Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

متخصصون: غياب الوثائق المحلية جعل تاريخنا يكتب من منظور غربي

تتجسد مشكلة التوثيق في تنوع مصادر المعرفة وتضاربها أحياناً والرؤية النقدية لا بديل عنها

يتطلب البحث في التاريخ خبرة بحثية تمكن الباحث من التنقيب في وثائق تخص أحداثا ووقائع حديثة  (اندبندنت عربية)

ملخص

اعتنى العرب في الجاهلية والإسلام بتحري أثر المرويات والرواة عبر علم "الجرح والتعديل"، فماذا عن الباحثين في التاريخ الحديث؟

يشكل التوثيق العلمي في الدراسات العربية، بينها السعودية، أهمية في تدوين تاريخها وأمجادها وسير أعلامها من الملوك والمفكرين وذوي الشأن، فالعرب منذ القدم جعلت الشعر ديواناً لها وثقت فيه أيامها وحروبها وأنسابها التي يتناقلونها جيلاً من بعد جيل.

ولهذا كانت عناية العرب في الجاهلية والإسلام بتحري أثر المرويات والرواة عبر علم "الجرح والتعديل" إحدى وسائل التحقق في طلب العلم والمعرفة. وما قول النسابة البكري، إن "للعلم آفة ونكداً وهجنة واستجاعة: فآفته النسيان" إلا إشارة ضمنية إلى ضرورة التوثيق والإسناد والتحقيق.

الأرشيف الحديث

ظهر الاهتمام بالأرشيف في شبه الجزيرة العربية عقب نشأة الدول واستقلال بعضها.

أستاذ التاريخ السعودي حمد العنقري يشير إلى أن السعودية من أولى الدول التي اهتمت بإعداد أرشيف خاص بها جمع من الوثائق المحلية والأرشيفات العالمية وهي محفوظة في المركز الوطني للوثائق والمحفوظات، ودارة الملك عبد العزيز وغيرها من الجهات التي تعنى بحفظ التاريخ الوطني للبلاد.

يضيف، "لم تكن هناك خشية من التوثيق عند العرب، بل كانوا يولون الوثائق عناية خاصة، سواء كانت رسمية تصدرها الدولة أو غيرها، لكن غاب عنهم فهرستها وحفظها في دار خاصة بها، الأمر الذي أسهم في التلف، عمداً أو عن غير قصد، مما أفقدنا مادة علمية مهمة في كتابة تاريخ العرب الحديث".

وأوضح أن التلف الذي تعرضت له الوثائق في بعض الدول لا يعني أنها اختفت بشكل نهائي، فقد تجد منها نسخاً في وثائق وأرشيفات أخرى، وعلى سبيل المثال، فإن الباحث في التاريخ السعودي الحديث لا يكتفي بما هو متداول فقط من وثائق على المستوى المحلي، بل عليه أن يرجع إلى أرشيفات الوثائق العالمية التي كانت مهتمة بالمنطقة، بينها الأرشيف البريطاني والفرنسي والروسي والتركي وغيرها، لأن ذلك يساعده على تكوين صورة أقرب للحقيقة. فكما هو معلوم، لا تاريخ من دون وثائق لأنها عصب الدراسات التاريخية.

وعن مسألة حفظ الوثائق للاستفادة منها في الكتابة التاريخية على مستوى واسع، ذكر أنها لم تتم إلا في العصر الحديث مع ظهور المذاهب المختلفة لتفسير التاريخ ووضعه في قالب علمي وبعض الأسس الحديثة مثل بقية العلوم.

طريق شائك

في السياق، يعتقد رئيس تحرير مجلة التراث الثقافي غير المادي علي النجعي، أن الباحث لا يعاني في الدراسات القديمة أو الإسلامية الوسيطة في سبيل الحصول على الوثائق كمصدر لمعلومته، بل تتجسد معاناته في الدراسات الحديثة بما تتضمنه من مشكلات منهجية ومعرفية، خصوصاً إذا كان موضوع بحثه متعلقاً بمسألة تاريخية معاصرة أو في فترة بعيدة نسبياً ولم يكشف عن كواليسها عبر الوثائق المعنية بها بعد، وبذلك تتجلى أزمة الوثيقة في العالم، لا سيما العربي منها.

 

 

تاريخ عربي ومنظور غربي

على هذه الشاكلة، يرى حمد العنقري، أن الباحث السعودي يعاني أثناء توثيقه لأحداث في تاريخنا الوطني فيلجأ كثيراً إلى الوثائق الغربية، وفي هذا خطورة كبرى "لأنه يخرج المروية من منظور غربي بحت".

العنقري أضاف، أن الأمر يزداد خطورة إذا كان المطالع لهذه الوثائق من الباحثين المبتدئين الذي قد لا تسعفه مهاراته البحثية في التعامل مع هذه الوثائق واستخلاص المطلوب منها، بالتالي يصبح تاريخنا معرضاً للاختطاف إلى دهاليز دور الوثائق الغربية، ولا يعبر بصدق عن طبيعة الحوادث التاريخية الوطنية والقومية، كما حدثت.

أستاذ التاريخ السعودي شدد على ضرورة ألا يتعرض باحث في مقتبل طريقه البحثي إلى مثل هذه الوثائق إلى أن تتكون لدية تجربة ثرية تمكنه من مطالعاتها والتحقق من مدى صدقيتها مع التاريخ العام، وأشار حتى إذا توفر لدى البعض الصقل العلمي ثمة معاناة أمام الباحث لمطالعة بعض الوثائق، خصوصاً تلك التي لم تمر عليها فترة زمنية يجب تجاوزها لتكون متاحة في الأرشيف العربي، والتي للأسف تكون غير محددة بوضوح فيها لاعتبارات كثيرة تخص الدولة صاحبة الشأن، وهذا يضع الباحث أمام دوامة من الإجراءات الإدارية والروتينية قد يطول زمنها ليؤذن له بالاطلاع عليها.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وعن إتاحة الوثائق للباحثين أشار العنقري إلى أنه يتباين باختلاف أهمية الوثائق وخطورتها، فهناك بعض الأرشيفات تتيح الاطلاع على بعض الوثائق بعد مرور 50 عاماً، ومنها ما تسمح بعد 30 سنة وأخيرة بعد 20 سنة. ويرجع ذلك إلى أن ظهور بعض الوثائق قد يسبب مشكلات لأفراد شاركوا في بعض الحوادث وما زالوا على قيد الحياة، وربما يعرضهم للخطر، كما أن بعض الوثائق في ظهورها خطر يعكر صفو العلاقات بين الدول أو يمس قضايا الأمن القومي بأخرى، ولذلك يمنع من الاطلاع عليها.

يتابع، على سبيل المثال وثائق ثورة يوليو (تموز) عام 1952 في مصر، حتى الآن على رغم مرور نحو 70 سنة، فإنه لا يسمح بالاطلاع عليها، والحقيقة أن الكشف عن عيوب الماضي يفيد على حد كبير في تجنب عوامل الخطأ في الحاضر، والعكس من ذلك يعد تضليلاً وبعداً من التبصر. وأشار إلى أنه "من ناحية أخرى قد يكون إخفاء الحقيقة عملاً وطنياً في بعض الظروف كما تفعل كل الأمم، ولكن لا بد من ظهور الحقيقة بعد زوال الضرورة التي دعت إلى إخفائها حتى يمكن استخلاص أكبر قسط من الحقيقة التاريخية، ولا يمكن أن يكتب التاريخ بغير الوقائع الصحيحة".

تنوع مصادر المعرفة حد التضارب

تأتي مشكلة التوثيق في البحوث والدراسات العلمية في تعدد الطرق المعتمدة وتنوع مصادر المعرفة وتضاربها أحياناً في الوقت الراهن وإلى ظهور وسائل الإعلام الحديثة بوصفها مصدراً للمعلومات، وكذلك تعدد مواقع التواصل الاجتماعي وغيرها، فضلاً عن التداخل بين هذه المصادر.

يشير الباحث في الأنثروبولوجيا والتاريخ السعودي إسماعيل السلامات لحل هذه المشكلة إلى أن المؤسسات عليها توحيد معايير التوثيق العلمي وتوفير التدريب والتأهيل للباحثين والطلبة ونشر الوعي بأهمية التوثيق العلمي.

 

 

وبحسب النجعي، فإن السعودية تمتلك مؤسسات رسمية معنية بمسألة توثيق التاريخ السياسي والاقتصادي والاجتماعي وغيرها، ومنها مكتبة الملك فهد الوطنية وهي مؤسسة وطنية تعنى بأعمال التوثيق للإنتاج الوطني المعرفي وتوفر للباحثين المخطوطات والكتب والصور والصحف، فضلاً عن أنها توفر لهم الوثائق، ودارة الملك عبدالعزيز والمركز الوطني للوثائق والمحفوظات.

عن مدى المصداقية بالأرقام في الوثائق القديمة يذكر النجعي، "اشتهر أن الأرقام في الوطن العربي في الثقافة العامة وجهات نظر لا تقوم على دراسات دقيقة، وتستعمل الأرقام فقط كنوع من الحجاج وكنوع من أنواع الإقناع للجمهور دون تحري الدقة مع عدم الحرص على الكشف عن الحقيقة، لكن ما نلمسه في التوثيق الحديث أن المؤسسات المعنية بالإحصاء في السعودية تند عن مثيلاتها، فهناك التحري والدقة وتوظيف التقنية من أجل الوصول إلى أدق رقم إحصائي".

يتابع، الهيئة العامة للإحصاء تضطلع بدور مهم في توظيف كل الإمكانات التقنية الحديثة في الذكاء الاصطناعي في سبيل الخروج بدراسات دقيقة عن الإحصاءات العامة للسكان في المجالات الصحية والاجتماعية والسكانية، كل الوثائق متاحة أمام الباحثين مع وجود تسهيلات الوصول إليها، بل توفر هذه المؤسسات ومنها دارة الملك عبدالعزيز خدمة إلكترونية تمكن الباحثين من التعرف على صحة أي وثيقة تاريخية أو مخطوطة ومعرفة مصدرها.

اقرأ المزيد

المزيد من تقارير