب القارة بدلاً من الطريق الشرقي عبر ميناء دار السلام بتنزانيا (غيتي)

ملخص

قد يكون ممر "لوبيتو" الاختبار لمدى قدرة الولايات المتحدة ودول الاتحاد الأوروبي بأن تزيل الصين من مكانتها

منذ أن أعلن الرئيس الأميركي جو بايدن في قمتي "مجموعة السبع"، ثم مجموعة "الـ20" التي انعقدت في نيودلهي، في الثامن والتاسع من سبتمبر (أيلول) الماضي، عن خطط للاستثمار في مشروع جديد للسكة الحديد تربط المناطق الغنية بالنحاس في زامبيا وجمهورية الكونغو الديمقراطية بميناء "لوبيتو" الأنغولي، كان هذا إيذاناً بدخول الولايات المتحدة المنافسة مع الصين لإنشاء طريق تجاري للمواد المستخدمة في إنتاج السيارات الكهربائية.

 وحسب "مركز جنوب أفريقيا للأبحاث والتوثيق"، فإن المشروع الذي أعلن عنه على هامش فعالية "الشراكة من أجل البنية التحتية العالمية والاستثمار" خلال قمة مجموعة "الـ20" في الهند "يغطي أربع مقاطعات في أنغولا هي هوامبو وبنغيلا وبيي وموكسيكو، وأربع مقاطعات في جمهورية الكونغو الديمقراطية هي كاتانغا وتنجانيقا ولومامي ولوالابا، وكذلك مقاطعتين في زامبيا هي الحزام النحاسي والشمال الغربي".

 

وتشتهر أنغولا بإنتاجها النفطي، لكنها جعلت من أولوياتها تنويع أجندتها التنموية، ما يؤدي إلى النمو في قطاعات مثل التعدين، إذ تمتلك البلاد احتياطيات كبيرة من الذهب والماس وخام الحديد والكوبالت والنحاس.

وتخطط الولايات المتحدة إلى توجيه الموارد الأفريقية عبر ممر "لوبيتو" غرب القارة بدلاً من الطريق الشرقي عبر ميناء دار السلام بتنزانيا، ما يضمن سلاسة تدفق التجارة ونقل السلع والموارد الأساسية من وإلى المنطقة، وسيخصص هذا الاستثمار الكبير لتمديد خط السكة الحديد وإنشاء مراكز لوجستية على طول الممر في أنغولا، وسيكون خط السكة الحديد الجديد، المعروف باسم "غرينفيلد" بين زامبيا و"لوبيتو" بمثابة أكبر استثمار منفرد من قبل الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي في أفريقيا.

ورحبت الدول الأفريقية بمشروع ممر "لوبيتو" باعتباره إشارة واضحة إلى الثقة في منطقة أفريقيا جنوب الصحراء، ودليل على القدرة الاقتصادية لـ"مجموعة التنمية لأفريقيا الجنوبية" "سادك". وتعتقد المجموعة أن الممر الذي يمتد حوالى 1300 كيلومتر يمكن أن يتحول إلى مساحة هائلة للتنمية، خصوصاً في المقاطعات التي يمر بها ويحفز لخلق فرص عمل جيدة، ويؤهل اقتصاد المنطقة للاندماج في الاقتصاد العالمي.  ويعد خط السكة الحديد الأفريقي الجديد جزءاً من تطوير الممر العابر لأفريقيا الذي يربط جنوب جمهورية الكونغو الديمقراطية وشمال غربي زامبيا بأسواق التجارة الإقليمية والعالمية عبر ميناء "لوبيتو" في أنغولا.

 

مواجهة الصين

وعلى رغم تدشين خط سكة الحديد في أنغولا الذي بدأته اسكتلندا عام 1903، وفق خطة استثمارية استمرت 99 عاماً، إلا أن المشروع أعيد لصالح أنغولا بعد انتهاء المدة عام 2001، وفي عام 2006، بدأت الصين تطوير ممر "بنغويلا"، من ميناء "لوبيتو" الأنغولي ويمر عبر جمهورية الكونغو الديمقراطية إلى زامبيا. وتقع "بنغويلا" على ساحل المحيط الأطلسي جنوب العاصمة لواندا، وتكمن أهميتها التاريخية في أنها أسسها البرتغاليون عام 1617، كقلعة ساحلية، وكانت مركزاً تجارياً لتصدير الرقيق إلى البرازيل.

ونشرت صحيفة سكك الحديد الدولية "ريلوي غازيتة"، أن "التسليم النهائي لخط سكة الحديد بنغويلا تم في الثالث من أكتوبر (تشرين الأول) 2019، من قبل الشركة الصينية للسكك الحديد، وظلت تعمل منذ عام 2006 على إعادة تأهيل الخط البالغ طوله 1300 كيلومتر من لواو على الحدود مع جمهورية الكونغو الديمقراطية إلى لوبيتو الذي اكتمل عام 2016"، وأضافت الصحيفة "نُقلت شحنة أولية من خام المنغنيز من مناجم كيسانج في جمهورية الكونغو الديمقراطية عبر سكة الحديد بنغويلا في مارس (آذار) 2018، تلتها شحنة 1200 طن من النحاس في سبتمبر من ذلك العام، وفي يوليو (تموز) الماضي، وصل قطار الرحلات البحرية قادماً من دار السلام في تنزانيا بعد رحلة استغرقت أسبوعين".

وعلى رغم أن الاستثمار الصيني في أفريقيا ظل إلى وقت قريب أعلى بكثير من الدول الغربية، مع إظهار بكين قدرتها المالية على إقراض مبالغ نقدية ضخمة للبلدان الأفريقية منذ عام 2013، إلا أن هذه الميزة التنافسية بدأت تتقلص في السنوات الأخيرة نتيجة عوامل عدة، منها التباطؤ الاقتصادي بعد تفشي جائحة "كورونا" ما أدى إلى تحديات اقتصادية داخل الصين، كما أدى إلى انخفاض الاستثمار في بناء الطرق والموانئ وسكك الحديد وغيرها من البنية التحتية المرتبطة بـ"مبادرة الحزام والطريق" من  125 مليار دولار في عام 2015 إلى 70 مليار دولار في عام 2022، وفقاً لجامعة "فودان" بشنغهاي، وكذلك بسبب المخاوف المتزايدة بشأن أخطار ضائقة الديون في مختلف الدول الأفريقية.

طلب المعادن

وقال محلل القضايا الجيوسياسية والتجارية وايلدر أليخاندرو سانشيز "قد يكون هناك للطلب على المعادن المهمة آثار إيجابية، مثل تجديد وتحديث أنظمة السكك الحديد الأساسية. وحتى سبعينيات القرن الماضي، كان ممر لوبيتو واحداً من أكثر طرق النقل ازدحاماً في أفريقيا، حيث كان يربط الأسواق الداخلية لجنوب ووسط أفريقيا ببقية العالم، ما سهل التجارة في معادن مثل النحاس والكوبالت والفحم والزنك والرصاص والأخشاب، وسلع مثل السكر والذرة والقهوة، ولكن تأثرت العمليات بشدة بعد بدء الحرب الأهلية الأنغولية"، وأضاف "يبدو أن الدول الثلاث المشاركة في الممر، أنغولا وجمهورية الكونغو الديمقراطية وزامبيا، مهتمة بإصلاح السكك الحديد لاعتمادها على الطلب المتزايد على المعادن الحيوية اللازمة لانتقال العالم إلى الطاقة النظيفة لدفع الاستثمار في البنية التحتية في المنطقة".

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وأوضح محلل القضايا الجيوسياسية والتجارية أن "مشروع ممر السكك الحديد لوبيتو له زاوية جيوسياسية أيضاً، لطالما كانت أنغولا الدولة الغنية بالنفط تربطها علاقات وثيقة مع الصين وروسيا، ولكن في عهد الرئيس الأنغولي جواو لورنسو، أصبحت أقرب إلى واشنطن. ومع ذلك، ليس هناك ما يضمن أن المعادن المشحونة من لوبيتو ستتجه غرباً، لكن الميناء الأطلسي يتطلع بشكل طبيعي نحو أوروبا والأميركتين"، وتابع "يمكن لإدارة بايدن التي تفاوضت على هذه [الصفقة] مع حكومتي زامبيا وجمهورية الكونغو الديمقراطية، أن تستشهد بها كمثال على نجاح أجندتها الخضراء لأفريقيا، في ظل تزايد الضغط لتأمين المعادن الأساسية للتحول الأخضر. وتبحث اليابان أيضاً عن مصادر للمعادن، لذا يمكننا أن ننظر إلى هذا الوضع المتطور على أنه يضمن عدم سيطرة الصين على مصادر هذه المعادن".

تحول الطاقة

ويمكن الإشارة إلى محاولة مواجهة الولايات المتحدة لنفوذ الصين، أن واشنطن تقوم بضخ الملايين في مشروع ممر "لوبيتو" للحصول على المعادن اللازمة لتغذية تحول الطاقة. وقالت هيلينا ماتزا المنسقة الخاصة بالإنابة بالبيت الأبيض الأميركي لـ"الشراكة من أجل البنية التحتية العالمية والاستثمار" إن "الخطة التابعة لمجموعة السبع أنشئت عام 2022، لسد فجوة البنية التحتية في الاقتصادات الناشئة. وتم التعهد بمبلغ أولي قدره 600 مليار دولار لتمويل المبادرة على مدى خمس سنوات، وقد التزمت الولايات المتحدة مبلغ 200 مليار دولار منها. ويعد ممر لوبيتو أول مشروع رئيس لها".

وتوقعت الوكالة الدولية للطاقة أن "الطلب العالمي على المعادن سيرتفع لإنتاج المركبات الكهربائية والبطاريات بما لا يقل عن 30 ضعفاً بحلول عام 2040".

وأوضح محلل الشؤون الأفريقية سكوت مورغان أن "أنغولا تعرض ثروتها المهمة وتسعى للحصول على مصادر دخل أخرى غير الاعتماد على النفط، وسيعقد مؤتمر ومعرض التعدين الأنغولي الثاني في الفترة من 22 إلى 23 نوفمبر (تشرين الثاني) الجاري"، وتابع "المؤتمر ليس دقيقاً للغاية بشأن أهدافه ويحمل عنوان [تطوير إمكانات الموارد المعدنية في أنغولا لتوفير المعادن المهمة للتحول العالمي إلى الطاقة النظيفة]. ووفقاً له، تخطط أنغولا في نصف العقد المقبل لبدء إنتاج النيوديميوم والبراسيوديميوم اللذين يستخدمان في تصنيع بطاريات السيارات الكهربائية، وكذلك النحاس والنيوبيوم. وتمتلك أنغولا 36 من أصل 51 من المعادن الأكثر أهمية في العالم، بما في ذلك الكروم والكوبالت والغرافيت والرصاص والليثيوم والنيكل".

تحديات المبادرة

لكن الكاتب في صحيفة "جيوبوليتيكال مونيتور" الكندية أليكس ستونور ذكر أن "المبادرة الأميركية تواجه تحديات عدة، منها السبق الذي حققته الصين في أفريقيا، سواء من البنية التحتية الراسخة أو العلاقات الدبلوماسية، وكذلك إسهام مبادرة الحزام والطريق في ترسيخ مكانة الصين كشريك يمكن الاعتماد عليه للدول الأفريقية التي تحتاج إلى تطوير البنية التحتية، ويتعين على الولايات المتحدة أن تعمل بجد لبناء ثقة مماثلة"، وأضاف ستونور "يجب على الولايات المتحدة التعامل مع التعقيدات الجيوسياسية، والعلاقات التاريخية، والديناميات الإقليمية بعناية. ومن المرجح أن تسعى الدول الأفريقية التي تضع في اعتبارها سيادتها ومصالحها الوطنية إلى تطبيق نهج أكثر صرامة في التعامل مع كل من الصين والولايات المتحدة. ويتوقف نجاح مسعى الولايات المتحدة على قدرتها على التعامل مع تعقيدات القارة الأفريقية، وبناء الثقة مع الشركاء المحليين، وتقديم فوائد ملموسة تتماشى مع تطلعات الدول الأفريقية".

وأكد الكاتب الصحافي "أما بالنسبة إلى الزعماء الأفارقة، فإن السؤال لا يتعلق بما يمكن أن تحصل عليه الولايات المتحدة أو الصين من هذه الصفقات، بل يتعلق أكثر بما يمكن أن تحصل عليه أفريقيا من مواردها، وما إذا كان الغرب سيأخذ زمام المبادرة في مشاريع البنية التحتية، ويستفيد من تباطؤ الصين في تمويل المشاريع، خصوصاً في ضوء نية الدول الأفريقية لخلق القيمة الاقتصادية لمواردها والاحتفاظ بها داخل القارة".

أولويات اقتصادية

وأشار رئيس قسم العقود الآجلة والابتكار الأفريقي في "معهد الدراسات الأمنية" في بريتوريا جاكي سيليرز إلى أن "الأسئلة الحاسمة حول قروض ممر لوبيتو سوف تتعلق بشروطها وأسعار الفائدة، وما إذا كانت عامة، إضافة إلى مراعاة المعايير الفنية المشتركة للسكك الحديد، وهي المعايير الصينية المستخدمة في الغالب في شرق أفريقيا"، ورأى سيليرز أن "الشعور بأن بايدن يستغل الفجوة التي خلفها الرئيس الصيني شي جينبينغ في قمة مجموعة "الـ20" واضح. ومع أن بكين لم تذكر علناً سبب عدم حضور شي، لكن التكهنات ترجح بأنه شعر بأن المضيف رئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي يسعى إلى تعزيز طموحه في أن يصبح زعيم الجنوب العالمي، وهو اللقب الذي يطالب به شي بوضوح لنفسه"، كما رجح رئيس قسم العقود الآجلة والابتكار الأفريقي أن "بايدن جاء بمقترحات لتعزيز تمويل البنك الدولي للتنمية، بناء على أنه كان هناك أيضاً اتفاق واسع النطاق لإصلاح مؤسسات بريتون وودز". وشكك في استطاعة الولايات المتحدة ودول الاتحاد الأوروبي بأن تزيل الصين من مكانتها باعتبارها أفضل صديق للعالم النامي، وقال "قد يكون ممر لوبيتو هو الاختبار لذلك، وسوف يتطلب الأمر دعماً أكبر من القطاع الخاص الذي يبدو حماسه منخفضاً، مقارنة بالقطاع الحكومي، إلا إذا شجعته الدول الغربية للانضمام لهذا المشروع".

 

وقال وزير الأشغال العامة السابق في ليبيريا وزميل السياسات في "مركز التنمية العالمية بواشنطن" جيود مور إن "النقل بالسكك الحديد الموثوق به في المنطقة سيكون أولوية لشركاء مجموعة السبع الذين يريدون إزالة الأخطار عن سلاسل توريد المعادن المهمة من طريق الابتعاد عن الصين"، وتابع مور "الأنغوليون منفتحون على التفاوض مع شركاء آخرين وليس الصين حصرياً، ومع أن مواجهة الصين قد تكون أحد الأسباب، ولكن هذا الاهتمام مدفوع أيضاً بالأولويات الاقتصادية، لقد كانت الصين اللاعب المهيمن في قطاع البنية التحتية في مختلف أنحاء المنطقة على مدى العقدين الماضيين"، وأضاف "أشك في أننا على وشك رؤية تحول كبير بسبب عرض واشنطن".

المزيد من تقارير