ملخص
هل يسعى "الإطار التنسيقي" إلى إيصال موالين له لمنصب رئيس البرلمان؟
بعد إقالة المحكمة الاتحادية في العراق رئيس البرلمان محمد الحلبوسي، يحتدم الصراع بين القوى المختلفة حول المنصب، مع تزايد التساؤلات بشأن إمكانية أن يكسر التحالف الشيعي (الإطار التنسيقي) ما بات يطلق عليه تسمية "العرف السياسي"، وهو السردية القائمة في توزيع مناصب الرئاسات في العراق على المكونات الاجتماعية. وتزامنت جملة التساؤلات تلك مع تصريحات قادة ميليشيات منضوية ضمن "الإطار التنسيقي" للكتل الشيعية، عبروا فيها عن عدم قناعتهم بـ "العرف السياسي"، ما يوسع احتمالية أن تقوم تلك القوى بدعم شخصيات سنية مقربة لاتجاهاتها السياسية للحصول على المنصب.
ولا تزال أجواء اختيار بديل للحلبوسي في رئاسة البرلمان العراقي مبهمة، فعلى رغم إشارة أطراف حليفة لطهران إلى احتمالية "القفز" فوق الاتفاقات التي تشكلت الحكومة العراقية وفقها، شدد قياديون في "الإطار التنسيقي" على أن تكون رئاسة البرلمان حصراً من نصيب كتلة "تقدم" التي يتزعمها الحلبوسي.
الخزعلي وكسر "العرف السياسي"
وفيما يتزايد الحديث في أروقة "الإطار التنسيقي" عن انتظار تقديم الكتل السنية مرشحاً للمنصب، عكست تصريحات زعيم ميليشيات "عصائب أهل الحق" قيس الخزعلي توجهاً آخر، حيث قال في مقابلة متلفزة، في 24 نوفمبر (تشرين الثاني) الجاري، إن "العرف بخصوص مرشح رئاسة البرلمان غير ملزم"، لافتاً إلى أن "من يطالب بتطبيقه هو أول من لم يلتزم به بعد انتخابات عام 2021". وأضاف الخزعلي أن "الحزب الديمقراطي الكردستاني وحزب تقدم، لم يحترما الغالبية الشيعية بعد الانتخابات البرلمانية الماضية".
وتأتي تصريحات الخزعلي بعد اتهامات عدة طاولته، بالوقوف خلف مشروع إقالة الحلبوسي، كعقاب على دخوله ضمن "التحالف الثلاثي" الذي ضم كتلة "التيار الصدري" التي يتزعمها مقتدى الصدر، قبل أن يقدم الأخير على الانسحاب من البرلمان في أغسطس (آب) 2021.
ولعل ما يعطي انطباعاً بأن ثمة تحركاً من قبل حلفاء إيران بدعم مرشحين مقربين من "الإطار التنسيقي" هو إشارة الخزعلي إلى أن "من حق أي طرف سياسي الترشح ومن حق أي نائب أو كتلة دعمه"، معبراً عن عدم قناعته بـ"العرف السياسي".
ولا تبدو الأجواء داخل التحالف الشيعي في سياق اختيار بديل للحلبوسي متطابقة بين مختلف الكتل، حيث قال المتحدث باسم "ائتلاف دولة القانون" عقيل الفتلاوي، إن "الأولوية بالنسبة لنا هي اختيار رئيس مجلس النواب من حزب (تقدم)"، مبيناً أن دعم مرشح من المكون السني يعتمد على "اختيار المكون لهذا المرشح وعلى قوة المرشح نفسه". ولفت إلى وجود مرشح شيعي واحد لرئاسة البرلمان غير منتم إلى "الإطار التنسيقي"، لافتاً إلى أنه "يحاول إرسال رسالة بإمكانية كسر الحاجز" (العرف السياسي).
"تقدم" خارج مشاورات بدائل الحلبوسي
وبالتزامن مع تصريحات الخزعلي الأخيرة، حصلت "اندبندنت عربية" على تصريحات خاصة من مصدر مقرب من رئيس البرلمان السباق، نفى فيها علاقة حزب "تقدم" بالمشاورات الجارية لاختيار بديل للحلبوسي. وأضاف المصدر أن حزب "تقدم"، "لم يقدم بديلاً للحلبوسي، وهو غير معني بالمشاورات القائمة في هذا الشأن"، لافتاً إلى أن "كل الأحاديث عن دخوله في مشاورات مع بقية الكتل غير حقيقية".
وتابع المصدر أن الدخول في أتون تقيم بدلاء يمثل مساراً "يضيع الحديث عن أصل الإشكالية".
وتداولت الأروقة السياسية العراقية خلال الأيام الماضية، أسماء عدة لشغل منصب رئيس البرلمان، لعل أبرزها رئيس كتلة "تقدم" البرلمانية شعلان الكريّم، فضلاً عن نواب في كتل سنية أخرى من بينهم خالد العبيدي، النائب عن تحالف "العزم" الذي يترأسه مثنى السامرائي.
ولفتت مصادر متابعة إلى أن خبر ترشح الكريّم للمنصب ليس دقيقاً.
في المقابل، كان تحالف "الحسم الوطني"، قدم في 17 نوفمبر الجاري، ثلاثة مرشحين لمنصب رئيس البرلمان هم طلال الزوبعي ومحمود المشهداني وسالم العيساوي.
"الإطار" ومحاولات استثمار الفرصة
في المقابل، تبين تصريحات الخزعلي الأخيرة، بأن أطرافاً داخل التحالف الشيعي الأكبر في البرلمان العراقي لا تجد غضاضة في ترشيح شخصيات سنية حليفة لها لشغل منصب رئيس البرلمان.
في السياق، يعتقد رئيس مركز "كلواذا" للدراسات، باسل حسين، أن العرف السائد في ترك المكونات تقرر ترشيحاتها للمناصب "تم كسره بشكل واضح بعد انتخابات عام 2018، حين أعلن التحالف الذي يضم معظم الجماعات الموالية لإيران، تسجيل ثلاث نقاط في مرمى واشنطن باختيار الرئاسات الثلاث خارج سياق التوافقات".
وعلى رغم وصول "الإطار التنسيقي" إلى السلطة عبر إعادة الحديث عن حقوق المكوّن وسيناريو التوافق أثناء الصراع مع التيار الصدري بعد انتخابات عام 2021، رأى حسين أن "علامات كسر مبدأ التوافق تبدو في طريقها إلى العودة"، مبيناً أن "كتل الفصائل المسلحة تعتمد هذه المرة على سردية أن التحالفات السنية هي من كسرت قاعدة الكتلة الكبرى من خلال تحالفها مع الصدر".
ويبدو أن زعماء الفصائل المسلحة الموالية لإيران "يحاولون استباق الأحداث وتبرير مواقفهم في حال اختيار رئيس برلمان جديد من خارج التوافق السني"، بحسب تعبير باسل حسين الذي يلفت إلى أن هذا المسار يعطي انطباعاً عن "محاولات الخزعلي ترشيح شخصيات سنية مقربة منه بغض النظر عن حجم تمثليها النيابي، ما يؤشر إلى احتمالية إعطاء المنصب لحليفه مثنى السامرائي".
ويتابع أن قوى "الإطار التنسيقي"، تحاول "استثمار تغيّر موازين القوى لمصلحتها في الفترة الأخيرة لتصبح طرفاً مباشراً في اختيار رئيس البرلمان المقبل". ويستبعد حسين إمكانية استعادة "الإطار التنسيقي" سيناريو حكومة عبدالمهدي بشكل صريح في الوقت الحالي، مشيراً إلى أن "الإطار بات يدرك أن أي استفزاز لواشنطن أو كسر لسياق التفاهمات التي أوصلته إلى السلطة سيحمل معه أخطاراً كبيرة، خصوصاً في الوقت الحالي الذي تشهد فيه البلاد اختناقاً اقتصادياً من خلال أزمة ارتفاع أسعار صرف الدولار".
حراك محكوم بالاتفاق الأميركي-الإيراني
في المقابل، يرى الباحث مصطفى ناصر، أن الحراك السياسي في العراق خلال السنتين الماضيتين "لا يزال محكوماً بالاتفاق الأميركي-الإيراني"، مردفاً أن "أي مسار يسمح لحلفاء طهران بالسيطرة على مناصب الرئاسات جميعاً سيمثّل ضرباً لهذا الاتفاق". وعلى رغم ذلك، تبدو مساعي صانعي السياسة في إيران للسيطرة على كل مفاصل الحكم في العراق مستمرة، وفق ناصر الذي يشير إلى أن تحقيق هذا المسعى "مستبعد في الوقت الحالي خصوصاً أنها يجب أن تخضع لسلسلة اتفاقات إقليمية ودولية".
ويتابع أن "منصب رئيس البرلمان يشبه في توازناته منصب رئيس الوزراء، الذي كان يخضع للتوازنات والاتفاقات الإقليمية والدولية". ويشير إلى أن تحركات طهران السياسية في الداخل العراقي تبدي منذ فترة "نمطاً واضحاً للسيطرة على منصب رئاسة البرلمان"، مبيناً أنها "تعتمد على القوى الشيعية التابعة لها في صناعة زعيم سني يتبع الأوامر الإيرانية الاستراتيجية".
ويلفت إلى أن تحقيق هذا المسعى مستبعد في الوقت الحالي، خصوصاً أنه سيسهم مباشرة في "كسر ثنائية طهران- واشنطن التي انتهت بسيطرة الإطار التنسيقي على رئاسة الوزراء في العراق".
وعلى رغم الحديث عن نقاشات موسعة في أروقة القوى السياسية حول اختيار رئيس جديد للسلطة التشريعية في البلاد، إلا أن القوى المختلفة لم تتفق حتى الآن على اسم لشغل منصب رئيس البرلمان، وهو ما قد يحيل قضية اختيار البديل إلى ما بعد الانتخابات المحلية في 18 ديسمبر (كانون الأول) المقبل.
وتشير تسريبات إلى اتساع الفجوة بين القوى السنية المختلفة بشكل أدى إلى عدم التوصل إلى اتفاق بشأن بديل للحلبوسي، حيث تشهد تلك القوى خلافات حادة سبقت ملف الإقالة.
ولعل ما يعقد حسم منصب رئيس البرلمان لشخصية من خارج حزب الحلبوسي، هو امتلاك الأخير لنحو 40 نائباً ضمن تحالف "السيادة"، الذي يضم 62 نائباً من بينهم نواب كتلة السياسي السني، خميس الخنجر، الأمر الذي يجعل الحلبوسي يمتلك أكبر كتلة من النواب السنة في البرلمان العراقي.