Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

الذكاء الاصطناعي في غزة... تدمير من بعد وشرائح افتراضية

سبق ولجأت الجيوش المتصارعة في الحروب الحديثة إليه في حلبات القتال بدرجات متفاوتة

طائرة "درون" تحلق فوق عين شيمر بشمال إسرائيل (أمير كوهين/ رويترز)

ملخص

العمليات العسكرية في غزة تحمل قدراً وافراً من تقنيات الذكاء الاصطناعي

من طفلة فلسطينية بوجه بريء وملابس ممزقة تنظر إلى أفق المستقبل بابتسامة وأمل وهي جالسة على تل ركام مع خلفية من الدمار والخراب الكاملين، إلى برنامج التجسس "بيغاسوس" الذي يقال إن إسرائيل تستخدمه لتعقب محتجزيها لدى حركة "حماس" إلى فيض من صور وفيديوهات مجهولة النسب على أثير الـ"سوشيال ميديا" والإعلام التقليدي إلى صورة مبهجة لأسرة ممتدة تتناول الطعام وأمارات السعادة وعلامات الامتنان على وجوه الجميع، ولا يعكر صفو الروعة سوى ركام غزة، حيث يجلسون، إلى خوارزميات متطورة تدخل على خط الصراع وتصويبات بالغة الدقة تستهدف طابقاً في عمارة أو شخصاً في سيارة إلى تقنيات غير شائعة تنجح في إعادة تمكين أهل غزة من الاتصال بالعالم، وغيرها كثير يشير إلى أن الذكاء الاصطناعي في القلب من حرب القطاع.

 

راية الذكاء الاصطناعي

حرب غزة التي دخلت شهرها الثاني لا تكتفي برفع راية صراع عمره 75 سنة، أو بتسليط ضوء على توازنات إقليمية ومصالح عالمية بعضها يتغير، والبعض الآخر قديم قدم الصراع، أو حتى بإعادة التأكيد أن ما بني على احتلال يظل قنبلة موقوتة معرضة للانفجار من دون سابق إنذار، لكنها ترفع راية الذكاء الاصطناعي بشكل غير مسبوق.

سبق ولجأت الجيوش المتصارعة في الحروب الحديثة، وكذلك الجماعات المسلحة والميليشيات، إلى الذكاء الاصطناعي في حلبات القتال بدرجات متفاوتة. وحرب روسيا في أوكرانيا ليست إلا مثالاً حديثاً على ذلك، حتى إن خبراء الحروب والذكاء الاصطناعي يسمونها "معملاً حياً لقواعد الحرب في زمن الذكاء الاصطناعي". حتى الجماعات المسلحة مثل تنظيم "داعش" تستخدم تقنيات الذكاء الاصطناعي في هجماتها وعملياتها.

 

العمليات العسكرية الدائرة في غزة تبدو بدائية في وحشيتها، لكنها تحمل في طياتها قدراً وافراً من تقنيات الذكاء الاصطناعي، لكن بدرجات متفاوتة بين ما تمكنت من اقتنائه وتطويره "حماس"، وتوليفة ما ابتكرته أو حصلت عليه إسرائيل ويعد الأحدث.

أحدث وأخطر برامج التجسس

أحدث وأخطر وأكثر برامج التجسس تعقيداً هو "بيغاسوس" الذي طورته مجموعة "أن أس أو" الإسرائيلية قبل سنوات "لاستخدام الجهات الحكومية". البرنامج يستهدف الهواتف الشخصية للأفراد، وترسل البيانات الموجودة عليها من صور ورسائل ومقاطع صوتية وفيديوهات للجهة المسؤولة. ويحمل التطبيق على هواتف من دون علم أصحابها أو شعورهم بأن اختراقاً ما حدث لهواتفهم، ومن دون معرفة المصدر أيضاً.

هذا التطبيق يثير جدلاً كبيراً نظراً إلى مخاوف من استخدامه من دون ضابط أو رابط، وهو ما جرى الكشف عنه فعلاً، عام 2021، حين كشفت تقارير عن استخدامه للتجسس على صحافيين وناشطين ورؤساء ودبلوماسيين في دول عدة حول العالم. وفي حرب القطاع، عاد "بيغاسوس" إلى الأضواء مجدداً، ولكن هذه المرة لمحاولة تقفي أثر الإسرائيليين والأجانب الذين احتجزتهم أو قتلتهم "حماس" في عملية "طوفان الأقصى".

غرفة حرب

وبحسب موقع "أكسيوس" الأميركي، فقد دشنت شركة "أن أس أو" "غرفة حرب" مع شركات مماثلة وموظفين سابقين في الشركة بغرض تتبع واختراق الهواتف الخاصة بالمحتجزين والمفقودين، وكذلك من نفذوا عملية الاختطاف.

تجدر الإشارة إلى أن مجموعة "أن أس أو" مدرجة على القائمة السوداء في الولايات المتحدة الأميركية ويحظر على الوكالات الفيدرالية استخدام برامجها. وكانت المجموعة قد بذلت جهود ضغط عديدة لإزالة أسمائها من هذه القائمة، ويعتقد أن استخدامها للوصول إلى هواتف المحتجزين وأفراد "حماس" سيصب في صالح المجموعة، لا سيما حال نجاح التطبيق في تحقيق الهدف.

ضمن أهداف استخدام الذكاء الاصطناعي (المعلنة) في الحروب تقليل أعداد الضحايا على الجانبين، فالطائرات المسيرة والمركبات الذاتية القيادة والتصويب بالغ الدقة عبر الروبوتات والبرامج الدقيقة من شأنها أن تحافظ على أرواح الجنود، وكذلك تقليص أعداد الضحايا من المدنيين، لكن عداد القتلى والمصابين من المدنيين في غزة يشير إلى أنه على رغم استخدام الذكاء الاصطناعي، وربما بسببه، فإن الأعداد هائلة.

رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو قال قبل أيام في لقاء تلفزيوني إن إسرائيل تبذل كل ما في وسعها لإبعاد المدنيين (الفلسطينيين) عن الضرر خلال قتالها مع حركة "حماس" في غزة، وذلك عبر إلقاء المنشورات التحذيرية ومهاتفتهم لحضهم على الفرار، لكن هذه المحاولات الهادفة إلى تقليل الخسائر البشرية للحد الأدنى لا تنجح. ما ينجح هو عداد قتلى المدنيين المتفجر، وكذلك جهود الترويج والتسويق لمكانة الجيش الإسرائيلي كأحد أكثر جيوش العالم تقدماً تكنولوجياً، هذا التقدم يبدو أنه يمضي بلا حساب أو رقابة أو متابعة.

نداء الأسلحة المستقلة

قبل يومين من العملية التي نفذتها "حماس" صدر نداء مشترك من كل من الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش ورئيسة اللجنة الدولية للصليب الأحمر ميريانا سبولياريتش لاعتبار استهداف البشر بـ"الأسلحة المستقلة" خطاً أخلاقياً ينبغي عدم تجاوزه. وجاء في النداء أن "الآلات القادرة على استخدام القوة لإزهاق الأرواح من دون تدخل بشري يجب أن تحظر بموجب القانون الدولي"، وناشدا الدول فرض حظر وقيود على أنظمة الأسلحة الذاتية التشغيل لحماية الأجيال الحالية والمستقبلية.

وحذر غوتيريش وسبولياريتش من أن اختيار أنظمة الأسلحة ذاتية التشغيل للأهداف يثير مخاوف إنسانية وأخلاقية وقانونية وأمنية خطرة، وتطويرها وانتشارها يمكن أن يحدث تغييراً كبيراً في كيفية خوض الحروب، لا سيما مع تزايد سهولة الوصول لهذه التقنيات.

وعلى رغم أن "هذه التقنيات" وما فاخرت به إسرائيل على مدار الأعوام القليلة الماضية من تنامي قدراتها العسكرية الذكية لم تحقق لها الحماية أو الوقاية أو التنبؤ أو رصد ما قامت به "حماس" في السابع من أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، فإن هذا لا يعني أنها ستقلص أو تراجع أو تكشف حقيقة وحجم اعتمادها أو دمجها للذكاء الاصطناعي في قدراتها العسكرية.

الحرب الأصعب

المؤكد أن إسرائيل لا تألو جهداً منذ الساعات التالية لعملية "طوفان الأقصى" في تجميع كل قدراتها في مجال الذكاء الاصطناعي لخوض الحرب الأصعب، ألا وهي شبكة أنفاق "حماس" التي تبلغ نحو 500 كيلومتر. فمن استخدام مركبات ذاتية القيادة إلى الاستعانة بروبوتات وطائرات من دون طيار لاكتشاف الأماكن المخفية على الأرض، وتبذل جهوداً عاتية لاكتشاف أماكن هذه الأنفاق عبر الذكاء الاصطناعي، وليس العنصر البشري لمعرفة يقينية بالخطر الداهم الذي ينتظر كل من يحاول طرق باب هذه الأنفاق. والمعروف في هذه الجزئية من الحرب الصعبة أقل بكثير من غير المعروف.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وتحت عنوان "لا نعلم لأي مدى تعتمد إسرائيل على الذكاء الاصطناعي في غزة، ولكن ينبغي علينا أن نعلم"، أشار الكاتب المتخصص في أمور التكنولوجيا في صحيفة "لوس أنجليس تايمز" الأميركية بريان مرشنت، قبل أيام، إلى أن إسرائيل قالت إنها أسقطت ستة آلاف قنبلة على غزة في الأسبوع الأول من الحرب، وهي منطقة تبلغ مساحتها 140 ميلاً مربعاً (نحو 363 كيلومتراً مربعاً)، أي عشر مساحة أصغر ولاية أميركية، وهي رود آيلاند، كما أنها أكثر المناطق كثافة سكانية في العالم. وقبل أشهر من هجمات "حماس" المروعة يوم السابع من أكتوبر، أعلن الجيش الإسرائيلي أنه يدمج الذكاء الاصطناعي في عملياته القاتلة. وذكر تقرير منشور في "بلومبيرغ" يوم 15 يوليو (تموز) الماضي، أن الجيش الإسرائيلي بدأ في استخدام الذكاء الاصطناعي لاختيار أهداف الغارات الجوية وتنظيم الخدمات اللوجيستية في زمن الحرب.

ورأى مرشنت أنه في ضوء الأسئلة العملية والأخلاقية الكثيرة، والتي لا تزال تحيط بالتكنولوجيا، إلا أنه ينبغي الضغط على إسرائيل لتكشف الطرق التي تستخدم بها الذكاء الاصطناعي في جيشها وحربها.

مفتاح إسرائيل للبقاء

وتطرق الكاتب إلى أخطار استخدام إسرائيل غير معلوم التفاصيل للذكاء الاصطناعي في غزة، إذ يمكن أن يتسبب الاستخدام في سقوط مدنيين أو ضرب أهداف صديقة. وأشار إلى مقال نشرته "الذراع التحريرية لجيش الدفاع الإسرائيلي" في عام 2017، وجاء فيه أن "الجيش الإسرائيلي يرى في الذكاء الاصطناعي مفتاح البقاء في العصر الحديث". وحمل المقال تفاخر الجيش الإسرائيلي بآلاته التي تتفوق على البشر في الذكاء، حيث "كل كاميرا، كل دبابة، كل جندي ينتج معلومات تضخ معلومات بشكل منتظم 24/7".

وأشار مرشنت كذلك إلى وصف الجيش الإسرائيلي حربه ضد "حماس" في غزة عام 2021 بأنها "حرب الذكاء الاصطناعي الأولى". وكانت قيادة الجيش الإسرائيلي روجت آنذاك للميزات العديدة التي وفرها الذكاء الاصطناعي في الحرب على "حماس" في ذلك العام، لا سيما استهداف وقتل اثنين من قادة الحركة.

صناديق سوداء بخوارزميات مبهمة

وحذر الكاتب من أن عديداً من أنظمة الذكاء الاصطناعي تتحول بشكل متزايد إلى صناديق سوداء بخوارزميات غير مفهومة بشكل كافٍ وبعيدة من متناول الرأي العام، فالسؤال الذي يجب أن يطرح هو: إذا أدت إحدى الهجمات التي تتم بقرار من الذكاء الاصطناعي إلى إلحاق ضرر كبير بالمدنيين غير المتورطين في العنف، من الذي يجب أن يتحمل مسؤولية القرار؟

وخلص الكاتب إلى تخوف مفاده "إمكانية استخدام الذكاء الاصطناعي لتسريع أو تمكين القدرة التدميرية لأمة متشنجة من الغضب، مع حجب أخطاء مميتة محتملة في خوارزمياتها بسبب ضباب الحرب".

ضباب الحرب

ضباب الحرب وخوارزمياتها ليست حكراً على الأسلحة والاستهدافات والقتل الذكي، لكنها تمتد في هذه الحرب إلى خوارزميات منصات التواصل الاجتماعي التي تشهد إدارتها وطرق مراقبة محتواها تشنجات هي الأخرى منذ بدء حرب القطاع. ملايين المستخدمين العرب يشكون منذ بدء الحرب من حذف منشوراتهم الخاص بالأحداث، لا سيما على منصات "ميتا" و"فيسبوك" و"إنستغرام"، باعتبار هذه المنشورات تحض على الكراهية والعنف.

وقد أدى ذلك إلى تفجر طاقات الإبداع بين المستخدمين عبر اللجوء إلى كتابة الكلمات التي تحذفها الخوارزميات مقطعة، وتشويش الصور المستهدفة كذلك. وكانت النتيجة تفجر صراع القط والفأر بين الخوارزميات من جهة والمستخدمين من جهة أخرى، في حرب شرسة لم يتوقعها أعتى خبراء الذكاء الاصطناعي.

خبراء الذكاء الاصطناعي الذين اعتادوا في حروب وصراعات سابقة لجوء كثيرين لسلاح الفبركة ونشر الأخبار الكاذبة وتجنيد الكتائب والميليشيات الإلكترونية لإلحاق الضرر المعنوي، وحبذا المادي بـ"العدو"، فوجئوا بطوفان غير "طوفان الأقصى" يغرق الجميع في محيط من الصور والأخبار والفيديوهات المفبركة، وإن كان جانب من الفبركة يقدمه مفبركوه باعتباره لـ"خدمة القضية" والتأثير في الرأي العام الغربي ومزيد من الحشد للرأي العام العربي.

صعوبة التوثيق

أوجه عديدة غير معتادة تطل بها منظومة الفبركة هذه المرة، الأمر لا يقتصر على صور مركبة لأطفال من غزة يلعبون بدمية أو يحتفلون بعيد ميلاد أو ينظرون صوب السماء أو يطيرون بأجنحة في السماء على خلفيات الدمار بغرض التأثير في الرأي العام، لا سيما أن ما يجري فعلياً وصل بالتأثير إلى أقصى درجاته، بل يلقي بظلال وخيمة على الفيديوهات غير الموثقة التي تضطر وسائل إعلام تقليدية للجوء لها كثيراً بسبب تكرار فصل غزة عن العالم عبر قطع الاتصالات. يضاف إلى ذلك أيضاً صعوبة، وأحياناً استحالة، وصول المراسلين (حال وجدوا) إلى أرجاء غزة المختلفة بسبب خطورة الحرب، كما أن طرفي الصراع لديهما أفراد ومؤسسات وكتائب إلكترونية تعمل على "خدمة قضيتها" عبر منصات الـ"سوشيال ميديا" والمحتوى الرقمي.

اللافت أن أقسام التدقيق في الفيديوهات وفحص مكوناتها للتحقق من صدقيتها وتاريخها في المؤسسات الإعلامية تتوسع بشكل ينافس أقسام التحقيقات والأخبار. وكالة "أسوشيتد برس" أشارت في تقرير لها قبل أيام أن وفرة الفيديوهات الخاصة بما يجري في غزة يحمل قدراً غير قليل من المسؤولية والقلق لدى وسائل الإعلام التقليدية. فالتأكد من المصادر والصدقية أمر بالغ الصعوبة ويستغرق وقتاً وجهداً لا بد منهما.

على قيد الاتصال

الذكاء الاصطناعي في حرب القطاع متعدد الأوجه، ولا يخلو من فائدة عظمى للبعض من أهل القطاع ممن انقطعت عنهم الاتصالات. فبدلاً من تدشين مبادرة للتبرع بالغذاء أو الكساء أو الغطاء أو حتى الماء، هناك من دشن مبادرة للتبرع لأهل غزة بشرائح إلكترونية تمكنهم من الاتصال بالعالم الخارجي كلما انقطعت الاتصالات العادية.

الكاتبة المصرية ميرنا الهلباوي أبرز من دشنوا مبادرات لشراء الشرائح الذكية لأهل غزة. المبادرة الفريدة من نوعها تحمل اسم "غزة إي سيم" وهاشتاغ "اتصال غزة" Gazaesims ConnectingGaza، وفي أيام معدودة، نجحت الهلباوي في إرسال آلاف الشرائح الإلكترونية التي تبرع بها أشخاص حول العالم لأهل غزة لإبقائهم على قيد الاتصال بالعالم الخارجي وببعضهم بعضاً.

فكرة الحملة هي شراء كميات من الشرائح، وتحويل رموزها إلى أهل غزة مع إمدادهم بمعلومات حول استخدامها، لكن يظل استخدامها يتطلب غالباً الصعود إلى مناطق مرتفعة لالتقاط إشارة الشبكات الإسرائيلية، أو الاقتراب من الحدود المصرية لالتقاط إشارات الشبكات المصرية.

اقرأ المزيد

المزيد من تحقيقات ومطولات