ملخص
قبل بدء الاحتجاجات في سوريا، كان دبلوماسيون أميركيون يسعون إلى التحضير لجولة مفاوضات جديدة، وصلت إلى مرحلة إعداد مسودة للاتفاق تمحورت حول السلام وأمن إسرائيل
مساء الثلاثاء 24 أكتوبر (تشرين الأول) الماضي قصفت المدفعية الإسرائيلية مواقع داخل الأراضي السورية، وقالت في بيان، إنها ردت على مصادر إطلاق قذيفتين صاروخيتين وقعتا في الجولان في الجزء الذي يقع تحت سيطرة إسرائيل. وقالت "يديعوت أحرونوت"، إن "ميليشيات إيرانية في منطقة درعا قامت بإطلاق الصاروخين باتجاه الجولان".
لم تكن هذه الحادثة هي الأولى من نوعها في الجولان التي تعتبر الجبهة الهادئة في الصراع العربي - الإسرائيلي، لكنه نادراً ما يحدث.
ففي العقد الأخير انهمكت الدول العربية بتفاصيل ما عرف بالانتفاضات والصراعات التي أفرزتها الاحتجاجات الشعبية والاستقطابات السياسية في النواحي العسكرية والأمنية والاقتصادية وغيرها من العوامل، التي حولت عدداً من هذه البلدان إلى دول غير مستقرة نسبياً.
ولربما سوريا كانت أبرز تلك الدول التي غاصت في تفاصيل الصراع داخلها وعليها، بحكم استمرار النزاع فيها وتحوله إلى حرب أهلية وساحة تضارب لأجندات دول إقليمية والقوى الكبرى فيها مثل روسيا والولايات المتحدة الأميركية التي دخلت سوريا تحت عنوان "الحرب ضد داعش" والإرهاب، بحسب خبراء عسكريين.
وإن كانت الحرب في غزة استحوذت في الأسابيع الأخيرة على الاهتمام في ملف الصراع الفلسطيني- الإسرائيلي، وكذلك العربي- الإسرائيلي، ولو استبعد طرحه خلال السنوات الأخيرة، إلا أن مسألة الأراضي التي استحوذت عليها إسرائيل بقيت مسألة عالقة لم تحسم، ولا تزال سبباً بارزاً لمنع عقد اتفاقات سلام بين إسرائيل ومعظم الدول العربية خصوصاً سوريا ولبنان، وفق الخبراء.
على طرفي الحدود
وما زال جنوب لبنان على رغم انسحاب إسرائيل من أجزاء واسعة منه في أواخر ربيع 2000، منطقة توتر مستمر بين "حزب الله" اللبناني والجيش الإسرائيلي، وإن كانت على شكل مناوشات متباعدة الفترات على رغم انتشار قوات أممية "يونيفيل" هناك، على عكس هضبة الجولان السورية التي استحوذت عليها إسرائيل عام 1967 وشنت حرب أكتوبر 1973 من أجل استعادتها، إلا أنها بقيت تحت السيطرة الإسرائيلية في نهاية المطاف، وشملها عدد من القرارات الأممية بشرط انسحاب إسرائيل منها وتكون سبباً لعقد اتفاق سلام بينها وبين سوريا. فهذه الجبهة بقيت من الناحية العسكرية هادئة بشكل شبه تام، في حين أن الأراضي المستعادة من قبل سوريا بقيت خالية من مشاريع تنموية ومعظم مبانيها لا تزال أطلالاً شاهدة على الحرب، في حين أن شؤونها ومعاملات سكانها تدار من مبنى محافظة القنيطرة في المدينة التي تعرف حالياً بالبعث، والتي أنشئت في أواسط الثمانينيات وتضم عدداً من المباني الحكومية، لكن محافظة القنيطرة ما زالت فقيرة بوارداتها إلى جانب تواضع أحوال ساكنيها خصوصاً بعد سلسلة من الأحداث التي شهدتها في سنوات الأزمة السورية الأخيرة.
لكن على الجانب الآخر من الحدود في مرتفعات الجولان، فقد تحولت المناطق التي تقع تحت سيطرة إسرائيل إلى مصدر اقتصادي وسياحي مهمين للإسرائيليين. فالطبيعة هناك غنية بمواردها المائية والزراعية وكثرة ينابيعها التي تحولت إلى مصدر رئيس لمياه الشرب وري المزروعات في شمال إسرائيل، كما أن المساحة التي تقدر بنحو 1200 كيلومتر مربع أنشأت فيها إسرائيل مزارع ومراعي للأبقار التي تؤمن نحو نصف حاجاتها من اللحوم، إلى جانب زراعة الفاكهة التي بات المستوطنون الإسرائيليون، والموزعون على أكثر من 30 مستوطنة، المنتجين الرئيسين فيها إلى جانب سكان المنطقة الأصليين والذين ينتمي غالبيتهم لطائفة الموحدين الدروز، حيث انقسموا بين تلك المنطقة والداخل السوري منذ عام 1967.
غياب الملف
غابت قضية الجولان السوري بشكل شبه تام في السنوات الأخيرة، بل إن أي محادثات مباشرة بين سوريا وإسرائيل من أجل استعادة تلك المرتفعات لم يعلن عنها منذ أواخر عهد رئيس النظام السوري السابق حافظ الأسد، حين دخلت الدولتان عام 2000 في مفاوضات مباشرة مثل فيها وزير الخارجية آن ذاك فاروق الشرع الجانب السوري، ورئيس الوزراء إيهود باراك إسرائيل برعاية مباشرة من الرئيس الأميركي بيل كلينتون ووزيرة خارجيته مادلين أولبرايت في شيبردز تاون بولاية فيرجينيا. لكن هذه المفاوضات التي جاءت عقب لقاء الأسد وكلينتون في جنيف، فشلت في الوصول إلى سلام بين سوريا وإسرائيل جراء تمسك الأخيرة بإجراءات السلام على حساب ترسيم الحدود والانسحاب إلى خط الرابع من يونيو (حزيران) عام 1967.
المشاهد التي كانت تظهر الشرع وباراك في ممشى وفي قاعات مبنى التفاوض في شيبردز تاون، كانت آخر الصور التي تجمع المسؤولين الإسرائيليين مع السوريين من أجل التفاوض. لكن محاولات أخرى لعقد السلام بين سوريا وإسرائيل عبر وسطاء وبشروط مختلفة مع اختلاف السنوات اللاحقة، تسربت إلى وسائل الإعلام وتمحورت حول عقد اتفاق سلام بين الدولتين مقابل الأرض، وزاد عليها شرط فك ارتباط سوريا بإيران و"حزب الله" بحسب متابعين للملف، وذلك خلال عهد الرئيس الحالي بشار الأسد وصولاً حتى سنوات دخول البلاد في أزمتها الممتدة منذ عام 2011 وحتى اليوم لتتوقف تلك المبادرات غير المباشرة لعقد السلام بين البلدين.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
"هدنة غير معلنة"
ثمة رأي يتبناه المراقبون للأوضاع في الشرق الأوسط، أن النظام السوري وإسرائيل قد سار بينهما اتفاق "هدنة غير معلنة" بعد حربي 1967 و1973، وأن هذه الهدنة دفعت بالجامعة العربية ودولها إلى الصمت حيال ملف الجولان. ومن أصحاب هذه الرؤية الباحث الكردي السوري والمقيم في الولايات المتحدة الأميركية محمود عباس، الذي يرى أن قضية الجولان أصبحت هدفاً بعيد الأجل للنظام السوري، مفسراً أن عدم التصعيد العسكري والسياسي، سهل له التفرغ لترسيخ أركانه في الداخل، "بدل استنزاف القوة في صراع خاسر مع إسرائيل".
وبحسب الباحث السوري، فقد "دخل النظام السوري بصراع وهمي مع إسرائيل في الإعلام"، وقضية الجولان حاضرة في كل لقاء وقمة رئاسية أو اجتماع وزاري تحضره الحكومة السورية، وذلك بحسب ما يعلن في البيانات الرسمية الصادرة عن هذه المناسبات. "قضية الجولان لا تزال حاضرة في المنابر والمؤتمرات، على رغم أن هناك من يهمس باتفاق ضمني بين نظام الأسد وإسرائيل يتطلب الصمت حولها"، بحسب الباحث المتحدث من الولايات المتحدة. "وانطلاقاً من ذلك، يمكن القول إن مصلحة النظام تتطلب التغاضي عنها، وإسقاطها من الحسابات السياسية الدولية، على ألا يتم التطرق إليها إلا عندما تدعو الضرورة".
مقابل ذلك، أدركت إسرائيل أن أي مطلب سياسي سوري أو عربي أو دولي، لن يؤدي إلى أي تغيير في وضعها كجزء من جغرافية إسرائيل، "حتى ولو كانت تعرف على أنها أراض محتلة وفق القانون الدولي"، على حد قوله.
الاعتراف الأميركي
ويمكن الاستدلال لهذه القناعة الإسرائيلية من خلال ما اعتبره نفتالي بينيت، زعيم حزب البيت اليهودي اليميني المتطرف وحليف بنيامين نتنياهو، ألا مبرر لاعتراض العالم على رفض الاستيطان في مرتفعات الجولان (التي ضمتها إسرائيل عام 1981) وهو ما دفع الرئيس الأميركي دونالد ترمب إلى القول: "بعد 52 عاماً، حان الوقت لكي تعترف الولايات المتحدة بالكامل، بسيادة إسرائيل على مرتفعات الجولان".
لكن قبل بدء الاحتجاجات في سوريا، كان دبلوماسيون أميركيون يسعون إلى التحضير لجولة مفاوضات جديدة، وصلت مرحلة إعداد مسودة للاتفاق تمحورت حول السلام وأمن إسرائيل من النفوذ الإيراني في سوريا، ومنع أي تهديد ينطلق من سوريا مقابل رفع العقوبات الأميركية عن سوريا، في حين أصر الرئيس السوري على استعادة الجولان والوصول إلى حدود الرابع من يونيو، لكن توقفت الجهود الأميركية مع تأزم الأوضاع في البلاد وتصريحات الرئيس الأميركي باراك أوباما حول تنحي الأسد عن السلطة، ليأتي اليوم الذي أعلن الرئيس الأميركي اللاحق دونالد ترمب سيادة إسرائيل على كامل المرتفعات المحتلة في الجولان وذلك في 25 مارس (آذار) 2019.
تراجع الاهتمام الأميركي
تعتبر الولايات المتحدة الأميركية أبرز الوسطاء في عقد المفاوضات ورعايتها بين سوريا وإسرائيل منذ سبعينيات القرن الماضي، لكن مع تغير الأحداث تراجع الاهتمام الأميركي بهذه القضية، ويوضح الباحث الكردي السوري محمود عباس في حديثه حول اهتمام الولايات المتحدة بملف السلام بين سوريا وإسرائيل، أنه "في الواقع ومن حيث البعد السياسي هناك سلام غير مباشر بين سوريا وإسرائيل، وهو ما تراه الإدارة الأميركية وتتحرك على أساسه، وترى أن الجاري بينهما هو الأنسب". أما في البعد العسكري بحسب عباس، "فإسرائيل لم تقصف القوات السورية منذ حرب يونيو، "ما يجري منذ عام 2013 وحتى اليوم هو قصف لمواقع إيرانية وجماعاتها، ولم يتم أي اعتداء على الحدود الإسرائيلية من قبل الجيش السوري".
لذلك وفق عباس، فإن موقف دونالد ترمب عند الاعتراف بسيادة إسرائيل على الجولان، يمكن اعتباره الموقف الرسمي للحزبين الحاكمين، وللغالبية المطلقة لهذه الإدارة أو لأي إدارة قادمة، ولا يتوقع أن تطرح إشكالية منطقة جولان على أي طاولة مفاوضات بين الدولتين أو أن تثيرها، بخاصة في الواقع السياسي الجاري، وهي قضية ثانوية بالنسبة لأميركا، بل وحتى بالنسبة إلى الهيئات الدولية مقارنة بالقضايا الأخرى في المنطقة، مثل قضية الدولة الفلسطينية، وحل الدولتين، والصراع الجاري ضد الإرهاب في المنطقة، وقضية تجاوزات إيران وغيرها.
إسرائيلياً: لا حاجة إلى التفاوض
يقول الكاتب والباحث السياسي حسين عمر إنه "لم تعد هناك حاجة إسرائيلية للتفاوض مع جيرانها، وبخاصة سوريا حول الأراضي التي ضمتها". ويضيف "كما هو معلوم ضمت إسرائيل الجولان قبل أعوام إلى خريطتها المرسومة، وأصبحت تعتبرها جزءاً لا يتجزأ من دولة إسرائيل كما الجليل الأعلى والقدس والكثير من الأراضي الفلسطينية التي ضمتها بعد 1967، وهي مصممة على عدم التنازل أو الانسحاب منها، لا بل أقامت عشرات المستوطنات فيها وهي حال الجولان أيضاً". ويعتبر عمر أنه "إذا ما حصل أي تفاوض بين سوريا وإسرائيل، فالبند الأول سيكون التفاوض على السلام بين البلدين من دون تراجع إسرائيل أو الانسحاب، والجولان لن يكون ضمن بنود النقاشات التفاوضية".
دور إيران في الجولان
ومع احتدام الأزمة السورية زاد النفوذ الإيراني بعد استدعائه بطلب رسمي من النظام، وكان لهذا النفوذ شكله العسكري والمسلح لا سيما في مناطق الجولان السوري. لكن الكاتب والباحث السياسي السوري حسين عمر لا يرى أي تأثير للوجود الإيراني في الجولان على رغم وجود مسلحين موالين لإيران قرب تلك المنطقة سواء كان في الجانب السوري أو اللبناني، مشيراً إلى أن طهران تحاول الاستثمار في الملف السوري ككل وكذلك ملف الجولان بشكل منفصل، "لكن هناك موانع إقليمية ودولية تمنع إيران من لعب أي دور في ملف جولان وبخاصة من قبل الإسرائيليين الذين لا يرغبون بالتفاوض مع أي جهة في الوقت الحالي حول الجولان". ويشدد عمر على أن "إيران لن يكون لها أي دور في التفاوض مع إسرائيل حول أي مسألة، سوى التفاوض من أجل إقامة علاقة رسمية والاعتراف بدولة إسرائيل، وهذا ما لا تريده القيادة الإيرانية حالياً".
منال بعيد
في المدى المنظور ووسط زحمة عناوين المعارك المختلفة في حركة الصراع الإسرائيلي -الفلسطيني والإسرائيلي– العربي، يبدو مصير العودة إلى التفاوض حول جولان أمراً مستبعداً تماماً بحسب الباحث السياسي حسين عمر، إلا إذا كانت هناك حكومة إسرائيلية تعترف بسورية الجولان وترغب في العودة إلى خطة الأرض مقابل السلام، "هذه الخطة التي دفنها نتنياهو منذ أكثر من 20 عاماً عندما استلم رئاسة الوزارة لأول مرة"، على حد تعبيره.
في حين يلفت الباحث محمود عباس إلى أن "مسألة التفاوض السوري -الإسرائيلي أصبحت قضية شبه مهملة، وما يتم عرضه في المحافل الدولية عند الضرورة مجرد مواقف سياسية، لن تغير واقع أنها باتت جزءاً من خريطة إسرائيل، وقد تكون مماثلة لما كانت عليه لواء إسكندرونة (شمال اللاذقية السورية)"، على حد تعبيره.
جميع السكان الأصليين في الجولان السوري داخل إسرائيل أصبحوا إسرائيلي الجنسية ويسكنون بين اليهود ويختلطون بهم. ولاستقطاب مزيد من المستوطنين إلى هذه الأرض، "صرفت إسرائيل أكثر من مليار دولار لتطوير بنيتها التحتية وبناء مراكز صناعية لإنعاش المنطقة".
ويختم عباس قوله، إن الجولان في الواقع العملي هي الآن جزء من الجغرافية الإسرائيلية، "وعلى هذا الأساس تديرها إسرائيل، وتتعامل مع سكانها، واليوم تعتبر من بين المناطق الأكثر تطوراً فيها على الصعيد الزراعي والصناعي والبنى التحتية، وستظل جزءاً من جغرافيتها إلى أن يتم ربما تغيير شامل في خريطة المنطقة الجيوسياسية، أو في حال حدوث اتفاقات دولية يتم فيها اعتراف الدول العربية، وخصوصاً سوريا، بإسرائيل، مقابل إعادة الجولان".