Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

لا حدود للغرابة في تعاطي السينما مع "متلازمة ستوكهولم"

تشير التسمية إلى رباط عاطفي بين الرهائن وآسريهم لكن الشاشة الكبيرة حلقت بها بعيداً من مفهومها الأصلي

بدأت هوليوود حكاية تحريف المتلازمة من خلال سلسلة أفلام "داي هارد" الشهيرة (السينما دوت كوم)

ملخص

 صنف الغرب هذه الحال منذ سبعينيات القرن الماضي تحت قائمة الأمراض النفسية، فكيف رأتها السينما؟

لم تتمكن السينما العالمية والعربية حتى الآن عبر مئات الأعمال من توضيح جوهر الحال العاطفية وملابسات ظهور "متلازمة ستكهولم" التي تتجلى في الواقع بين حين وآخر بصورة إنسانية عفوية محضة، إذ استطاعت مجموعات مختلفة من الناس في كل مكان وزمان إنشاء روابط نفسية وعاطفية معقدة من خلال هذه المتلازمة، بخاصة حين تم وضعهم في ظروف عنف قهرية دفعت بهم خارج الخطابات الاجتماعية العادية الساذجة، وبصورة فضحت هشاشة بعض الخطابات التقليدية والعلاقات الاجتماعية الباردة عاطفياً التي يريد متنفذون سياسيون وبعض أصحاب رؤوس الأموال ترسيخها عنوة لتحل مكان العلاقات الإنسانية التاريخية الحميمة.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وتشير هذه التسمية (متلازمة ستكهولم) إلى حال يطور فيها أشخاص محتجزون رابطاً عاطفياً مع آسريهم، ويعود أصلها لـ 23 من أغسطس (آب) 1973 عندما اقتحم يان إريك أولسن مصرفاً في وسط مدينة ستوكهولم مسلحاً برشاش مطلقاً عملية احتجاز رهائن ولدت مفهوماً بات معروفاً في كل أنحاء العالم، إذ شاهد الناس في كل مكان وقتها حالاً عاطفية غريبة نتجت من الحادثة، وتمثلت في تعاطف موظفي البنك (الرهائن) مع الخاطفين والتعاون معهم بدلاً من رجال الشرطة.

"استبدال" أنجلينا

عام 2008 أطلقت أنجلينا جولي نسخة جديدة من هذه الأعمال من خلال فيلم "استبدال" (CHANGELING) للمخرج والممثل الأسطوري كلينت إيستوود، والمأخوذ من قصة حقيقية وقعت أحداثها في لوس أنجليس عام 1928، إذ تتعرض الأم التي تحاول معرفة مصير ابنها المختطف إلى الاتهام بمقاومة الشرطة وتزج في مصحة نفسية، أي أنها تتهم بالجنون.

وتكمن أهمية العمل في كونه يحمل شرحاً ضمنياً عن كيفية تعامل المجتمع والقانون مع أهالي المختطفين في ما يعد أول نقد فعلي للخطاب الاجتماعي للدول الحديثة في التعامل مع قضايا الرهائن.

ووفق "استبدال" فإن المجتمع بكل طبقاته الفاسدة سياسياً واقتصادياً منخرط في تجاهل العلاقات الجديدة التي يفرضها المختطف على المجتمع لدرجة أنه يبطش بالضحية حين يعجز عن إلقاء القبض على الجاني.

 

 

وعرفت السينما "متلازمة ستوكهولم" بصورة مبسطة من خلال الفيلم الملحمي "داي هارد" لبروس ويلز عام 1988، لكن الفيلم قدم نسخة خاصة من هذه المتلازمة تحت عنوان "متلازمة هلسنكي" التي تختلف في نحتها وصياغتها عن المتلازمة الأصلية.

ومنذ ذلك التاريخ نسجت هوليوود وشاشات السينما العالمية والمحلية مئات القصص والروايات حول هذه المتلازمة، ولكن من وجهة نظر فنية ودرامية سطحية في كثير من الأحيان، إذ بدأت هوليوود حكاية تحريف المتلازمة من خلال الجزء الأول من سلسلة أفلام "داي هارد" الشهيرة وأعمال كثيرة مماثلة ركزت على تقديم شروحات جديدة للحال العاطفية على غرار "متلازمة هلنسكي" الخيالية وليس "ستوكهولم" الواقعية.

"خارج الحياة"

لكن الفارق بين المتلازمتين كبير، فالأولى خيالية بالكامل (سينمائية)، وقد استبدلت شخصية لص البنوك في "داي هارد" بشخصية الإرهابي، ويبدو تعاطف موظف البنك مع اللص حتى في حضور رجال الأمن والقانون أقرب إلى التصديق من قصة تعاطف الأشخاص مع الإرهابي.

ومع ذلك انتقلت الفكرة إلى بقية الشاشات ومنها الشاشة العربية من خلال فيلم "خارج الحياة" لمارون بغدادي عام 1991، والذي يحكي قصة تعاطف ثائر لبناني مع صحافي ودبلوماسي فرنسي أسير خطف في بيروت عام 1983.

وتحدث معظم حالات الخطف للأطفال والنساء وتتخذ الصفة الجنائية، وفي "خارج الحياة" يقوم بعض الثائرين بمحاولة ترويض للمختطف (روجر أوكي) لكن المحاولات تفشل، وفي النهاية يطلق سراح المواطن الفرنسي من دون مقابل.

 

 

ومن خلال الفيلم اقتادنا بغدادي إلى شرح جديد للمتلازمة من خلال المكان الشرقي، فالثائر يتفنن في وسائل نقل الرهينة عبر تكفينه وكتم صوته وأنفاسه فيقحمه في قطعة أثاث منزلي، وخلال التنقل لدواع أمنية يعيش الرهينة في منازل خاطفيه أحياناً، ويشكل علاقات لطيفة معهم ومع زوجاتهم وأولادهم.

وهنا ينتقل من كونه أسيراً لدى جماعة إلى كونه فرداً من أفراد أسرة الثائر، وفي نهاية الفيلم وبعد العودة لوطنه يترك روجر مائدة عشاء فاخرة أعدتها عائلته الفرنسية ليجري اتصالاً هاتفياً لا تجيب عليه عائلة خاطفيه.

وأخيراً تعود الجذور التاريخية الحقيقية لـ "متلازمة ستوكهولم" لحقبة بشرية قديمة، حين عمد الإنسان البدائي إلى قتل جميع أفراد عائلة المرأة التي يريد الاقتران بها، ومن ثم يسوقها إلى منزله لتعيش معه إلى الأبد.

ويقول علم النفس إن هذا الترابط المؤلم ما هو إلا وسيلة الضحية في التضامن مع المعتدي، وهي طريقة تنتهجها الضحية في الدفاع عن الذات، وهو ما يشبه الترابط الذي ينشأ بين بعض الثدييات المتطورة في الغابة بعد أن يقوم الذكر بقتل أطفال الأنثى ليتزاوج معها.

وحديثاً أطلق العلم هذا الاسم على أية حال من التعاطف تنتج بين الضحية وجلادها بفعل تحولات نفسية قاسية تطرأ على الرهينة وخاطفها، وصنف الغرب هذه الحال منذ سبعينيات القرن الماضي تحت قائمة الأمراض النفسية لأنها تعبر عن قصص غرام غريبة لأشخاص خطفوا ثم وقعوا في حب خاطفيهم وتعاطفوا معهم لدرجة أنهم لا يريدون إطلاق سراحهم.

المزيد من سينما