مع اقتراب الحرب الروسية في أوكرانيا من دخول عامها الثاني، تبقى خسائر الاقتصاد الروسي بسبب العقوبات والحصار الغربي هي الأكبر في هذا الملف. وبدا ذلك واضحاً من خلال اعتماد أكبر موازنة في تاريخ البلاد مع ارتفاع ضخم بمخصصات الإنفاق العسكري.
وعلى رغم ظهور تداعيات العقوبات في نسبة التضخم أو الرفع الكبير بأسعار الفائدة مع خسائر الروبل مقابل الدولار الأميركي، فإن الحكومة الروسية ترفض الاعتراف بهذه التداعيات، ففي تصريحات حديثة، قدر وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف حجم الخسائر التي تكبدتها الشركات الأوروبية خلال العام ونصف العام الماضيين بسبب العقوبات الغربية ضد روسيا ما لا يقل عن 250 مليار يورو (270 مليار دولار). ولفت إلى أن العقوبات المفروضة على روسيا أدت إلى تفاقم تطورات الأزمة في الاقتصاد العالمي.
وقال إن العقوبات التي فرضتها الدول الغربية على روسيا لن تختفي على المدى الطويل، إذ ينوي الغرب تدمير الاقتصاد العالمي من خلال تلقين موسكو درساً يتمثل في منعها من لعب دور على الساحة الدولية. وأضاف "نحن ندرك تماماً أن العقوبات التي فرضت علينا لن تختفي لا في المستقبل المنظور ولا على المدى الطويل كما ذكر واضعوها ذلك أيضاً".
أوضح أن بلاده تمكنت من تغيير وتوسيع جغرافية صادرات الطاقة، وأن البلاد تنفذ إصلاحات وتعزز سيادتها في قطاع الطاقة. وتابع "إننا بشكل عام منخرطون في إصلاحات الوقود والطاقة لدينا وتعزيز سيادة هذه الصناعة، من الناحية التكنولوجية ومن ناحية الموظفين والمالية، لقد طورنا جغرافية تصدير جديدة ونتقنها بشكل فعال مع نتائج جيدة".
وأشار إلى أن موسكو تمكنت في وقت قصير للغاية من تحويل إمدادات النفط والغاز والفحم إلى الأسواق الواعدة سريعة النمو، وفي المقام الأول الهند والصين ودول أخرى في منطقة آسيا والمحيط الهادئ وأميركا الجنوبية. وأضاف "نعلم أن الإمدادات من بلادنا تسمح لشركائنا بكبح ارتفاع أسعار المواد الخام للطاقة من ثم تعزيز الاستقرار الاقتصادي".
التضخم يواصل الصعود على رغم الفائدة المرتفعة
على صعيد التضخم وفي ظل العقوبات، أشارت البيانات الرسمية إلى ارتفاع معدل التضخم في روسيا في سبتمبر (أيلول) الماضي إلى ستة في المئة، في وقت تواجه موسكو أيضاً تراجعاً في قيمة الروبل. ووفق وكالة الإحصاء الرسمية "روستات" فإن إن ارتفاع الأسعار بلغ مستوى ستة في المئة مقارنة بنحو 5.5 في المئة خلال شهر أغسطس (آب) الماضي.
وفي إطار الأزمة الاقتصادية التي تواجهها روسيا، فقد أعلن الكرملين في سبتمبر الماضي، أن الحكومة ستقيد موقتاً صادرات البنزين ووقود الديزل من أجل "استقرار" السوق المحلية، وسط ارتفاع الأسعار وتقارير عن نقص في بعض المناطق.
في الوقت نفسه فقد تدهور سعر صرف العملة الوطنية لأكثر من 100 روبل مقابل الدولار مرات عدة في الأشهر الأخيرة. وفي بورصة موسكو وخلال التعاملات الأخيرة، فقد بلغ سعر الصرف 100 روبل للدولار و106.5 روبل لليورو. ولمواجهة خفض قيمة الروبل وارتفاع التضخم، رفع البنك المركزي الروسي سعر الفائدة الرئيس من 8.5 إلى 13 في المئة خلال الفترة الماضية.
وقبل أيام، حذرت رئيسة البنك المركزي الروسي إلفيرا نابيولينا من أن النمو الاقتصادي في روسيا سيتباطأ في النصف الثاني من العام. لكن في المقابل، قلل الرئيس الروسي فلاديمير بوتين من أهمية التحديات الاقتصادية، قائلاً إن اقتصاد بلاده التي تعاني العقوبات "مستقر".
العقوبات الأوروبية تفاقم الأزمة الروسية
وقبل أيام، وفيما أشارت صحيفة الـ"غارديان" البريطانية، إلى عزم دول الاتحاد الأوروبي على فرض الحزمة الـ12 من العقوبات على روسيا، أظهرت بيانات رسمية أن الاقتصاد الروسي حقق نمواً لربع ثان توالياً على رغم ارتفاع التضخم والعقوبات الغربية التي أضعفت الروبل مقابل الدولار الأميركي.
وفق البيانات، فقد نما اقتصاد روسيا بنسبة 5.5 في المئة على أساس سنوي في الربع الثالث بعدما سجل انكماشاً في الفترة نفسها من العام الماضي، وفقاً لوكالة الإحصاء الفيدرالية "روستات". وكان الاقتصاد الروسي قد سجل انكماشاً خلال العام الماضي، لكنه عاد للنمو من جديد في الربع الثاني من هذا العام على أساس سنوي، منهياً سلسلة من أربعة أرباع متتالية من الانكماش.
ويقدر مسؤولون روس انتعاش الاقتصاد عام 2023، ويتوقع البنك المركزي نمواً يراوح ما بين 2.2 في المئة و2.7 في المئة لعام بأكمله. وقبل أيام، قال وزير الاقتصاد الروسي مكسيم ريشيتنيكوف إنه من المتوقع أن يصل معدل النمو السنوي إلى مستوى ثلاثة في المئة.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وتعرضت روسيا لعقوبات غربية غير مسبوقة في أعقاب الحرب على أوكرانيا. ومنذ ذلك الحين، أعادت موسكو توجيه جزء كبير من صادراتها الحيوية من النفط والغاز إلى الصين والهند، وفرضت ضوابط على العملة لدعم الروبل الذي لا يزال متقلباً، إذ يتم تداوله عند 90 روبلاً للدولار.
وفيما أشاد الرئيس الروسي فلاديمير بوتين بالأداء الاقتصادي لروسيا في مواجهة العقوبات الغربية، يقول محللون إن الزيادة الهائلة في الإنفاق العسكري مترافقة مع دعم الاقتصاد تؤدي إلى مشكلات أخرى. وقد ارتفع التضخم ووصلت البطالة إلى مستويات منخفضة قياسية، مما أدى إلى نقص الأيدي العاملة وضغوط تصاعدية مستمرة على الأسعار.
وفي إطار مواجهة خسائر العملة والارتفاعات المتتالية في الأسعار، رفع البنك المركزي الروسي أسعار الفائدة إلى 15 في المئة في محاولة لكبح التضخم. ويشكل ارتفاع الأسعار موضوعاً حساساً في المجتمع الروسي الذي شهد فترات متعاقبة من ارتفاع التضخم خلال العقود الثلاثة التي تلت انهيار الاتحاد السوفياتي. ويحرص الكرملين على إبراز قوة الاقتصاد قبل الانتخابات الرئاسية في مارس (آذار) المقبل.
بوتين ينفي أي قيود على التمويل الخارجي
وقبل أيام، قال الرئيس الروسي فلاديمير بوتين إن "روسيا ليس لديها أي قيود على التمويل الخارجي، فالبلد والحكومة ستوفر كل ما يطلبه الجيش". وقبل أسابيع قليلة وقع بوتين على قانون موازنة خصصت 4.98 تريليون روبل بما يعادل نحو 52 مليار دولار للدفاع الوطني في عام 2023، وهو ما يزيد قليلاً على نفقات العام الماضي.
ولكن وفقاً لوثيقة حكومية اطلعت عليها "رويترز" في وقت سابق من هذا الشهر، فقد تضاعفت هذه التوقعات الآن إلى 9.7 تريليون روبل (101 مليار دولار). وهذا ما يقارب ثلاثة أضعاف ما أنفقته روسيا على الدفاع في عام 2021، قبل غزوها الشامل لأوكرانيا في فبراير (شباط) 2022.
ومن المرجح أن تكون هذه الأرقام أقل من إجمالي الإنفاق على المجهود الحربي الروسي. ووفقاً لتقديرات معهد ستوكهولم الدولي لأبحاث السلام، الذي يتتبع الإنفاق العسكري في مختلف أنحاء العالم، فإن خط "الدفاع الوطني" في الموازنات الرسمية الروسية لا يمثل سوى نحو ثلاثة أرباع إجمالي الإنفاق العسكري.
وفي منتصف نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي، وافق مجلس النواب بالبرلمان الروسي، على أكبر موازنة فيدرالية على الإطلاق والتي ستزيد الإنفاق بنحو 25 في المئة في عام 2024، مع تخصيص مبالغ قياسية للدفاع. وقالت وزارة المالية الروسية إنها تتوقع أن يصل الإنفاق إلى 36.66 تريليون روبل (411 مليار دولار) في عام 2024 مع توقع عجز في الموازنة بنسبة 0.8 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي لروسيا.
ومن المتوقع أن يتجاوز الإنفاق الدفاعي، حجم مخصصات الإنفاق الاجتماعي خلال العام المقبل وذلك للمرة الأولى في تاريخ روسيا الحديث، في وقت يحرص فيه الكرملين على حشد الدعم للرئيس فلاديمير بوتين بينما تستعد روسيا لإجراء انتخابات رئاسية في مارس المقبل.
ويقول محللون إن الخفض القياسي في معدلات البطالة وارتفاع الأجور والإنفاق الاجتماعي المستهدف من شأنه أن يساعد روسيا على التغلب على التأثير الداخلي لتحويل الاقتصاد إلى حالة حرب، لكنه قد يشكل مشكلة على المدى الطويل. ووفق بيان، قال رئيس مجلس الدوما، فياتشيسلاف فولودين، إن النواب الروس قالوا إن موازنة 2024/2026 تم تطويرها خصيصاً لتمويل الجيش والتخفيف من تأثير 17500 عقوبة على روسيا.
ووفق بيان، قال النائب الأول لرئيس مجلس الدوما، ألكسندر جوكوف، إنه "في هذه الظروف الصعبة، تمكنا من اعتماد موازنة لن تخصص الأموال اللازمة للدفاع عن بلادنا فحسب، بل ستوفر أيضاً جميع الأموال اللازمة لضمان الالتزامات الاجتماعية للدولة". وقد صوت الحزب الشيوعي الروسي صوت الموازنة لأنها توفر "معاشات تقاعدية منخفضة" ولا تقدم دعماً مالياً كافياً لكبار السن. ومن المقرر أن يتم تمرير الموازنة إلى مجلس الاتحاد – الغرفة العليا بالبرلمان الروسي – للموافقة عليها قبل أن يوقعها الرئيس فلاديمير بوتين.
هل ينتقل الاقتصاد من الانكماش إلى النمو؟
في تعليقه، أعلن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين أن النشاط الاقتصادي في بلاده من المتوقع أن يتحول للنمو هذا العام، بعد انكماشه خلال العام الماضي في أعقاب فرض العقوبات الغربية. وأوضح أن نمو الناتج المحلي الإجمالي في روسيا من المتوقع أن يتجاوز ثلاثة في المئة هذا العام، وهو أفضل من التوقعات الرسمية السابقة. وقال في منتدى ثقافي في سانت بطرسبورغ "قلنا هذا طوال الوقت، سيكون النمو 2.7 في المئة، ثم 2.5 في المئة، ثم 2.8 في المئة، والآن نقول بثقة إنه سيكون أكثر من ثلاثة في المئة".
وبحسب التقدير الأولي لهيئة الإحصاءات الحكومية الفيدرالية، تسارع نمو الناتج المحلي الإجمالي الروسي إلى 5.5 في المئة على أساس سنوي خلال الربع الثالث من عام 2023 بعد زيادة بنسبة 4.9 في المئة خلال الربع الثاني وانخفاض بنسبة 1.8 في المئة خلال الربع الأول.
والشهر الماضي، قدر البنك المركزي نمو الناتج المحلي الإجمالي لعام 2023 بنسبة تراوح ما بين 2.2 في المئة و2.7 في المئة، بعد أن انكمش الاقتصاد الروسي بنسبة 2.1 في المئة خلال عام 2022، ضمن تداعيات فرض الغرب عقوبات شاملة على روسيا بسبب الحرب في أوكرانيا.
وفي إطار تخفيف الإجراءات الاحترازية، أعلنت وزارة الطاقة الروسية أن الحكومة اتخذت قراراً برفع الحظر الموقت على صادرات البنزين اعتباراً من الـ17 من نوفمبر الماضي، والذي تم فرضه في الـ21 من سبتمبر الماضي، كجزء من إجراءات تحقيق استقرار في الأسعار داخل السوق المحلية.
وأشارت إلى أن مخزون البنزين يبلغ حالياً نحو مليوني طن متري، كما انخفضت أسعار الجملة في بورصة السلع الروسية بشكل ملحوظ عن مستوى سبتمبر، ولذلك جاء قرار إلغاء الحظر بعد تشبع السوق الداخلية بالوقود وتحقيق فائض في المعروض، بحسب وكالة "تاس" الرسمية.
وأوضح البيان أنه تم رفع القيود لتجنب زيادة المخزونات التي قد تؤدي إلى خفض عمليات التكرير خلال فصل الشتاء، والذي يشهد عادة تراجع الطلب على البنزين واستكمال أعمال الصيانة في المصافي. وقالت إن السلطات ستواصل مراقبة إنتاج البنزين وأسعار الوقود في السوق المحلية وقد تحظر التصدير مرة أخرى إذا لزم الأمر.