ملخص
من يعوض الخسائر في الأموال والأرواح التي تعرض لها اللبنانيون جراء القصف الإسرائيلي لجنوب لبنان؟
من يعوض الخسائر في الأموال والأرواح التي تعرض لها اللبنانيون جراء القصف الإسرائيلي لجنوب لبنان؟ سؤال فرض نفسه على النقاش العام في البلاد خلال فترة الهدنة الإنسانية، وقد ظهر مساران للحل، الأول أن تتحمل الدولة التعويض بوصفها ممثلة للمجتمع وتتحمل الأعباء العامة، والثاني يرتبط بعقود التأمين على الأخطار الناجمة عن الأعمال الحربية.
الدولة عاجزة
وخلال الحرب على غزة تعرضت مناطق جنوب لبنان لأضرار بالغة بفعل استخدام القنابل الفوسفورية المحظورة دولياً واحتراق أكثر من 40 ألف شجرة زيتون وتدمير العشرات من المنازل والمؤسسات، ومع دخول مرحلة الهدنة تصاعدت المطالبات بالتعويض على المواطنين، في حين رصدت الحكومة اللبنانية مبلغ 10 ملايين دولار تعويضات للأهالي المتضررين في جنوب لبنان.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وتباينت المواقف حول مدى مسؤولية الدولة عن التعويض لأسباب مختلفة وفي مقدمها الخلاف حول الاستراتيجية الدفاعية وحصرية السلاح، وعدم قدرة الخزانة العامة على تغطية خطة الطوارئ لمواجهة الاعتداءات الإسرائيلية، وكذلك التأخير في ملفات التعويض بفعل الروتين الإداري، فعلى سبيل المثال استغرق إقفال ملف المهجرين والحرب الأهلية عقدين من الزمن، كما أن بعض ملفات حرب يوليو (تموز) 2006 لا تزال عالقة على رغم مرور 17 عاماً على انقضائها.
ودفع "حزب الله" الحكومة إلى اتخاذ قرار التعويض بعد أن روجت أوساط مؤيدة له قيام الحزب بإحصاء الأضرار استعداداً لقيامه بالتعويض عنها، وعبر رئيس حزب القوات اللبنانية عن موقف معارض عبر منصة "إكس"، مطالباً الوزراء الذين صوتوا لمصلحة القرار إلى دفع مبلغ الـ 10 ملايين دولار من جيوبهم، مشيراً إلى أن "أكثرية كبيرة من الشعب اللبناني لم تفوض أحداً بإطلاق صواريخ من لبنان على إسرائيل حفاظاً على دوره الإقليمي".
من جهته أعلن النائب في كتلة "اللقاء الديمقراطي" مروان حمادة تأييده تعويض أهالي الجنوب، لافتاً إلى أن القرى المتضررة مسيحية وسنيّة وشيعية، داعياً الدول الصديقة إلى المساعدة في التعويضات.
أخطار متزايدة
وفي ظل حال العجز التي تعيشها الدولة انصب الاهتمام حول الدور الذي يمكن أن يلعبه قطاع التأمين في تغطية الأخطار الناجمة عن الأعمال الحربية، إذ يبرز التأثير الكبير لعملية "طوفان الأقصى" ونشوء "جبهة المساندة" انطلاقاً من لبنان.
وفي معرض إجابته عن سؤال يرتبط بتغطية عقود التأمين في لبنان للأخطار الناجمة عن الأعمال الحربية، يميز رئيس نقابة شركات التأمين أسعد ميرزا بين نوعين من التغطية، إذ تحظى العقود الموقعة خلال الفترة السابقة، السابع من أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، بالتغطية ضد الأعمال الحربية على الأموال والأرواح، أما في المرحلة اللاحقة لهذا التاريخ فقد "بدأت الشركات اللبنانية تعاني صعوبة في تبريرها، لأن المعيد (شركات إعادة التأمين الأجنبي) باتت ترفض إجراء مثل هذه العقود نظراً إلى ازدياد الأخطار إلى حد كبير".
وأكد ميرزا أن "الشركات الأجنبية تدرك جيداً الأوضاع في لبنان، ومعيد التأمين لا يمنح تغطية في ظل خطر قائم وموجود، وعلى رغم ذلك تحاول الشركات الحصول على أفضل تغطية ممكنة، وإن لم تكن شاملة فلتكن جزئية لمواصلة العمل".
ويشير ميرزا إلى تأثير الجغرافيا على قيمة العقود الجديدة وإمكان منحها، إذ ترتفع أعباء بوالص تأمين الممتلكات الواقعة في المناطق ذات الأخطار الكبيرة مثل الجنوب والبقاع، ويصبح التقييم أفضل في المناطق البعيدة من العمليات العسكرية.
ويتمسك ميرزا الذي يمتلك شركة تأمين شهيرة بمبدأ أساس لعمل شركات التأمين، "فهي شركات مساهمة تهدف إلى تحقيق أرباح، ومن ثم فهي ترفض التعاقد في حالات الخطر الواقع، وعلى سبيل المثال لا تتعاقد مع شخص ثبت مرضه لتغطية النفقات العلاجية لأن هناك علاجات باهظة جداً، فالشركات يمكنها أن تتساهل في تقسيط البوليصة ولكن ليس بإمكانها التعاقد على أخطار محققة وعالية الكلفة".
وعبر ميرزا عن أسفه للواقع الصعب الذي يعيشه المواطن اللبناني وعجزه عن تأمين العلاج للأمراض المزمنة أو الاستشفاء، لكن "في المقابل لا يمكن لشركات خاصة الحلول مكان الدولة في أداء مهماتها ووظائفها تجاه شعبها".
من جهة أخرى يتحدث ميرزا عن "قيام شركات التأمين بدفع 95 في المئة من قيمة التعويضات عن العقود التي تغطي المناطق المتضررة من انفجار مرفأ بيروت على رغم التأخير في إعلان التقرير الفني عن طبيعة الواقعة"، جازماً أن "قطاع التأمين لا يزال من القطاعات القليلة المتماسكة في لبنان مع أن الحركة شهدت تراجعاً بعد أحداث السابع من أكتوبر"، وهم يقومون بأعمالهم المعتادة فيما تعجز المؤسسات الضامنة التابعة للدولة عن تغطية المستفيدين منها، مقراً بـ "دولرة" عقود التأمين في لبنان وزيادة كلفتها بـ"الفريش" من أجل تحقيق الاستمرارية.
حراك قانوني
وتثير النزاعات والحروب أموراً مهمة في عالم التأمين، إذ حثت شركات التأمين على إعادة تقييم تغطياتها، وهذا ما حدث أخيراً في لبنان، إذ آثرت غالبية شركات الضمان في البلاد تعليق تغطيات تداعيات أعمال الحرب الحالية في غزة والمنطقة.
ويؤكد المحامي المتخصص في قوانين الشركات والملكية الفكرية رفيق هاشم أنه "في خضم التحولات السياسية والأمنية في المنطقة تعيش عقود التأمين والضمان في لبنان فترة تحديات، ويعكس رفض شركات الضمان تغطية الأخطار الناشئة عن الحروب توجهاً واضحاً لديها نحو الحفاظ على استقرارها المالي، انطلاقاً من إدراك هذه الشركات للتحديات المالية والجغرافية المرتبطة بالحروب".
ويستدرك أنه "في المقابل يجب على هذه الشركات أن تكون حذرة لناحية عدم فقدان التواصل مع العملاء وفهم حاجاتهم في ظل هذه التغيرات، والبحث عن حلول مبدعة لضمان تقديم خدمات تأمينية تلبي توقعات المضمونين، وعليه يتعين على قطاع الضمان أو التأمين الابتكار وإعادة النظر في استراتيجياته للتكيف مع هذه التحديات المتسارعة".
ويتطرق هاشم إلى المدلول القانوني لعقود التأمين على الأخطار، "ففي عالم الضمانات وعقود التأمين تتلاقى القوانين والتحديات إذ يتعامل الأفراد والشركات مع شروط وأحكام وظروف قد تكون معقدة في بعض الأحيان".
وعلى المستوى النظري يفيد المحامي المتخصص في قوانين الشركات أن "المادة (950) في قانون الموجبات والعقود عرفت عقد الضمان بأنه عقد يلتزم بمقتضاه شخص (يقال له الضامن) ببعض الموجبات عند نزول بعض الطوارئ بشخص المضمون أو بأمواله في مقابل دفع بدل يسمى القسط أو الفريضة، كما عرفته المادة (293) من قانون التجارة البحرية بأنه عقد يرضى بمقتضاه الضامن بتعويض المضمون من الضرر اللاحق به في معرض رحلة بحرية عن هلاك حقيقي لقيمة ما في مقابل دفع قسط على أن لا يتجاوز هذا التعويض قيمة الأشياء الهالكة".
الأخطار الحربية
وفي ظل التطورات السياسية والأمنية التي تعصف بالمنطقة تتسارع تداولات الحياة اليومية تحت وطأة الحروب والنزاعات المسلحة مرفقة بتأثيراتها اللافتة على عقود التأمين والضمان في لبنان.
ويشدد هاشم على أن "الحروب لا تعيد فقط تقييم تغطيات الضمان بل تؤثر أيضاً في عقود التأمين على الحياة، وفي هذا السياق لجأت بعض شركات الضمان أخيراً إلى إلغاء بنود تغطي أخطار الحرب من وثائق التأمين على الحياة مع اعتماد تقييم جغرافي يأخذ في اعتباره مكان وجود الشخص المؤمن مع تصاعد التوتر".
كما يتحدث هاشم عن "تحديات جدية خاصة يشهدها قطاع نقل البضائع، ولا سيما في ظل رفض شركات إعادة التأمين العالمية تغطية أخطار الحرب".
وفي البعد القانوني لناحية مفاعيل الحروب على عقود الضمان يستذكر هاشم نص المادة (983) من قانون الموجبات والعقود الذي لحظ نطاق الضمان، وقد نص على "أن الضمان لا يشمل الحريق الناجم عن تفجر البراكين والزلازل والعواصف والأعاصير وغيرها من الكوارث، لكنه يشمل الحريق الناجم عن الصواعق".
وفي تفسير لهذا النص اعتبر الفقه والعرف وعادة التعامل أنه في التأمين من الحريق والتأمين على الأشياء والتأمين من الأضرار بوجه عام، لا تدخل الحرب الخارجية أو الداخلية والاضطرابات الشعبية والزلازل والبراكين وغيرها من الظواهر الطبيعية في نطاق التأمين ما لم يتفق على إدخالها في مقابل دفع أقساط تأمين مرتفعة جداً، بحسب هاشم.
عدالة عقود التأمين
ويصنف رفيق هاشم عقد التأمين ضمن فئة عقود الإذعان لأن المضمون يذعن (يخضع) لما يضعه الضامن من شروط تتعلق بالقسط والموجبات والبيانات والمستندات ضمن نموذج معد ومطبوع مسبقاً عادة ما يكون غير قابل للنقاش أو التفاوضفي شأنه، ولا يكون أمام المضمون سوى الموافقة أو الرفض".
ويضيف هاشم أن "هذا الأمر يفتح الأبواب لطرح أسئلة عدة حول عدالة شروط عقد الضمان وتأثيرها في الأطراف المتعاقدة بحيث تظهر شروط عقد التأمين في بعض الحالات كتحديات جدية قد تعوق تحقيق الهدف المنشود من المضمون، إذ يعكس عقد التأمين التفاوت في القوة بين الشركة الضامنة والمضمون مما قد يقود في بعض الحالات إلى وضع شروط قد تكون غير عادلة أو حتى تعسفية".
ومن هذه المنطلقات والأسباب الموجبة كرس المشرع في المادة (983) من قانون الموجبات والعقود "بطلان البنود التي تسقط حقوق المضمون بسبب مخالفته القوانين والأنظمة، إلا إذا كانت هذه المخالفة عبارة عن خطأ فاحش غير مبرر"، مشيراً إلى أنها جاءت حماية للمضمون من شأنها أن تسهم في إعادة ميزان المصالح بين الضامن والمضمون إلى حد ما لجادة العدالة والاستقرار، كما شددت أحكام هذه المادة على بطلان البنود التي تسقط حقوق المضمون بسبب تأخره في إخطار السلطة بالطارئ أو في تقديم بعض المستندات مع مراعاة حق الضامن في طلب تعويض يتناسب مع الضرر الناتج من التأخير.