Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.
اقرأ الآن

"لا أمان في الفن" شعار نجوم حصنوا نفسهم من "غدر الزمن"

استثمروا أموالهم في مشاريع تجارية خوفاً من الإحجام عن التعامل معهم وانحسار الأضواء عنهم لصالح وجوه جديدة

فنانون جمعوا ثروات طائلة وآخرون ماتوا فقراء (موقع بي اكس هير)

ملخص

المطربون هم أكثر موهبة من الممثلين في إدارة أموالهم بسبب أجورهم العالية والعروض التي يتلقونها، فالممثل قد يشارك في عمل واحد أو اثنين سنوياً ويبقى لفترة طويلة بعدها من دون عمل

"الفن لا أمان له"... شعار يتبناه معظم الفنانين نتيجة تجارب شخصية عاشوها، أو نتيجة تجارب صعبة خاضها بعض كبار الفنانين الذين رحلوا وحيدين وفقراء، حتى أنهم عجزوا عن تأمين ثمن الدواء لمداواة أوجاعهم بعد أن خسروا كل شيء، بعد أن عاشوا نجومية استثنائية وصفق لهم جمهور عريض ومقربون لازموهم كالظل تحقيقاً لمنافعهم الشخصية عندما كانوا في عز نجوميتهم وتألقهم. وبعد تراجع الطلب عليهم والإحجام عن التعامل معهم وانحسار الأضواء عنهم لصالح وجوه جديدة، حلت مكانهم وخطفت منهم الشهرة والنجومية، وأكملوا حياتهم في العتمة منسيين. ويبدو أن الوضع الصعب الذي وصل إليه هؤلاء الكبار شكل هاجساً عند فئة من الفنانين، الذين يعملون على تحصين أنفسهم من خلال استثمار أموالهم في مشاريع تجارية بعيدة من الفن، تحسباً لغدر الزمن.

الفن موهبة

ولكن هناك فئة من الفنانين يرفضون الفكرة التي تقول "لا أمان للفن"، ويحملون المسؤولية للفنان نفسه من بينهم الممثلة المصرية سميرة عبدالعزيز، التي تؤكد أن "الفن موهبة وفيه أمان عندما يعتنقه الفنان بصدق مادياً ومعنوياً، والنهايات السيئة التي عاشها بعض الفنانين لا يمكن أن تحصل عندما يؤدي الفنان عمله بإخلاص لأن المنتجين سيتعاملون معه فهم لا يتخلوا إلا عن المهمل. وحتى التقدم في السن لا علاقة له بتراجع العروض ومن يعمل بجدية لا بد أن يستمر، ومن يقول إن الفن لا أمان له يردد هذا الكلام لأنه يصر على الأجور العالية لذا يبقى من دون عمل ويبتعد عن الساحة. أما من لا يهتم للمال فلن يتوقف عن العمل وبذلك يضمن فترة عجزه، وهذا الكلام ينطبق على الفنانات اللاتي كن نجمات قبل أن تنحسر عنهن الأضواء".


في المقابل ترفض عبدالعزيز لجوء بعض الفنانين للعمل في مجالات أخرى إلى جانب الفن كي يضمنوا مستقبلهم، وتردف "يجب على الفنان أن يتفرغ لفنه لكي يتقنه، ومن يزاول مهنة أخرى فلن يتقنه أبداً، لكن الجيل الحالي طماع مادياً وهو لن يستمر إلا إذا قدم تنازلات لأنه لن يجد دائماً من يشبعه مادياً. جيلنا كان وفياً للفن بصرف النظر عن العائد المادي، على عكس الجيل الحالي الذي يعتبر أن العائد المادي هو الأهم. أما من يعتبر أن الفن عرض وطلب ولا استمرارية فيه، فأقول له إن الفنان الذي يتقن عمله سيطلبه المنتجون، وأنا راضية مادياً ومعنوياً حتى أنني أتنازل عن أجري عندما يعجبني العمل. برأيي الحصانة الوحيدة للفنان تكمن بتقديم الفن الجيد وعدم الإهمال والقبول بما يتناسب مع شخصيته".

خبز وزيتون

لكن الممثلة اللبنانية ليليان نمري تعارضها الرأين إذ تقول "لا أمان في الفن لأن الفنان يتوقف عن العمل في عمر معين، أو يمكن أن تأتيه عروض غير مناسبة، أو يمكن أن يتعرض للمحاربة، ولأنني عاصرت خمسة أجيال فنية أقول "كل جديد له رهجة وكل عتيق له دفشة. الفنان المخضرم يتراجع سعره مع أنه يفترض العكس، وأنا اعتذرت في السنوات الأربع الأخيرة عن سبعة مسلسلات غير مناسبة احتراماً لمسيرتي الفنية لأنني أرضى بالخبز الزيتون والزعتر والزيت، ولا أرضى بدور يتعارض مع قناعاتي".


ولا تعرف نمري كيف يحصن الفنانون أنفسهم لكنها ترضى بما قسمه الله لها، حتى أنها لا تملك رصيداً في المصرف، وتضيف "عندما عاد المجد إلى قطاع التمثيل في لبنان عام 2018، ظننت أنني بدأت أرتاح وسأضمن شيخوختي، ولكن الظروف عاكستني كما كل اللبنانيين بسبب انهيار الليرة. حاولت أن أسس مشروعي الخاص ولكنني الخوف من المجازفة وخسارة المبلغ الصغير الذي أملكه منعني من ذلك، ومع ذلك لا أشعر بالغبن لأنني شخص قنوع. ولكن هذا الشعور يراودني عندما أكتشف أن ممثلاً تقاضى أربعة أضعاف أجري مقابل دور لم يترك أثراً في نفس المسلسل شاركت فيه بدور حظي بإعجاب كل الناس".

العيش بكرامة

في المقابل لا تنكر الممثلة اللبنانية جوليا قصار أنها تشعر "بالوجع تجاه الفنانين الذين عانوا في نهاية عمرهم مع أنهم أفنوا حياتهم في سبيل الفن"، بحسب قولها، وتقول "لا أمان في كل شيء وليس في الفن وحده، ويفترض بالفنان أن ينظم حياته لكي يعيش بكرامة، كما يفترض بالدولة أن تهتم بمن أعطى بحب وإخلاص. أنا حالفني الحظ كوني أدرس في كلية الفنون إلى جانب التمثيل ومستمرة في كلا المجالين مع أن الأمان لا يكمن في المال وحده، خصوصاً في الظروف الصعبة التي نعيشها".

كما تؤكد أن من اختار الفن يعرف أخطاره ويعرف أن الطلب عليه سيتراجع في يوم من الأيام، لذا عليه أن يعرف كيفية اختيار خطواته وتأدية عمله والتخطيط لمستقبله كي يكفي نفسه ولا يحتاج إلى الآخرين. ومن أبرز هذه الأخطار أن لا استمرارية فيه، والجيل الجديد يدرك ذلك جيداً، ويبادر إلى القيام بمشاريع مختلفة على المستوى الإنتاج والكتابة، ولا يحصر نفسه بعروض التمثيل فقط".


الحياة "غدارة"

بدوره يتبنى النجم اللبناني غسان صليبا شعار "لا أمان في الفن" على المستويين المادي والمعنوي، إذ يوضح أن "الفن ليس وظيفة ثابتة ولا تعويض نهاية خدمة فيه، بل هو يخضع لظروف الفنان الشخصية وظروف عمله. ويمكن أن يعاكسه التيار لأنه لا يقدم فناً شعبياً مع أن حكومات العالم تدعم نوع الفن الذي أقدمه، على عكس دول العالم الثالث التي يطغى فيها الفن التجاري. ومن يتعاطى الفن الملتزم يجب أن يكون حريصاً إذ لا شيء يدوم لا الشهرة ولا الهالة ولا النجومية، ويجب ألا يغره النجاح وأن يفكر بالمستقبل لأن الحياة غدارة".

ويحصن صليبا نفسه بالتواضع والحرص على مقتنياته وعدم البذخ  والاستمرار بالعمل والحياة، ويشير إلى أنه كان افتتح مطعماً لكنه اضطر إلى الانسحاب بسبب ظروف عمله وعدم قدرته على الوجود فيه، ويضيف "تعلمت من تجارب من كانوا في أوج عزهم ثم تغيرت أحوالهم، من بينهم صباح التي جمعت ثروة طائلة وأنهت حياتها فقيرة بسبب استغلال أزواجها لها بحسب ما أسمع، لكنني لا أشعر بالندم لأنني اخترت الفن لأن مسيرتي تضم أعمالاً مهمة وراقية، وكنت بطلاً في أهم مسرح في لبنان والعالم العربي، وغنيت لكبار الملحنين والكتاب وأعمالي مستمرة، وأنا فخور بكل ما قدمته والسعادة ليست بالمال فقط بل بالقناعة وبكيفية النظرة إلى الحياة".


مبادرات فردية

الصحافي والناقد أندريه داغر يعتبر أن عبارة "لا أمان في الفن" عبارة لطالما رددها الفنانون وخصوصاً من الجيل الماضي الذين تبنوا شعار "الفن للفن وليس للمال"، ورحل معظمهم وحيدين فقراء ولم يجدوا العون إلا من بعض المبادرات الفردية. صباح ماتت فقيرة، ووديع الصافي لم يكن بوضع مادي جيد، وصباح فخري مثلهما، واليوم هناك كثير من الفنانين الذين يتحدثون عن وضعهم المادي السيئ. لكن الفنانين الحاليين عرفوا كيف يحصنون أنفسهم بالاستثمار في مشاريع بعيدة من الفن ويدخرون قرشهم الأبيض ليومهم الأسود خوفاً من غدر الزمان، لأنهم يعرفون أن الجميع سيتخلى عنهم عندما يأفل نجمهم. والمطربون هم أكثر موهبة من الممثلين في إدارة أموالهم بسبب أجورهم العالية والعروض التي يتلقونها، فالممثل قد يشارك في عمل واحد أو اثنين أو ثلاثة أعمال سنوياً ويبقى لفترة طويلة بعدها من دون عمل.

اقرأ المزيد

كما يرى أن بعض الفنانين الذي فقدوا أموالهم الطائلة بالتبذير، في المقابل هناك فنانون تراجعت أوضاعهم المادية لأنهم لا يقدمون سوى العروض التي تتناسب وقناعتهم، ودفعوا الثمن باهظاً بعد توقف المسرح وفي مقدمتهم غسان صليبا الذي كان البطل الدائم والوحيد في المسرح الرحباني من بعد وديع الصافي ونصري شمس الدين، بينما آثرت كارول سماحة الابتعاد، وصرحت بأنها لو حصرت تجربتها في المسرح الرحباني لما كانت وصلت إلى ما هي عليه اليوم.

المزيد من ثقافة