ملخص
تقدم ملف "إعادة هيكلة المصارف" إلى الواجهة في لبنان، مع طرح الحكومة مشروع قانون "إصلاح وضع المصارف" كخطوة للتعافي
تقدم ملف "إعادة هيكلة المصارف" في لبنان على ما سواه من مشاريع القوانين التي أعدتها الحكومة اللبنانية، مما يشكل إقراراً صريحاً بعدم القدرة على الاستمرار في التركيبة القائمة، فيما يستمر الخلاف بين جمعية المصارف وحكومة تصريف الأعمال حول "توزيع الخسائر"، وتحمل المسؤولية عن الانهيار المالي، وهو ما ينعكس سلباً على المودعين في ظل استمرار عملية "تذويب الودائع الدولارية".
وأرجأت حكومة تصريف الأعمال خلال اجتماعها بالسراي الحكومي في بيروت، اليوم الأربعاء، البحث في قانون إعادة هيكلة المصارف.
إعادة الهيكلة ضرورة
ويأتي مشروع قانون "إصلاح وضع المصارف في لبنان وإعادة تنظيمها"، ليطلق حقبة جديدة من النقاش حول الحاجة إلى إعادة هيكلة القطاع المصرفي وإلزاميته، تمهيداً لتحديد المصارف المليئة والقادرة على مواصلة عملها كما يجب. وهو مشروع يعود "الفضل" في إعداده إلى لجنة الرقابة على المصارف، و"مصرف لبنان المركزي"، فيما ينتظر رد فعل الحكومة على المشروع، الذي ما زال في بداية المسار التشريعي الطويل، قبل مناقشته وإقراره، وتحوله إلى حقيقة واقعية، وهو أمر مستبعد في صيغته الراهنة بسبب الخلافات حوله. وفي هذا السياق، لا بد من التأكيد أن المشروع ليس الأول من نوعه، فقد سبق أن تقدم النائبان جورج بوشكيان، وأحمد رستم بمشروع قانون "إعادة التوازن إلى القطاع المالي" الذي قام على أساس تصنيف الودائع إلى "مؤهلة وغير مؤهلة"، ويجعل من تحديد الخسائر مقدمة لإعادة هيكلة المصارف، وتحميل الدولة مسؤولية إعادة الملاءة إلى "مصرف لبنان"، فيما تبرز المطالبات بتصنيف الودائع إلى "مشروعة وغير مشروعة"، وإلى توزيع خسائر عادل وإعطاء الأولوية لحماية المودعين، وليست مصالح أصحاب المصارف والنافذين.
وفي انتظار مناقشة المشروع، طفت إلى السطح أول اعتراضات جمعية المصارف، حيث توجه رئيس "جمعية مصارف لبنان" سليم صفير برسالة إلى الحكومة، مطالباً بتحميل الدولة المسؤولية عن رد الودائع. وبحسب تسريبات إعلامية لبنانية، أعرب صفير عن رفضه مادة في اقتراح القانون، تتناول تحميل مسؤوليات لأعضاء مجالس إدارات البنوك، وإداراتها العليا والمساهمين فيها، وكذلك رفض الحجز على أموالها في حال التصفية، كما اتهم الحاكم السابق لمصرف لبنان رياض سلامة وآخرين، "بالتواطؤ على إخفاء خسائر مصرف لبنان وتبديد الاحتياط وإصدار تعاميم مثل إلزامية سداد القروض الدولارية على سعر 1500 ليرة لبنانية للدولار".
محطة في مسار طويل
ولا يمكن فصل "إعادة هيكلة المصارف" عن مسار طويل للتعافي المالي، وينتظر مجلس النواب ما سينتج من النقاشات الحكومية، قبل انتقال الاقتراح إلى اللجان النيابية، ومن ثم الهيئة العامة. وبحسب النائب رازي الحاج عضو لجنة المال والموازنة "لا يمكن أن يؤخذ موضوع إعادة الهيكلة بصورة منفردة ومستقلة، ولا بد أن يكون ضمن خطة للتعافي ومعالجة أزمة المصارف، والودائع، وانهيار سعر الصرف"، و"لا بد أن تشمل إصلاحات مالية واقتصادية، وإصلاحات بنيوية في مصرف لبنان، والمصارف التجارية، وكذلك القطاع العام والدولة اللبنانية".
ويشدد النائب رازي الحاج على ضرورة أن "يكون المودعون الحلقة الأقوى في أي اقتراح أو خطة للتعافي، لأنهم تعاقدوا مع المصارف التجارية لإيداع أموالهم، وهم أصحاب حقوق. بينما كانت المصارف تقوم بإقراض الدولة، والقطاع الخاص. ومن ثم تبين في ظل الانهيار، خطأ السياسة المالية والاقتصادية والدعم، والعجز الكبير في الموازنة"، مؤكداً "وجوب تحميل المسؤولية للدولة والمصارف كخطوة أولى ضرورية. ومن ثم تأتي إعادة الهيكلة، وتحديد المصارف التي يمكن أن تستمر، وكذلك إعادة هيكلة الحكومة للدين العام كي لا يفوق الناتج المحلي". ويلفت الحاج إلى ضرورة اقتران خطة التعافي مع "الكابيتال كونترول"، وقانون إعادة الانتظام إلى النظام المالي في لبنان لتحديد المسؤوليات، وتحديد أفق لرد الحقوق والودائع على المدى القصير والمتوسط والطويل، وترشيق القطاع العام، والتخطيط لإعادة إطلاق الاقتصاد والنمو".
تفاصيل إضافية
ويختلف مشروع قانون "إصلاح وضع المصارف في لبنان وإعادة تنظيمها" بنقاط عدة عن اقتراح "إعادة التوازن المالي"، يجملها المحامي كريم ضاهر المتخصص بالقوانين المالية والضريبية. ويشير إلى وجوب أن يكون "القانون الجديد بمثابة قانون الإطار لتغطية جوانب مختلفة، وألا يقارب حالة استثنائية فقط ومستجدة"، "فهو يأتي ليحل مكان قوانين نافذة، ويستبدل أحكامها، وعلى وجه التحديد: قانون النقد والتسليف، وقانون التجارة، وقانون التوقف عن الدفع 2/67، وقانون وضع اليد على المصارف".
ويتطرق ضاهر إلى مجموعة من التغييرات التي اتخذت طابعاً شكلياً في كثير من الأحيان، فجاءت التسمية والعنونة، حيث استبدلت في متن النص "إعادة الهيكلة" بـ"إصلاح وضع المصارف"، كما تضمن إعادة صياغة لبعض الأحكام، وفي عرض الأبواب، وجعلها أكثر واقعية وعمومية، وتخصيص الباب الـ11 للحالة الاستثنائية الراهنة وذات الصلة بإعادة التوازن والانتظام العام للقطاع المالي.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
تعديلات هيكلية
وتضمن المشروع إعادة هيكلة "الهيئة المصرفية العليا" المناطة صلاحية إعادة إصلاح المصارف، والتصفية في بعض الأحوال الاستثنائية، حيث أخرج منها المدير العام لوزارة المالية. وجرى توفير مزيد من الحيادية لناحية تسمية "ممثلي لجنة الرقابة على المصارف، والمؤسسة الوطنية لضمان الودائع كي لا يكون العضو الممثل للمصارف هو الممثل الحكمي ضمن الهيئة". ويعبر ضاهر عن معارضة نقابة المحامين في بيروت لآليات التعيين المقترحة في الهيئة، ومنح سلطة الفصل للمحكمة الخاصة.
كما لم يلحظ القانون الجديد حماية ودائع صناديق التعاضد والضمان الاجتماعي، والمؤسسات المشابهة. وهذا ما يعتبره ضاهر "من الأمور السيئة في المشروع، رغم تضمنه إقراراً ضمنياً بعدم القدرة على إعادة تلك الودائع".
عرقلة عملية استرجاع الأموال
ويعتقد ضاهر أن "أكثر ما أزعج المصارف هو تضمين النموذج الجديد لمادة تنص على المسؤولية المدنية إلى جانب المسؤولية الجزائية. وهو ما يسهل تحميلهم المسؤولية عن الأخطاء التي اقترفوها في الإدارة، وما يتعارض مع مفهوم تصرفات الأب الصالح". وكذلك، "الطلب منهم إعادة رسملة مصارفهم وتحمل المسؤولية تحت طائلة تصفية المصرف"، وهذا ما ترفضه المصارف بحجة تحمل الدولة للمسؤولية عن إفلاسهم والطلب من الدولة ضمان الودائع بواسطة أصولها على أمل إعادة الودائع في يوم ما، وكذلك رفض فئة من المصرفيين المطلق للمساهمة في الرسملة من أموالهم الخاصة أو حتى رفض السرية المصرفية عن مصادر أموالهم.
في المقابل، تضمن المشروع نقاطاً سلبية عدة، بحسب ضاهر أن "أهم تغيير في المشروع الحالي هو إلغاء المادة 47 التي تلزم أصحاب المصارف والسياسيين والمرتبطين بهم بإعادة الأموال التي جرى تحويلها إلى الخارج بعد 17 أكتوبر (تشرين الأول) 2019، وكذلك الأموال المحولة منذ بدء ذاك العام، التي تفوق قيمتها 500 ألف دولار لأسباب غير مبررة كالتعليم والطبابة، تحت طائلة الملاحقة القضائية"، من ثم تمت عرقلة عملية استرجاع الأموال المهربة، ومنح مزيد من الراحة إلى أصحاب المصارف والسياسيين.
كما يتطرق ضاهر إلى مخالفات كبيرة لقانون السرية المصرفية المعدل، حيث حصر رفع السرية بـ"الهيئة المتخصصة"، و"هيئة الرقابة على المصارف"، وعدم ذكر وزارة المالية أو هيئة التحقيق الخاصة والمحاكم معرباً عن تخوفه من الاتفاق على قانون السرية. وكذلك منح سلطات استنسابية إلى "الهيئة المتخصصة"، وتضييق هامش المراجعة القضائية والطعن، وحصرها بحالات محدودة للغاية في ما يتعلق بإجراء التصفية.
ويمنح القانون خياراً إما "إعادة إصلاح المصارف أو عدم القدرة على الإصلاح وتصفيتها". ويتساءل ضاهر عن "كيفية ضمان الودائع في حالة التصفية أو إعادة الإصلاح، إذا لم تقم الحكومة بفرض حجز على أموال أصحاب المصارف وأملاكهم الخاصة؟"، لذلك يعتقد أن "هناك ضرورة للحجز على تلك الأملاك إلى حين التأكد من أنهم أوفوا كامل موجباتهم تجاه المودعين".